الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله ولكل منهما فسخه ) أي يجوز لكل من البائع والمشتري في البيع الفاسد فسخه رفعا للفساد ، وذكر الزيلعي أن اللام بمعنى على لأن رفع الفساد واجب ، ولا حاجة إليه لأنه حكم آخر ، وإنما مراده بيان أن لكل منهما ولاية الفسخ دفعا لتوهم أنه إذا ملك بالقبض لزم فإن كان قبل القبض فلكل ذلك بعلم صاحبه لا برضاه ، وإن كان بعد القبض فإن كان الفساد في صلب العقد بأن كان راجعا إلى البدلين المبيع ، والثمن كبيع درهم بدرهمين ، وكالبيع بالخمر أو الخنزير فكذلك ، وإن كان بشرط زائد كالبيع إلى أجل مجهول أو بشرط فيه نفع لأحدهما فكذلك عندهما لعدم اللزوم ، وعند محمد لمن له منفعة الشرط ، ولم يشترط أبو يوسف علم الآخر ، واقتصر في الهداية على قول محمد ، ولم يذكر خلافا ، واعلم أن قوله لمن له منفعة الشرط يقتضي أن للمعقود عليه الآدمي أن يفسخه إذا كان الشرط له كما قدمناه ، وهو بعيد لقولهم لكل منهما فسخه فليتأمل ، وفي القنية رده المشتري بفساد البيع فلم يقبله فأعاده المشتري إلى منزله فهلك عنده لا يلزمه الثمن ، ولا القيمة ، وقيده ابن سلام بأن يكون فساد البيع متفقا عليه فإن كان مختلفا فيه لا يبرأ إلا بقبوله أو قضاء القاضي .

                                                                                        وقال أبو بكر الإسكاف يبرأ في الوجهين ، وما قاله ابن سلام أشبه كخيار البلوغ ، وفسخ الإجارة للعذر ا هـ .

                                                                                        وفيها تبايعا فاسدا ثم مات أحدهما فلورثته النقض . ا هـ .

                                                                                        وفي البزازية باع منه صحيحا ثم باعه فاسدا منه انفسخ الأول لأن الثاني لو كان صحيحا ينفسخ الأول به فكذا لو كان فاسدا لأنه ملحق بالصحيح في كثير من الأحكام ، وكذا لو باع المؤجر المستأجر من المستأجر فاسدا تنفسخ الإجارة كما إذا باعه صحيحا ا هـ .

                                                                                        [ ص: 103 ] ثم قال ولو باع فاسدا ، وسلم ثم باع من غيره ، وادعى أن الثاني كان قبل فسخ الأول ، وقبضه ، وزعم المشتري الثاني أنه كان بعد الفسخ والقبض في الأول فالقول له لا للبائع ، وينفسخ الأول بقبض الثاني ثم قال لو مات البائع ، وعليه دين آخر فالمشتري أحق به من الغرماء كما في الصحيح بعد الفسخ ، ولو مات المشتري فالبائع أحق من سائر الغرماء بماليته ا هـ .

                                                                                        ثم قال ولا يشترط القضاء في فسخ البيع الفاسد . ا هـ .

                                                                                        ولم يذكر المصنف أن للقاضي فسخ الفاسد جبرا عليهما قال في البزازية ، وإذا أصر البائع والمشتري على إمساك المشتري فاسدا ، وعلم به القاضي له فسخه حقا للشرع فبأي طريقة رده المشتري إلى البائع صار تاركا للمبيع ، وبرئ عن ضمانه . ا هـ .

                                                                                        ( قوله إلا أن يبيع المشتري ) أي فليس لكل منهما فسخه ، وإنما نفذ بيعه لأنه ملكه بملك التصرف فيه ، وسقط حق الاسترداد لتعلق حق العبد بالثاني ونقض الأول إنما كان لحق الشرع ، وحق العبد مقدم لحاجته ، ولأن الأول مشروع بأصله دون وصفه .

                                                                                        والثاني مشروع بأصله ووصفه فلا يعارضه مجرد الوصف ، ولأنه حصل بتسليط من جهة البائع بخلاف تصرف المشتري في الدار المشفوعة لأن كل واحد منهما حق العبد فيستويان في المشروعية ، ولم يحصل بتسليط من الشفيع أراد بالبيع الصحيح لأنه لو باعه فاسدا فإنه لا يمنع النقض ، وأطلقه فشمل ما إذا قبضه المشتري الثاني أو لا ، ولكنه مقيد بما إذا لم يكن فيه خيار شرط لأنه ليس بلازم ، وفي البزازية ، وجامع الفصولين أقام المشتري بينة على بيعه من فلان الغائب لا يقبل فللبائع الأخذ لا لو صدقه فله قيمته . ا هـ .

