الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله ولو قال قاض عدل عالم قضيت على هذا بالرجم أو بالقطع أو بالضرب فافعله وسعك فعله ) ; لأن طاعة أولي الأمر واجبة بالآية الشريفة وتصديقه طاعة له قيد بعدالته وعلمه لتنتفي عنه التهمة فإن كان عدلا جاهلا يستفسر فإن أحسن الشرائط وجب تصديقه وإلا لا وكذا إن كان فاسقا إلا أن يعاين الحجة لاحتمال الخطأ أو الخيانة ولا يمين على القاضي وما ذكره المصنف قول الماتريدي وفي الجامع الصغير لم يقيده بهما ثم رجع محمد فقال لا يأخذ بقوله إلا أن يعاين الحجة أو يشهد بذلك مع القاضي عدل وبه أخذ مشايخنا لفساد أكثر قضاة زماننا والتدارك غير ممكن كذا في الشرح وفي العناية لا سيما قضاة زماننا ; لأن أكثرهم يتولون بالرشا فأحكامهم باطلة ومعناه أن يشهد القاضي والعدل على شهادة الذين شهدوا بسبب الحد لا حكم القاضي وإلا كان القاضي شاهدا على فعل نفسه كذا في فتح القدير واستثنى في الهداية من هذا الكلي كتاب القاضي إلى القاضي لضرورة إحياء الحقوق ولأن الخيانة في مثله قلما تقع . ا هـ .

                                                                                        فظاهر الاقتصار على كتاب القاضي أن القاضي لا يقبل قوله فيما عداه سواء كان قتلا أو قطعا أو ضربا كما في الكتاب أو غيرها فلو قال قضيت بطلاقها أو بعتقه أو ببيع أو نكاح أو إقرار لم يقبل قوله .

                                                                                        والحاصل أن الإمام محمدا لما رجع عن القول بقبول قوله إلا أن يعاين الحجة لم يجزه المشايخ على إطلاقه فمنهم من زاد أو يشهد بذلك مع القاضي عدل وهو رواية عنه وقد استبعده في فتح القدير بكونه بعيدا في العادة وهو شهادة القاضي عند الجلاد ومنهم من استثنى كتاب القاضي كما قد علمت والاكتفاء بالواحد على هذه الرواية في حق يثبت بشاهدين وإن كان في زنا فلا بد من ثلاثة أخر كذا ذكره الإسبيجابي ، وأما الإمام أبو منصور الماتريدي فقيده بغير العالم العدل أما من كان متصفا بهما فيقبل قوله ; لأن عدم الاعتماد إنما علل بالفساد والغلط وهو منتف في العالم العدل وذكر الإسبيجابي أن المسألة مصورة عند أبي حنيفة في القاضي العالم العدل ; لأنه إذا كان غير هذا لا يولى القضاء ولا يؤتمر بأمره بالاتفاق . ا هـ .

                                                                                        فما قاله أبو منصور كشف عن مذهب الإمام فلهذا اختاره في الكتاب وفي التهذيب ويصدق القاضي فيما قال من التصرف في الأوقاف وأموال اليتامى والغائبين من أداء وقبض وإذا رفع إلى القاضي أنك حكمت على فلان بكذا وهو غائب لم يصدق فيه ا هـ .

                                                                                        وفي جامع الفصولين من الفصل العاشر وروى ابن سماعة أن القاضي لا يقضي بعلمه أقول : ينبغي أن يفتى به في غير كتاب القاضي لمعنى ظاهر في أكثر قضاة الزمان أصلح الله شأنهم ورأيت في عيون [ ص: 54 ] المذاهب أنه لو قال قاض عدل عالم حكمت على هذا بالرجم أو بالقطع فافعله وسعك أن تفعله إلا عند مالك والشافعي في قول ومحمد في رواية وبه يفتى . ا هـ .

