( قوله وزوال الملك بعد اليمين لا يبطلها ) لأنه لم يوجد الشرط ، والجزاء باق لبقاء محله فتبقى اليمين ، وسيأتي أن زوال الملك بالثلاث مبطل للتعليق فكان مراده هنا الزوال بما دون الثلاث بأن طلقت ، أطلق الملك فشمل ملك النكاح ، وملك اليمين حتى لو طلقها بعد التعليق واحدة أو ثنتين فانقضت عدتها ثم تزوجها ثم وجد الشرط عتق ، وقيد بزوال الملك لأن زوال إمكان البر المصحح للتعليق مبطل له أيضا ، وتفرع على ذلك فروع منها ما في البزازية قال لها إن لم أدفع إليك الدينار الذي علي إلى شهر فأنت كذا فأبرأته قبل الشهر بطل اليمين . ا هـ . قال لعبده إذا دخلت الدار فأنت حر فباعه ثم اشتراه فدخل
ومنها ما في القنية إن لم تردي ثوبي الساعة فأنت طالق فأخذه هو قبل أن تدفع إليه لا يحنث ، وقيل يحنث ، وهكذا إن لم تجيئي بفلان فأنت طالق فجاء فلان من جانب آخر بنفسه فالحاصل أنه متى عجز عن الفعل المحلوف عليه ، واليمين موقتة بطلت عند أبي حنيفة خلافا ومحمد لأبي يوسف لا يحنث . حلف ليخرجن ساكن داره اليوم ، والساكن ظالم غالب يتكلف في إخراجه فإن لم يمكنه فاليمين على التلفظ باللسان . ا هـ . دعا امرأته إلى الوقاع فأبت فقال متى يكون فقالت غدا فقال إن لم تفعلي هذا المراد غدا فأنت طالق ثم نسياه حتى مضى الغد
وذكر قبله فيها فروعا تحتاج إلى التوفيق اختلف فيه ، والمختار [ ص: 21 ] للفتوى الحنث حلف إن لم يخرب بيت فلان غدا فقيد ، ومنع فلم يخربه حتى مضى الغد وقع . قال لها ، وهي في بيت أمها إن لم أذهب بك إلى داري فأنت طالق ثم أخرجها من دار أمها فهربت منه فلم يقدر على أخذها لم يحنث ، ولو وجد الباب مغلقا لم يمكنه ففي حنثه قولان ولو قال : إن لم أخرج من هذا المنزل اليوم فقيد ومنع حنث . حلف لا يسكن فلم يقدر على الخروج إلا بطرح نفسه عن الحائط بعدما أوثق
وكذا لو تطلق هو المختار ، ولو قال لأصحابه إن لم أذهب بكم الليلة إلى منزلي فذهب بهم بعض الطريق فأخذهم العسس فحبسهم لا يحنث . إن لم أعمل هذه السنة في المزارعة بتمامها فمرض ولم يتم حنث ، ولو حبسه السلطان لا يحنث ا هـ . قال لها في منزل والدها إن لم تحضري في منزلي الليلة فأنت طالق فمنعها الوالد من الحضور
أقول : إن قوله إن لم أخرب ، وإن لم أذهب بك ، وإن لم أخرج ، وإن لم تحضري منزلي سواء في أن القيد والمنع لا يمنع الحنث لأنه إكراه ، وللإكراه تأثير في الفعل بالإعدام كالسكنى لا في العدم ، والمعلق عليه في هذه المسائل العدم فلم يؤثر فيه الإكراه ، وإنما يشكل مسألة العسس فإن الشرط العدم ، وقد أثر فيه الحبس ، وكذا يشكل مسألة إن لم أعمل هذه السنة فإن الشرط العدم ، وقد أثر فيه حبس السلطان ، ومنها ما في الخانية وقع الطلاق لوجود شرطه فإن أراد الحيلة للخروج عن اليمين أن تأخذ المرأة كيس اللحام وتسلمه إلى الزوج ا هـ . امرأة دفعت من كيس زوجها درهما فاشترت به لحما ، وخلط اللحام الدرهم بدراهمه ، وقال لها الزوج إن لم تردي علي ذلك الدرهم اليوم فأنت طالق فمضى اليوم
وذكر قبله قالوا ما لم يعلم أنه أذيب ذلك الدرهم أو سقط في البحر لا يحنث ا هـ . رجل دفع إلى امرأته درهما ثم قال ما فعلت بالدرهم فقالت اشتريت به اللحم فقال الزوج إن لم تردي علي ذلك الدرهم فأنت طالق ، وقد ضاع الدرهم من يد القصاب
ومفهومه أنه إذا لم يمكن رده فإنه يحنث فعلم به أن قولهم يشترط لبقاء اليمين إمكان البر إنما هو ، وفي المقيدة بالوقت فعدمه مبطل لها أما المطلقة فعدمه موجب للحنث .
والحاصل أن إمكان البر شرط لانعقاد اليمين مطلقا مطلقة كانت أو مقيدة ، وأما في البقاء فإن كانت مقيدة فيشترط بقاء إمكان البر لبقائها ، وإن كانت مطلقة فلا ، ولذا قال في الكتاب من باب اليمين في الأكل والشرب إن لم أشرب ماء هذا الكوز اليوم فكذا ، ولا ماء فيه أو كان فصبت أو أطلق ، ولا ماء فيه لا يحنث ، وإن كان فصبه حنث . ا هـ .