                                                                                        ولو فسخ البيع بعيب بعد قبضه بقضاء فللبائع حق الفسخ لو لم يقض بقيمته لزوال المانع ، ولو رد بعيب بغير قضاء لا يعود حق الفسخ كما لو اشتراه ثانيا ، وسيأتي في الضابط ، وقيد ببيع المشتري لأن البائع لو باعه بعد قبض المشتري ، وادعى أن الثاني كان قبل فسخ الأول ، وقبضه ، وزعم المشتري الثاني أنه كان بعد الفسخ ، والقبض من الأول فالقول له لا للبائع ، وينفسخ الأول بقبض الثاني كذا في البزازية ، ويستثنى من لزومه بالبيع مسألتان الأولى لو باعه لبائعه فقدمنا أنه يكون ردا ، وفسخا للبيع ، والثانية لو كان فاسدا بالإكراه فإن تصرفات المشتري كلها تنقض بخلاف سائر البياعات الفاسدة .

                                                                                        كذا في البزازية قيد بالبيع الفاسد احترازا عن الإجارة الفاسدة لما في جامع الفصولين قيل ليس للمستأجر فاسدا أن يؤجره من غيره إجارة صحيحة استدلالا بما ذكر إلى آخره ، وقيل يملكها بعد قبضه كمشتر فاسد له البيع جائزا ، وهو الصحيح إلا أن للمؤجر الأول نقض الثانية لأنها تنفسخ بالأعذار ( قوله أو يهب ) يعني إذا وهبه المشتري ارتفع الفساد ، ولا يفسخ لما قدمناه في البيع ، وشرط في الهداية التسليم فيها لأنها لا تفيد الملك إلا به بخلاف البيع ، وفي جامع الفصولين ثم الأصل أن المانع إذا زال كفك رهن ورجوع هبة ، وعجز مكاتب ورد مبيع على المشتري بعيب بعد قبضه بقضاء فللبائع حق الفسخ لو لم يقض بقيمة لأن هذه العقود لم توجب الفسخ من كل وجه في حق الكل . ا هـ .

                                                                                        ولا فرق في الرجوع في الهبة بين القضاء وغيره كما في فتح القدير ثم اعلم أن المشترى فاسدا لا يطيب للمشتري ، ويطيب لمن انتقل الملك منه إليه لكون الثاني ملكه بعقد صحيح بخلاف المشتري الأول فإنه يحل له التصرف فيه ، ولا يطيب له لأنه ملكه بعقد فاسد ، ولو دخل دار الحرب بأمان ، وأخذ مال الحربي بغير طيبة من نفسه ، وأخرجه إلى دار الإسلام ملكه ، ولا يطيب له ، ويفنى بالرد ، ويقضي له ، ولو باعه صح بيعه ، ولا يطيب للمشتري كما لا يطيب للأول بخلاف البيع الفاسد [ ص: 104 ] كذا ذكره الإسبيجابي .

                                                                                        ( قوله أو يحرر ) أي يعتق المشتري العبد لما قدمناه ، وتوابع الإعتاق كهو من التدبير ، والاستيلاد والكتابة صرح في جامع الفصولين بالاستيلاد فقال إذا حبلت منه صارت أم ولده ، وصرح الشارح ، وغيره بالكتابة ، ولم أر من صرح بالتدبير ، وإذا عجز المكاتب زال المانع من الاسترداد .

                                                                                        وأشار بالتحرير إلى الوقف ، ولكن قال في جامع الفصولين فلو وقفه أو جعله مسجدا لا يبطل حقه ما لم يبن ا هـ .

                                                                                        فعلم أن الوقف ليس كالتحرير ، وينبغي أن يحمل على ما قبل القضاء به أما إذا قضى به فإنه يرتفع الفساد للزومه ، والظاهر أن ما في جامع الفصولين تبعا للعمادي ليس بصحيح فقد قال الإمام الخصاف في أحكام الأوقاف لو اشترى أرضا بيعا فاسدا وقبضها ووقفها وقفا صحيحا ، وجعل آخرها للمساكين فقال الوقف فيها جائز ، وعليه قيمتها للبائع من قبل أنه استهلكها حين وقفها ، وأخرجها عن ملكه ا هـ .

