الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : ويجمع في خف لا فيهما ) أي ويجمع الخروق في خف واحد لا في خفين حتى لو كان الخرق في خف واحد قدر أصبعين في موضع أو موضعين وفي الآخر قدر أصبع جاز المسح عليهما بعد أن يقع المقدار الواجب على الخف نفسه ، فإن الظاهر أنه لو مسح مقدار ثلاث أصابع من أصغر أصابع اليد على الصحيح منه وعلى ما ظهر من الخرق اليسير كما في هذه المسألة أنه لا يجوز ; لأن المسح على ما ظهر من الخرق ليس بمسح على الخف حقيقة ولا حكما أما حقيقة فظاهر ، وأما حكما ; فلأن الخرق المذكور إنما جعل عفوا في جواز المسح على خف هو فيه لكن لا بحيث يكون ما يقع على ما ظهر منه محسوبا من القدر الواجب لما تقدم من أنه إنما اعتبر عفوا فيه ; لأن في اعتباره مانعا من المسح حرجا لازما لما ذكرنا ولا حرج في عدم احتساب ما يقع من المسح على ما ظهر منه من القدر الواجب لعدم العسر في فعله على غيره فظهر أن عدم اعتباره مانعا من المسح على خف هو فيه للضرورة وأنه لا ضرورة لاحتساب ما يقع إليه من القدر الواجب من المسح وما ثبت بالضرورة يتقدر بقدرها كذا في شرح منية المصلي وإذ امتنع المسح على أحدهما بجمع الخروق المتفرقة امتنع المسح على الآخر لما عرف حتى يلبس مكان المتخرق ما يجوز المسح عليه

                                                                                        وهذا الحكم المذكور في الكتاب هو المشهور في المذهب وقد بحث المحقق كمال الدين بحثا عليه فقال لقائل أن يقول لا داعي إلى جمع الخروق ، وهو اعتبارها كأنها في مكان واحد لمنع المسح ; لأن امتناعه فيما إذا اتحد المكان حقيقة لانتفاء معنى الخف بامتناع قطع المسافة المعتادة به لا لذاته ولا لذات الانكشاف من حيث هو انكشاف ، وإلا لوجب الغسل في الخرق الصغير ، وهذا المعنى منتف عند تفرقها صغيرة كقدر الحمصة والفولة لإمكان قطعها مع ذلك وعدم وجوب غسل البادي ا هـ .

                                                                                        وقد قواه تلميذه ابن أمير حاج بأن هذه الدراية موافقة لرواية عن أبي يوسف مذكورة في خزانة الفتاوى وفي بعض شروح المجمع أنه لا يجمع الخرق سواء كان في خف أو خفين ا هـ .

                                                                                        وقد رأيت في التوشيح أن هذه الرواية قول أبي يوسف وجعل الجمع قول محمد ا هـ .

                                                                                        ولا شك أن هذه الدراية أولى مما في المحيط من أن الخروق المتعددة في الخف قدر ثلاثة أصابع تمنع من تتابع المشي فيه إذ لا يخفى ما فيه من المنع الظاهر ومما في البدائع من أن الخرق إنما منع جواز المسح لظهور مقدار فرض المسح فإذا كان متفرقا في الخفين لم يظهر مقدار فرض المسح من كل منهما ، فإن ظهور مقدار فرض المسح من كل منهما لا يظهر له أثر في المنع بعد إمكان قطع المسافة به وتتابع المشي فيه وبقاء شيء من ظهر القدم يقع فيه مقدار الواجب من المسح فكان الظاهر ما بحثه المحقق والله أعلم وأقل الخرق الذي يجمع [ ص: 186 ] ما يدخل فيه المسلة

                                                                                        وأما ما دونه فلا يعتبر إلحاقا بمواضع الخرز ذكره في جوامع الفقه ( قوله : بخلاف النجاسة والانكشاف ) أي بخلاف النجاسة المتفرقة حيث تجمع ، وإن كانت متفرقة في خفيه أو ثوبه أو بدنه أو مكان أو في المجموع وبخلاف انكشاف العورة المتفرق كانكشاف شيء من فرج المرأة وشيء من ظهرها وشيء من فخذها وشيء من ساقها حيث يجمع لمنع جواز الصلاة ; لأن المانع في العورة انكشاف القدر المانع وفي النجاسة هو كونه حاملا لذلك القدر المانع وقد وجد فيهما ، وأما الخروق في الخف ، فإنما منع لامتناع قطع المسافة معه ، وهذا المعنى مفقود فيما إذا لم يكن في كل خف مقدار ثلاث أصابع إليه أشار في الهداية وقد تقدم ما فيه وسيأتي في باب شروط الصلاة كيفية الجمع وما فيه هذا وقد ذكر في الخلاصة أن النجاسة لو كانت في ثوب المصلي أقل من قدر الدرهم وتحت قدميه أقل من قدر الدرهم ولكن لو جمع بلغ أكثر من قدر الدرهم لا يجمع ولا يخفى أنه مخالف لما قدمناه ، وهو مذكور في التبيين وغيره وفي الخلاصة أيضا والخرق في أذني الأضحية هل يجمع اختلف المشايخ فيه وأعلام الثوب تجمع ا هـ .

                                                                                        يعني : إذا كان في الثوب أعلام من الحرير ، وكانت إذا جمعت بلغت أكثر من أربع أصابع ، فإنها تجمع ولا يجوز لبسه كما لا يخفى .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله : ولا شك أن هذه الدراية أولى مما في المحيط ) قال في النهر إطباق عامة المتون والشروح على الجمع مؤذن بترجيحه وذلك ; لأن الأصل أن الخرق مانع مطلقا إذ الماسح عليه ليس ماسحا على الخف لكن لما كانت الخفاف قد لا تخلو عن خرق لا سيما خفاف الفقراء قلنا إن الصغير عفو وجمعناه في واحد لعدم الحرج بخلاف الاثنين [ ص: 186 ] ( قوله : اختلف المشايخ فيه ) قال في المنح قلت ينبغي ترجيح القول بالجمع احتياطا في باب العبادات .




                                                                                        الخدمات العلمية