الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : بشرط حرية وبلوغ وعقل وصحة وقدرة زاد وراحلة فضلت عن مسكنه وعما لا بد منه ونفقة ذهابه وإيابه وعياله ) فلا حج على عبد ولو مدبرا ، أو أم ولد ، أو مكاتبا أو مبعضا ، أو مأذونا له في الحج ، ولو كان بمكة لعدم ملكه بخلاف الصوم والصلاة ; لأن الحج لا يتأتى إلا بالمال غالبا بخلافهما ولفوات حق المولى في مدة طويلة وحق العبد مقدم بإذن الشرع والمولى وإن أذنه فقد أعاره منافعه والحج لا يجب بقدرة عارية ولا على صبي ولا مجنون وفي المعتوه [ ص: 335 ] خلاف في الأصول فذهب المصنف تبعا لفخر الإسلام إلى أنه يوضع عنه الخطاب كالصبي فلا يجب عليه شيء من العبادات وذهب الدبوسي في التقويم إلى أنه مخاطب بالعبادات احتياطا والمراد بالصحة صحة الجوارح فلا يجب أداء الحج على مقعد ولا على زمن ولا مفلوج ولا مقطوع الرجلين ولا على المريض والشيخ الذي لا يثبت بنفسه على الراحلة والأعمى والمجبوس والخائف من السلطان الذي يمنع الناس من الخروج إلى الحج لا يجب عليهم الحج بأنفسهم ولا الإحجاج عنهم إن قدروا على ذلك هذا ظاهر المذهب عن أبي حنيفة وهو رواية عنهما

                                                                                        وظاهر الرواية عنهما أنه يجب عليهم الإحجاج فإن أحجوا أجزأهم ما دام العجز مستمرا بهم فإن زال فعليهم الإعادة بأنفسهم وظاهر ما في التحفة اختياره فإنه اقتصر عليه وكذا الإسبيجابي وقواه المحقق في فتح القدير ومشى على أن الصحة من شرائط وجوب الأداء فالحاصل أنها من شرائط الوجوب عنده ومن شرائط وجوب الأداء عندهما وفائدة الخلاف تظهر في وجوب الإحجاج كما ذكرنا في وجوب الإيصاء ومحل الخلاف فيما إذا لم يقدر على الحج وهو صحيح أما إن قدر عليه وهو صحيح ثم زالت الصحة قبل أن يخرج إلى الحج فإنه يتقرر دينا في ذمته فيجب عليه الإحجاج اتفاقا أما إن خرج فمات في الطريق فإنه لا يجب عليه الإيصاء بالحج ; لأنه لم يؤخر بعد الإيجاب كذا في التجنيس ولا فرق في الأعمى بين أن يجد قائدا ، أو لا وهو المشهور عن أبي حنيفة ; لأن القادر بقدرة غيره ليس بقادر ولو تكلف هؤلاء الحج بأنفسهم سقط عنهم حتى لو صحوا بعد ذلك لا يجب عليهم الأداء ; لأن سقوط الوجوب عنهم لدفع الحرج فإذا تحملوه وقع عن حجة الإسلام كالفقير إذا حج

