الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        [ ص: 4 ] ( قوله إنما يصح في الملك كقوله لمنكوحته إن زرت فأنت طالق أو مضافا إليه كأن نكحتك فأنت طالق ) أي معلقا بسبب الملك كقوله لأجنبية إن نكحتك أي تزوجتك فإن النكاح سبب للملك فاستعير السبب للمسبب أي إن ملكتك بالنكاح كقوله إن اشتريت عبدا فهو حر أي إن ملكته بسبب الشراء بخلاف ما لو قال الوارث لعبد مورثه إن مات سيدك فأنت حر فإنه لا يصح التعليق لأن الموت ليس بموضوع للملك بل موضوع لإبطاله بخلاف الشراء ، وفي كشف الأسرار ولو قال لحرة إن ارتديت فسبيت فملكتك فأنت حرة صح . ا هـ .

                                                                                        لأن السبي من أسباب الملك الموضوعة ، ولو مثل بقوله أنت طالق يوم أتزوجك لكان أولى ، وفي المعراج ، وتمثيله غير مطابق لأنه تعليق محض بحرف الشرط ، ولو أضافه إلى النكاح لا يقع كما لو قال أنت طالق مع نكاحك أو في نكاحك ذكره في الجامع بخلاف أنت طالق مع تزوجي إياك فإنه يقع ، وهو مشكل ، وقيل الفرق أنه لما أضاف التزوج إلى فاعله ، واستوفى مفعوله جعل التزويج مجازا عن الملك لأنه سببه ، وحمل مع على بعد تصحيحا له ، وفي نكاحك لم يذكر الفاعل فالكلام ناقص فلا يقدر بعد النكاح فلا يقع ، ويصح النكاح ا هـ .

                                                                                        أطلق الملك فأفاد أنه يشمل الحقيقي كالملك حال بقاء النكاح ، والحكمي كبقاء العدة ، والتعليق يصح فيهما ، وقدمنا عند شرح قوله آخر الكنايات ، والصريح يلحق الصريح أن تعليق طلاق المعتدة فيهما صحيح في جميع الصور إلا إذا كانت معتدة عن بائن ، وعلق بائنا كما في البدائع اعتبارا للتعليق بالتنجيز ، وفي المصباح زاره يزوره زيارة ، وزورا قصده فهو زائر وزور وزوار مثل سافر وسفر وسفار ، ونسوة زور أيضا وزوار وزائرات ، والمزار يكون مصدرا وموضع الزيارة ، والزيارة في العرف قصد المزور إكراما له ، واستئناسا به ا هـ .

                                                                                        وقدمنا في أول كتاب الحج أنه لو حلف لا يزوره فلقيه من غير قصد فإنه لا يحنث ، وينبغي تقييدها بما قاله في المصباح من الإكرام والاستئناس للعرف فلا يحنث في مسألة الكتاب إلا مع القصد للإكرام فلو كان الشرط زيارتها فذهبت من غير قصد الإكرام لم يحنث ، وفي عرفنا : زيارة المرأة لا يكون إلا بطعام معها يطبخ عند المزور ، وفي المحيط حلف ليزورن فلانا غدا أو ليعودنه فأتى بابه ، واستأذنه فلم يؤذن له لا يحنث فإن أتى بابه ، ولم يستأذنه يحنث حتى يصنع في ذلك ما يصنع الزائر ، والعائد من الاستئذان ، والفرق أن في الأول لم يتصور البر فلم ينعقد اليمين ، وفي الثاني يتصور ، وهكذا ذكر في العيون ، وعلى قياس من قال إن لم أخرج من هذا المنزل اليوم فمنع أو قيد حنث يجب أن يحنث هنا في الوجهين ، وهو المختار لمشايخنا ، وفي النوازل حلف لا يزور فلانا لا حيا ولا ميتا فشيع جنازته لا يحنث ، وإن زار قبره يحنث هو المختار لأن زيارة الميت زيارة قبره عرفا لا تشييع جنازته . ا هـ .

                                                                                        وأطلق المضاف إلى الملك فشمل ما إذا خصص أو عمم كقوله كل امرأة خلافا لمالك في الثاني معللا بانسداد باب النكاح عليه ، وأجيب بأنه لا مانع من انسداده إما لدينه خوفا من جوره أو لدنياه لعدم يساره ، ويمنع انسداده لإمكان أن يزوجه فضولي ، ويجيز بالفعل كسوق الواجب إليها ، وبإمكان أن يتزوجها بعدما وقع الطلاق عليها لأن كلمة كل لا تقتضي التكرار إلا أن صحته لا فرق فيها بين أن يعلق بأداة الشرط أو بمعناه إن كانت المرأة منكرة فإن كانت معينة يشترط أن يكون بصريح الشرط فلو قال هذه المرأة التي أتزوجها طالق فتزوجها لم تطلق لأنه عرفها بالإشارة فلا تؤثر فيها الصفة ، وهي أتزوجها بل الصفة فيها لغو فكأنه قال هذه طالق كقوله لامرأته هذه المرأة التي تدخل هذه الدار طالق فإنها تطلق للحال دخلت أو لا بخلاف قوله إن تزوجت هذه فإنه يصح .

                                                                                        وفي الذخيرة والتعريف بالاسم والنسب كالتعريف بالإشارة فلو قال فلانة بنت فلان التي أتزوجها طالق [ ص: 5 ] فتزوجها لم تطلق ، وأورد عليه ما ذكره في الجامع رجل اسمه محمد بن عبد الله ، وله غلام فقال إن كلم غلام محمد بن عبد الله هذا أحد فامرأته طالق أشار الحالف إلى الغلام لا إلى نفسه ثم إن الحالف كلم الغلام بنفسه تطلق ، ولو كان التعريف بالاسم كالتعريف بالإشارة لم تطلق امرأته كما لو أشار إلى نفسه .

                                                                                        والجواب أن تعريف الحاضر بالإشارة والغائب بالاسم والنسب ، وفي مسألة محمد بن عبد الله الحالف حاضر فتعريفه بالإشارة أو الإضافة ، ولم يوجدا فبقي منكرا فدخل تحت اسم النكرة ، وفي مسألة الطلاق الاسم النسب في الغائب لا في الحاضر فيحصل بهما التعريف ، وتلغو الصفة حتى أن في مسألة الطلاق لو كانت فلانة حاضرة عند الحلف فبذكر اسمها ونسبها لا يحصل التعريف ، ولا تلغو الصفة ، ويتعلق الطلاق بالتزوج هكذا ذكره شيخ الإسلام في الجامع ، وفرق بعضهم بأن التعريف بالإضافة والإشارة لا يحتمل التنكير بوجه ما ، والتعريف بالاسم والنسب يحتمل التنكير .

                                                                                        [ ص: 4 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 4 ] ( قوله ولو مثل بقوله أنت طالق إلخ ) أي ليكون مضافا لا تعليقا فيطابق قوله أو مضافا إليه قال في النهر ، وأجاب في الفتح بأنه استعمل الإضافة في المفهوم اللغوي ، وفي غيره ، ولا يخفى أن الإيراد هنا ساقط كما قال الرملي نعم هو متوجه على ما في الهداية حيث قال باب الأيمان في الطلاق ، وإذا أضاف الطلاق إلى النكاح يقع عقيب النكاح مثل أن يقول لامرأة إن تزوجتك فأنت طالق بخلاف ما هنا لأن وضع الباب للتعليق ، وضمير يصح عائد عليه ، وقوله مضافا حال منه .




                                                                                        الخدمات العلمية