                                                                                        وهكذا في الإسعاف ، ولم يذكر المؤلف من التصرفات القولية غير ذلك ، وفاته الرهن لأنه من العقود اللازمة فيمنع حق الرد فإذا فك أو فسخ قبل القضاء بالقيمة عاد حق الاسترداد ، وفاته أيضا الوصية فإذا وصى به المشتري ثم مات سقط الفسخ لأن المبيع انتقل عن ملكه إلى ملك الموصى له ، وهو ملك مبتدأ فصار كما لو باعه بخلاف ما إذا مات المشتري فإنه لوارثه الفسخ ، وللبائع أيضا لأن الوارث قائم مقام المورث كذا في السراج الوهاج قالوا كل تصرف قولي فإنه يمنع الفسخ إلا الإجارة والنكاح فلا يمنعانه لأن الإجارة تفسخ بالأعذار ، ورفع الفساد من الأعذار ، والنكاح ليس فيه الإخراج عن الملك ، ولكن إذا ردت الجارية إلى البائع ، وانفسخ البيع هل ينفسخ النكاح قال في السراج الوهاج إنه لا ينفسخ لأنه لا يفسخ بالأعذار ، وقد عقده المشتري ، وهي على ملكه . ا هـ .

                                                                                        ويشكل عليه ما ذكره الولوالجي من الفصل الأول من كتاب النكاح لو زوج الجارية المبيعة قبل قبضها ، وانتقض البيع فإن النكاح يبطل في قول أبي يوسف ، وهو المختار لأن البيع متى انتقض قبل القبض انتقض [ ص: 105 ] من الأصل معنى فصار كأنه لم يكن فكان النكاح باطلا ا هـ .

                                                                                        إلا أن يحمل أن ما في السراج قول محمد أو يظهر بينهما فرق .

                                                                                        ( قوله أو يبني ) أي إذا بنى المشتري فاسدا فعليه القيمة عند أبي حنيفة رواه عنه يعقوب في الجامع الصغير ثم شك بعد ذلك في الرواية ، وقال أبو يوسف ومحمد إنه ينقض البناء ، وترد الدار ، والغرس على هذا الاختلاف لهما أن حق الشفيع أضعف من حق البائع حتى يحتاج فيه إلى القضاء ، ويبطل بالتأخير بخلاف حق البائع ثم أضعف الحقين لا يبطل بالبناء فأقواهما أولى ، وله أن البناء والغرس مما يقصد به الدوام ، وقد حصل بتسليط منه جهة البائع فينقطع حق الاسترداد كالبيع بخلاف حق الشفيع لأنه لم يوجد منه التسليط ، ولهذا لم تبطل بهبة المشتري ، وبيعه فكذا ببنائه ، وشك يعقوب في حفظ الرواية عن أبي حنيفة ، وقد نص محمد على الاختلاف ، ولم يذكر المؤلف من الأفعال الحسية إلا البناء قالوا متى فعل المشتري بالمبيع فعلا ينقطع به حق المالك في الغصب ينقطع به حق البائع في الاسترداد كما إذا كان حنطة فطحنها ، ولم يذكر أيضا ما إذا زاد المبيع أو نقص إلا الزيادة بالبناء .

                                                                                        وفي جامع الفصولين زوائد المبيع فاسدا لا تمنع الفسخ إلا متصلة لم تتولد كصبغ وخياطة ولت سويق ، ولو منفصلة متولدة تضمن بالتعدي لا بدونه ، ولو هلك المبيع لا المتولدة فللبائع أخذ الزوائد ، وقيمة المبيع ، ولو منفصلة غير متولدة فله أخذ المبيع مع هذه الزوائد ، ولا تطيب له ، ولو هلكت في يد المشتري لم يضمن ، ولو أهلكها ضمن عندهما لا عند أبي حنيفة ، ويماثلها زوائد الغصب ، ولو هلك المبيع لا الزوائد فهي للمشتري بخلاف المتولدة كما يفترقان في الغصب فيضمن قيمة المبيع فقط ، وأما حكم نقصانه فلو نقص في يد المشتري بآفة سماوية فللبائع أخذه مع أرش نقصه ، وكذا لو بفعل المشتري أو المبيع ، ولو بفعل البائع صار مستردا حتى لو هلك عند المشتري ، ولم يوجد منه حبس عن البائع هلك على البائع ، ولو بفعل أجنبي يخير البائع إن شاء أخذه من المشتري ، وهو يرجع على الجاني ، وإن شاء اتبع الجاني ، وهو لا يرجع على المشتري كالغصب ا هـ .