                                                                                        وأما القدرة على الزاد والراحلة فالفقهاء على أنه من شرط الوجوب فلا وجوب أصلا يتعلق بالفقير لاشتراط الاستطاعة في آية الحج وفسرت بهما والذي عليه أهل الأصول ومنهم صاحب التوضيح تبعا لفخر الإسلام أن القدرة الممكنة كالزاد والراحلة للحج شرط وجوب الأداء لا شرط الوجوب ; لأن الوجوب جبري لا صنع للعبد فيه وليس فيه تكليف ; لأنه طلب إيقاع الفعل من العبد ونفس الوجوب ليس كذلك ألا ترى أن صوم المريض والمسافر واجب ولا تكليف عليهما وكذا الزكاة قبل الحول [ ص: 336 ] وقد ظهر للعبد الضعيف أن الفقهاء إنما لم يوافقوا الأصوليين على ذلك لما أنه لا فائدة في جعله شرط وجوب الأداء ; لأن فائدة الفرق بينهما هو لزوم الإيصاء عند الموت وعدمه والفقير لا يتأتى فيه ذلك فلهذا جعلوا القدرة من شرائط أصل الوجوب ولم أر من نبه على هذا وقول المحقق في فتح القدير واعلم أن القدرة على الزاد والراحلة شرط الوجوب لا نعلم عن أحد خلافه مراده عن أحد من الفقهاء وإلا فقد علمت أن الأصوليين على خلافه وعلى ما ذكره الأصوليون فلا يتأتى بحثه المذكور في الفقير كما لا يخفى وأطلق في الزاد فأفاد أنه يعتبر في حق كل إنسان ما يصح به بدنه والناس متفاوتون في ذلك والراحلة في اللغة المركب من الإبل ذكرا كان أو أنثى وهي فاعلة بمعنى مفعولة وفيه إشارة إلى أنه لو قدر على غير الراحلة من بغل أو حمار فإنه لا يجب عليه ولم أره صريحا وإنما صرحوا بالكراهية ويعتبر في حق كل إنسان ما يبلغه فمن قدر على رأس زاملة وهو المسمى في عرفنا راكب مقتب وأمكنه السفر عليه وجب وإلا بان كان مترفها فلا بد أن يقدر على شق محمل وهو المسمى في عرفنا محارة أو موهية وإن أمكنه أن يكتري عقبة لا يجب عليه ; لأنه غير قادر على الراحلة في جميع الطريق وهو الشرط سواء كان قادرا على المشي ، أو لا والعقبة أن يكتري اثنان راحلة يتعقبان عليها يركب أحدهما مرحلة والآخر .

                                                                                        [ ص: 337 ] مرحلة وشق المحمل جانبه ; لأن للمحمل جانبين ويكفي للراكب أحد جانبيه وقد رأيت في كتب الشافعية أن من الشرائط أن يجد له من يركب في الجانب الآخر وهو المسمى بالمعادل فإن لم يجد لا يجب الحج عليه ولم أره لأئمتنا ولعلهم إنما لم يذكروه لما أنه ليس بشرط لإمكان أن يضع زاده وقربته وأمتعته في الجانب الآخر وقد وقع لي ذلك في الحجة الثانية في الرجعة لم أجد معادلا يصلح لي ففعلت ذلك لكن حصل لي نوع مشقة حين يقل الماء والزاد والله أعلم بحقيقة الحال ثم القدرة على الزاد لا تثبت إلا بالملك لا بالإباحة والقدرة على الراحلة لا تثبت إلا بالملك ، أو الإجارة بالعارية والإباحة فلو بذل الابن لأبيه الطاعة وأباح له الزاد والراحلة لا يجب عليه الحج وكذا لو وهب له مال ليحج به لا يجب عليه القبول ; لأن شرائط أصل الوجوب لا يجب عليه تحصيلها عند عدمها ثم اشتراط القدرة على الزاد عام في حق كل أحد حتى أهل مكة

                                                                                        وأما القدرة على الراحلة فشرط في حق غير المكي وأما هو فلا ومن حولها كأهلها ; لأنه لا يلحقهم مشقة فأشبه السعي إلى الجمعة أما إذا كان لا يستطيع المشي أصلا فلا بد منه في حق الكل وفي قوله وما لا بد منه إشارة إلى أن المسكن لا بد أن يكون محتاجا إليه للسكنى فلا تثبت الاستطاعة بدار يسكنها وعبد يستخدمه وثياب يلبسها ومتاع يحتاج إليه وتثبت الاستطاعة بدار لا يسكنها وعبد لا يستخدمه فعليه أن يبيعه ويحج بخلاف ما إذا كان سكنه وهو كبير يفضل عنه حتى يمكنه بيعه والاكتفاء بما دونه ببعض ثمنه ويحج بالفضل فإنه لا يجب بيعه لذلك كما لا يجب بيع مسكنه والاقتصار على السكنى بالإجارة اتفاقا بل إن باع واشترى قدر حاجته وحج بالفضل كان أفضل ، ولو لم يكن له مسكن ولا خادم وعنده مال يبلغ ثمن ذلك ولا يبقى بعده قدر ما يحج به فإنه لا يجب عليه الحج ; لأن هذا المال مشغول بالحاجة الأصلية إليه أشار في الخلاصة وأشار بقوله وما لا بد منه إلى أنه لا بد أن يفضل له مال بقدر رأس مال التجارة بعد الحج إن كان تاجرا وكذا الدهقان والمزارع أما المحترف فلا كذا في الخلاصة ورأس المال يختلف باختلاف الناس والمراد بالعيال من تلزمه نفقته

