الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله وتصح مع التساوي في المال دون الربح وعكسه ) وهو التفاضل في المال والتساوي في الربح ، وقال زفر والشافعي لا يجوز ; لأن التفاضل فيه يؤدي إلى ربح ما لم يضمن فإن المال إذا كان نصفين والربح أثلاثا فصاحب الزيادة يستحقها بلا ضمان إذ الضمان بقدر رأس المال ; لأن الشركة عندهما في الربح كالشركة في الأصل ولهذا يشترطان الخلط فصار ربح المال بمنزلة نماء الأعيان فيستحق بقدر الملك في الأصل ولنا قوله عليه السلام { الربح على ما شرطا والوضيعة على قدر المالين } ولم يفصل ; ولأن الربح كما يستحق بالمال يستحق بالعمل كما في المضاربة .

                                                                                        وقد يكون أحدهما أحذق وأهدى أو أكثر عملا فلا يرضى بالمساواة فمست الحاجة إلى التفاضل قيد بالشركة في الربح ; لأن اشتراط الربح كله لأحدهما غير صحيح ; لأنه يخرج العقد به من الشركة ومن المضاربة أيضا إلى قرض باشتراطه للعامل أو إلى بضاعة باشتراطه لرب المال ، وهذا العقد يشبه المضاربة من حيث إنه يعمل في مال الشريك ويشبه الشركة اسما وعملا فإنهما يعملان معا فعملنا بشبه المضاربة وقلنا يصح اشتراط الربح من غير ضمان وبشبه الشركة حتى لا تبطل باشتراط العمل عليهما .

                                                                                        وقد أطلق المصنف تبعا للهداية جواز التفاضل في الربح مع التساوي في المال وقيده في التبيين وفتح القدير بأن يشترطا الأكثر للعامل منهما أو لأكثرهما عملا أما إن شرطاه للقاعدة أو لأقلهما عملا فلا يجوز ، ولم يشترط المصنف لاستحقاق الربح المشروط اجتماعهما على العمل ; لأنه غير شرط لتضمنها الوكالة ، ولذا قال في البزازية اشتركا وعمل أحدهما في غيبة الآخر ، فلما حضر أعطاه حصته ، ثم غاب الآخر وعمل الآخر ، فلما حضر الغائب أبى أن يعطيه حصته من الربح إن كان الشرط أن يعملا جميعا وشتى فما كان من تجارتهما من الربح فبينهما على الشرط عملا أو عمل أحدهما فإن مرض أحدهما ولم يعمل وعمل الآخر فهو بينهما ، وفي المحيط .

                                                                                        ثم المسألة على ثلاثة أوجه ، الأول أن يشترطا العمل عليهما والربح بينهما نصفين والوضيعة [ ص: 189 ] على قدر رأس المال فإن عمل أحدهما دون الآخر فالربح بينهما على ما شرطا وإن شرطا العمل على أحدهما ينظر إن شرطا العمل على أكثرهما ربحا جاز وإن شرطاه على أقلهما ربحا خاصة لا يجوز والربح بينهما على قدر رأس مالهما . ا هـ .

                                                                                        وفي الظهيرية لو قال أحد الشريكين لصاحبه لا أعمل معك بالشركة فهذا بمنزلة قوله فاسختك . ا هـ .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله : أما إن شرطاه للقاعد إلخ ) لم يذكر ما لو اشترطاه للقاعد وكان ماله أكثر كما لو وضع القاعد تسعة آلاف مثلا ووضع العامل ألفا واشترطا ثلثي الربح للقاعد والثلث للعامل وهذه تقع كثيرا ويؤخذ عدم الجواز من قول المحيط الآتي قريبا ، وإن شرطا العمل على أقلهما ربحا خاصة لا يجوز والربح بينهما على قدر رأس مالهما فإنه يفيد أنه إذا اختلف رأس المال وكان العامل هو الأقل ربحا لا يجوز الشرط ، بل يكون الربح على قدر المال وحينئذ فيحصل على العامل إجحاف زائد ; لأنه يحصل له في صورتنا المذكورة عشر الربح مع تعبه في العمل لكن ما ننقله قريبا عن الظهيرية فيه ما يفيد الجواز فتأمله .