                                                                                        ( قوله : وله أن يمنع المبيع عن البائع حتى يأخذ الثمن ) أي للمشتري المنع بعد فسخ البيع لأن المبيع مقابل به فيصير محبوسا به كالرهن أشار المؤلف إلى أن البائع إذا مات كان المشتري أحق به حتى يستوفي الثمن لأنه يقدم عليه في حياته فكذا على ورثته وغرمائه بعد وفاته كالراهن ، وإلى أنه لو استأجر إجارة فاسدة ، ونقد الأجرة أو ارتهن رهنا فاسدا أو أقرض قرضا فاسدا ، وأخذ به رهنا كان له أن يحبس ما استأجر ، وما ارتهن حتى يقبض ما نقد اعتبارا للعقد الجائز إذا تفاسخا .

                                                                                        وكذا لو مات المؤجر أو الراهن أو المستقرض فهو أحق بما في يده من العين من سائر الغرماء ، وإلى أن الثمن لو لم يكن منقودا للبائع ، وإنما كان دينا له على المشتري فليس له الحبس قالوا لو اشترى من مدينه عبدا بدين سابق له عليه شراء فاسدا أو قبض العبد بإذن البائع فأراد البائع استرداد العبد بحكم الفساد ليس للمشتري أن يحبس العبد لاستيفاء ما له عليه من الدين بخلاف الصحيح ، وله أن يسترد العبد قبل إيفاء الأجرة ، وليس للمستأجر [ ص: 106 ] الحبس بالأجرة بخلاف الصحيح ، وكذا الرهن الفاسد لو كان بدين سابق ، والفرق أن البيع إذا أضيف للدراهم لا يتعلق الملك في الثمن بمجرد العقد فإذا وجب للمديون على المشتري مثل الدين صار الثمن قصاصا لاستوائهما قدرا ، ووصفا فيصير البائع مستوفيا ثمنه بطريق المقاصة فاعتبر بما لو استوفاه حقيقة ، وثم للمشتري حق حبس المبيع إلى أن يستوفي الثمن فكذا هذا ، وفي الفاسد لم يملك الثمن بل تجب قيمة المبيع عند القبض ، والقيمة قبل القبض غير مقررة لاحتمالها السقوط كل ساعة بالفسخ ، ولأن القيمة قد تكون من جنس الدين ، وقد لا تكون ، ودين المشتري على البائع مقرر ، والمقاصصة إنما تكون عند استواء الواجبين وصفا .

                                                                                        ولذا لا تجب المقاصصة بين الحال والمؤجل ، والجيد والرديء ، وإذا لم تقع المقاصصة لم يصر البائع مستوفيا الثمن أصلا فلا يكون للمشتري حق حبس المبيع بعد فسخ البيع ، ولو كان الرهن باطلا بأن استقرض ألفا ، ورهن أم ولد أو مدبرا له أن يسترد قبل قضاء الدين لعدم الانعقاد ، والكل من الكافي شرح الوافي ، وإلى أن الثمن لو كان دراهم ، وهي قائمة فإنه يأخذها بعينها لأنها تتعين في البيع الفاسد ، وهو الأصح لأنه بمنزلة الغصب ، وإن كانت مستهلكة أخذ مثلها لما بينا كذا في الهداية ( قوله وطاب للبائع ما ربح لا للمشتري ) أي طال للبائع ما ربحه في ثمن الفاسد ، ولا يطيب للمشتري ربح المبيع فلا يتصدق الأول ، ويتصدق المشتري ، والفرق أن المبيع مما يتعين فتعلق العقد به فتمكن الخبيث فيه ، والنقد لا يتعين في عقود المعاوضات فلم يتعلق العقد الثاني بعينه فلم يتمكن الخبث فلا يجب التصدق قيد بالبيع الفاسد لأن ما ربحه الغاصب ، والمودع بعد أداء الضمان لا يطيب له مطلقا عندهما خلافا لأبي يوسف لأن الخبث في الأول لفساد الملك ، وفي الثاني لعدمه لتعلق العقد فيما يتعين حقيقة ، وفيما لا يتعين شبهة من حيث إنه يتعلق به سلامة المبيع أو تقدير الثمن ، وعند فساد الملك تنقلب الحقيقة شبهة ، والشبهة تنزل إلى شبهة الشبهة ، والشبهة هي المعتبرة دون النازل عنها .