                                                                                        قال الشارح ويعتبر في نفقة عياله الوسط من غير تبذير ولا تقتير وقد يقال اعتبار [ ص: 338 ] الوسط في نفقة الزوجة مخالف للمفتى به فيها فإن الفتوى اعتبار حالهما والوسط إنما يعتبر فيما إذا كان أحدهما غنيا والآخر فقيرا كما سيأتي في باب النفقات إن شاء الله تعالى وأشار بقوله نفقة ذهابه وإيابه إلى أنه ليس من الشرط قدرته على نفقته ونفقة عياله بعد عوده وهو ظاهر الرواية وقيل لا بد من زيادة نفقة يوم وقيل شهر والأول عن أبي حنيفة والثاني عن أبي يوسف ودخل تحت نفقة عياله سكناهم ونفقتهم وكسوتهم فإن النفقة تشمل الطعام والكسوة والسكنى وقد قدمنا أن من الشرائط الوقت أعني أن يكون مالكا لما ذكر في أشهر الحج حتى لو ملك ما به الاستطاعة قبلها كان في سعة من صرفها إلى غيره وأفاد هذا قيدا في صيرورته دينا افتقر هو أن يكون مالكا في أشهر الحج فلم يحج والأولى أن يقال إذا كان قادرا وقت خروج أهل بلده إن كانوا يخرجون قبل أشهر الحج لبعد المسافة أو كان قادرا في أشهر الحج إن كانوا يخرجون فيها ولم يحج حتى افتقر تقرر دينا وإن ملك في غيرها وصرفها إلى غيره لا شيء عليه كذا في فتح القدير .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله : فلا حج على عبد إلخ ) أي لا يجب عليه لكنه يصح منه ويقع نفلا ( قوله : ولا على صبي إلخ ) أي لا يجب عليه أيضا فلو حج وهو مميز بنفسه أو غير مميز بإحرام وليه فهو نفل وأما غير العاقل فاختلف فيه ففي البدائع ولا يجوز أداء الحج من المجنون والصبي الذي لا يعقل كما لا يجب عليهما وقال ابن أمير حاج قال مشايخنا وغيرهم بصحة حج الصبي ولو كان غير مميز وكذا بصحة حج المجنون ا هـ .

                                                                                        وينبغي الجمع بينهما [ ص: 335 ] بحمل الأول على مجنون ليس له قابلية النية في الإحرام كالصبي الذي لا يعقل والثاني على الذي له بعض الإدراكات الشرعية وعلى صحة حج الصبي الغير المميز إذا ناب عنه وليه في النية كذا في شرح لباب المناسك لمنلا علي القاري أقول : المتعين حمل ما في البدائع على أداء المجنون والصبي بنفسهما بلا ولي وحمل ما نقله ابن أمير حاج على ما إذا أحرم عنهما وليهما فإن المجنون كالصبي في ذلك كما سنذكره قريبا عن الذخيرة والولوالجية وغيرهما ( قوله والمراد بالصحة صحة الجوارح ) قال في النهر قال بعض المتأخرين يرد عليه المريض إذا كان صحيح الجوارح فإنه لا يجب عليه الحج أيضا ومن ثم فسرها بعضهم بصحة البدن ويرد عليه أن الأعمى كذلك بدليل أن تصرفه ينفذ من كل المال مع أنه لا يجب عليه الحج فالأولى أن يفسر بسلامة البدن من الآفات المانعة عن القيام بما لا بد منه في السفر ( قوله : فلا يجب أداء الحج على مقعد إلخ ) الأصوب أن يقول فلا يجب الحج إلخ ويسقط لفظة أداء ليوافق قوله بعده لا يجب عليهم الحج بأنفسهم ولا الإحجاج عنهم ; لأن هذا بناء على أن الصحة من شرائط الوجوب فينافيه التعبير بالأداء ، تأمل .

