قوله : ( حنث بخلاف الأمر باليد ) يعني بخلاف ما إذا أنت كذا يوم أتزوجك فنكحها ليلا فإن قدم زيد ليلا لا خيار لها أو نهارا دخل الأمر في يدها إلى الغروب ، والفرق مبني على قاعدة هي أن مظروف اليوم إذا كان غير ممتد يصرف اليوم عن حقيقته وهو بياض النهار إلى مجازه وهو مطلق الوقت لأن ضرب المدة له لغو إذ لا يحتمله ، وإن كان ممتدا يكون باقيا على حقيقته ، والمراد بما يمتد ما يصح ضرب المدة له كالسير ، والركوب ، والصوم وتخيير المرأة وتفويض الطلاق وبما لا يمتد عكسه كالطلاق ، والتزوج ، والكلام ، والعتاق ، والدخول ، والخروج ، والمراد بالامتداد امتداد يمكن أن يستوعب النهار لا مطلق الامتداد لأنهم جعلوا التكلم من قبيل غير الممتد ولا شك أن التكلم يمتد زمانا طويلا لكن لا يمتد بحيث يستوعب النهار كذا في شرح الوقاية ، وقد اختلف المشايخ في التكلم هل هو مما يمتد أولا فجزم في الهداية بالثاني ، وجزم قال لها أمرك بيدك يوم يقدم زيد السراج الهندي في شرح المغني بالأول وجعل الثاني ظنا ظنه بعض المشايخ ورجحه في فتح القدير ، والحق ما في الهداية لما في التلويح من أن امتداد الإعراض إنما هو بتجدد الأمثال كالضرب ، والجلوس ، والركوب فما يكون في المرة الثانية مثلها في الأولى من كل وجه جعل كالعين الممتد بخلاف الكلام فإن المتحقق في المرة الثانية لا يكون مثله في الأولى فلا يتحقق تجدد الأمثال ا هـ .
ثم الجمهور ومنهم المحققون أنه يعتبر في الامتداد وعدمه المظروف وهو الجواب ومن مشايخ من تسامح فاعتبر المضاف إليه اليوم وحاصله أنه قد يكون المضاف إليه ومظروف اليوم مما يمتد كقوله أمرك بيدك يوم يركب فلان أو يكونا من غير الممتد كقوله أنت طالق يوم يقدم زيد ، وفي هذين لا يختلف الجواب إن اعتبر المضاف إليه أو المظروف .
وإن كان المظروف ممتدا ، والمضاف إليه غير ممتد كقوله أمرك بيدك يوم يقدم فلان أو يكون المضاف إليه ممتدا والمظروف غير ممتد نحو أنت حر يوم يركب فلان فحينئذ يختلف الجواب مع اتفاقهم على [ ص: 299 ] اعتبار المظروف فيما يختلف الجواب فيه على الاعتبارين ففي أمرك بيدك يوم يقدم زيد فقدم ليلا لا يكون الأمر بيدها اتفاقا ، وفي عتق اتفاقا ، ومن اعتبر المضاف إليه دون المظروف إنما اعتبره فيما لا يختلف الجواب فعلى هذا فلا خلاف في الحقيقة كما في الكشف ، والتلويح وغيرهما ولذا اعتبر في الهداية في هذا الفصل المظروف حيث قال ، والطلاق من هذا القبيل واعتبر في الأيمان المضاف إليه حيث قال في قوله يوم أكلم فلانا ، والكلام فيما لا يمتد به وبه علم أن ما حكاه بعض الشارحين من الخلاف وهم ، وأن ما قاله أنت حر يوم يركب زيد فركب ليلا الزيلعي من أن الأوجه أن يعتبر الممتد منها وعليه مسائلهم ليس بالأوجه وأن ما قاله صدر الشريعة من أنه ينبغي أن يعتبر الممتد منهما ليس مما ينبغي وإنما الصحيح اعتبار الجواب فقط وإنما اعتبر الجواب لأن المقصود بذكر الظرف إفادة وقوع الجواب فيه بخلاف المضاف إليه فإنه ، وإن كان مظروفا أيضا لكن لم يقصد بذكر الظرف ذلك بل إنما ذكر المضاف إليه ليتعين الظرف فيتم المقصود من تعيين زمن وقوع مضمون الجواب ولا شك أن اعتبار ما قصد الظرف له لاستعلام المراد من الظرف أهو الحقيقي أو المجازي أولى من اعتبار ما لم يقصد له في استعلام حاله ، وفي التلويح إنما اعتبر الجواب لأنه المظروف المقصود ومظروف لفظا ومعنى ، والمضاف إليه ضمني معنى لا لفظا ثم قال فإن قلت كثيرا ما يمتد الفعل مع كون اليوم لمطلق الوقت مثل اركبوا يوم يأتيكم العدو وأحسنوا الظن بالله يوم يأتيكم الموت وبالعكس في مثل أنت طالق يوم يصوم زيد وأنت حر يوم تكسف الشمس .
