( قوله وبيعها قبلها ) أي حرم أطلقه فشمل ما قبل الإحراز وما بعده أما قبله لم يملكه وأما بعده فنصيبه مجهول فلا يمكنه أن يبيع وقد ورد النهي عن البيع قبل القسمة كما قدمناه ( قوله بيع الغنائم قبل القسمة لاستوائهم في السبب وهو المجاوزة أو شهود الوقعة وإذا لحقهم المدد في دار الحرب قبل أن يخرجوا الغنيمة إلى دار الإسلام شاركوهم فيها على ما قدمناه من الأصل وإنما ينقطع حق المشاركة عندنا بالإحراز أو بقسمة الإمام في دار الحرب أو ببيعه المغانم فيها لأن بكل منها يتم الملك فتنقطع شركة المدد والردء بكسر الراء وسكون الدال المهملة بعدها همزة بمعنى العون والمدد الجماعة الناصرون للجند وأفاد وشرك [ ص: 92 ] الردء والمدد فيها ) أي في الغنيمة المصنف أن المقاتل وغيره سواء حتى يستحق الجندي الذي لم يقاتل لمرض أو غيره وأنه لا يتميز واحد على آخر بشيء حتى أمير العسكر ، وهذا بلا خلاف لاستواء الكل في سبب الاستحقاق كذا في فتح القدير وفي المحيط المتطوع في الغزو وصاحب الديوان في الغنيمة سواء ا هـ .
وفي التتارخانية إذا فالقياس أن ينقض القسمة وفي الاستحسان لا ينقض ويعوض من بيت المال قيمة نصيبه ا هـ . قسم الإمام الغنيمة ثم جاء رجل وادعى أنه شهد الوقعة وأقام عدلين
( قوله لا لسوقي بلا قتال ) أي لا سهما ولا رضخا لأنه لم توجد المجاوزة على قصد القتال فانعدم السبب الظاهر فيعتبر السبب الحقيقي وهو القتال فيقيد الاستحقاق على حسب حاله فارسا أو راجلا عند القتال وأشار لا شركة للسوقي في الغنيمة إذا لم يقاتل المصنف إلى أن لا يستحق شيئا إن لم يقاتل صرح به في المحيط . الحربي إذا أسلم في دار الحرب أو المرتد إذا أسلم ولحق بالجيش
وذكر الشارح أن السوقي إذا قاتل ظهر أن قصده القتال والتجارة تبع له فلا يضره كالحاج إذا اتجر في طريق الحج ولا ينقص أجره ا هـ .
( قوله ولا من مات فيها وبعد الإحراز بدارنا يورث نصيبه ) لأن الإرث يجري في الملك ولا ملك قبل الإحراز وإنما الملك بعده كما قدمناه صرحوا في كتاب الوقف أن معلوم المستحق لا يورث بعد موته على أحد القولين وفي قول يورث ولم أر ترجيحا وينبغي أن يفصل فإن كان مات بعد خروج الغلة وإحراز الناظر لها قبل القسمة يورث نصيب المستحق لتأكد الحق فيه فإن الغنيمة بعد الإحراز بدارنا يتأكد الحق فيها للغانمين ولا ملك لواحد بعينه في شيء قبل القسمة مع أن النصيب يورث فكذا في الوظيفة وإن مات قبل الإحراز في يد المتولي لا يورث نصيبه قياسا على مسألة الغنيمة وسيأتي أن من مات من أهل الديوان قبل خروج العطاء لا يورث نصيبه سواء مات في [ ص: 93 ] نصف السنة أو آخرها ثم اعلم أن من إنما لا يورث نصيبه إذا مات قبل القسمة أو قبل البيع أما إن مات بعد القسمة أو البيع في دار الحرب فإنه يورث نصيبه كما صرح به في التتارخانية ( قوله مات في دار الحرب ) لما رواه وينتفع فيها بعلف وطعام وحطب وسلاح ودهن بلا قسمة عن البخاري أنه قال كنا نصيب في مغازينا العسل والعنب فنأكل ولا نرفعه أطلقه ولم يقيده بالحاجة وقد شرطها في رواية ولم يشترطها في الأخرى وهو الاستحسان فيجوز للغني والفقير . ابن عمر
وجه الأولى أنه مشترك فلا يباح الانتفاع به إلا لحاجة كما في الثياب والدواب . ووجه الأخرى { قوله عليه السلام في طعام خيبر كلوها واعلفوها ولا تحملوها } ولأن الحكم يدار على دليل الحاجة وهو كونه في دار الحرب وظاهر كلامهم أن السلاح لا يجوز له إلا بشرط الحاجة اتفاقا وقد صرح به في الظهيرية مع أن المصنف سوى بين الكل وأطلق الطعام فشمل المهيأ للأكل وغيره حتى يجوز لهم ذبح المواشي ويردون جلودها في الغنيمة وقيد جواز الانتفاع بما ذكر في الظهيرية بما إذا لم ينههم الإمام عن الانتفاع بالمأكول والمشروب أما إذا نهاهم عنه فلا يباح لهم الانتفاع به ا هـ .