                                                                                        ثم اعلم أن قولهم تبعا لما في الجامع الصغير أن الربح يطيب للبائع في الثمن النقد دليل على أن [ ص: 107 ] النقد لا يتعين في البيع الفاسد على الأصح ، وقولهم إنه يتعين على الأصح يخالفه فإن اعتبر تصحيح التعيين فحينئذ يجب التصدق على البائع ، والرواية بخلافه ، ولم أر من أوضحه من الشارحين ، وقد ظهر لي أنه منافاة بينهما فقالوا فيما مضى إنه يتعين على الأصح بالنسبة إلى وجوب رد غير ما أخذه ، وقالوا هنا لا يتعين أي بالنسبة إلى أنه يطيب له ما ربحه فهو متعين من جهة فساد الملك كالمغصوب ، وغير متعين من جهة أن فاسد المعاوضات كصحيحها فاعتبروا الوجه الأول في لزوم رد عين المقبوض ، والثاني في حل ربحه ، وإنما لم يعكس لدليل أبي يوسف الخراج بالضمان ، ومعناه كما في الفائق ، والقاموس غلة العبد للمشتري إذا رده بعد الاطلاع على العيب بسبب أنه في ضمانه ا هـ .

                                                                                        [ ص: 102 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 102 ] ( قوله وذكر الزيلعي أن اللام بمعنى على إلخ ) قال في النهر ولكل منهما فسخه دفعا للفساد كذا في الهداية ، وهذا يقتضي أن الواجب أن يقال وعلى كل واحد منهما فسخه غير أنه أراد بيان ولاية الفسخ فوقع تعليله أخص من دعواه كذا في الفتح ، وجعل الشارح اللام بمعنى على ، ومنه { وإن أسأتم فلها } وكان صاحب الهداية أراد هذا المعنى فعلل بما سمعت ، وعليه فليس التعليل أخص من الدعوى ، وبه عرف أن هذا الجعل لا بد منه في كلام الهداية ، وهو الأرجح في كلام المصنف لأنه ، وإن جاز أن يريد بيان ثبوت ولاية الفسخ إلا أنه حينئذ يكون ساكتا عن إفادة وجوبه ، وعلى ذلك الجعل يكون كلاما مفيدا للشيئين إذ الوجوب قدر زائد على ثبوت الولاية فتدبره ( قوله واعلم أن قوله لمن له منفعة الشرط إلخ ) أصله لابن الكمال حيث قال في الإصلاح بقي هاهنا احتمال آخر ، وهو أن يكون الفساد لشرط زائد ، ومن له الشرط غير العاقدين ، وينتظمه تصوير قاضي خان المسألة في فتاواه . ا هـ .

                                                                                        وقال في النهر بعد ذكره ما في الهداية ، وعلله في الذخيرة بأنه يقدر على إسقاط الشرط فيصح العقد فإذا فسخه فقد أبطل حقه لقدرته على تصحيح العقد ، والعقد إذا كان غير لازم يتمكن كل من فسخه . ا هـ .

                                                                                        وهذا يفيد اختصاص المنفعة الموجبة للاستقلال بالفسخ بالمتعاقدين ا هـ .

                                                                                        ( قوله فأعاده المشتري إلى منزله إلخ ) قال في الخانية في فصل فيما يخرجه عن الضمان في البيع الفاسد والمكروه ما نصه المشتري شراء فاسدا إذا جاء بالمبيع إلى البائع فلم يقبله البائع فأعاده المشتري إلى منزله فهلك لا يضمن ، وإن كان المشتري وضعه بين يدي البائع أو المغصوب منه فلم يقبله ثم حمله إلى منزله فهلك كان ضامنا في الغصب والبيع الفاسد ، وقال بعضهم إن كان فساد البيع غير مختلف فيه فالجواب كذلك ، وإن كان مختلفا فيه فجاء به إلى البائع فلم يقبله البائع فأعاده إلى منزله فهلك لا يبرأ عن الضمان ، والصحيح أنه يبرأ في الوجهين إلا إذا وضع بين يديه فلم يقبله فذهب به إلى منزله فهلك فإنه يكون ضامنا لأنه يصير غاصبا غصبا مبتدأ . ا هـ .