                                                                                        ( قوله : ولا مقطوع الرجلين ) الظاهر أن مقطوع الرجل الواحدة ومقطوع اليدين كذلك لظهور الحرج عليهما إن وقع التكليف للحج بأنفسهما ثم رأيت الكرماني نص على مقطوع اليدين أيضا فمقطوع الرجل الواحدة بالأولى كذا في شرح اللباب لمنلا علي القاري ( قوله : والمحبوس ) قال العلامة منلا علي القاري في شرحه على لباب المناسك نقل عن شمس الإسلام أن السلطان ومن بمعناه من الأمراء ذوي الشأن ملحق بالمحبوس في هذا الحكم فيجب الحج في ماله يعني إذا كان له مال غير مستغرق لحقوق الناس في ذمته دون نفسه ; لأنه متى خرج من مملكته تخرب البلاد وتقع الفتنة بين العباد وربما يقتل في تلك الحالة وربما لا يمكنه ملك آخر من الدخول في حد مملكته فتقع فتنة عظيمة تفضي إلى مضرة بليغة لعامة المسلمين في أمر الدنيا والدين ا هـ .

                                                                                        والظاهر أن هذا بالنسبة إلى من تكون سلطنته ثابتة بالشرائط الشرعية وإلا فيجب عليه خلع نفسه وإقامة من يستحق الخلافة مقامه في أمره إن لم يتفرع عليه فساد عسكره ا هـ .

                                                                                        مما في شرح اللباب ( قوله : وظاهر ما في التحفة اختياره ) قال الرملي تقدم في تعداد الشرائط أن من شرائط الوجوب الصحة على الأصح تأمل ا هـ .

                                                                                        وذكر منلا علي في شرح اللباب أنه مشى عليه في النهاية وأنه قال في البحر العميق هو المذهب الصحيح وأن الثاني صححهقاضي خان في شرح الجامع واختاره كثير من المشايخ ومنهم ابن همام ا هـ .

                                                                                        فقد اختلف الترجيح ( قوله : كالفقير إذا حج ) أي فإنه يسقط عنه الفرض حتى لو استغنى لا يجب عليه أن يحج قال في فتح القدير وهو معلل بأمرين الأول أن عدمه عليه ليس لعدم الأهلية كالعبد بل للترفيه ودفع الحرج عنه فإذا تحمله وجب ثم يسقط كالمسافر إذا صام رمضان والثاني أن الفقير [ ص: 336 ] إذا وصل إلى المواقيت صار حكمه حكم أهل مكة فيجب عليه وإن لم يقدر على الراحلة ا هـ .

                                                                                        وتمامه فيه ( قوله : والفقير لا يتأتى فيه ذلك ) أي ; لأنه لو كان له مال يوصي به لوجب عليه الأداء بنفسه ; لأنه واجد للزاد والراحلة وفيه نظر ; لأنه قد يحدث له ملك ذلك في وقت لا يمكنه فيه الخروج والمعتبر ملكه ذلك وقت الإمكان كما يأتي ولأنه قد يكون له ما يحتاج إليه من مسكن وخادم فيمكنه الإيصاء من ثمنه ; لأنه يستغنى عنه بعد موته وعلى جعل القدرة المذكورة شرط وجوب لا شرط وجوب الأداء لا يلزمه شيء من ذلك لعدم أصل الوجوب عليه بخلاف ما إذا جعلت شرط وجوب الأداء ; لأنه يتأتى فيه لزوم الإيصاء مما ذكرنا فقد ظهر الفرق بينهما ، تأمل .

                                                                                        ( قوله : وأطلق في الزاد إلخ ) قال ابن العمادي في منسكه وهاهنا فائدة ينبغي للعامة التنبه لها وهي أن عدم القدرة على ما جرت به العادة المحدثة لكثير من أهل الثروة برسم الهدية للأقارب والأصحاب ليس بعذر مرخص لتأخير الحج فإن هذا ليس من الحوائج الشرعية فمن امتنع من الحج بمجرد ذلك حتى مات فقد مات عاصيا فالحذر من ذلك ا هـ قال بعض الفضلاء ونحوه لابن أمير حاج ا هـ .

