الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : ومن رده من مدة سفر فله أربعون درهما ) جعلا له استحسانا يستحقها على مولاه بلا شرط ; لأن الصحابة رضي الله عنهم اتفقوا على أصل وجوب الجعل إلا أن منهم من جعله أربعين ومنهم من أوجب دونه فأوجب الأربعين في مسيرة السفر وما دونها فيما دونه توفيقا وتلفيقا فلو جاء بالآبق رجل فأنكر مولاه إباقه فالقول له فإن برهن أنه أبق أو أن مولاه أقر بذلك قبلت .

                                                                                        كذا في الجوهرة قيد بالآبق ; لأنه لا جعل لراد الضال ; لأنه بالسمع ولا سمع في الضال فامتنع ; ولأن الحاجة إلى صيانة الضال دونها في الآبق ; لأنه لا يتوارى والآبق يختفي ، وهذا مما فارق فيه الآبق فيه ، وكذا في حبسه فإن الآبق إذا رفع إلى الإمام يحبسه ولا يحبس الضال ; لأنه لا يؤمن على الآبق من الإباق ثانيا بخلاف الضال ، وكذا لا يأخذه الواجد ، بل تركه أفضل على أحد القولين ; لأنه لا يبرح من مكانه فيجده المالك بخلاف الآبق ، وكذا لا جعل لراد الصبي الحر .

                                                                                        أطلق الراد فشمل ما إذا كان اثنين فيشتركان في الأربعين إذا رداه لمولاه كما في الحاوي وشمل ما إذا رده محرمه إليه فهو كالأجنبي لكن يرد عليه ما إذا رده من في عيال سيده إليه وأنه لا جعل له ، وكذا يرد [ ص: 173 ] عليه ما إذا رده الأبوان أو أحدهما ولم يكن في عياله لا جعل له ، وكذا يرد عليه لو رده الابن إلى أبيه وليس في عياله أو أحد الزوجين إلى الآخر ، وكذا يرد عليه لو رده الوصي إلى اليتيم ، وكذا من يعول اليتيم إذا رد آبقه وليس بوصي ، وكذا يرد عليه لو كان مالكه قد استعاذ به كما لو قال لرجل إن عبدي قد أبق فإذا وجدته فخذه كما في فتح القدير ، وشرط في التتارخانية أن يقول له نعم معللا بأنه قد وعد له الإعانة ، وكذا يرد عليه لو رده السلطان أو الشحنة أو الخفير لوجوب الفعل عليهم فالوارد إحدى عشرة فلو قال إذا كان الراد يحفظ مال السيد أو يخدمه أو استعان به لسلم من الإيراد كما لا يخفى وشمل ما إذا كان الراد بالغا أو صبيا حرا أو عبدا ; لأن الصبي من أهل استحقاق الأجر بالعمل .

                                                                                        وكذا العبد إلا أن الجعل لمولاه ; لأنه ليس من أهل ملك المال ، كذا في البدائع وشمل ما إذا رده بنفسه أو نائبه .

                                                                                        قال في المحيط أخذ آبقا من مسيرة سفر فدفعه إلى رجل وأمره أن يأتي به إلى مولاه وأن يأخذ منه الجعل جاز وذكر في آخر الباب لو أخذ عبدا آبقا فاغتصبه منه رجل وجاء به لمولاه فدفعه إليه وأخذ جعله ، ثم جاء الذي أخذه فأقام البينة أنه أخذه من مسيرة ثلاثة أيام فإنه يأخذ من مولاه الجعل ثانيا ويرجع المولى على الغاصب بما دفع إليه ; لأنه أخذه بغير حق . ا هـ .

                                                                                        وأطلق في السيد فشمل البالغ والصبي فيجعل الجعل في ماله وشمل ما إذا كان متعددا فالجعل على قدر النصيب فلو كان البعض غائبا فليس للحاضر أن يأخذه حتى يعطي تمام الجعل ولا يكون متبرعا بنصيب الغائب فيرجع عليه وأطلق في المردود فشمل ما إذا كان صغيرا فهو كالكبير ، ذكره الحاكم في الكافي لكن ذكر بعده ، وإذا أبقت الأمة ولها صبي رضيع فردهما رجل كان له جعل واحد فإن كان ابنها غلاما قد قارب الحلم فله الجعل ثمانون درهما . ا هـ .

                                                                                        قيد ولد الآبقة بالمراهق ولم يقيد أولا فالظاهر أن الصغير إن لم يكن تبعا لأحد أبويه لا يشترط أن يكون مراهقا وإلا فهو شرط لكن لا بد من تقييده بالعقل ، قال في التتارخانية وما ذكر من الجواب في الصغير محمول على ما إذا كان يعقل الإباق أما إذا كان لا يعقل فهو ضال لا يستحق له الجعل . ا هـ .

                                                                                        وفي المصباح الجعل بالضم الأجر يقال جعلت له جعلك والجعالة بكسر الجيم وبعضهم يحكي التثليث والجعيلة مثل الكريمة لغات في الجعل . ا هـ .

                                                                                        [ ص: 173 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 173 ] ( قوله : أما إذا رده الأبوان أو أحدهما ولم يكن في عياله لا جعل له ) تبعه في هذا تلميذه الشيخ محمد الغزي في منحه ، والذي رأيته في غاية البيان ومعراج الدراية وفتح القدير والعناية والبزازية والقهستاني والنهر أن الأب كبقية المحارم إن كان في عياله لا جعل له وإلا فله الجعل ، وعبارة المعراج والجملة في ذلك أن الراد إذا كان في عيال مالك العبد أي في مؤنته ونفقته لا جعل له سواء كان الراد أبا للمالك أو ابنا له ، وأما إذا لم يكن في عياله فعلى التفصيل إن كان الراد ابن المالك فلا جعل له أيضا وإن كان أباه فله الجعل إليه ، أشار في الذخيرة وشرح الطحاوي وفي المبسوط جواب القياس أن الراد ذا الرحم المحرم يستحق الجعل في جميع ذلك إذا لم يكن في عياله ولكنه استحسن فقال إذا وجد الابن عبد أبيه فلا جعل له منه سواء كان في عياله أو لا ; لأن رده على أبيه من جملة خدمته ، وخدمة الأب مستحقة على الابن أما لو كان الراد أبا فإن كان في عياله ابنه لا جعل له ; لأن آبق الرجل إنما يطلبه من في عياله عادة ولهذا ينفق عليهم فلا يستوجب مع جعل آخر وإن لم يكن الأب في عياله فله الجعل ; لأن خدمة الابن غير مستحقة على الأب . ا هـ .

                                                                                        ثم رأيت في الحاوي القدسي ما نصه ، وإذا كان الراد ممن في عيال مالك الغلام لا جعل له ، وإن لم يكن في عياله فله الجعل سواء كان أجنبيا أو ذا رحم محرم إلا الوالدين والمولودين ا هـ .

                                                                                        فتأمل ( قوله : وشرط في التتارخانية أن يقول له نعم ) قال المقدسي الظاهر أنه ليس بشرط ; لأن الظاهر منه التبرع بالعمل حيث لم يشرط عليه جعلا . ( قوله فالوارد إحدى عشرة ) أي بعد الأبوين أو أحدهما صورتين ، وهذا بناء على ما قدمه أما على ما نقلناه عن شروح الهداية وغيرها فهما داخلان فيمن كان في عيال المولى ، وزاد في الدر المختار نقلا عن النتف الشريك ويصور في الوارث كما سيذكره [ ص: 174 ] عند قوله وأم الولد والمدبر كالقن




                                                                                        الخدمات العلمية