الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : والولد يتبع الأم في الملك والحرية والرق والتدبير والاستيلاد والكتابة ) لإجماع الأمة ; ولأن ماءه يكون مستهلكا بمائها فيرجح جانبها ; ولأنه متيقن به من جهتها ولهذا يثبت نسب ولد الزنا وولد الملاعنة منها حتى ترثه ويرثها ; لأنه قبل الانفصال هو كعضو من أعضائها حسا وحكما حتى يتغذى بغذائها ويدخل في البيع والعتق وغيرهما من التصرفات تبعا لها فكان جانبها أرجح ، وكذا يعتبر جانب الأم في البهائم أيضا حتى إذا تولد بين الوحشي والأهلي أو بين المأكول وغير المأكول يؤكل إذا كانت أمه مأكولة وتجوز الأضحية به إذا كانت أمه يجوز التضحية بها وفي الظهيرية لو قال القائل هل يصير الولد حرا من زوجين رقيقين من غير إعتاق ولا وصية قيل نعم وصورته إذا كان للحر ولد هو عبد لأجنبي فزوج الأب جاريته من ولده برضا مولاه فولدت الجارية [ ص: 252 ] ولدا فهو حر ; لأنه ولد ولد المولى ، ولو عبر المصنف بالحمل أو بالجنين بدل الولد لكان أولى ; لأنه لا يتبع الأم في أوصافها إلا الحمل ، أما الولد بعد الوضع فلا يتبعها في شيء مما ذكر حتى لو أعتق الأم بعد الولادة لا يعتق الولد .

                                                                                        وقد علمت مما قدمناه أن المراد بالحرية هنا الحرية الأصلية ، أما الطارئة فقد أفادها أولا بقوله ، ولو أعتق حاملا عتقا وفي البدائع لو اختلف المولى والمدبرة في ولدها فقال المولى ولدتيه قبل التدبير فهو رقيق ، وقالت هي ولدته بعده فهو مدبر فالقول قول المولى مع يمينه على علمه والبينة بينة المدبرة ، ولو كان مكان التدبير عتق فقال المولى للمعتقة ولدتيه قبل العتق وهو رقيق ، وقالت ولدته بعد العتق وهو حر يحكم فيه الحال إن كان الولد في يدها فالقول قولها وإن كان في يد المولى فالقول قوله ; لأن الظاهر يشهد لمن هو في يده بخلاف المدبرة فإنها في يد المولى فكذا ولدها . ا هـ .

                                                                                        وفي الخانية من الدعوى في مسألة إعتاقها لو كان الولد في أيديهما فكذلك يكون القول قولها ; لأنها تدعي الولادة في أقرب الأوقات وفيه حرية الولد ، ولو أقاما البينة فبينتها أولى ; لأن بينة المولى قامت على نفي العتق وبينتها قامت على إثبات الحرية ، وكذلك في الكتابة ، أما في التدبير فالقول قول المولى ; لأنهما تصادقا على رق الولد ، وذكر في المنتقى عن محمد إن كان الولد يعبر عن نفسه يرجع إليه ويكون القول للولد وإلا فالقول لمن هو في يده منهما ا هـ .

