الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        وأما ركنه فالألفاظ الخاصة الدالة عليه وهي ستة وعشرون لفظا الأول أرضي هذه صدقة موقوفة مؤبدة على المساكين ولا خلاف فيه الثاني صدقة موقوفة فهلال وأبو يوسف وغيرهما على صحته لأنه لما ذكر صدقة عرف مصرفه وانتفى بقوله موقوفة احتمال كونه نذرا الثالث حبس صدقة الرابع صدقة محرمة وهما كالثاني الخامس موقوفة فقط لا يصح إلا عند أبي يوسف فإنه يجعلها بمجرد هذا اللفظ موقوفة على الفقراء وإذا كان مفيدا لخصوص المصرف أعني الفقراء لزم كونه مؤبدا لأن جهة الفقراء لا تنقطع قال الصدر الشهيد ومشايخ بلخ يفتون بقول أبي يوسف ونحن نفتي بقوله أيضا لمكان العرف وبهذا يندفع رد هلال قول أبي يوسف بأن الوقف يكون على الغني والفقير ولم يبين فيبطل لأن العرف إذا كان يصرفه إلى الفقراء كان كالتنصيص عليهم .

                                                                                        السادس موقوفة على الفقراء صح عند هلال أيضا لزوال الاحتمال بالتنصيص على الفقراء السابع محبوسة الثامن حبس وهما باطلان ولو كان في حبس مثل هذا العرف يجب أن يكون كقوله موقوفة التاسع لو قال هي للسبيل إن تعارفوه وقفا مؤبدا للفقراء كان كذلك وإلا سئل فإن قال أردت الوقف صار وقفا لأنه محتمل لفظه أو قال أردت معنى صدقة فهو نذر فيتصدق بها أو بثمنها وإن لم ينو كانت ميراثا ذكره في النوازل العاشر جعلتها للفقراء إن تعارفوه وقفا عمل به وإلا سئل فإن أراد الوقف فهي وقف أو الصدقة فهي نذر وهذا عند عدم النية لأنه أدنى فإثباته به عند الاحتمال أولى واعترضه في فتاوى الخاصي بأنه لا فرق بينهما وذكر في إحداهما إذا لم تكن نية يكون ميراثا ولا يخفى أن كونه ميراثا لا ينافي كونه نذرا لأن المنذور به إذا مات الناذر ولم يوف بنذره يكون ميراثا إلا أنه اقتصر على تمام التفصيل في إحداهما وإلا فلا شك أن في كل منهما إذا لم تكن له نية يكون نذرا فإن مات ولم يتصدق به ولا يقيمه يكون ميراثا الحادي عشر محرمة الثاني عشر وقف وهو صحيح وهي معروفة عند أهل الحجاز الثالث عشر حبس موقوفة وهو كالاقتصار على " موقوفة " الرابع عشر جعلت نزل كرمي وقفا صار وقفا فيه ثمرة أو لا الخامس عشر جعلت غلته وقفا كذلك الخامس عشر موقوفة لله بمنزلة صدقة موقوفة الكل في فتح القدير وجزم به في البزازية بصحة الوقف بقوله وقف أو موقوفة السادس عشر صدقة فقط كانت صدقة فإن لم يتصدق حتى مات كانت ميراثا كذا في الخصاف .

                                                                                        السابع عشر هذه موقوفة على وجه الخير أو على وجه البر تكون وقفا على الفقراء الثامن عشر صدقة موقوفة في الحج عني والعمرة عني يصح الوقف [ ص: 206 ] ولو لم يقل عني لا يصح الوقف التاسع عشر صدقة لا تباع تكون نذرا بالصدقة لا وقفا ولو زاد ولا توهب ولا تورث صارت وقفا على المساكين والثلاثة في الإسعاف العشرون اشتروا من غلة داري هذه كل شهر بعشرة دراهم خبزا وفرقوه على المساكين صارت الدار وقفا الحادي والعشرون هذه بعد وفاتي صدقة يتصدق بعينها أو تباع ويتصدق بثمنها ذكرهما في الذخيرة الثاني والعشرون أوصى أن يوقف ثلث ماله جاز عند أبي يوسف ويكون للفقراء وعندهما لا يجوز إلا أن يقول لله أبدا كذا في التتارخانية .

