الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قوله ( ولو كان مضاربا بالنصف يبيعه رب المال باثني عشر ونصف ) لأن هذا البيع ، وإن قضي بجوازه عندنا عند عدم الربح خلافا لزفر مع أنه يشتري ماله بماله لما فيه من استفادة ولاية التصرف ، وهو مقصود ، والانعقاد يتبع الفائدة ففيه شبهة العدم ألا ترى أنه وكيل عنه في البيع الأول من وجه فاعتبر البيع الثاني عدما في حق نصف الربح ، ولم يذكر المصنف والشارح ما إذا كان البائع رب المال ، والمشتري المضارب ، وقد سوى بينهما في السراج الوهاج فقال ولو اشترى من مضاربه أو مضاربه منه فإنه يبيعه مرابحة على أقل الضمانين وحصة المضارب من الربح لكن لو قال وحصة الآخر لكان أولى ليشمل رب المال ، ولكن قال بعده لو اشترى من رب المال سلعة بألف تساوي ألفا وخمسمائة فباعها من المضارب بألف وخمسمائة فإن المضارب يبيعها مرابحة على ألف ومائتين وخمسين إلا أن يبين . ا هـ .

                                                                                        وذكر المصنف في كتاب المضاربة تبعا لما في الهداية وإن اشترى من المالك بألف عبدا اشتراه بنصفه رابح بنصفه ، وعلله في الهداية من المضاربة بأن هذا البيع يقضى بجوازه لتغاير المقاصد دفعا للحاجة ، وإن كان بيع ملكه بملكه إلا أن فيه شبهة العدم ومبنى المرابحة على الأمانة والاحتراز عن شبهة الخيانة فاعتبر أقل الثمنين ا هـ .

                                                                                        وهذا لا يخالف مسألة الكتاب هنا لأنها فيما إذا كان البائع المضارب من رب المال ، وفي المضاربة فيما إذا كان رب المال هو البائع من المضارب ، ولكن يحتاج إلى الفرق ، وكأنه إنما لم يضم المضارب نصيب رب المال لما في البناية أن العقدين وقعا لرب المال ، ولم يقع للمضارب منه إلا قدر مائة فوجب اعتبار هذه المائة ، وفيما يقع لرب المال لم يعتبر الربح لاحتمال بطلان العقد الثاني . ا هـ .

                                                                                        ومن العجب قول الشارح الزيلعي في المضاربة في شرح قوله ، وإن اشترى من المالك إلى آخره ، ولو كان بالعكس بأن اشترى المضارب عبدا بخمسمائة فباعه من رب المال بألف يبيعه مرابحة على خمسمائة لأن البيع الجاري بينهما كالمعدوم فتبنى المرابحة على ما اشتراه به المضارب كأنه اشتراه له ، وناوله إياه من غير بيع . ا هـ .

                                                                                        وهو سهو لمخالفته الرواية في باب المرابحة وكتاب المضاربة ، وقد صرح في الهداية في الموضعين بضم حصة المضارب إلى رأس المال [ ص: 123 ] وهو تناقض منه أيضا لموافقته على ذلك ، وتصريحه بالضم في بابها ، ولم أر له سلفا ، ولا من نبه على ذلك في الموضعين ، وقد كنت قديما في ابتداء اشتغالي حملت كلام الزيلعي في المضاربة على أنه اشترى ببعض رأس المال ، وكلامهم في باب المرابحة على ما إذا اشترى المضارب بالجميع لتصريحه في المبسوط بأن الربح لا يظهر إلا بعد تحصيل رأس المال ا هـ .

                                                                                        فإذا كان رأس المال ألفا واشترى بنصفها عبدا وباعه بألف لم يظهر الربح لعدم الزيادة على رأس المال لاحتمال هلاك الخمسمائة الباقية فإذا لم يظهر الربح فلا شيء للمضارب حتى يضم ، وأما إذا اشترى بالألف وباعه بألف وخمسمائة فقط ظهر الربح فتضم حصة المضارب إلى المال ، وهذا التقرير إن شاء الله تعالى من خواص هذا الشرح بحوله وقوته .

