الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( باب طلاق المريض ) .

                                                                                        لما كان المرض من العوارض أخره ، ومعناه ضروري فتعريفه تعريف بالأخفى ، والمراد به هنا من عجز عن القيام بحوائجه خارج البيت كعجز الفقيه عن الإتيان إلى المسجد وعجز السوقي عن الإتيان إلى دكانه فأما من يذهب ويجيء ويحم فلا ، وهو الصحيح ، وهذا في حقه أما في حقها فيعتبر عجزها عن القيام بمصالحها داخل البيت كذا في البزازية ، وزاد في فتح القدير أن لا تقدر على الصعود إلى السطح ، وفي صلاة المريض الذي يباح له ترك القيام أن يكون بحيث يلحقه بالقيام ضرر على الأصح كما في الجوهرة ، وليس الحكم هنا مقصورا على المريض بل المراد من يخاف عليه الهلاك غالبا ، وإن كان صحيحا كما سيأتي ، وقد علم من كلامهما أنه لا يجوز للزوج المريض التطليق لتعلق حقها بماله إلا إذا رضيت به ( قوله طلقها رجعيا أو بائنا في مرض موته ، ومات في عدتها ورثت وبعدها لا ) لأن الزوجية سبب إرثها في مرض موته ، والزوج قصد إبطاله فيرد عليه قصده بتأخير عمله إلى زمن انقضاء العدة دفعا للضرر عنها ، وقد أمكن لأن النكاح في العدة يبقى في حق بعض الآثار فجاز أن يبقى في حق إرثها عنه بخلاف ما بعد الانقضاء لأنه لا مكان ، والزوجية في هذه الحالة ليست بسبب لإرثه عنها فيبطل في حقه خصوصا إذا رضي به ، وفي الظهيرية ، وإن كانت المطلقة في المرض مستحاضة ، وكان حيضها مختلفا ففي الميراث يؤخذ بالأقل لأن المال لا يستوجب بالشك ا هـ .

                                                                                        أطلق الرجعي ليفيد أنها ترث ، وإن طلق في الصحة ما دامت في العدة لبقاء الزوجية بينهما حقيقة حتى حل الوطء ، وورثها إذا ماتت فيها .

                                                                                        ولا يشترط أهليتها للإرث وقت الطلاق بل وقت موته حتى لو كانت في الرجعي مملوكة أو كتابية ثم أعتقت أو أسلمت في العدة ورثته ، وأطلق البائن فشمل الواحدة والثلاث ، وترك المصنف قيد الطواعية ، ولا بد منه لأنه لو أكره على طلاقها البائن لا ترث كما لو أكرهت على سؤالها الطلاق فإنها ترث كما في القنية ، وذكر في جامع الفصولين خلافا فيه ، وقيد بأن يكون في مرضه احترازا عما إذا طلق في الصحة ثم مرض ، ومات ، وهي في العدة لا ترث منه ، ولو قال صحيح لامرأتيه إحداكما طالق ثم بين في مرضه في إحداهما صار فارا بالبيان ، وترث لأنه كالإنشاء في حق الإرث للتهمة ، وتمامه في الكافي ، وأراد به المرض الذي اتصل به الموت لأن حقها لا يتعلق بماله إلا به فلو طلقها في مرضه ثم صح ثم مات ، وهي في العدة لا ترث منه كما سيأتي ، ولو طلقها في مرضه ثم قتل أو مات من غير ذلك المرض غير أنه لم يبرأ فلها الميراث لأنه قد اتصل الموت بمرضه كذا في الظهيرية ، ولا بد في البائن أن تكون أهلا للميراث وقت الطلاق ، والموت ، وما بينهما ، وسيأتي ، ولا يشترط علمه بأهليتها للميراث حتى لو طلقها بائنا في مرضه ، وقد كان سيدها أعتقها قبل ، ولم يعلم به الزوج كان فارا .

                                                                                        وكذا لو كان تحته كتابية فأسلمت فطلقها الزوج ثلاثا ، وهو لا يعلم بإسلامها كما في الظهيرية بخلاف ما لو قال المولى لأمته أنت حرة غدا ، وقال الزوج أنت طالق ثلاثا بعد غد إن علم الزوج بكلام المولى كان فارا ، وإلا فلا كما في الخانية لأنه [ ص: 47 ] وقت التعليق لم يقصد إبطال حقها حيث لم يعلم ، وإن صارت أهلا قبل نزول الطلاق ، ولم تكن حرة وقت التعليق لأن عتقها مضاف بخلاف ما إذا كانت حرة وقته ، ولم يعلم به لأنه أمر حكمي فلا يشترط العلم به ، ولو علق طلاقها البائن بعتقها كان فارا كما في الظهيرية ، ولو علق طلاقها بمرضه كما إذا قال إن مرضت فأنت طالق ثلاثا يكون فارا لأنه جعل شرط الحنث المرض مطلقا كما في الولوالجية ، وصححه في الخانية ، وشمل كلامه ما إذا وكل بطلاقها ، وهو صحيح ثم مرض فطلق الوكيل بشرط أن يقدر على عزله أما إذا لم يستطع عزله حتى طلقها في مرضه لا ترث منه كما في الظهيرية ، وفي الولوالجية لو قالت بعد موته طلقني في مرضه ثلاثا ، وكذبها الورثة في الطلاق في المرض ورثته لأنهم يدعون عليها الحرمان بالطلاق في الصحة ، وهي تنكر فيكون القول لها كما لو قالت طلقني ، وهو نائم ، وقالوا في اليقظة كان القول لها ، وفي الخانية لو كانت المرأة أمة قد عتقت ، ومات الزوج فادعت المرأة العتق في حياة الزوج ، وادعت الورثة أنه كان بعد موته فالقول للورثة ، ولا يعتبر قول مولاها كما إذا ادعت أنها أسلمت في حياته ، وقال الورثة أسلمت بعد موته فالقول لهم ، والقول لها في أنه مات قبل انقضاء عدتها مع اليمين فإن نكلت لا إرث لها ، ولو تزوجت قبل موته ثم قالت لم تنقض عدتي لا يقبل قولها ، ولو لم تتزوج لكنها قالت أيست ثم مات بعد مضي ثلاثة أشهر من وقت إقرارها لا ميراث لها ا هـ .