                                                                                        ( قوله : والناس متفاوتون في ذلك ) قال في الفتح فليس كل من قدر على ما تيسر من خبز وجبن دون لحم قادرا على الزاد بل ربما يهلك بمداومته ثلاث أيام مرضا إذا كان مترفها معتاد اللحم والأطعمة المترفهة ( قوله : لو قدر على غير الراحلة إلخ ) قال العلامة الشيخ رحمه الله السندي تلميذ المحقق ابن الهمام في منسكه الكبير واعلم أن مراد الفقهاء من الراحلة المركب من الإبل ذكرا كان أو أنثى كما قاله الجوهري ثم هل هو شرط بخصوصه أو غيره من الدواب داخل في حكمه لم أر تعرض الأصحاب لذلك وتعرض له بعض العلماء من الشافعية فقال المحب الطبري وفي معنى الراحلة كل حمولة اعتيد الحمل عليها في طريقه أي الحج من برذون أو بغل أو حمار وقال الأذرعي منهم هو صحيح فيمن بينه وبين مكة مراحل يسيرة جرت العادة بالسفر عليها في مثل تلك المسافة دون المراحل البعيدة كأهل المشرق والمغرب مثلا ; لأن غير الإبل لا يقوى على قطع المسافات الشاسعة غالبا ا هـ .

                                                                                        وهو تفصيل حسن جدا ولم أر في كلام أصحابنا ما يخالفه بل ينبغي أن يكون هذا التفصيل مرادهم ا هـ .

                                                                                        ( قوله : ولم أره صريحا ) قال الشيخ إسماعيل قد رأيت ولله تعالى الحمد في المجتبى برمز شرح الصباغي ما هو صريح فيه ولفظه ولو ملك كراء حمار أو كراء بعير عقبة فهو عاجز عن الراحلة ا هـ .

                                                                                        لكن في ذخيرة العقبي والراحلة قيل الناقة التي تصلح لأن ترحل والمراد هاهنا المركب مطلقا ا هـ .

                                                                                        وقال الرملي الفقه يقتضي الوجوب في البغل والحمار والفرس إذ هو منوط بالاستطاعة وهي أعم واشتراط ذكر الإبل أو أنثاه لا دليل عليه تأمل ا هـ .

                                                                                        وينبغي التفصيل كما بحثه السندي في منسكه الكبير وهو الوجوب عند قرب المسافة بخلاف المشرقي والمغربي ( قوله : ويعتبر في حق كل إنسان ما يبلغه إلخ ) قال منلا علي القاري في شرحه على لباب المناسك فهو إما بركوب زاملة أو شق محمل ، وأما المحفة فمن مبتدعات المترفهة فليس لها عبرة ا هـ .

                                                                                        أقول : الظاهر أن المراد بالمحفة التخت المعروف في زماننا الذي يحمل على جملين أو بغلين لا المحارة ; لأنها شق المحمل كما فسره المؤلف ، تأمل .

                                                                                        ثم رأيت بعض الفضلاء نقل عن الشيخ عبد الله العفيف في شرح منسكه أنه اعترض كلام منلا علي فقال لا يخفى منابذته لما قرروه من أنه يعتبر في حق كل ما يليق بحاله عادة وعرفا إذ كثير من المترفهين لا يقدر على الركوب إلا في المحفة لا سيما عند بعد المسافة فمن كان كذلك ينبغي أن يعتبر في حقه بلا ارتياب وأما لو قدر على غيرها من محمل أو رأس زاملة فلا يعذر ولو كان شريفا أو وجيها أو ذا ثروة ا هـ .

                                                                                        ( قوله : على رأس زاملة ) قال في السراج الزاملة البعير يحمل عليه [ ص: 337 ] المسافر متاعه وطعامه ( قوله ولم أره لأئمتنا ) قال الرملي بل قواعدنا موافقة لهم وأنت عالم بأن من لم يجد معادلا غير قادر وما ذكره من وضع زاده وقربته إلخ فاسد إذ المسألة مصورة فيمن يقدر على الشق فقط وحيث قدر على المحمل فلا كلام في الوجوب ، تأمل .