                                                                                        [ ص: 122 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 122 ] ( قوله ولكن يحتاج إلى الفرق ) لا يخفى أن الفرق واضح ، وذلك أنه إذا كان المضارب بائعا من رب المال فقد حصل في مال المضاربة ربح للمضارب ورب المال فإذا باع رب المال ما اشتراه مرابحة لا يضم نصيبه من الربح للشبهة كما مر أما إذا كان بالعكس لم يحصل في مال المضاربة ربح أصلا لكن لما كان في هذا البيع شبهة العدم لكونه بيع ملكه بملكه اعتبر أقل الثمنين كما علله في الهداية هكذا قرره شيخنا أطال الله بقاءه ثم رأيته طبقا لما في النهر حيث قال بعد توفيق المؤلف الآتي ، وأقول : لا تحرير في هذا الكلام ، والتحقيق أن يقال إنما ضمت حصة المضارب هنا لظهور الربح ببيعه لرب المال ، وإن كان مشتريا من رب المال لم يظهر ربح ، ولذا جزم في المضاربة بأن المضارب يبيعه مرابحة على ما اشترى رب المال . ا هـ .

                                                                                        ( قوله وقد صرح في الهداية في الموضعين ) أي صرح في هذا الباب ، وفي كتاب المضاربة بضم حصة المضارب إلى رأس المال في صورة ما إذا اشترى رب المال من مضاربه ، وقوله وهو تناقض منه أي من الزيلعي أيضا أي مع كونه سهوا لتصريحه بذلك في هذا الباب ، وظن في النهر أن الضمير في قوله ، وهو تناقض منه راجع لصاحب الهداية فقال وكون صاحب الهداية تناقض وهم فاحش إذ قد أعاد المسألة في المضاربة ، وجزم بأن المضارب إذا كان بائعا ضم رب المال حصته أي حصة المضارب إلى رأس المال ، وإن كان مشتريا فلا ضم أصلا .

                                                                                        وظاهر أن عدم ضم حصة رب المال في المسألتين لما فيه من شبهة أنه اشترى أو باع ماله بماله . ا هـ .

                                                                                        وهو عجيب فإن المؤلف قدم قريبا أن ما ذكره المصنف في كتاب المضاربة متابع فيه لما في الهداية فكيف يقول هنا إنه تناقض فليس مراده إلا ما قلناه من أن الضمير للزيلعي ، والله تعالى أعلم ، وقد حمل في النهر ما ذكره الزيلعي على [ ص: 123 ] رواية ، وقال أيضا وفي السراج من أنه يضم يعني المضارب حصته هنا أيضا فمخالف لصريح الرواية التي جزم بها المصنف تبعا لصاحب الهداية في المضاربة ا هـ أي من أنه يرابح على أقل الثمنين كما مر ، وأقول : ما ذكره الشارح الزيلعي ليس محمولا على رواية كما قال وما ذكره في السراج غير مخالف لصريح الرواية فإن في المسألة تفصيلا ، وكلام كل منهما لا يخرج عن بعض وجوه ذلك التفصيل ، وبيان ذلك يحتاج إلى نقل ما ذكره المؤلف في كتاب المضاربة برمته ليتضح الحال ويزول الإشكال بعون الملك المتعال ، ونصه قوله وإن اشترى من المالك بألف عبدا اشتراه بنصفه رابح بنصفه أي لو اشترى المضارب من رب المال بألف المضاربة عبدا قيمته ألف ، وقد اشتراه رب المال بنصف الألف يبيعه المضارب مرابحة بما اشتراه رب المال .