                                                                                        وفي المحيط وإن لم يعلم منها كفر فقالت الورثة كنت كتابية ، وأسلمت بعد موت الزوج ، وهي تقول ما زلت مسلمة فالقول قولها لأن الورثة يدعون بطلان حقها ، وهي تنكر ، ولو مات الزوج كافرا فقالت امرأة مسلمة أسلمت بعد موت زوجي ، وقالت الورثة بل كنت مسلمة قبل موته فالقول لهم لأنه ظهر بطلان حقها حيث كانت مسلمة للحال فهي تدعي ثبوت حقها في ماله ، والورثة ينكرونه . ا هـ .

                                                                                        وأشار بقوله في عدتها إلى أنها مدخولة فلو أبانها قبل الدخول بها فلا ميراث لها لأنه تعذر إبقاء الزوجية في غير حالة العدة كما في المحيط ، وقيد بموته لأنه لو ماتت المرأة لم يرثها الزوج بحال لأن الزوج بالطلاق رضي ببطلان حقه كذا في المحيط ، وفي جامع الفصولين طلقها في المرض فمات بعد مضي العدة فالمشكل من متاع البيت لوارث الزوج إذا صارت أجنبية بمضي العدة ، ولم يبق لها يد ، ولو مات قبل العدة فالمشكل من متاع البيت للمرأة عند أبي حنيفة لأنها ترث فلم تكن أجنبية فكأنه مات قبل الطلاق . ا هـ . .

                                                                                        [ ص: 46 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 46 ] باب طلاق المريض ) .

                                                                                        ( قوله وزاد في فتح القدير أن لا تقدر إلخ ) قال في النهر ، ومقتضى الأول أنها لو قدرت على نحو الطبخ دون صعود السطح لم تكن مريضة ، وهو الظاهر ( قوله وقد علم من كلامهم أنه لا يجوز إلخ ) قال في النهر فيه نظر لأن الشارع حيث رد عليه قصده لم يكن آتيا إلا بصورة الإبطال لا بحقيقته فتدبر . ا هـ .

                                                                                        وقد يقال لو لم يكن ذلك القصد محظورا لم يرده عليه الشارع كمن قتل مورثه ( قوله أطلق الرجعي ليفيد إلخ ) قال في النهر ، وعندي أنه كان ينبغي حذف الرجعي من هذا الباب لأنها فيه ترث ، ولو طلقها في الصحة ما بقيت العدة بخلاف البائن فإنها لا ترثه إلا إذا كان في المرض ، وقد أحسن القدوري في اقتصاره على البائن ، ولم أر من نبه على هذا ( قوله ، وذكر في جامع الفصولين خلافا فيه ) ، وذلك حيث قال وسئل عمن أكره على التطليق في مرضه ثم مات قال ترثه إذ الإكراه لا يؤثر في الطلاق بدليل وقوع طلاق المكره ، ولا رواية لهذا في الكتب قال وقال بعض الفقهاء ينبغي أن لا ترثه للجبر إذ ذكر أنه لو أكره على قتل مورثه فقتله يرثه لا المكره لو ، وارثا ، ولم يوجد منه القتل قال صط بعد ذلك لا ترثه فإني وجدت رواية في الفرائض تدل على عدم الإرث . ا هـ .

                                                                                        ( قوله صار فارا بالبيان إلخ ) قال في النهر ، وعلى هذا فينبغي أنه لو حلف ، وهو صحيح لكنه حنث ، وهو مريض فبينه في واحدة أنه يكون فارا أيضا ، ولم أره ( قوله إن علم الزوج بكلام المولى كان فارا ، وإلا فلا ) ظاهر هذا [ ص: 47 ] أن الواقع عليها ثلاث طلقات في هذه الصورة إذ لا فرار في الرجعي ومقتضى ما مر في التعليق ، ويأتي أيضا أول باب الرجعة من أنه لو قال لزوجته الأمة إن دخلت الدار فأنت طالق ثلاثا ثم أعتقها مولاها فدخلت وقع ثنتان ، ويملك الرجعة أن يكون الواقع هنا أيضا ثنتين فليتأمل .




                                                                                        الخدمات العلمية