ومن العلماء من قال : إن الحسن رضي الله عنه لم يسلم له اختيارا ، وإنما سلم له لما رأى ما يقع بينهما من قتل المسلمين من كل من الطائفتين فكان مضطرا كما في المسايرة وفي المعراج انعقد الإجماع على بيعة حين سلم له معاوية الحسن ، وما ذكر المؤلف من جواز التقليد من الجائر مقيد بما إذا كان يمكنه من القضاء بالحق .
أما إذا لم يمكنه فلا كما في الهداية ; لأن المقصود لا يحصل به ، والعادل هو الواضع كل شيء في موضعه ، وقيل هو المتوسط بين طرفي الإفراط والتفريط سواء كان في العقائد أو في الأعمال أو في الأخلاق ، وقيل الجامع بين أمهات كمالات الإنسان الثلاثة ، وهي الحكمة والشجاعة والعفة التي هي أوساط القوى الثلاث أعني القوة العقلية والغضبية والشهوانية وقيل المطيع لأحكام الله تعالى وقيل المراعي لحقوق الرعية ذكره الكرماني في شرح قوله عليه الصلاة والسلام إمام عادل ، والعدل في اللغة القصد في الأمور وهو خلاف الجور ، وذكر الصدر الشهيد في شرح أدب القضاء للخصاف أن رضي الله عنه سئل عن العدل وهو على المنبر فقال على البديهة أبا بكر
العدل أن تأتي إلى أخيكا ما مثله أن يرضيكا
وأطلق في الجائر فشمل المسلم والكافر كما ذكره مسكين معزيا إلى الأصل ، وظاهره صحة سلطنة الكافر على المسلمين وصحة توليته للقضاة وفي فتح القدير ما يخالفه ، قال وإذا لم يكن سلطان ولا من يجوز التقليد منه كما هو في بعض بلاد المسلمين غلب عليهم الكفار في بلاد المغرب كقرطبة الآن وبلنسية وبلاد الحبشة ، وأقروا المسلمين عندهم على مال يؤخذ منهم يجب عليهم أن يتفقوا على واحد منهم يجعلونه واليا فيولى قاضيا ويكون هو الذي يقضي بينهم ، وكذا ينصبون إماما يصلي بهم الجمعة . ا هـ .ويؤيده ما في جامع الفصولين ، وكل مصر فيه وال مسلم من جهة الكفار يجوز من إقامة الجمع والأعياد وأخذ الخراج وتقليد القضاء وتزويج الأيامى لاستيلاء المسلم عليهم ، وأما طاعة الكفرة فهي موادعة ومخادعة ، وأما في بلاد عليها ولاة الكفار فيجوز للمسلمين إقامة الجمع والأعياد ، ويصير القاضي قاضيا بتراضي المسلمين ، ويجب عليهم طلب وال مسلم ا هـ .
وتصريحه بجواز التقلد من الجائر يدل على أن البغاة إذا ولوا قاضيا ، ثم جاء أهل العدل فرفعت قضاياه إلى قاضي أهل العدل فإنه يمضي حيث كان موافقا أو مختلفا فيه كما في [ ص: 299 ] سائر القضاة ، وهو مصرح به في فصول العمادي ويدل بمفهومه على أن القاضي لو كان من البغاة فإن قضاياه تنفذ كسائر فساق أهل العدل ; لأن الفاسق يصلح قاضيا في الأصح ، وذكر في الفصول ثلاثة أقوال فيه الأول ما ذكرناه ، وهو المعتمد الثاني عدم النفاذ فإذا رفع إلى العادل لا يمضيه الثالث حكمه حكم المحكم يمضيه لو وافق رأيه وإلا أبطله . ا هـ .
وأشار المؤلف بصحة التقليد من الجائر عادلا كان القاضي أو باغيا إلى صحة عزل الباغي لقضاة أهل العدل وفي الفصول بمجرد استيلاء الباغي لا تنعزل قضاة العدل ، ويصح عزل الباغي لهم حتى لو انهزم الباغي بعده لا تنفذ قضاياهم بعده ما لم يقلدهم سلطان العدل ثانيا إذ الباغي صار سلطانا بالقهر والغلبة ا هـ .
وفي شرح باكير فيما يصح تعليقه وما لا يصح قبيل الصرف .
اعلم أنه لا بد أن يكون الإمام مكلفا حرا مسلما عدلا مجتهدا ذا رأي وكفاية سميعا بصيرا ناطقا ، وأن يكون من قريش وللإمام فيه منع ، وإن لم يوجد فمن العجم ، وتنعقد بيعة أهل الحل والعقد من العلماء المجتهدين والرؤساء لما عرف ا هـ .
وتكفي مبايعة واحد وقيل لا بد من الأكثر ، وقيل لا يلزمه عدد وتمامه في المسايرة وعرف المحقق الإمامة العظمى في المسايرة بأنها استحقاق تصرف عام في الدين والدنيا على المسلمين ، وظاهره أنه لا بد في الإمام من عموم ولايته ولذا قالوا : لا يجوز اجتماع إمامين في زمن واحد وقدمنا أولا عن الخانية بماذا يكون سلطانا .