( قوله ومن قضى وكفر ككفارة الظهار ) أما القضاء فلاستدراك المصلحة الفائتة ، وأما الكفارة فلتكامل الجناية أطلقه فشمل ما إذا لم ينزل ; لأن الإنزال شبع ; لأن قضاء الشهوة يتحقق دونه ، وقد وجب الحد بدونه ، وهو عقوبة محضة فما فيه معنى العبادة أولى ، وشمل الجماع في الدبر كالقبل ، وهو الصحيح والمختار أنه بالاتفاق كذا ذكره جامع أو جومع أو أكل أو شرب عمدا غذاء أو دواء الولوالجي لتكامل الجناية لقضاء الشهوة ، وإنما ادعى النقصان في معنى الزنا من حيث عدم فساد الفراش به ، ولا عبرة به في إيجاب الكفارة وأشار بقوله : أو جومع ليفيد بعد التنصيص على الوجوب على المفعول به الطائع امرأة أو رجلا إلى أن المحل لا بد أن يكون مشتهى على الكمال فلا تجب الكفارة لو جامع بهيمة أو ميتة ولو أنزل كما في الظهيرية وأما الصغيرة التي لا تشتهى فظاهر ما في شرح المجمع أبو حنيفة لابن الملك وجوب الكفارة بوطئها
وروي عن عدم الوجوب مع أنهم صرحوا في الغسل بأنه لا يجب بوطئها إلا بالإنزال كالبهيمة ، وجعلوا المحل ليس مشتهى على الكمال ، ومقتضاه عدم وجوب الكفارة مطلقا ، وفي القنية فأما إتيان الصغيرة التي لا تشتهى فلا رواية فيه ، واختلفوا في وجوب الكفارة ، وقيد بالعمد لإخراج المخطئ والمكره فإنه ، وإن فسد صومهما لا تلزمهما الكفارة ، ولو حصلت الطواعية في وسط الجماع بعدما كان ابتداؤه بالإكراه ; لأنها إنما حصلت بعد الإفطار كما في الظهيرية قال في الاختيار : إلا إذا كان الإكراه منها فإنها تجب عليهما ، وفي الفتاوى الظهيرية : المرأة إذا أبي حنيفة فالأصح أنه لا تجب الكفارة عليه ; لأنه مكره في ذلك وعليه الفتوى أكرهت زوجها في رمضان على الجماع فجامعها مكرها
وأشار بقوله أكل أو شرب إلى أنه لا بد من وصوله إلى المسلك المعتاد ; إذ لو وصل من غيره فلا كفارة كما سنذكره وأشار بما سيأتي من قوله كأكله عمدا بعد أكله ناسيا من عدم وجوب الكفارة إلى أن الكفارة لا تجب إلا بإفساد صوم [ ص: 298 ] تام قطعا حتى لو لا يلزمه الكفارة عند صام يوما من رمضان ، ونوى قبل الزوال ثم أفطر خلافا لهما ; لأن في هذا الصوم شبهة ، وعلى قياس هذا لو أبي حنيفة ينبغي أن لا تلزمه الكفارة لمكان الشبهة كذا في الظهيرية ، ولو صام يوما من رمضان بمطلق النية ثم أفطر لا كفارة مطلقا ، وبه أخذ أكثر المشايخ ، ولو أخبر بأن الفجر لم يطلع فأكل ثم ظهر خلافه فإن كان المخبر جماعة وصدقهم لا كفارة أخبر بطلوعه فقال : إذا لم أكن صائما آكل حتى أشبع ثم ظهر أن أكله الأول قبل طلوع الفجر وأكله الآخر بعد الطلوع
وإن كان المخبر واحدا فعليه الكفارة عدلا كان أو غير عدل ; لأن شهادة الفرد في مثل هذا لا تقبل كذا في الظهيرية وإذا الأظهر وجوب الكفارة كما لو أفطرت على ظن أنه يوم حيضها فلم تحض ومما يسقطها حيضها أو نفاسها بعد إفطارها في ذلك اليوم وكذا مرضها وكذا مرضه بعد إفطاره عمدا بخلاف ما إذا جرح نفسه بعد إفطاره عمدا فإنها لا تسقط على الصحيح كما لو سافر بعد إفطاره عمدا كذا في الظهيرية بخلاف ما لو أفطر على ظن أنه يوم مرضه أو أفطر بعد إكراهه على السفر قبل أن يخرج ثم عفي عنه أو شرب بعد ما قدم ليقتل ثم عفي عنه ، ولم يقتل فإنها تسقط ; لأن الأصل أنه إذا صار في آخر النهار على صفة لو كان عليها في أول اليوم يباح له الفطر تسقط عنه الكفارة كذا في فتاوى أصبح مقيما صائما ثم سافر فأفطر قاضي خان ، ولو كان عليه كفارة واحدة ; لأنها شرعت للزجر ، وهو يحصل بواحدة فلو جامع مرارا في أيام رمضان واحد ، ولم يكفر فعليه كفارة أخرى في ظاهر الراوية للعلم بأن الزجر لم يحصل بالأول جامع وكفر ثم جامع مرة أخرى