قلت الحكم المذكور إنما هو عند الإطلاق ، والخلو عن الموانع ولا يمتنع مخالفته بمعونة القرائن كما في الأمثلة المذكورة على أنه لا امتناع في حمل اليوم في الأول على بياض النهار ويعلم الحكم في غيره بدليل العقل ، وفي الثاني على مطلق الوقت ويجعل التقييد باليوم من الإضافة ما إذا ا هـ . قال أنت طالق حين يصوم أو حين تنكسف الشمس
ثم لفظ اليوم يطلق على بياض النهار بطريق الحقيقة اتفاقا وعلى مطلق الوقت بطريق الحقيقة عند البعض فيصير مشتركا وبطريق المجاز عند الأكثر وهو الصحيح لأن حمل الكلام على المجاز أولى من حمله على الاشتراك لما عرف في الأصول ، والمشهور أن اليوم من طلوع الفجر إلى غروب الشمس ، والنهار من طلوعها إلى غروبها ، والليل للسواد خاصة وهو ضد النهار فلو لأن الليل لا يستعمل للوقت عرفا فبقي اسما لسواد الليل وضعا وعرفا كذا في المحيط ولو قال في المسألة الأولى : عنيت به بياض النهار صدق قضاء لأنه نوى حقيقة كلامه فيصدق ، وإن كان فيه تخفيف على نفسه كذا ذكر الشارح وإنما لم يقل وديانة لأن ما صدق فيه قضاء صدق فيه ديانة ولا ينعكس كما لا يخفى ثم اعلم أن اليوم إنما يكون لمطلق الوقت فيما لا يمتد إذا كان اليوم منكرا أما إذا كان معرفا باللام التي للعهد الحضوري فإنه يكون لبياض النهار ولذا قال في الظهيرية من الأيمان لو قال : إن دخلت ليلا لم تطلق إن دخلت نهارا كان له أن يكلمه في الليالي وإذا قال والله لا أكلمك اليوم ولا غدا ولا بعد غد فهو كقوله والله لا أكلمك ثلاثة أيام تدخل فيها الليالي ا هـ . قال والله لا أكلمك اليوم وغدا وبعد غد
والفرق أنه في الأول أيمان ثلاثة لتكرار حرف لا ، وفي الثاني يمين واحدة ، وفي التلويح ذكر في الجامع الصغير بأنه لو دخلت الليلة قلت وليس مبنيا على أن اليوم لمطلق الوقت بل على أنه بمنزلة أمرك بيدك يومين ، وفي مثله يستتبع اسم اليوم الليلة بخلاف ما إذا قال : أمرك بيدك اليوم وغدا فإن اليوم المنفرد لا يستتبع ما بإزائه من الليل ا هـ . قال أمرك بيدك اليوم وبعد غد
ومن فروع الإضافة أنت طالق قبل قدوم زيد بشهر ونحوه قال [ ص: 300 ] في التلخيص : باب ما يقع بالوقت وما لا يقع لغو لسبقه العقد كطالق أمس أو قرانه فإنه توقف للتعرف ولا شرط لفظا ليتأخر وقبل قدوم زيد أو موته واقع إن كانا بعد شهر للإضافة ، والوصف في الملك مقتصرا عندهما للتوقف مسندا عند أنت طالق ثلاثا قبل أن أتزوجك بشهر للإضافة كذا في العتق زفر معهما في القدوم إذ المعرف الحظر شرط معنى بدليل إن كان في علم الله قدومه معه في الموت لأنه كائن فلو عرف الشهر وقع بأوله كقبل الفطر فينزل قبيل الموت من أول الشهر توسيطا بين الظهور ، والإنشاء حتى لغا الخلع والكتابة عنده بسبق الزوال فيرد البدل إلا أن يموت بعد العدة [ ص: 301 ] لفوت محل الإنشاء ولغا طالق قبل موتي بشهر عندهما لقران الموت بخلاف العتق لبقاء الملك لكن من الثلث عندهما ، والكل عنده وله البيع بشرط صفة في الموت أو غيره معه كإن مت ودفنت أو من مرضي ولو جني عليه في الشهر فالأرش له لكن أرش القن إذ لا استناد في الفائت ، والخلف كالأصل فيما يقبله وهو الملك لا العتق نظيره الجناية على الساعي في كتابة أبيه وضمان التسبيب يلحق الميت بعد إعتاق الوارث فإنه يستند في حق الدين دون رد العتق بسببه . والإمام