                                                                                        الثالث والعشرون قال هذا الدكان موقوف بعد موتي ومسبل ولم يعين مصرفا لا يصح الرابع والعشرون داري هذه مسبلة إلى المسجد بعد موتي يصح إن خرجت من الثلث وعين المسجد وإلا فلا .

                                                                                        الخامس والعشرون سبلت هذه الدار في وجه إمام مسجد كذا عن جهة صلواتي وصياماتي تصير وقفا وإن لم تقع عنهما والثلاثة في القنية السادس والعشرون جعلت حجرتي لدهن سراج المسجد ولم يزد عليه صارت الحجرة وقفا على المسجد كما قال وليس للمتولي أن يصرف إلى غير الدهن كذا في المحيط .

                                                                                        السابع والعشرون ذكر قاضي خان من كتاب الوصايا رجل قال ثلث مالي وقف ولم يزد على ذلك قال أبو نصر إن كان ماله نقدا فهذا القول باطل بمنزلة قوله هذه الدراهم وقف وإن كان ماله ضياعا تصير وقفا على الفقراء ا هـ .

                                                                                        [ ص: 205 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 205 ] ( قوله الخامس موقوفة فقط ) أي بدون ذكر صدقة وكذا بدون تعيين الموقوف عليه لأن تعيينه يمنع إرادة غيره فلا يكون مؤبدا معنى وسيأتي تمامه عن الإسعاف عند الكلام على التأبيد ( قوله وهذا عند عدم النية ) أي كون جعلتها للفقراء إن تعارفوه وقفا يعمل به إنما هو عند عدم النية لأن الوقف أدنى من النذر لأن النذر لا بد أن يتصدق به على الفقراء ولا يحل له منه شيء وقوله بأنه لا فرق بينهما أي بين التاسعة والعاشرة حيث كانت التاسعة عند عدم النية ميراثا بخلاف هذه ( قوله الخامس عشر ) لعله سهو وأن يعطف قوله جعلت بالواو على قوله جعلت نزل كرمي إلخ [ ص: 206 ] ( قوله العشرون اشتروا إلخ ) قال في الفتح فرع يثبت الوقف بالضرورة وصورته أن يوصي بغلة هذه الدار للمساكين أبدا أو لفلان وبعده للمساكين أبدا فإن هذه الدار تصير وقفا بالضرورة والوجه أنها كقوله إذا مت فقد وقفت داري على كذا . ا هـ .

                                                                                        وفي أنفع الوسائل مسألة إذا أوصى أن يشتري من ريع داره أو حمامه في كل شهر كذا من الخبز ويفرق على الفقراء والمساكين فهل يكون هذا اللفظ بمجرده وقفا للدار والحمام أم لا ثم نقل أنه يصير وقفا بمجرد ذلك ثم قال بعد كلام والمسألة مذكورة في الذخيرة وفتاوى قاضي خان وفتاوى الخاصي ونصوا فيها أن هذا اللفظ يؤدي إلى معنى الوقف وصار كما لو قال وقفت داري هذه بعد موتي على المساكين ولا أعلم فيها خلافا بين الأصحاب والله المستعان . ا هـ .

                                                                                        قلت ومقتضاه أن الدار كلها تصير وقفا ويصرف منها الخبز إلى ما عينه الواقف والباقي إلى الفقراء وقد سئلت عن نظير هذه المسألة في رجل أوصى بأن يؤخذ من غلة داره كل سنة كذا من الدراهم يشترى بها زيت لمسجد كذا ثم باع الورثة الدار وشرطوا على المشتري دفع ذلك المبلغ في كل سنة للمسجد فأفتيت بعدم صحة البيع وبأنها صارت وقفا حيث كانت تخرج من الثلث .




                                                                                        الخدمات العلمية