                                                                                        ومن المقرر أن تصحيح قاضي خان مقدم على غيره لأنه فقيه النفس ، وهو مبني على أن التخلية قبض ، وقد مر أول الباب اختلاف التصحيح فيها ، وأن قاضي خان ، وصاحب الخلاصة صححا أنها قبض [ ص: 103 ] ( قوله ثم قال ) ستأتي المسألة أيضا في القولة الثانية ( قوله ولو مات المشتري فالبائع أحق ) قال أبو السعود في حاشية مسكين قيده شيخنا عن شيخه الشيخ شاهين بما إذا مات قبل القبض ، وأما بعده فهو كسائر الغرماء كما صرحوا بذلك في الحجر ا هـ .

                                                                                        فإن قلت : إذا مات المشتري بعد قبض البائع لم يبق له شيء جهة الميت حتى يكون كسائر الغرماء فيه قلت : يحمل على ما إذا كان الذي قبضه البائع ، وهو المسمى دون قيمته فيكون أسوة الغرماء فيما بقي له من تمام القيمة لأن الواجب في البيع الفاسد إنما هو القيمة لا الثمن هكذا ينبغي أن يفهم هذا ، وإلا فهو مشكل ا هـ .

                                                                                        ( قوله على المشتري ) أي المشتري شراء فاسدا ( قوله فإنه يحل له التصرف ) قال الرملي صوابه لا يحل .

                                                                                        ( قوله ولا يطيب للمشتري إلخ ) ذكر الإمام السرخسي في شرح السير الكبير في الباب الخامس بعد المائة ، وإن اشترى إنسان منه ذلك جاز الشراء ، وإن كان مسيئا لأنه باع ملك نفسه فإن فساد السبب لا يمنع ثبوت الملك ثم يؤمر المشتري بمثل ما كان يؤمر به البائع من الرد على أهل الحرب بخلاف المشتري شراء فاسدا إذا باعه [ ص: 104 ] من غيره بيعا صحيحا فإن الثاني لا يؤمر بالرد ، وإن كان البائع مأمورا به لأن الموجب للرد قد زال ببيعه لأن وجوب الرد بفساد البيع حكمه مقصور على المشتري ، وقد انعدم مثله بالبيع من غيره أما هنا وجوب الرد إنما كان لمراعاة ملكهم ، ولغدر الأمان ، وهذا المعنى قائم في ملك المشتري كما في ملك البائع الذي أخرجه فلهذا يفتي بالرد كما يفتي به البائع ا هـ . ملخصا .

                                                                                        وقال بعده في الباب الثاني والستين بعد المائة فإن لم يرده بعدما أفتى به ، وأورد بيعه يكره للمسلمين أن يشتروا ذلك منه لأنه ملك خبيث بمنزلة المشتري فاسدا إذا أراد بيع المشترى بعد القبض يكره شراؤه منه ، وإن كان مالكا نفذ فيه بيعه وعتقه لأنه ملك حصل له بسبب حرام شرعا ا هـ .

                                                                                        وهذا مخالف لما هنا ، وقد يجاب بأن ما أخرجه من دار الحرب لما وجب رده على المشتري أيضا تمكن فيه الخبث فلم يطب له بخلاف المشتري فاسدا فلذا طاب له ، وإن شراؤه مكروها تأمل .

                                                                                        ( قوله ولم أر من صرح بالتدبير ) قال في النهر ، وأقول : قد رأيته ، ولله تعالى الحمد قال في السراج ما لفظه ، وإن كان المبيع عبدا فأعتقه المشتري أو دبره صح عتقه وتدبيره ، وكذا إذا كانت جارية استولدها صارت أم ولد له ، ويغرم القيمة ، ولا يغرم العقر في رواية كتاب البيوع ، وفي رواية أخرى يرد العقر ، واتفقت الروايات أنه إن وطئها المشتري ، ولم تعلق منه أنه يرد الجارية ، والعقر . ا هـ .

                                                                                        ( قوله ليس بصحيح ) قال في النهر والظاهر أن ما في الفصول رواية ( قوله قال في السراج الوهاج إنه لا ينفسخ ) يوافقه ما في الفتح حيث قال فإذا زوج المشتري الجارية المشتراة فاسدا كان للبائع أن يستردها لأن حق الزوج في المنفعة لا يمنع حق البائع في الرقبة ، ولأنه لا يفوته ملك تلك المنفعة فإن مع الاسترداد النكاح قائم كما لو تزوجها البائع نعم يصير بحيث له منعها ، وعدم تبوئتها معه بيتا غير أنه إن ظفر بها له وطؤها . ا هـ .