                                                                                        ولا يجوز أن يبيعه مرابحة على ألف لأن بيعه من المضارب كبيعه من نفسه ، وكذا لو اشتراه رب المال بألف وقيمته ألف ، وباعه من المضارب بخمسمائة ، ومال المضاربة ألف فإنه يبيعه مرابحة على خمسمائة قيدنا بكونه لا فضل في قيمة المبيع والثمن على رأس مال المضاربة لأنه لو كان فيهما فضل بأن اشترى رب المال عبدا بألف قيمته ألفان ثم باعه من المضارب بألفين بعدما عمل المضارب في ألف المضاربة وربح فيها ألفا فإنه يبيعه مرابحة على ألف وخمسمائة ، وكذا إذا كان في قيمة المبيع فضل دون الثمن بأن كان العبد يساوي ألفا وخمسمائة فاشتراه رب المال بألف فباعه من المضارب بألف يبيعه المضارب مرابحة على ألف ومائتين ، وأما إذا كان في الثمن فضل على رأس المال ولا فضل في قيمة المبيع بأن اشترى رب المال عبدا بألف قيمته ألف باعه من المضارب بألفين فإنه يبيعه مرابحة على ألف فهو كمسألة الكتاب فالحاصل أن هذه المسألة على أربعة أقسام قسمان لا يرابح فيهما إلا على ما اشترى به رب المال ، وهما إذا كان لا فضل فيهما أو لا فضل في قيمة المبيع فقط ، وقسمان يرابح على ما اشترى به رب المال وحصة المضارب ، وهما إذا كان فيهما فضل أو في قيمة المبيع فقط ، وهذا إذا كان البائع رب المال ، .

                                                                                        وأما إذا كان البائع المضارب فهو على أربعة أقسام أيضا الأول أن لا يكون فضل فيهما بأن كان رأس المال ألفا فاشترى منها المضارب عبدا بخمسمائة قيمته ألف وباعه من رب المال بألف فإن رب المال يرابح على ما اشترى به المضارب ، الثاني أن يكون الفضل في قيمة المبيع دون الثمن فإنه كالأول ، الثالث أن يكون فيهما فضل فإنه يرابح على ما اشترى به المضارب وحصة المضارب ، الرابع أن يكون الفضل في الثمن فقط ، وهو كالثالث كذا في المحيط مختصرا ، وقال الشارح الزيلعي ولو كان بالعكس بأن اشترى المضارب عبدا بخمسمائة فباعه من رب المال بألف يبيعه مرابحة على خمسمائة ، ولا شك أن هذه الصورة هي القسم الأول في كلام المحيط فليس كلامه هنا مخالفا لما ذكره هو بنفسه في باب المرابحة أنه يضم حصة المضارب ، وقد اشتبهت هذه المسألة على كثير حتى زعموا أنه وقع منه تناقض ، وليس كذلك بل ما ذكره هنا هو الوجه الأول في كلام المحيط ، وهو أنه لا فضل في الثمن وقيمة المبيع على رأس المال ، وما ذكره في باب المرابحة هو القسم الثالث والرابع في كلام المحيط كما لا يخفى ، ولهذا صوروا المسألة هناك بأن معه عشرة بالنصف فاشترى ثوبا بعشرة وباعه من رب المال بخمسة عشر قالوا يبيعه مرابحة باثني عشر ونصف ا هـ . كلام المؤلف رحمه الله تعالى في كتاب المضاربة فهذا هو الجواب الصحيح عن الزيلعي .

                                                                                        ولم يتعرض لكلام السراج هنا ولا هناك ، ولا شك أن ما ذكره في السراج بقوله لو اشترى رب المال سلعة إلخ هو ما ذكره المؤلف عن المحيط في القسم الأول من أنه لو كان فيهما فضل بأن اشترى رب المال عبدا بألف قيمته ألفان إلى آخر ما قدمناه ، والله تعالى الموفق لا رب سواه .




                                                                                        الخدمات العلمية