                                                                                        فقد ثبت أن الفتوى على ما رجع إليه محمد لكن رأيت بعد ذلك في شرح أدب القضاء للصدر الشهيد أنه صح رجوع محمد إلى قول أبي حنيفة وأبي يوسف رواه هشام عنه ا هـ .

                                                                                        والحاصل المفهوم من شرح الصدر الشهيد أن الشيخين قالا بقبول إخباره عن إقراره بشيء لا يصح رجوعه عنه مطلقا وأن محمدا أولا وافقهما ثم رجع عنه وقال لا يقبل إلا بضم رجل آخر عدل إليه وهو المراد بقول من روي عنه أنه لا يقبل مطلقا ثم صح رجوعه إلى قولهما ، وأما إذا أخبر القاضي بإقراره عن شيء يصح رجوعه عنه كالحد لم يقبل قوله بالإجماع وإن أخبر عن ثبوت الحق بالبينة فقال قامت بذلك بينة وعدلوا وقبلت شهادتهم على ذلك تقبل في الوجهين جميعا ا هـ .

                                                                                        ثم اعلم أن القاضي إذا قضى بشيء ينبغي له أن يشهد على قضائه سواء كان ببينة أو بإقرار مطلقا إلى آخر ما ذكره الصدر الشهيد ولا بد من إشهاده عليه في محل ولايته فلو أشهد على قضائه بعدما خرج من المصر لم يسع الشاهدين الشهادة وإن بينا لم يقبلا كما ذكره الحصيري في شرح الجامع الكبير

                                                                                        [ ص: 53 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 53 ] ( قوله ; لأن طاعة أولي الأمر واجبة ) قال العلامة البيري في أواخر شرحه على الأشباه والنظائر عند الكلام على شروط الإمامة ثم إذا وقعت البيعة من أهل الحل والعقد صار إماما يفترض إطاعته كما في خزانة الأكمل وفي شرح الجواهر تجب إطاعته فيما أباحه الدين وهو ما يعود نفعه إلى العامة كعمارة دار الإسلام والمسلمين مما تناوله الكتاب والسنة والإجماع ا هـ .

                                                                                        وفي النهاية وغيرها روي عن أبي يوسف لما قدم بغداد صلى بالناس العيد وكلفه هارون الرشيد وكبر تكبير ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وروي عن محمد هكذا وتأويله أن هارون أمرهما أن يكبرا تكبير جده ففعلا ذلك امتثالا لأمره وقد نصوا في الجهاد على امتثال أمره في غير معصية وفي التتارخانية عن المحيط إذا أمر الأمير أهل العسكر بشيء فعصاه في ذلك واحد فالأمير لا يؤدبه في أول وهلة ولكن ينصحه حتى لا يعود إلى مثل ذلك بلا عذر فإن عصاه بعد ذلك أدبه إلا إذا بين في ذلك عذرا فعند ذلك يخلي سبيله ولكن يحلفه بالله تعالى لقد فعلت هذا بعذر ا هـ .

                                                                                        وقد أخذ البيري من مجموع هذه النقول أنه لو أمر أهل بلدة بصيام أيام بسبب الغلاء أو الوباء وجب امتثال أمره والله تعالى أعلم ( قوله وكذا إن كان فاسقا ) معطوف على المنفي المقدر بعد إلا والمعنى وإلا يحسن الشرائط أو كان فاسقا لا يجب تصديقه إلا أن يعاين الحجة ( قوله لم يقيده بهما ) أي بالعدالة والعلم ( قوله لما رجع عن القول بقبول قوله إلا أن يعاين الحجة ) الصواب إبدال عن بإلى كما لا يخفى بأدنى تأمل [ ص: 54 ] ( قوله إن الشيخين قالا بقبول أخباره عن إقراره ) أي إخبار القاضي عن إقرار الخصم بما لا يصح رجوع المقر عنه كالقصاص وحد القذف والأموال والطلاق وسائر الحقوق .




                                                                                        الخدمات العلمية