الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : فإن خرج ساعة بلا عذر فسد ) لوجود المنافي فشمل القليل والكثير وهذا عند أبي حنيفة وقالا لا يفسد إلا بأكثر من نصف يوم وهو الاستحسان ; لأن في القليل ضرورة كذا في الهداية وهو يقتضي ترجيح قولهما ورجح المحقق في فتح القدير قوله ; لأن الضرورة التي يناط بها التخفيف اللازمة أو الغالبة وليس هنا كذلك وأراد بالعذر ما يغلب وقوعه كالمواضع التي قدمها وإلا لو أريد مطلقه لكان الخروج ناسيا أو مكرها غير مفسد لكونه عذرا شرعيا وليس كذلك بل هو مفسد كما صرحوا به وبما قررناه ظهر القول بفساده إذا خرج لانهدام المسجد ، أو لتفرق أهله ، أو أخرجه ظالم ، أو خاف على متاعه كما في فتاوى قاضي خان والظهيرية خلافا للشارح الزيلعي ، أو خرج لجنازة وإن تعينت عليه ، أو لنفير عام ، أو لأداء شهادة ، أو لعذر المرض ، أو لإنقاذ غريق ، أو حريق ففرق الشارح هنا بين المسائل حيث جعل بعضها مفسدا والبعض لا تبعا لصاحب البدائع مما لا ينبغي نعم الكل عذر مسقط للإثم بل قد يجب عليه الإفساد إذا تعينت عليه صلاة الجنازة ، أو أداء الشهادة بأن كان ينوي حقه إن لم يشهد ، أو لإنجاء غريق ونحوه والدليل على ما ذكره القاضي ما ذكره الحاكم في كافيه بقوله فأما في قول أبي حنيفة فاعتكافه فاسد إذا خرج ساعة لغير غائط ، أو بول ، أو جمعة . ا هـ .

                                                                                        فكان مفسرا للعذر المسقط للفساد وفي فتاوى قاضي خان والولوالجي وصعود المئذنة إن كان بابها في المسجد لا يفسد الاعتكاف وإن كان الباب خارج المسجد فكذلك في ظاهر الرواية قال بعضهم هذا في المؤذن ; لأن خروجه للآذان يكون مستثنى عن الإيجاب أما في غير المؤذن فيفسد الاعتكاف والصحيح أن هذا قول الكل في حق الكل لأنه خرج لإقامة سنة الصلاة وسنتها تقام في موضعها فلا تعتبر خارجا . ا هـ .

                                                                                        وفي التبيين ، ولو كانت المرأة معتكفة في المسجد فطلقت لها أن ترجع إلى بيتها وتبني على اعتكافها . ا هـ .

                                                                                        وينبغي أن يكون مفسدا على ما اختاره القاضي ; لأنه لا يغلب وقوعه وأراد بالخروج انفصال قدميه احترازا عما إذا خرج رأسه إلى داره فإنه لا يفسد اعتكافه ; لأنه ليس بخروج ألا ترى أنه لو حلف أنه لا يخرج من الدار ففعل ذلك لا يحنث كذا في البدائع وقد علمت أن الفساد لا يتصور إلا في الواجب وإذا فسد وجب عليه القضاء بالصوم عند القدرة جبرا لما فاته إلا في الردة خاصة غير أن المنذور به إن كان اعتكاف شهر بعينه يقضي قدر ما فسد لا غير ولا يلزمه الاستقبال كالصوم المنذور بشهر بعينه إذا أفطر يوما وجب قضاؤه لا يلزمه الاستقبال كما في صوم رمضان وإن كان اعتكاف شهر بغير عينه يلزمه الاستقبال ; لأنه لزمه متتابعا فيراعى فيه صفة التتابع وسواء فسد بصنعه بغير عذر كالخروج والجماع والأكل والشرب في النهار إلا الردة ، أو فسد بصنعه لعذر كما إذا مرض فاحتاج إلى الخروج فخرج ، أو بغير صنعه رأسا كالحيض والجنون والإغماء الطويل والقياس في الجنون الطويل أن يسقط القضاء كما في صوم رمضان إلا أن في الاستحسان يقضي ; لأنه لا حرج في قضاء الاعتكاف كذا في البدائع وبهذا علم أن مفسداته على ثلاثة أقسام ولا يفسد الاعتكاف سباب ولا جدال ولا سكر في الليل

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية