الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قوله : ( أنت طالق واحدة أولا أو مع موتي أو مع موتك لغو ) أما الأول فهو قولهما وقال محمد يقع رجعية لصرف الشك إلى الواحدة ولهما أن الوصف متى قرن بالعدد كان الوقوع بالعدد بدليل ما أجمع عليه من أنه لو قال لغير المدخول بها أنت طالق ثلاثا طلقت ثلاثا ولو كان الوقوع بطالق لبانت لا إلى عدة فيلغو العدد ومن أنه لو قال أنت طالق واحدة إن شاء الله لم يقع شيء ولو كان الوقوع بطالق لكان العدد فاصلا فوقع ومن أنها لو ماتت قبل العدد لم يقع شيء كما سيأتي ثم اعلم أن الوقوع أيضا بالمصدر عند ذكره وكذا الوقوع بالصفة عند ذكرها كما إذا قال أنت طالق ألبتة كان الوقوع بألبتة حتى لو قال بعدها إن شاء الله متصلا لا يقع ولو كان الوقوع باسم الفاعل لوقع ويدل عليه ما في المحيط لو قال أنت طالق للسنة أو أنت طالق بائن فماتت قبل أن يقول للسنة أو بائن لا يقع شيء لأنه صفة للإيقاع لا للتطليقة فيتوقف الإيقاع على ذكر الصفة وأنه لا يتصور بعد الموت ا هـ .

                                                                                        ويدل عليه بالأولى ما في الخانية من العتق رجل قال لعبده أنت حر ألبتة فمات العبد قبل أن يقول ألبتة فإنه يموت عبدا ا هـ .

                                                                                        ومراده من الواحدة مطلق العدد فلو قال أنت طالق ثلاثا أولا على الخلاف وقيد بالعدد لأنه لو قال أنت طالق أولا لا يقع في قولهم ، وفي المحيط لو قال أنت طالق أو غير طالق أو أنت طالق أو لا شيء أو أنت طالق أولا لا يقع شيء لأنه أدخل الشك في الإيقاع وكذا لو قال أنت طالق إلا لأن هذا استثناء ، والإيقاع إذا لحقه استثناء لا يبقى إيقاعا وكذا لو قال أنت طالق إن كان أو أنت طالق إن لم يكن أو لولا لأن هذا شرط ، والإيقاع إذا لحقه شرط لم يبق إيقاعا ا هـ ثم قال لو قال أنت طالق واحدة أو ثنتين فالبيان إليه ولو قال ذلك لغير المدخولة تقع واحدة بلا خيار لأنها صارت أجنبية ولو قال أنت طالق وفلانة أو فلانة يقع عليها وعلى إحدى الأخريين لأن كلمة التشكيك دخلت بين الثانية ، والثالثة ، والأولى سلمت عن التشكيك ولو قال أنت طالق أو فلانة وفلانة يقع على الأخيرة وعلى إحدى الأوليين ، والبيان إليه لأن كلمة التشكيك دخلت على الأولى ، والثانية لا على الأخيرة له أربع نسوة فقال أنت طالق أو هذه وهذه أو هذه فله الخيار في إحدى الأوليين وإحدى الأخريين ولو قال أنت وهذه أو هذه وهذه طلقت الأولى ، والأخيرة وله الخيار بين الثانية ، والثالثة .

                                                                                        ولو قال أنت طالق أو هذه وهذه وهذه طلقت الثالثة ، والرابعة ويتخير في الأولى ، والثانية ولو قال أنت طالق لا بل هذه أو هذه لا بل هذه طلقت الأولى ، والأخيرة وله الخيار في الثانية ، والثالثة ولو قال عمرة طالق أو زينب إن دخلت الدار فدخلها خير في إيقاعه على أيتهما شاء لأنه علق [ ص: 304 ] بالدخول طلاقا مترددا بينهما ولو قال أنت طالق ثلاثا أو فلانة علي حرام وعنى به اليمين لم يجبر على البيان حتى تمضي أربعة أشهر فإذا مضت ولم يقربها يجبر على أن يوقع طلاق الإيلاء أو طلاق الصريح لأنه قبل مضي هذه المدة هو مخير بين الطلاق ، والتزام الكفارة وأحدهما لا يدخل في الحكم فلم يلزمه القاضي وبعد مضي المدة الواقع أحد الطلاقين وذلك يدخل في الحكم فيلزمه ولو قال امرأته طالق أو عبده حر فمات قبل البيان فعند أبي حنيفة عتق العبد ويسعى في نصف قيمته وعند محمد يقع من كل واحد منهما نصفه وتمامه فيه ، وفي التلخيص من باب الحنث يقع بالواحدة ، والاثنين حلف لا يكلم ذا أو ذا وذا فحنثه بالأول أو الأخيرين ، وفي عكسه بالآخر أو الأولين إذ الواو للجمع وأو بمعنى ولا لتناولها نكرة في النفي بخلاف ذا حر أو ذا وذا لأنها تخص في الإثبات فأشبه أحدكما حر وذا أو الخبر معاد ثمة لا هنا فأفرد المعطوف بعتق كما أفرد بالنصف في نظيرته في الإقرار ا هـ .

                                                                                        وذكر الشارح الفارسي أن الطلاق كالعتق ، والحاصل أن الطلاق ، والعتق ، والإقرار من باب واحد وهو أنه إذا عطف على الأول بأو ثم عطف بالواو أن الثالث المعطوف بالواو يثبت له الحكم من غير خيار فيعتق الثالث وتطلق الثالثة ويكون نصف المال المقر به للثالث في قوله لفلان علي ألف أو لفلان وفلان ، والتخيير إنما هو بين الأولين وأما في الأيمان فإنما هو جمع بين الثالث ، والثاني بالواو ، والأول ثبت له الحكم وحده فإن كلم الأول وحده حنث ولا يحنث إلا بكلام الأخيرين ولا يحنث بكلام أحدهما ، والفرق ما ذكره في التلخيص وحاصل أو في الطلاق إما في أصله كأنت طالق أولا لا وقوع اتفاقا أو بعد العدد فكذا عندهما خلافا لمحمد كأنت طالق واحدة أولا أو بين عددين كأنت طالق واحدة أو ثنتين فالبيان إليه في المدخولة وواحدة في غيرها أو بين امرأتين فطلاق مبهم كأنت طالق أو هذه أو بين ثلاث نسوة واو في الأخيرة فقط طلقت الأولى ، والبيان له في الأخريين أو بين ثلاث واو في الثانية فقط وقع على الأخيرة ، والبيان له في الأوليين ولو بين أربع مكررة بأن ذكروا في الثانية ، والواو في الثالثة وأو في الرابعة طلقت إحدى الأوليين وإحدى الأخريين ولو ذكر الثانية بالواو ، والثالثة بأو وكذا الرابعة بالواو طلقت الأولى ، والأخيرة ، والبيان إليه في الثانية ، والثالثة ولو أدخل أو على الثانية فقط فالبيان إليه في الأولى ، والثانية ووقع على الثالثة ، والرابعة .

                                                                                        وأما المسألة الثانية أعني مع موتي أو مع موتك فلإضافة الطلاق إلى حالة منافية له لأن موته ينافي الأهلية وموتها ينافي المحلية ولا بد من الأهلية في الموقع ، والمحلية في الموقع عليها إذ المعنى على تعليقه بالموت ، وإن كانت مع القران بدليل أنت طالق مع دخولك الدار فإنه يتعلق به فاستدعى وقوعه تقدم الشرط وهو الموت فيقع بعد الموت وهو باطل .

                                                                                        [ ص: 304 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 304 ] ( قوله : فحنثه بالأول أو الأخيرين ) لأن أو لأحد الشيئين ولو كلم أحد الأخيرين فقط لا يحنث ما لم يكلم الآخر فارسي ( قوله : وفي عكسه ) أي لو قال لا أكلم ذا وذا أو ذا فحنثه بكلام الأخير أو بكلام الأولين لأن الواو للجمع وكلمة أو بمعنى ولا لتناولها نكرة في النفي فتعم كما في قوله تعالى { ولا تطع منهم آثما أو كفورا } ففي الوجه الأول جمع بين الثاني ، والثالث بحرف الجمع فصار كأنه قال : لا أكلم هذا ولا هذين ، وفي الوجه الثاني جمع بين الأول ، والثاني بحرف الجمع فصار كأنه قال لا أكلم هذين ولا هذا فارسي ( قوله : أو الخبر معاد ثمة ) أي في مسألة العتق لأن الخبر المذكور لا يصلح خبرا للمعطوف ، والمعطوف عليه لإفراده فكأنه قال هذا حر وهذا حر فأفرد المعطوف بعتق على حدة كما أفرد المقر له المعطوف بنصف المال المقر به في نظير هذه المسألة في الإقرار بقوله لفلان علي ألف أو لفلان [ ص: 305 ] وفلان ، والنصف الباقي بين الأولين إذا اصطلحا أما في مسألة الكلام فالخبر ليس بمعاد لعدم الحاجة فارسي ملخصا .




                                                                                        الخدمات العلمية