                                                                                        وهو صريح بعدم الانفساخ ، وصرح به أيضا في غاية البيان عن التحفة ، وفي التبيين ، ومثله في المجتبى حيث قال إلا الإجارة وتزوج الجارية لكن الإجارة تنفسخ بالاسترداد دون النكاح ا هـ .

                                                                                        وقال في التتارخانية نقلا عن نوادر ابن سماعة ، وعنه أيضا فيمن اشترى جارية شراء فاسدا ، وقبضها المشتري ، وزوجها من رجل ثم فسخ البيع بينهما بحكم الفساد ، وأخذها البائع مع ما نقصها التزويج ثم إن الزوج طلقها قبل الدخول بها كان على البائع أن يرد على المشتري مثل ما أخذ من النقصان قال ألا ترى أنه لو لم يكن نقصان تزويج ، ولكن ابيضت إحدى عينيها في يد المشتري ثم إن المشتري ردها ورد معها نصف القيمة ثم ذهب البياض ، وعاد إلى الحال الأولى فإن البائع يرد على المشتري ما أخذ من نصف القيمة وطريقه ما قلنا ا هـ .

                                                                                        ففيه مع إفادة بقاء النكاح فائدة أخرى فهذه نصوص كتب المذهب موافقة لما قاله في السراج ( قوله ولو زوج الجارية المبيعة إلخ ) الظاهر أن المراد المبيعة بيعا صحيحا أو أعم [ ص: 105 ] ( قوله أو يظهر بينهما فرق ) الظاهر أن الفرق موجود لأن كلام الولوالجي فيما قبل القبض ، وكلام السراج فيما بعد القبض المفيد للملك بدليل قوله ، وقد عقده المشتري ، وهي على ملكه ، وفرق ما بينهما يدل عليه قول الولوالجي لأن البيع متى انتقض إلخ فقيد انتقاضه من الأصل بما إذا انتقض قبل القبض ، ومفهومه أنه لو انتقض بعد القبض لا ينتقض من الأصل ثم رأيت في حاشية الرملي على منح الغفار العجب من ذلك مع أن ما في السراج فيما عقد بعد القبض ، وما في الولوالجية قبل القبض كما هو صريح كل من العبارتين فكيف يستشكل بإحدى العبارتين على الأخرى ، ولئن كان كلام السراج في البيع الفاسد ، وكلام الولوالجي في مطلق البيع فقد تقرر أن فاسد البيع كجائزه في الأحكام فتأمل . ا هـ .

                                                                                        ( قوله وفي جامع الفصولين ) أي من الفصل الثلاثين في التصرفات الفاسدة ( قوله ولو هلك المبيع لا المتولدة إلخ ) قال الرملي ولو كان على عكسه بأن هلكت المتولدة لا المبيع يرد المبيع ، ولا يضمن الزيادة ، ولو استهلك الزيادة ضمنها ، ويرد المبيع تأمل ( قوله وأما حكم نقصانه فلو نقص في يد المشتري إلخ ) قال الرملي فلو أراد المشتري رده مع أرش نقصه ، وأبى البائع هل يجبر البائع ؟ الجواب أنه يجبر قال في جامع الفصولين حينئذ لو قطع ثوبا شراء فاسدا ، ولم يخطه حتى أودعه عند بائعه يضمن نقص القطع لا قيمته لوصوله إلى ربه إلا قدر نقصه فوقع عن الرد المستحق قال هذا التعليل إشارة إلى أن المبيع بيعا فاسدا إذا نقص في يد المشتري لا يبطل حقه في الرد إذ لو بطل لما كان الرد مستحقا عليه ا هـ . فهو كما ترى ناطق بما أجبنا .

                                                                                        ( قوله وإنما كان دينا له على المشتري ) العبارة [ ص: 106 ] مقلوبة ، والصواب وإنما كان دينا عليه للمشتري ( قوله بخلاف الصحيح ) هنا سقط من النسخ ، والعبارة في الزيلعي بعده هكذا ، وكذا لو كانت الإجارة بدين سابق عليها ، وقبض المستأجر العبد ثم فسخ المؤجر الإجارة بحكم الفساد له أن يسترد إلخ ، وقوله بخلاف الصحيح يعني لو كان البيع صحيحا أو الإجارة صحيحة ثم انفسخ العقد بينهما بوجه كان للمشتري أن يحبس المبيع حتى يستوفي الدين الذي كان له على البائع كذا نقل عن حاشية الزيلعي ، وفي جامع الفصولين عن الخانية شرى من مديونه فاسدا ففسخ ليس له حبس المبيع لاستيفاء دينه ، وكذا لو أجر من دائنه إجارة فاسدة ، ولو كان عقد البيع أو الإجارة جائزا ثم فسخ فله الحبس لدينه ( قوله والفرق ) أي الفرق بين العقد الصحيح ، والفاسد .

