( قوله : وقد أشار سن لبث في مسجد بصوم ونية ) أي ونية اللبث الذي هو الاعتكاف المصنف إلى صفته وركنه وشرائطه أما الأول فهو السنية وهكذا في كثير من الكتب وفي الاعتكاف مستحب وصحح في الهداية أنه سنة مؤكدة وذكر الشارح أن الحق انقسامه إلى ثلاثة أقسام واجب وهو المنذور وسنة وهو في العشر الأخير من رمضان ومستحب وهو في غيره من الأزمنة وتبعه المحقق في فتح القدير والأظهر أنه سنة في الأصل كما اقتصر عليه في المتن تبعا لما صرح في البدائع وهي مؤكدة وغير مؤكدة وأطلق عليها الاستحباب ; لأنها بمعناه وأما الواجب فهو بعارض النذر وفي البدائع أنه يجب بالشروع أيضا ولا يخفى أنه مفرع على ضعيف وهو اشتراط زمن للتطوع القدوري
وأما على المذهب من أن أقل النفل ساعة فلا والدليل على تأكده في العشر الأخير مواظبته عليه السلام فيه كما في الصحيحين ولهذا قال الزهري عجبا للناس كيف تركوا الاعتكاف وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل الشيء ويتركه ولم يترك الاعتكاف منذ دخل المدينة إلى أن مات فهذه المواظبة المقرونة بعدم الترك مرة لما اقترنت بعدم الإنكار على من لم يفعله من الصحابة كانت دليل السنية وإلا كانت دليل الوجوب كذا في فتح القدير ولا يخفى أن المواظبة قد اقترنت بالترك وهو ما يفيده الحديث من { أنه اعتكف العشر الأخير من رمضان فرأى خياما وقبابا مضروبة فقال لمن هذا قال وهذا لعائشة لحفصة وهذا لسودة فغضب وقال أترون البر بهذا فأمر بأن تنزع قبته فنزعت ولم يعتكف فيه ثم قضى في شوال } وقد يقال إن الترك هنا لعذر كما صرح به الفتاوى الظهيرية وقد قدمنا في المواظبة كلاما حسنا في سنن الوضوء فارجع إليه ولا فرق في المنذور بين المنجز والمعلق
وأشار باللبث إلى ركنه وبالمسجد والصوم والنية إلى شرائطه لكن ذكر الصوم معها لا ينبغي ; لأنه لا يمكن حمله على المنذور لتصريحه بالسنية ولا على غيره لتصريحه بعد بأن [ ص: 323 ] ساعة فلزم أن الصوم ليس من شرطه فإن قلت يمكن حمله على الاعتكاف المسنون سنة مؤكدة وهو العشر الأخير من رمضان فإن الصوم من شرطه حتى لو أقله نفلا ينبغي أن لا يصح قلت لا يمكن لتصريحهم بأن الصوم إنما هو شرط في المنذور فقط دون غيره وفرعوا عليه بأنه لو اعتكفه من غير صوم لمرض ، أو سفر لم يصح ; لأن الصوم من شرطه والليل ليس بمحل له ، ولو نوى اليوم معها لم يصح كذا في الظهيرية وعن نذر اعتكاف ليلة إن نوى ليلة بيومها لزمه ولم يذكر أبي يوسف هذا التفصيل محمد
ولو لزمه أن يعتكف ليلا ونهارا وإن لم يكن الليل محلا للصوم ; لأن الليل يدخل فيه تبعا ولا يشترط للتبع ما يشترط للأصل ، ولو قال لله علي أن أعتكف ليلا ونهارا لم يصح ولم يلزمه شيء ; لأنه لا يصح بدون الصوم وسيأتي بقية تفاريع النذر ومن تفريعاته هنا أنه لو نذر اعتكاف يوم قد أكل فيه لا يصح وإن كان في وقت تصح فيه نية الصوم لعدم استيفاء النهار وتمامه في فتح القدير وفي فتاوى الظهيرية ، ولو أصبح صائما متطوعا ، أو غير ناو للصوم ثم قال لله علي أن أعتكف هذا اليوم فعليه أن يعتكف ويصوم وقد علم من كون الصوم شرطا أنه يراعى وجوده لا إيجاده للمشروط له قصدا فلو قال لله علي أن أعتكف شهرا بغير صوم لزمه وأجزأه صوم رمضان عن صوم الاعتكاف وإن لم يعتكف قضى شهرا بصوم مقصود لعود شرطه إلى الكمال ولا يجوز اعتكافه في رمضان آخر ويجوز في قضاء رمضان الأول والمسألة معروفة في الأصول في بحث الأمر . نذر اعتكاف شهر رمضان