الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : ويصح من حر مكلف لمملوكه بأنت حر أو بما يعبر به عن البدن وعتيق ومعتق ومحرر وحررتك وأعتقتك نواه أو لا ) بيان لشرائطه وصريحه وحكم الصريح ، أما شرائطه فذكر المصنف أنها ثلاثة : الأول منها لا حاجة إليه مع ذكر الملك ; لأن الحرية للاحتراز عن إعتاق غير الحر وهو ليس بمالك كما سنبينه واحترز بالمكلف عن عتق الصبي فإنه لا يصح وإن كان عاقلا كما لا يصح طلاقه ، وعن عتق المجنون فإنه لا يصح ، أما الذي يجن ويفيق فهو في حالة إفاقته عاقل وفي حالة جنونه مجنون وخرج المعتوه أيضا والمدهوش و المبرسم والمغمى عليه والنائم فلا يصح إعتاقهم كما لا يصح طلاقهم ، ولو قال أعتقت وأنا صبي أو وأنا نائم كان القول قوله ، وكذا لو قال أعتقته وأنا مجنون بشرط أن يعلم جنونه أو قال وأنا حربي في دار الحرب ، وقد علم ذلك ; لأنه لما أضافه إلى زمان لا يتصور منه الإعتاق علم أنه أراد صيغة الإعتاق لا حقيقته فلم يصر معترفا بالإعتاق كما لو قال أعتقته قبل أن أخلق أو يخلق وخرج باشتراط أن يكون مملوكا له إعتاق العبد المأذون له في التجارة أو المكاتب لانعدام ملك الرقبة ، وكذا لو اشترى العبد المأذون له في التجارة محرما منه أو المكاتب كذلك فإنه لا يعتق عليهما لعدم ملكهما ويرد على المصنف إعتاق عبد الغير فإنه صحيح موقوف على إجازة سيده إن لم يكن وكيله نعم هو شرط للنفاد وليس الكلام هنا إلا في الصحة ، ولو أبدله بقوله للمملوك لكان أولى .

                                                                                        لأن شرطه كما في المستصفى أن يكون المحل مملوكا والمراد بالمملوك المملوك رقبته وإن لم يكن في يده فصح إعتاق المولى المكاتب والعبد المأذون والمشترى قبل القبض والمرهون والمستأجر والعبد الموصى برقبته لإنسان وبخدمته لآخر إذا أعتقه الموصى له بالرقبة ولا يشترط أن يكون عالما بأنه مملوكه حتى لو قال الغاصب للمالك أعتق رقبة هذا العبد فأعتقه وهو لا يعلم أنه عبده عتق ولا يرجع على الغاصب بشيء ، وكذا لو قال البائع للمشتري : أعتق عبدي هذا وأشار إلى المبيع فأعتقه [ ص: 240 ] المشتري ولم يعلم أنه عبده صح إعتاقه ويجعل قبضا ويلزمه الثمن كما في الكشف الكبير في بحث القضاء .

                                                                                        وأخرج باشتراط المملوكية عتق الحمل إذا ولدته لستة أشهر فأكثر لعدم التيقن بوجوده وقته بخلاف ما إذا ولدته لأقل منها فإنه يصح ويشترط وجود الملك للمعتق وقت وجود الإعتاق لينفذ إن كان منجزا وإن كان معلقا بما سوى الملك وسببه فإنه يشترط وجود الملك وقت التعليق كالتعليق بدخول الدار ونحوه ، وكذا يشترط وقت نزول الجزاء ولا يشترط بقاء الملك فيما بينهما ، أما إذا كان معلقا بالملك كأن ملكتك فأنت حر فلا يشترط له شيء من ذلك ، ولم يشترط المصنف أن يكون صاحيا ولا طائعا لصحة عتق السكران والمكره عندنا كطلاقهما ، وكذا لم يشترط العمد لصحة عتق المخطئ ولم يشترط قبول العبد للإعتاق ; لأنه ليس بشرط إلا في العتق على مال فإن قبوله شرط كما سنذكره في بابه ، وكذا لم يشترط خلوه عن الخيار لعدم صحة الخيار فيه من جانب المولى فيقع العتق ويبطل الشرط ، أما من جانب العبد في العتق على مال فلا بد من خلوه عن خياره حتى لو رد العبد العتق في مدة الخيار ينفسخ العقد ولا يعتق كما في الطلاق على مال ، وكذا الصلح من دم العمد بشرط الخيار فإن كان من جانب المولى فهو باطل والصلح صحيح وإن كان للقاتل فهو صحيح فإن فسخ العقد ففي القياس يبطل العفو وفي الاستحسان لا يبطل ويلزم القاتل الدية ولم يشترط المصنف أيضا إسلام المعتق وهو المالك ; لأنه يصح من الكافر ولو مرتدة ، أما إعتاق المرتد فموقوف عند الإمام نافذ عندهما ولم يشترط أيضا أن يكون المالك صحيحا ; لأنه يصح الإعتاق من المريض مرض الموت وإن كان معتبرا من الثلث ; لأنه وصية وشرط في البدائع عدم الشك في ثبوت الإعتاق فإن كان شاكا فيه لا يحكم بثبوته .

                                                                                        [ ص: 239 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 239 ] ( قوله : ويرد على المصنف إعتاق عبد الغير إلخ ) قال في النهر لا يرد ; لأن الإجازة اللاحقة كالوكالة السابقة ، ومعلوم أن الوكيل فيه سفير محض .




                                                                                        الخدمات العلمية