الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله فإن عاد المتمتع إلى بلده بعد العمرة ولم يسق الهدي بطل تمتعه وإن ساق لا ) أي لا يبطل يعني إذا حج من عامه لا يلزمه دم الشكر في الأول ويلزمه في الثاني ومحمد رحمه الله تعالى أبطل التمتع فيهما ; لأنه أداهما بسفرتين والمتمتع من يؤديهما بسفرة واحدة وهما جعلا استحقاق العود كعدمه فإنه بالهدي استدام إحرام العمرة إلى أن يحرم بالحج [ ص: 395 ] ويحل منهما ، وظاهر كلامهم أن سوق الهدي يمنعه من التحلل وأنه التزام لإحرام الحج من عامه لكن في فتح القدير أنه لو بدا له بعد العمرة أن لا يحج من عامه لا يؤاخذ بذلك فإنه لم يحرم بالحج بعد وإذا ذبح الهدي أو أمر بذبحه يقع تطوعا ا هـ .

                                                                                        وكذا الشارح أيضا في دليل محمد لكون العود غير مستحق عليه أنه لو بعث هديه لينحر عنه ولم يحج كان له ذلك فقولهما أن العود مستحق عليه بسوق الهدي معناه إذا أراد المتعة لا مطلقا وفي المحيط فإن ذبح الهدي ورجع إلى أهله فله أن لا يحج ; لأنه لم يوجد منه في حق الحج إلا مجرد النية وبمجردها لا يلزمه الحج فإذا نوى أن لا يحج ارتفعت نية الحج فصار كأنه لم ينو في الابتداء وإن أراد أن ينحر هديه ، ويحل ولا يرجع إلى أهله ويحج من عامه ذلك لم يكن له ذلك ; لأنه مقيم على عزم التمتع فيمنعه الهدي من الإحلال فإن فعله ثم رجع إلى أهله ثم حج لا شيء عليه ; لأنه غير متمتع ولو حل بمكة ونحر هديه ثم حج قبل أن يرجع إلى أهله لزمه دم لتمتعه ; لأنه لم يلم بأهله فيما بين النسكين وعليه دم آخر ; لأنه حل قبل يوم النحر . ا هـ .

                                                                                        فالحاصل أنه إذا ساق الهدي لا يخلو إما أن يتركه إلى يوم النحر أو لا فإن تركه إليه فتمتعه صحيح ولا شيء عليه غيره سواء عاد إلى أهله أو لا وإن تعجل ذبحه فإما أن رجع إلى أهله أو لا فإن رجع إلى أهله فلا شيء عليه مطلقا سواء حج من عامه أو لا وإن لم يرجع إليهم فإن لم يحج من عامه فلا شيء عليه وإن حج منه لزمه دمان دم المتعة ودم الحل قبل أوانه ، ورجح في فتح القدير مذهب الشافعي في أن عدم الإلمام بينهما ليس بشرط في التمتع فلا يبطل تمتعه بعوده إلى أهله سواء ساق الهدي أو لا ; لأن الآية إنما منعت التمتع لمن كان حاضر المسجد الحرام لا لأجل إلمامهم بأهلهم بينهما بل لتيسر العمرة لهم في كل وقت بخلاف الغير قيد بقوله بعد العمرة ; لأنه لو عاد بعدما طاف لها الأقل لا يبطل تمتعه ; لأن العود مستحق عليه ; لأنه ألم بأهله محرما بخلاف ما إذا طاف الأكثر ، ودخل في قوله بعد العمرة الحلق فلا بد للبطلان منه ; لأنه من واجباتها وبه التحلل فلو عاد بعد طوافها قبل الحلق ثم حج من عامه قبل أن يحلق في أهله فهو متمتع ; لأن العود مستحق عليه عند من جعل الحرم شرطا في جواز الحلق وهو أبو حنيفة ومحمد وعند أبي يوسف إن لم يكن مستحقا فهو مستحب كذا في البدائع وغيره .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قول المصنف وإن لم يسق الهدي بطل تمتعه ) قال في النهر فيه تجوز ظاهر إذ بطلان الشيء فرع وجوده ولا وجود له مع فقد شرطه فلو قال لم يكن متمتعا لكان أولى . ا هـ .

                                                                                        قلت : إن سلم ذلك فهو تجوز شائع بينهم مثل بطلت صلاته وفسد صومه واعتكافه وحجه تسمية له باعتبار شروعه فيه أو وجوده الصوري ( قوله وظاهر كلامهم أن سوق الهدي يمنعه من التحلل إلخ ) أي حيث قالوا فإنه بالهدي استدام إحرام العمرة إلخ .




                                                                                        الخدمات العلمية