الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : ومن حرم ملكه لم يحرم ) أي لا يصير حراما عليه لذاته ; لأنه قلب المشروع وتغييره ولا قدرة له على ذلك بل الله تعالى هو المتصرف في ذلك بالتبديل وغيره إن استباحه كفر أي عامله معاملة المباح بأن فعل ما حرمه الله فإنه يلزمه كفارة اليمين لقوله تعالى { يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك } الآيتين فبين الله تعالى أن نبيه عليه السلام حرم شيئا مما هو حلال وأنه فرض له تحلته فعبر عن ذلك بقوله { تحلة أيمانكم } فعلم أن تحريم الحلال يمين موجب للكفارة وما في بعض الروايات من أنه يحلف صريحا فليس هو في الآية ولا في الحديث الصحيح إلى آخر ما في فتح القدير ولو ذكر المصنف بدل الملك الشيء بأن قال : ومن حرم شيئا ثم فعله كفر لكان أولى ليشمل الأعيان والأفعال وملكه وملك غيره وما كان حلالا وما كان حراما فيدخل فيه ما إذا قال كلامك علي حرام ، أو معي أو الكلام معك حرام كما في المبتغى وكذا إذا قال دخول هذا المنزل علي حرام ونحوه كما في المجتبى ولو قال لقوم : كلامكم علي حرام أيهم كلم حنث ، وفي مجموع النوازل وكذا كلام فلان وفلان علي حرام يحنث بكلام أحدهما وكذا كلام أهل بغداد وكذا أكل هذا الرغيف علي حرام يحنث بأكل لقمة بخلاف ما لو قال : والله لا أكلمهم لا يحنث حتى يكلمهم .

                                                                                        وفي الخلاصة لو قال : هذا الرغيف علي حرام حنث بأكل لقمة ، وفي فتاوى قاضي خان قال مشايخنا : الصحيح أنه لا يكون حانثا لأن قوله هذا الرغيف علي حرام بمنزلة قوله والله لا آكل هذا الرغيف ولو قال هكذا لم يحنث بأكل البعض ا هـ .

                                                                                        مع أن حرمة العين المراد منها تحريم الفعل فإذا قال هذا الطعام علي حرام فالمراد أكله وكذا إذا قال هذا الثوب [ ص: 318 ] علي حرام فالمراد لبسه إلا إذا نوى غيره كما في الخلاصة ولو قال لدراهم في يده هذه الدراهم علي حرام إن اشترى بها حنث ، وإن تصدق بها أو وهبها لم يحنث بحكم العرف كما في المحيط وغيره ولا خصوصية للدراهم بل لو وهب ما جعله حراما ، أو تصدق به لم يحنث ; لأن المراد بالتحريم حرمة الاستمتاع ، وفي المحيط لو قال مالي علي حرام فأنفق منه شيئا حنث وكذا مال فلان علي حرام فأكل منه ، أو أنفق حنث ويدخل فيه ما إذا قال هذا الطعام علي حرام لطعام لا يملكه فيصير به حالفا حتى لو أكله حلالا أو حراما لزمته الكفارة إلا إذا قصد به الإخبار عنها وهو لا يدخل تحت عبارة المصنف أيضا ويدخل فيه أيضا ما إذا قال : هذه الخمر علي حرام فإذا شربه كفر ففي فتاوى قاضي خان من فصل الأكل : الصحيح أنه إذا قال : الخمر علي حرام ، أو الخنزير علي حرام كان يمينا حتى إذا فعله كفر وذكر في فصل تحريم الحلال إذا قال : هذه الخمر علي حرام فيه قولان والفتوى على أنه ينوى في ذلك فإن أراد به الخبر لا تلزمه الكفارة .

                                                                                        وإن أراد به اليمين تلزمه الكفارة وعند عدم النية لا تلزمه الكفارة ا هـ .

                                                                                        وعبر المصنف بمن المفيدة للعموم ليشمل الذكر والأنثى فلذا قال في المجتبى والخلاصة قالت لزوجها : أنت علي حرام ، أو قالت : حرمتك على نفسي فيمين حتى لو طاوعته في الجماع ، أو أكرهها لزمتها الكفارة بخلاف ما إذا حلف لا يدخل هذه الدار فأدخل فإنه لا يحنث ا هـ .

                                                                                        وقيد بكونه حرمه على نفسه ; لأنه لو جعل حرمته معلقة على فعله فإنه لا يلزمه الكفارة لما في الخلاصة لو قال : إن أكلت هذا الطعام فهو علي حرام فأكله لا حنث عليه ، وفي المحيط ، وفي المنتقى إذا قال لغيره كل طعام آكله في منزلك فهو علي حرام ففي القياس لا يحنث إذا أكله هكذا روى ابن سماعة عن أبي يوسف ، وفي الاستحسان يحنث والناس يريدون بهذا أن أكله حرام ، وفي الحيل : إن أكلت عندك طعاما أبدا فهو حرام فأكله لم يحنث ا هـ .

                                                                                        وفي القنية : إن دخلت عليك فما أخذت بيميني فحرام فإن دخل عليه صار يمينا فإن ملك شيئا ولو شربة ماء تلزمه كفارة اليمين ا هـ . .

                                                                                        [ ص: 317 - 318 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 317 - 318 ] ( قوله : وعبر المصنف بمن إلخ ) قال في النهر : أنت خبير بأن في شمول كلامه لذلك نظرا بينا . ( قوله : وفي الاستحسان يحنث ) قال في النهر وعلى هذا فيجب أن يحنث في قوله : إن أكلت طعاما بأكله ا هـ . ومثله في الفتح .




                                                                                        الخدمات العلمية