                                                                                        ( قوله : ومن حولها كأهلها ) قال في المنسك المتوسط المسمى لباب المناسك ومن كان داخل المواقيت فهو كالمكي في عدم اشتراط الراحلة وقيل بل من كان دون مدة السفر فمن كان من مكة على ثلاثة أيام فصاعدا فهو كالآفاقي في حق الراحلة وهو اختيار جماعة ا هـ .

                                                                                        وقوى الثاني شارحه منلا علي القاري ( قوله : وفي قوله وما لا بد منه إشارة إلخ ) وجه الإشارة أن المراد به كما في الفتح غير المسكن كفرسه وسلاحه وثيابه وعبد خدمته وآلات حرفته وقضاء ديونه ، والمسكن مثلها ; لأن الجميع من الحوائج الأصلية فاشتراط الحاجة في غير المسكن يشير إلى اشتراطها فيه أيضا وجعل في النهر الإشارة من العدول عن التعبير بالدار إلى المسكن وما فعله المؤلف أحسن لئلا يرد عليه ما إذا كان ساكنا فيه ويستغني عنه بسكناه في غيره أيضا ( قوله : بخلاف ما إذا كان سكنه ) الضمير في كان يعود إلى الدار على تأويل المسكن أو المكان أي بخلاف ما إذا كان سكنا له وهو كبير إلخ فقوله سكنه بالحركات الثلاث خبر كان وهو اسم بمعنى المسكن لا فعل وقوله وهو كبير جملة حالية ( قوله ولو لم يكن له مسكن إلخ ) هذا محمول على ما قبل حضور الوقت الذي يخرج فيه أهل بلده فلو حضر تعين أداء النسك عليه فليس له أن يدفعه عنه إليه كما ذكره منلا علي القاري في شرحه على لباب المناسك وصرح به في اللباب حيث قال ومن له مال يبلغه ولا مسكن له ولا خادم فليس له صرفه إليه إن حضر الوقت بخلاف من له مسكن يسكنه لا يلزمه بيعه قال منلا علي في شرحه والفرق بينهما ما في البدائع وغيره عن أبي يوسف أنه قال إذا لم يكن له مسكن ولا خادم وله مال يكفيه لقوت عياله من وقت ذهابه إلى حين إيابه وعنده دراهم تبلغه إلى الحج لا ينبغي أن يجعل ذلك في غير الحج فإن فعل أثم ; لأنه مستطيع بملك الدراهم فلا يعذر في الترك ولا يتضرر بترك شراء المسكن والخادم بخلاف بيع المسكن والخادم فإنه يتضرر ببيعهما ا هـ .

                                                                                        على أنه قال بعض الفضلاء إن عبارة الخلاصة خلاف ما نقله المؤلف عنها ونص عبارتها ناقلا عن التجريد إن كان له دار لا يسكنها وعبد لا يستخدمه فعليه أن يبيعه ويحج به وإن لم يكن له مسكن ولا شيء من ذلك وعنده دراهم يبلغ بها الحج ويبلغ ثمن مسكن وخادم وطعام وثوب فعليه الحج وإن جعلها في غير الحج أثم ا هـ .

                                                                                        فتعين ما قدمناه عن اللباب وبه صرح في التتارخانية أيضا ( قوله : إليه أشار في الخلاصة ) أقول : الذي رأيته في الخلاصة خلافه ونصها وإن لم يكن له مسكن ولا شيء من ذلك وعنده دراهم تبلغ به الحج وتبلغ ثمن مسكن وخادم وطعام وقوت عليه الحج وإن جعلها في غيره أثم ا هـ بحروفه .

                                                                                        ( قوله : وقد يقال اعتبار [ ص: 338 ] الوسط إلخ ) قال الرملي ليس هذا المقصود بل المقصود اعتبار الوسط من حاله المعهود ولذا أعقبه بقوله من غير تبذير ولا تقتير ، تأمل .

                                                                                        ( قوله : كان في سعة من صرفها إلى غيره ) أي من شراء مسكن وخادم وتزوج ونحو ذلك لكن إن صرفه على قصد حيلة إسقاط الحج عنه فمكروه عند محمد ولا بأس به عند أبي يوسف شرح اللباب لمنلا علي .




                                                                                        الخدمات العلمية