                                                                                        ( قوله : وفي المحيط ثم المسألة على ثلاثة أوجه إلخ ) ذكر ذلك في الظهيرية ، ثم قال بعده بيان ما ذكرنا فيما ذكر محمد في الأصل إذا جاء أحدهما بألف درهم والآخر بألفين واشتركا على أن الربح بينهما نصفان والعمل عليهما فهو جائز ويصير صاحب الألف في معنى المضارب إلا أن معنى المضاربة تتبع لمعنى الشركة ، والعبرة للأصل دون التبع فلا يضرهما اشتراط العمل عليهما ، وإن اشترطا العمل على صاحب الألف فهو جائز ، وإن اشترطا العمل على صاحب الألفين لا يجوز ، وإن اشترطا الربح على قدر رأس مالهما أثلاثا والعمل من أحدهما [ ص: 189 ] كان جائزا ، وإن شرطا أن يكون الربح والوضيعة بينهما نصفين فشرط الوضيعة نصفين فاسد ولكن بهذا لا تبطل الشركة ; لأن الشركة لا تبطل بالشروط الفاسدة ا هـ .

                                                                                        أقول : وقوله وإن اشترطا الربح على قدر رأس مالهما إلخ يفيد الجواز في المسألة التي ذكرناها قريبا ; لأن قوله : والعمل من أحدهما يشمل ما لو كان العامل صاحب الألف الذي ربحه أقل من صاحب الألفين فيفيد صحة اشتراط كون الربح أكثر للقاعد إذا كان رأس ماله أكثر من رأس مال العامل تأمل هذا وقد ذكر الشارح الزيلعي في أول كتاب المضاربة عند قوله : والمضارب أمين إلخ ما نصه وإذا أراد أن يجعله عليه مضمونا أقرضه رأس المال كله وأشهد عليه وسلمه إليه ، ثم يأخذه منه مضاربة ، ثم يدفعه إلى المستقرض يستعين به في العمل فإذا عمل وربح كان الربح بينهما على الشرط وأخذ رأس المال على أنه بدل القرض ، وإن لم يربح أخذ رأس المال بالقرض ، وإن هلك هلك على المستقرض وهو العامل أو أقرضه كله إلا درهما منه وسلمه إليه عقدا شركة العنان ، ثم يدفع إليه الدرهم ويعمل فيه المستقرض فإن ربح كان بينهما على ما شرطا ، وإن هلك هلك عليه ا هـ .

                                                                                        كلام الزيلعي ، وهو صريح في أن اشتراط العمل على الأكثر مالا جائز وهو مخالف لما تقدم عن الأصل من قوله ، وإن اشترطا العمل على صاحب الألفين لا يجوز ، تأمل ، ثم رأيت في كتاب الشركة من الخانية ما نصه : ولو تفاوتا في المال في شركة العنان وشرطا الربح والوضيعة نصفين ، قال في الكتاب الشركة فاسدة قالوا لم يرد محمد رحمه الله تعالى بهذا فساد العقد إنما أراد به فساد شرط الوضيعة ; لأن الشركة لا تبطل بالشروط الفاسدة . ا هـ .

                                                                                        فهذا بإطلاقه يشمل ما إذا كان العمل منهما أو من أحدهما سواء كان صاحب الأكثر أو الأقل والذي يتعين المصير إليه في التوفيق هو أن يقال إذا اشترطا العمل على أحدهما لا يصح أن يكون هو الأقل ربحا ، بل يكون الربح على قدر ماليهما أما إذا شرطا العمل عليهما وشرطا التفاضل في الربح وكان مال أحدهما أكثر أو لا يصح ذلك سواء عملا أو عمل أحدهما متبرعا ، فيحمل كلام المحيط على ما إذا شرطا العمل على أحدهما كما هو صريح عبارته ويحمل كلام الزيلعي على ما إذا شرطاه عليهما ، ثم يعمل أحدهما متبرعا بلا شرط ، ثم رأيت المؤلف صرح بما يدل على ذلك قبيل باب الكفالة في بحث ما لا يبطل بالشرط الفاسد حيث قال ما نصه قوله والشركة بأن قال شاركتك على أن تهديني كذا ، ومن هذا القبيل ما في شركة البزازية لو شرطا العمل على أكثرهما مالا والربح بينهما نصفين لم يجز الشرط والربح بينهما أثلاثا ا هـ .

                                                                                        وقد وقعت حادثة توهم بعض حنفية العصر أنها من هذا القبيل وليس كذلك هي تفاضلهما في المال ، وشرطا الربح بينهما نصفين ، ثم تبرع أفضلهما مالا بالعمل ، وأجبت بأن الشرط صحيح اشتراط العمل على أكثرهما مالا والتبرع ليس من قبيل الشرط [ ص: 190 ] والدليل عليه ما في بيوع الذخيرة اشترى حطبا في قرية شراء صحيحا وقال موصولا بالشراء من غير شرط في الشراء أحمله إلى منزلي لا يفسد العقد ; لأن هذا ليس بشرط في البيع ، بل هو كلام مبتدأ بعد تمام البيع فلا يوجب فساده ا هـ . إلى هنا كلام المؤلف صاحب البحر وهو صريح فيما قلنا والله أعلم .




                                                                                        الخدمات العلمية