وسنوضحه إن شاء الله تعالى ، وفي الخانية قالوا لا يحنث في يمينه ، وهذا الجواب يوافق قول رجل قال لأصحابه إن لم أذهب بكم الليلة إلى منزلي فامرأته طالق فذهب بهم بعض الطريق فأخذهم اللصوص ، وحبسوهم أبي حنيفة أصله مسألة الكوز ا هـ . ومحمد
بقي ههنا مسألتان كثر وقوعهما الأولى الثانية ما حلف بالطلاق ليؤدين له اليوم كذا فعجز عن الأداء بأن لم يكن معه شيء ، ولا وجد من يقرضه فالجواب أن قوله في القنية أنه متى عجز عن المحلوف عليه ، واليمين موقتة فإنها تبطل يقتضي بطلانها في الحادثة الأولى إلا أن يوجد نقل صريح بخلافه ، وأما الثانية فقد يقال إن الإبراء بعد الأداء ممكن فإنه لو يكتب في التعاليق أنه [ ص: 22 ] متى نقلها أو تزوج عليها ، وأبرأته من كذا مما لها عليه فدفع لها جميع ما عليه قبل الشرط فهل تبطل اليمين قال في الذخيرة صح الإبراء ، ويرجع المديون بما دفعه ذكره في كتاب البيوع في مسألة الإبراء من الثمن ، والحط منه إلا أن يوجد نقل بخلافه فيتبع . دفع الدين إلى صاحبه ثم قال الدائن للمديون قد أبرأتك براءة إسقاط
وفي المحيط قبيل القسم الخامس في الطاعات ، والمحرمات من كتاب الأيمان لو تطلق ، وإن لم يكن له نية لم تطلق لأن البر إنما يتصور في آخر النهار ، ولو خلعها قبل غروب الشمس ثم تزوجها قبل غروب الشمس طلقت لأنها امرأته قبل الغروب ، ولو خلعها قبل الغروب ثم تزوجها بعد الغروب كانت امرأته ، وبر في يمينه لأنه لم تكن امرأته قبل الغروب . ا هـ . قال لامرأته إن كنت زوجتي غدا فأنت طالق ثلاثا فجلعها في الغد إن نوى بذلك كونها امرأة له في بعض النهار
وفي القنية لا تطلق لأنها ليست بامرأته وقت وجود الشرط ا هـ . إن سكنت في هذه البلدة فامرأته طالق ، وخرج على الفور ، وخلع امرأته ثم سكنها قبل انقضاء العدة
فقد بطلت اليمين بزوال الملك هنا فعلى هذا يفرق بين كون الجزاء فأنت طالق ، وبين كونه فامرأته طالق لأنها بعد البينونة لم تبق امرأته فليحفظ هذا فإنه حسن جدا ، وفي القنية أيضا فقيل لا يقع الثاني لأنها ليست بامرأته عند وجود الشرط ، وقيل يقع ، وهو الأظهر ا هـ . إن فعلت كذا فحلال الله علي حرام ثم قال إن فعلت كذا فحلال الله علي حرام ففعل أحد الفعلين حتى بانت امرأته ثم فعل الآخر
فعلى الأظهر قوله حلال الله علي حرام مثل أنت طالق ، والأظهر عندي أنه مثل امرأتي طالق كما لا يخفى .
فإن قلت قد جعلوا زوال الملك مبطلا لليمين [ ص: 23 ] فيما لو لم يحنث ، وبطلت اليمين بالبينونة حتى لو تزوجها ثانيا ثم خرجت بلا إذن لم يحنث لا يقال إن البطلان لتقييده بامرأته لأنها لم تبق امرأته لأنا نقول لو كان لإضافتها إليه لم يحنث فيما لو حلف لا تخرج امرأته من هذه الدار فطلقها وانقضت عدتها وخرجت ، وفيما لو حلف لا تخرج امرأته إلا بإذنه فخرجت بعد الطلاق وانقضاء العدة مع أنه يحنث فيهما كما في المحيط معللا بأن الإضافة للتعريف لا للتقييد قال إن قبلت امرأتي فلانة فعبدي حر فقبلها بعد البينونة قلت اليمين مقيدة بحال ولاية الإذن ، والمنع بدلالة الحال ، وذلك حال قيام الزوجية فسقط اليمين بزوال النكاح كما لو حلف لا يخرج إلا بإذن غريمه فقضى دينه ثم خرج لم يحنث بخلاف ما إذا حلف لا يخرج إلا بإذن فلان ، وليس بينهما معاملة لأنها مطلقة كما في المحيط من باب اليمين على الفور أو التراخي ثم اعلم أن مما يبطل التعليق ارتداد الزوج ، ولحاقه بدار الحرب عنده خلافا لهما حتى لو دخلت الدار بعد لحاقه ، وهي في العدة لا تطلق حتى لو جاء ثانيا مسلما فتزوجها ثانيا لا ينقص من عدد الطلاق شيء كذا في شرح المجمع للمصنف ، والبطلان عنده لخروج المعلق عن الأهلية لا لزوال الملك .
فلو قال المؤلف ، وزوال الملك بغير ارتداد ، وثلاث لا يبطلها لكان أولى باليمين لأن زوال الملك بعد الأمر باليد يبطله لما في القنية لو ففي بقاء الأمر بها روايتان ، والصحيح أنه لا يبقى . قال لها أمرك بيدك ثم اختلعت منه وتفرقا ثم تزوجها فلها أن تطلق نفسها . ا هـ . قال لها إن غبت عنك أربعة أشهر فأمرك بيدك ثم طلقها ، وانقضت عدتها ، وتزوجت ثم عادت إلى الأول ، وغاب عنها أربعة أشهر
والفرق بينهما أن الأول تنجيز للتخيير فيبطل بزوال الملك ، والثاني تعليق التخيير فكان يمينا فلا يبطل .