قوله ( ومن لم يقبل ) لأن المكفول به مال يقضي به وهذا في لفظ القضاء ظاهر وكذا في الأخرى ; لأن معنى ذاب تقرر وهو وبالقضاء إذ المضمون مال يقضى به وهذا ماض أريد به المستقبل كقوله أطال الله بقاءك والدعوى على الكفيل غير مقيدة بأن المال وجب على الأصيل بعد الكفالة بل يحتمل أنه بعدها كما يحتمل أن يكون قبلها فلا تصح ، وحاصله أنه قضاء على الغائب وهو الأصيل من غير خصم عنه وجزمهم هنا بعدم القبول ينبغي أن يكون على الرواية الضعيفة أما على أظهر الروايتين المفتى به من نفاذ القضاء على الغائب فينبغي النفاذ ولم أر من نبه عليه هنا بقوله برهن أن له على المطلوب ; لأنه لو ادعى الوجوب بعد الكفالة بأن قال حكم لي عليه القاضي فلان بكذا بعد الكفالة وبرهن قبل لدخوله تحت الكفالة وأشار كفل عن رجل بما ذاب له عليه أو بما قضي له عليه فغاب المطلوب فبرهن المدعي على الكفيل أن له على المطلوب ألفا المؤلف إلى أن الكفيل لو أقر على الأصيل بألف لم تجب على الكفيل ; لأن إقراره لا يوجب على الأصيل شيئا فلم يجب به على الكفيل .
قوله ( ولو قضي به عليهما ولو بلا أمر قضي على الكفيل فقط ) وإنما قبل البرهان هنا لأن [ ص: 258 ] المكفول به مال مطلق ، بخلاف ما تقدم وإنما يختلف بالأمر وعدمه لأنهما يتغايران لأن الكفالة بالأمر تبرع ابتداء ومعاوضة انتهاء وبغير أمر تبرع ابتداء وانتهاء فبدعواه أحدهما لا يقضى له بالآخر ، وإذا قضي بها بالأمر يثبت أمره وهو يتضمن الإقرار بالمال فيصير مقضيا والكفالة بأمر لا تمس جانبه ; لأنه يعتمد صحتها قيام الدين في زعم الكفيل فلا يتعدى إليه في الكفالة بأمر يرجع الكفيل بما أدى على الآمر ، وقال برهن أن له على زيد كذا وأنه كفيل عنه بأمره : لا يرجع لأنه لما أنكر فقد ظلم في زعمه فلا يظلم غيره ونحن نقول صار مكذبا شرعا فبطل ما زعمه قيد بقوله له على زيد كذا وإن هذا كفيل عنه يعني بهذا المقدار ; لأن الكفالة لو كانت مطلقة نحو أن يقول كفلت بمالك على فلان فإن القضاء على الكفيل قضاء على الأصيل سواء كانت بأمره أو بغير أمره ; لأن الطالب لا يتوصل إلى إثبات حقه على الكفيل إلا بعد إثباته على الأصيل لما ذكرنا أن القول قول الكفيل أنه ليس للطالب على الأصيل شيء ، وإذا كان كذلك صار الكفيل خصما عنه وإن كان غائبا والمذهب عندنا أن زفر لا يجوز إلا إذا ادعى على الحاضر حقا لا يتوصل إليه إلا بإثباته على الغائب قال مشايخنا وهذا طريق من أراد إثبات الدين على الغائب من غير أن يكون بين الكفيل والغائب اتصال . القضاء على الغائب
وكذا إذا خاف الطالب موت الشاهد يتواضع مع رجل ويدعي عليه مثل هذه الكفالة فيقر الرجل بالكفالة وينكر الدين فيقيم المدعي البينة على الدين فيقضى به على الكفيل والأصيل ثم يبرئ الكفيل .
والحاصل أنها على أربعة أوجه مطلقة عن المقدار ومقيدة به وكل على وجهين : إما بالأمر أو بعدمه فلا تفصيل في المطلقة وهي الحيلة في القضاء على الغائب والتفصيل في المقيدة ولا تصلح للحيلة ; لأن شرط التعدي إلى الغائب كونها بأمره والحوالة على هذه الوجوه ، وفي فتاوى قاضي خان بعد أن ذكر أن الكفالة المطلقة وهي الحيلة في الإثبات على الغائب قال وليس هو القضاء على المسخر لأن المدعي صادق في دعواه على الكفيل ثم يبرئ المدعي الكفيل عن المال والكفالة ويبقى المال له على الغائب . ا هـ .
ومن هنا علم أن ما ذكره الشارح فيما يأتي في شرح قوله ولا يقضى على غائب إلا أن يكون ما يدعي على الغائب سببا لما يدعي على الحاضر أن من الصور الكفالة المقيدة بألف درهم إلى آخره سهو ظاهر وإنما هو في المطلقة وسيأتي التنبيه عليه في محله إن شاء الله تعالى .
[ ص: 257 ]