ولو بيع النصف عتق الباقي ولم يفسد البيع إذ الاستناد عدم في حق الزائل ولم يضمن لعدم الصنع كالميراث ولو قال قبل موت زيد وعمرو بشهر فمات زيد قبل شهر لم يقع أبدا لفوات الوصف ، وإن مات بعده وقع لتعيين الشهر وهو المتصل بأول الكائنين كقبل الفطر ، والأضحى بخلاف القدوم ، والقران مبنى طعن وهو محال فلا يراد كذا قبل أن تحيضي حيضة بشهر ورأت الدم ثلاثا وقبل قدوم زيد وموت عمرو وقدم لأن الباقي كائن بخلاف ما لو مات عمرو ا هـ . الرازي
وتوضيحه في شرح الفارسي ، وفي فتح القدير ولو لم يقع حتى تموت إحداهما فإذا ماتت طلقت الأخرى مستندا ا هـ . قال : أطولكما حياة طالق الساعة
وفي المحيط [ ص: 302 ] فهو إلى ما نوى لأن مدة الدنيا كلها قريبة ، وإن لم ينو فإلى أن يمضي شهر إلا يوما ، وفي الذخيرة أنت طالق إلى قريب وقعت واحدة للحال بنصف الألف ، والأخرى غدا بغير شيء ، وإن تزوجها قبل مجيء الغد ثم جاء وقعت أخرى بخمسمائة ولو أنت طالق الساعة واحدة وغدا أخرى بألف فقبلت وقعت واحدة للحال بغير شيء فإذا جاء الغد وقعت أخرى بألف ولو قال أنت طالق الساعة واحدة أملك الرجعة وغدا أخرى بألف فقبلت يقع للحال تطليقة بائنة بغير شيء فإذا جاء الغد وقعت أخرى بغير شيء ولو قال أنت طالق اليوم تطليقة بائنة وغدا أخرى بألف وقع اليوم واحدة بغير شيء وغدا أخرى بالألف ولو قال أنت طالق اليوم واحدة بغير شيء وغدا أخرى بألف فقبلت انصرف البدل إليهما فتقع اليوم واحدة بخمسمائة وغدا أخرى بغير شيء إلا أن يتزوجها كما إذا لم يضف أصلا . قال أنت طالق الساعة واحدة أملك الرجعة وغدا أخرى أملك الرجعة بألف درهم
وكذا إذا أو قال : أنت طالق الساعة ثلاثا وغدا أخرى بائنة فالبدل ينصرف إليهما فيقع اليوم واحدة بخمسمائة وغدا أخرى بغير شيء ولو وصف الثانية فقط بأن قال أنت طالق الساعة واحدة بغير شيء وغدا أخرى بغير شيء بألف درهم لغا ذلك الوصف فتقع واحدة اليوم بخمسمائة وأخرى بغير شيء إلا أن يتزوجها فصار الحاصل أن الوجوه عشرة لأنه إما أن لا يصف واحدة منهما أو يصف الأولى فقط إما بالرجعة أو بالبينونة أو بكونها بغير شيء أو يصف الثانية فقط كذلك أو يصفهما جميعا كذلك فليتأمل ، وفي تتمة الفتاوى قال أنت طالق اليوم واحدة وغدا أخرى أملك الرجعة بألف أو بغير شيء بألف أو بائنة بألف فهو قبل ذلك بطرفة عين لأن قبيل وقت قال أنت طالق قبيل غد وقبيل قدوم فلان أبو الفضل هذا هو الجواب في قوله قبيل قدوم فلان غير صحيح ، والصحيح أنه يقع الطلاق إذا قدم فلان فلو ، وقد مضى بعضه فهي طالق ساعة ما تكلم ا هـ . قال إذا كان ذو القعدة فأنت طالق
وقد ذكرنا هذه المسائل تتميما للطلاق المضاف تكثيرا للفوائد والله سبحانه وتعالى أعلم وهو الميسر لكل عسير .