ولو فعليه كفارتان ، وإن لم يكفر للأولى في ظاهر الرواية ، وهو الصحيح كذا في الجوهرة وقال جامع في رمضانين : عليه واحدة قال في الأسرار وعليه الاعتماد ، وكذا في البزازية ولو محمد لا شيء عليه ; لأن المتأخر يجزئه ولو استحقت الثالثة فعليه إعتاق واحدة ; لأن ما تقدم لا يجزئ عما تأخر ، ولو استحقت الثانية أيضا فعليه واحدة للثاني والثالث ، وكذا لو استحقت الأولى تنزيلا للمستحق منزلة المعدوم ، ولو استحقت الأولى والثالثة دون الثانية أعتق واحدة للثالث ; لأن الثانية كفت عن الأولى أفطر في يوم فأعتق ثم في آخر فأعتق ثم كذلك ثم استحقت الرقبة الأولى أو الثانية
والأصل أن الثاني يجزئ عما قبله لا عما بعده كذا في فتح القدير والبدائع وأفاد بالتشبيه أن هذه الكفارة مرتبة فالواجب العتق ، فإن لم يجد فعليه صيام شهرين متتابعين ، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا لحديث الأعرابي المروي في الكتب الستة فلو أفطر يوما في خلال المدة بطل ما قبله ولزمه الاستقبال سواء أفطر لعذر أو لا وكذا في كفارة القتل والظهار للنص على التتابع إلا لعذر الحيض ; لأنها لا تجد شهرين عادة لا تحيض فيهما لكنها إذا تطهرت تصلي بما مضى فإن لم تصل استقبلت كذا في الولوالجية وكذا صوم كفارة اليمين متتابع فهي أربعة بخلاف قضاء رمضان وصوم المتعة وكفارة الحلق وكفارة جزاء الصيد فإنه غير متتابع ، والأصل أن كل كفارة شرع فيها عتق فإن صومه متتابع ، وما لم يشرع فيها عتق فهو مخير كذا في النهاية ، وإذا وجب عليه قضاء يومين من رمضان واحد ينوي أول يوم وجب عليه ، وإن لم ينو جاز ، وإن كانا من رمضانين ينوي قضاء رمضان الأول ، فإن لم ينو ذلك اختلف المشايخ فيه
والصحيح الإجزاء ، ولو جاز ذلك كذا ذكره صام الفقير إحدى وستين للكفارة ، ولم يعين اليوم للقضاء وصار كأنه نوى القضاء في اليوم الأول وستين يوما عن الكفارة كذا في الفتاوى الظهيرية وعلله [ ص: 299 ] في التجنيس بأن الغالب أن الذي يصوم القضاء والكفارة يبدأ بالقضاء ، وفيه إشكال للمحقق مذكور في فتح القدير ولو الفقيه أبو الليث كان عن القضاء في قول نوى قضاء رمضان والتطوع خلافا أبي يوسف فإن عنده يصير شارعا في التطوع بخلاف الصلاة فإنه إذا نوى التطوع والفرض لا يصير شارعا في الصلاة أصلا عنده ، ولو نوى قضاء رمضان وكفارة الظهار كان عن القضاء استحسانا لمحمد
وفي القياس يكون تطوعا ، وهو قول كذا في الفتاوى الظهيرية ، وفي الفتاوى البزازية من محمد يقتل ; لأنه دليل الاستحلال ا هـ . أكل نهارا في رمضان عيانا عمدا شهرة
اعلم أن هذا الذنب أعني ذنب الإفطار عمدا لا يرتفع بالتوبة بل لا بد من التفكير ; ولهذا قال في الهداية وبإيجاب الإعتاق عرف أن التوبة غير مكفرة لهذه الجناية ، وتبعه الشارحون وشبهه في غاية البيان بجناية السرقة والزنا حيث لا يرتفعان بمجرد التوبة بل يرتفعان بالحد وهذا يقتضي أن المراد بعدم الارتفاع عدمه ظاهرا أما فيما بينه وبين ربه فيرتفع بالتوبة بدون تكفير ; لأن حد الزنا يرتفع فيما بينه وبين الله بالتوبة كما صرحوا به ، وأما القاضي بعد ما رفع الزاني إليه لا يقبل منه التوبة بل يقيم الحد عليه ، وقد صرح الشيخ زكريا من الشافعية في شرح المنهج بارتفاعه بدون تكفير فيما بينه وبين الله - تعالى - وعبر بمن المفيدة للعموم في قوله من جامع أو جومع ليفيد أنه لا فرق في الحكم ، وهو وجوب الكفارة بين الذكر والأنثى والحر والعبد ولهذا صرح في البزازية بالوجوب على الجارية فيما لو مع عدم الوجوب عليه أخبرت سيدها بعد طلوع الفجر عالمة بطلوعه فجامعها
وكذا لا فرق بين السلطان وغيره ولهذا قال في البزازية : إذا لزم الكفارة على السلطان ، وهو موسر بماله الحلال ، وليس عليه تبعة لأحد يفتي بإعتاق الرقبة ، وقال أبو نصر محمد بن سلام : يفتى بصيام شهرين ; لأن المقصود من الكفارة الانزجار ويسهل عليه إفطار شهر وإعتاق رقبة فلا يحصل الزجر .
[ ص: 297 ]