وينبغي أن يقيد بما إذا لم تكن حاجتهم إليه أما إذا احتاجوا إلى المأكول والمشروب لا يعمل نهيه وقيد بالمذكورات لأن ما لا يؤكل عادة لا يجوز لهم تناوله مثل الأدوية والطيب ودهن البنفسج وما أشبه ذلك للحديث { } كذا في الشرح ولا شك أنه لو تحقق بأحدهم مرض يحوجه إلى استعمالها كان له ذلك كلبس الثوب فالمعتبر حقيقة الحاجة ذكره في فتح القدير بحثا وقد صرح به في المحيط والضمير في قوله ينتفع عائد إلى الغانمين فخرج التاجر والداخل لخدمة الجندي بأجر لا يحل لهم إلا أن يكون خبزا لحنطة أو طبخ اللحم فلا بأس به حينئذ لأنه ملكه بالاستهلاك ولو فعلوا لا ضمان عليهم ويأخذ الجندي ما يكفيه ومن معه من عبيده ونسائه وصبيانه الذي دخلوا معه قالوا ولو احتاج الكل إلى الثياب والسلاح قسمها حينئذ ولم يذكر ردوا الخيط والمخيط قسمة السلاح ولا فرق كما ذكر محمد المصنف لأن الحاجة في الثياب والسلاح واحد بخلاف السبي لا يقسم إذا احتيج إليه لأنه من فضول الحوائج لا أصولها .
وفي المحيط كرهت له غصبها ووطأها إلا إذا كانت مدبرة أو أم ولد له فلا يكره لأن المدبرة وأم الولد لا يملكونها بخلاف القنة لأنه بعقد الأمان ضمن أن لا يسرق ولا يغصب شيئا من أموالهم فإذا فعل ذلك كان نقضا فإن وطئ مدبرته أو أم ولده أهل الحرب لا يحل له وطؤها حتى تنقضي عدتها لأنهم باشروا الوطء على تأويل الملك فتجب العدة ويثبت النسب ، والمأسور فيهم لا يكره له أن يسرق أمته وسائر أمواله ولا يقتلهم لأنه لا عهد بينه وبينهم وأموالهم وأنفسهم مباحة في حقنا ا هـ . وجد مسلم جارية مأسورة له في دار الحرب في أيديهم وقد دخل بأمان
( قوله ولا نبيعها ) لأنه لا ملك لهم ولا ضرورة إلى ذلك وأفاد أنهم لا يتمولونها كالمباح له الطعام أطلقه فشمل البيع بالدراهم والدنانير والعروض فإن باعه أحدهم قبل القسمة رد الثمن إلى الغنيمة لأنه بدل عين كان للجماعة وإن كان بعدها يتصدق به على الفقراء إن كان غنيا ويأكل إن كان فقيرا كذا في المحيط .
وفي التتارخانية إذا أو أصاب عسلا في جبال لا يملكه أهل الحرب أو أصاب جواهر من ياقوت وفيروزج وزمرد من معدن لا يملكه أهل الحرب أو أصاب معدن ذهب أو فضة أو رصاص أو حديد مما لا يملكه أهل الحرب سوى الحشيش والماء فإن جميع ذلك يكون مشتركا بينه وبين أهل العسكر فلا يختص به الآخذ فإن كان الآخذ باعه من التجار يقف على إجازة الأمير ثم الإمام ينظر في ذلك فإن كان المبيع قائما [ ص: 94 ] والثمن أنفع للعسكر من المبيع أجاز البيع وأخذ الثمن ورده في الغنيمة وقسمه بين الغانمين وإن كان المبيع أنفع لهم من الثمن فسخ البيع واسترد المبيع وجعله في الغنيمة وإن لم يكن المبيع قائما يجيز بيعه ويأخذ ثمنه ويرده في الغنيمة وهذا كله استحسان والقياس أن لا تعمل الإجازة بعد الهلاك ولو أن دخل العسكر دار الحرب فصاد رجل منهم شيئا من الصيد بازيا أو صقرا أو ظبيا أو صاد سمكة كبيرة من البحر كان بيعه جائزا وكان الثمن طيبا له ولو أخذ جندي خشبا فعمل منه قصاعا ثم أخرجها إلى دار الإسلام فإن الإمام يأخذ ذلك منه ثم يعطيه قيمة ما زاد من الصنعة فيه إن شاء وإن شاء باعه وقسم الثمن على قيمة هذا الخشب غير معمول وعلى قيمته معمولا فما أصاب غير المعمول كان في الغنيمة وما أصاب المعمول من ذلك يكون للعامل ولا يصير المصنوع ملكا للعامل بهذه الصنعة ، وإن كانت الصنعة على هذا الوجه في ملك خاص لغيره يجعل المصنوع ملكا للصانع فينقطع حق صاحب الخشب ، فأما إذا كان لا يضمن بالغصب فالصنعة لا توجب انقطاع حق المالك ألا ترى أن من رجلا من الجند حش الحشيش في دار الحرب أو استسقى الماء ويبيعه من العسكر أو التجار فإنه لا ينقطع حق صاحب الجلد عن الجلد بهذه الصنعة ولو غصب من آخر جلد ميتة وخاطها فروا ثم دبغها فإنه يضمن قيمة الخشب وكان المصنوع للذي عمل لا سبيل للإمام عليه ا هـ . أخرجت الغنيمة إلى دار الإسلام فأخذ آخر منها خشبا وجعله قصاعا أو غيرها
( قوله وبعد الخروج منها لا ) أي لا ينتفعون بشيء مما ذكر لزوال المبيح ولأن حقهم قد تأكد حتى يورث نصيبه فلا يجوز الانتفاع به بدون رضاهم ( قوله وما فضل رد إلى الغنيمة ) لزوال حاجته ، والإباحة باعتبارها أطلقه وقيده في المحيط بأن يكون غنيا وإن كان فقيرا يأكل بالضمان لأنه ليس له أخذ الطعام بعد الإحراز فكذلك الإمساك لأن الحاجة قد ارتفعت وهذا إذا كان قبل القسمة وأما إذا كان بعدها باعها وتصدق بثمنها لأنه لا يمكنه القسمة لقلته فتعذر إيصاله إلى المستحق فيتصدق به كاللقطة ا هـ .