                                                                                        ( قوله لأن الخبث في الأول ) أي في الفاسد ، وقوله في الثاني أي في الغصب ، وتوضيحه في شروح الهداية ، وعبارة إيضاح الإصلاح لابن الكمال ، والأصل فيه أن المال نوعان نوع لا يتعين في العقود كالدراهم والدنانير ، ونوع يتعين كالعروض ، والخبث أيضا نوعان أحدهما باعتبار عدم الملك ، والثاني لفساد الملك فالخبث باعتبار عدم الملك كما في المغصوب يوجب حقيقة الخبث فيما يتعين ، وشبهة الخبث فيما لا يتعين عند أبي حنيفة ومحمد لأن ما لا يتعين بالتعيين لا يتعلق العقد به بل يتعلق بما في الذمة ، وإنما هو وسيلة من وجه فيوجب شبهة الخبث ، والشبهة معتبرة فلا جرم انعدم الطيب لعدم الملك في المالين جميعا ، والخبث لفساد الملك يورث الشبهة فيما يتعين لأن الخبث لفساد الملك أدنى من الخبث لعدم الملك ، ويورث شبهة الشبهة فيما لا يتعين ، وشبهة الشبهة ليست بمعتبرة فلهذا تصدق الذي أخذ المبيع بالربح ، ولم يتصدق الذي أخذ الثمن به ا هـ .

                                                                                        ( قوله ثم اعلم أن قولهم إلخ ) قال في النهر ، وهذا إنما يتم على رواية عدم تعيين النقد ، وقد مر أن رواية التعيين هي الأصح ، وحينئذ فالأصح وجوب التصدق على البائع بما ربح غير أن التفصيل الواقع في الكتاب هو صريح الرواية في الجامع الصغير ، وحينئذ فالأصح أن الدراهم لا تتعين في الفاسد كذا في الفتح ملخصا قال صدر الشريعة ، ويمكن التوفيق بأن لهذا العقد شبهين شبها بالغصب ، وشبها بالبيع فإذا كانت قائمة اعتبر شبهة الغصب سعيا في رفع العقد الفاسد ، وإذا لم تكن قائمة فاشترى بها شيئا يعتبر شبهة البيع حتى لا يسري الفساد إلى بدله قال يعقوب باشا هذا التوفيق إنما يفيد دليلا للمسألة لا يرد عليه ما يرد عليها فالمناسب أن يقال إن كلام صاحب الهداية في المسألة الأخيرة على الرواية الصحيحة لا على الأصح ، وهي أنها تتعين في البيع الفاسد كما يشير إليه في العناية إلا أن يقال مراد القائل بالتعيين الذي هو الأصح التعيين في صورة كونها قائمة لا تعيينها مطلقا لكنه في الفاسد خلاف ما صرحوا به ا هـ .

                                                                                        وعبارته في العناية هذا إنما يستقيم على [ ص: 107 ] الرواية الصحيحة ، وهي أنها لا تتعين لا على الأصح ، وهي التي تقدمت أنها تتعين قال في الحواشي السعدية ، وفيه بحث فإن عدم التعيين سواء كان المغصوب أو ثمن البيع الفاسد إنما هو في العقد الثاني ، ولا يضر تعيينه في الأول فقوله إنما يستقيم إلخ فيه ما فيه ، وقد أخذ صاحب البحر قول يعقوب باشا إلا أن يقال إلخ . ا هـ .

                                                                                        وما أجاب به في السعيدية ذكره الرملي قبل إطلاعه عليه ، وقال وأنا في عجب عجيب من فهم هؤلاء الأجلاء التناقض من مثل هذه مع ظهوره فإنه بمنزلة النقود لا تتعين في العقود الفاسدة ، ولا شك أن المشتري شراء صحيحا بما قبضه في الفاسد إذا ربح فقد ربح بعقد صحيح شرعي خال عن الشبهة لعدم تعين ذلك النقد في ذلك العقد .




                                                                                        الخدمات العلمية