                                                                                        وقد أشار المصنف بعطف الرق على الملك إلى المغايرة بينهما وهو كذلك فإن الملك هو القدرة على التصرف ابتداء فخرج الولي والوصي والوكيل ، أما الرق فعجز حكمي عن الولاية والشهادة والقضاء ومالكية المال كائن عن جعله شرعا عرضة للتملك والابتذال واختلفوا هل هو حق الله تعالى أو حق العامة فقيل بالأول ; لأن الكفار لما استنكفوا عن عبادته جعلهم الله أرقاء لعباده فكان سبب رقهم كفرهم أو كفر أصولهم ، وقيل بالثاني لكونه وسيلة إلى نفعهم وإقامة مصالحهم ودفع الشر عنهم قالوا أول ما يؤخذ المأسور يوصف بالرق ولا يوصف بالملك إلا بعد الإخراج إلى دار الإسلام ، والملك يوجد في الجماد والحيوان غير الآدمي دون الرق وبالبيع يزول ملكه دون الرق وبالعتق يزول ملكه قصدا ; لأنه حقه ويزول الرق ضمنا ضرورة فراغه عن حقوق العباد ويتبين لك الفرق بينهما في القن وأم الولد والمكاتب فإن الملك والرق كاملان في القن ، ورق أم الولد والمدبر ناقص حتى لا يجوز عتقها عن الكفارة والملك فيها كامل حتى جاز وطء أم الولد والمدبرة ، والمكاتب رقه كامل حتى جاز عتقه عن الكفارة وملكه ناقص حتى خرج من يد المولى ولا يدخل تحت قوله كل مملوك أملكه فهو حر فحاصله أن جواز البيع يعتمد كمالهما وحل الوطء يعتمد كمال الملك فقط وجواز العتق عن الكفارة يعتمد كمال الرق فقط وقيد بالتبعية فيما ذكر للاحتراز عن النسب فإنه للأب ; لأن النسب للتعريف وحال الرجال مكشوفة دون النساء حتى لو تزوج هاشمي أمة إنسان فأتى بولد فهو هاشمي تبعا لأبيه رقيق تبعا لأمه كما في فتح القدير ; لأن الزوج قد رضي برق الولد حيث أقدم على تزوجها مع العلم برقها بخلاف المغرور فإن ولده من الأمة حر ; لأنه لم يرض به لعدم علمه فانعلق حرا ووجبت القيمة وهو مما يستثنى من كلام المصنف فإنه لم يتبع أمه في الرق والملك وإنما لم يذكره هنا ; لأنه سيصرح به في باب دعوة النسب وللاحتراز عن الدين فإنه يتبع خير الأبوين دينا ; لأنه أنظر له .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله : وكذا يعتبر جانب الأم في البهائم ) قال الرملي هذا منقوض بالشاة إذا نزا عليها كلب فولدت فإنه لا تجوز التضحية به عند عامة العلماء كما ذكره في البزازية وغيرها ا هـ .

                                                                                        قلت : لكن في الوهبانية

                                                                                        وإن ينز كلب فوق عنز فجاءها نتاج له رأس الكلاب فينظر فإن أكلت لحما فكلب جميعها
                                                                                        وإن أكلت تبنا فذا الرأس يبتر ويؤكل باقيها وإن أكلت لذا
                                                                                        وذا فاضربنها فالصياح يخبر وإن أشكلت فاذبح فإن كرشها بدا
                                                                                        فعنز وإلا فهي كلب فيطمر

                                                                                        قال شارحها الشرنبلالي : المسألة من الظهيرية كلب نزا على عنز فولدت ولدا رأسه رأس كلب وباقيه يشبه العنز قالوا يقدم إليه العلف واللحم فإن تناول العلف دون اللحم ترمى رأسه بعد الذبح ويؤكل ما سواها وإن تناولهما جميعا يضرب فإن نبح لا يؤكل وإن ثغى ترمى رأسه ويؤكل غيرها فإن ثغى ونبح ذبح فإن وجد له كرش أكل ما سوى الرأس وإن وجد له أمعاء لا يؤكل ; لأنه كلب وعن الجامع الصغير لو نزا حمار على حمارة وحشية فولدت تبع أمه فيؤكل ; لأن للولد حكم أمه في الحل والحرمة وفي جوامع الفقه والولوالجية الاعتبار في المتولد للأم في الأضحية والحل ، وقيل يعتبر بنفسه فيهما حتى إذا نزا ظبي على شاة أهلية فإن ولدت شاة تجوز التضحية بها وإن ولدت ظبيا لم تجز ، ولو ولدت الرمكة حمارا لم يجز ولم يؤكل وفي الخلاصة [ ص: 252 ] في الأضحية المتولدة بين الكلب والشاة قال عامة العلماء لا يجوز وقال الإمام الجرجاني إن كان يشبه الأم يجوز ا هـ .




                                                                                        الخدمات العلمية