( قوله : ولم يعد إن صلى به ونسي الماء في رحله ) أي ولم يعد إن مما ينسى عادة ، وكان موضوعا بعلمه ، وهو للبعير كالسرج للدابة ويقال لمنزل الإنسان ومأواه رحل أيضا ، وهو المراد بقولهم نسي الماء في رحله كذا في المغرب لكن قد يقال قولهم لو كان الماء في مؤخرة الرحل يفيد أن المراد بالرحل الأول ، وهذا عند صلى بالتيمم ناسيا الماء كائنا في رحله أبي حنيفة ومحمد
وقال : تلزمه الإعادة قيد بالنسيان ; لأن في الظن لا يجوز التيمم إجماعا ويعيد الصلاة ; لأن الرحل معدن الماء عادة فيفترض عليه الطلب كما يفرض عليه الطلب في العمرانات ; لأن العلم لا يبطل بالظن بخلاف النسيان ; لأنه من أضداد العلم وظنه بخلاف العادة لا يعتبر وقيد بقوله في رحله ; لأنه لو كان على [ ص: 168 ] ظهره فنسيه ثم تيمم يعيد اتفاقا وكذا إذا كان على رأسه أو معلقا في عنقه وقيدنا بكونه مما ينسى عادة ; لأنه لو لم يكن كذلك كما إذا نسي الماء المعلق في مؤخر رحله ، وهو يسوق دابته ، فإنه يعيد اتفاقا وكذا إذا كان راكبا والماء في مقدم الرحل أو بين يديه راكبا بخلاف ما إذا كان سائقا ، وهو في المقدم أو راكبا ، وهو في المؤخر ، فإنه على الاختلاف وكذا إذا كان قائدا مطلقا وقيدنا بكونه موضوعا بعلمه ; لأنه لو وضعه غيره ولو عبده أو أجيره بغير أمره لا يعيد اتفاقا ; لأن المرء لا يخاطب بفعل الغير كذا في النهاية وتبعه عليه جماعة من الشارحين وإليه أشار في فتح القدير وتعقبه في غاية البيان بأن دعوى الإجماع سهو ليست بصحيحة ونقل عن أبو يوسف فخر الإسلام في شرح الجامع الصغير أنها على الاختلاف
والحق ما في البدائع أنه لا رواية لهذا نصا وقال بعض المشايخ إن لفظ الرواية في الجامع الصغير تدل على أنه يجوز بالإجماع ، فإنه قال في الرجل يكون في رحله ماء فنسي والنسيان يستدعي تقدم العلم ثم مع ذلك جعل عذرا عندهما فبقي موضع لا علم أصلا ينبغي أن يجعل عذرا عند الكل ولفظ الرواية في كتاب الصلاة يدل على أنه على الاختلاف ، فإنه قال ، وهذا يتناول حالة النسيان وغيرها مسافر تيمم ومعه ماء في رحله ، وهو لا يعلم به وجهان أحدهما أنه نسي ما لا ينسى عادة ; لأن الماء من أعز الأشياء في السفر لكونه سببا لصيانة نفسه عن الهلاك فكان القلب متعلقا به فالتحق النسيان فيه بالعدم . لأبي يوسف
والثاني : أن الرحل موضع الماء غالبا لحاجة المسافر إليه فكان الطلب واجبا كما في العمران ولهما أنه عجز عن استعمال الماء فلا يلزمه الاستعمال ، وهذا ; لأنه لا قدرة بدون العلم ; لأن القادر على الفعل هو الذي لو أراد تحصيله يتأتى له ذلك ولا تكليف بدون القدرة ولو فقدت قدرته بفقد سائر الآلات جاز تيممه فإذا فقد العلم ، وهو أقوى الآلات أولى وتعقبه في فتح القدير بأن هذا لا يفيد بعد ما قرر لثبوت العلم نظرا إلى الدليل اتفاقا كما قال الكل في المسائل الملحق بها ، وإنما المفيد ليس إلا منع وجود العلة أي لا نسلم أن الرحل دليل الماء الذي ثبوته يمنع التيمم أعني ماء الاستعمال بل الشرب ، وهو مفقود في حق غير الشرب ا هـ . لأبي يوسف
ولو ، فإن بعضهم تلزمه الإعادة بالإجماع وذكر صلى عريانا ، وفي رحله ثوب طاهر لم يعلم به ثم علم أنه على الاختلاف ، وهو الأصح كذا في البدائع ، فإن كان على الاختلاف فظاهر ، وإن كان بالإجماع فالفرق على قولهما أن الرحل معد للثوب لا لماء الوضوء لكن يرد عليه لو مع ثوب نجس ناسيا الطاهر ، فإنها كمسألة الصلاة عاريا مع أن الرحل ليس معدا لماء الاستعمال بل لماء الشرب كما بينا وما وقع في شرح الكنز وغيره من الفرق بينهما وبين ما لو نسي ماء الوضوء فتيمم بأن فرض الستر وإزالة النجاسة فات لا إلى خلف بخلاف الوضوء لا يثلج الخاطر عند التأمل ; لأن فوات الأصل إلى خلف لا يجوز الخلف مع فقد شرطه بل إذا فقد شرطه مع فوات الأصل يصير فاقدا للطهورين فيلزمه حكمه ، وهو التأخير عنده والتشبه عندهما بالمصلين كذا في فتح القدير ولقائل أن يقول قوله ; لأن فوات الأصل إلى آخره صحيح الكرخي
وأما قوله بل إذا فقد شرطه إلى آخره فليس بظاهر ; لأن شرط جواز الخلف عدم القدرة على الأصل وفقد هذا الشرط بالقدرة على الأصل فكيف يجتمع فقد شرط الخلف مع فوات الأصل بل يلزم من فقد شرط الخلف وجود الأصل ; لأن شرطه فوات الأصل ففقده بوجوده ولا فرق في مسألة الكتاب بين أن يذكره في الوقت أو بعده ولو مر بالماء ، وهو متيمم لكنه نسي أنه تيمم ينتقض تيممه ، ولو أمر بالإعادة واتفقوا على أن النسيان غير معفو في مسائل منها ما لو ضرب الفسطاط على رأس البئر قد غطى رأسها ولم يعلم بذلك فتيمم وصلى ثم علم بالماء ومنها لو نسي المحدث غسل بعض أعضائه [ ص: 169 ] وكان قادرا ومنها أن صلى قاعدا متوهما عجزه عن القيام ومنها لو الحاكم إذا حكم بالقياس ناسيا النص ومنها لو نسي الرقبة في الكفارة فصام ومنها لو توضأ بماء نجس ناسيا ومنها لو فعل ما ينافي الصلاة ناسيا ومنها مسائل كثيرة تعرف في أثناء الكتاب إن شاء الله تعالى . فعل محظور الإحرام ناسيا