( قلت ) كما قال الرافعي في الشرح ما علم منه أن محل تأخير الدين عن مؤن التجهيز إذا لم يتعلق بعين التركة حق ( فإن ) بغير حجر في الحياة قدم ( كالزكاة ) الواجبة فيما قبل موته ولو من غير الجنس فيقدم على مؤن التجهيز بل على كل حق تعلق بها فكانت كالمرهونة بها ، ولو تعلق بعين التركة حق لم يقدم إلا بربع عشرها كما استظهره تلف النصاب بعد التمكن إلا قدر الزكاة كشاة من أربعين مات عنها فقط الأذرعي ووجهه أن حق الفقراء في التالف ديون مرسلة فتؤخر لما تقرر من فرض الكلام في زكاة متعلقة بعين موجودة . واستشكال استثناء الزكاة بأن النصاب إن كان باقيا ، وقلنا بالأصح إن تعلقها تعلق شركة فلا تكون تركة له فلا يكون مما نحن فيه ، وإن قلنا : إنه تعلق جناية أو رهن فقد ذكرا ، وإن علقناها بالذمة فقط وكان النصاب تالفا ، فإن قدمنا دين الآدمي أو سوينا فلا استثناء ، وإن قدمناها وهو الأصح فتقدم على دين الآدمي لا على مؤنة التجهيز .
أجاب الزركشي وغيره عنه بما حاصله أنا نختار الأول وهو ما صرح به البغوي وغيره ولا نسلم أنه ليس تركة بل هو تركة ، وإن قلنا : تعلق شركة لكنها ليست شركة حقيقة بدليل جواز إخراج الزكاة من غيرها . فالحاصل أنا نمنع خروجه عما نحن فيه لصحة إطلاق التركة عليه بالاعتبار المذكور ، وعلى التنزل فيصح إطلاقه على المجموع الذي منه الحق الجائز تأديته من محل آخر كما في قوله تعالى { الحج أشهر معلومات } ومثل ذلك كاف في صحة الاستثناء ( والجاني ) بإذن السيد أو بغير إذنه إذا تعلق أرش الجناية برقبته ولو بالعفو عن القصاص فالمجني عليه مقدم على غيره بأقل الأمرين من الأرش وقيمة الجاني ، فإن كان المتعلق برقبته قصاصا أو المال متعلقا بذمته كما لو اقترض مالا من غير إذن السيد وأتلفه لم يقدم المجني عليه والمقرض على غيرهما وللوارث التصرف في رقبته بالمبيع ( والمرهون ) رهنا جعليا ، وإن [ ص: 9 ] حجر على الراهن بعده ( والمبيع ) بثمن في الذمة ( إذ مات المشتري مفلسا ) بثمنه ولم يكن هناك مانع من الفسخ فيمكن البائع منه ويفوز به ، وإن لم يحجر عليه بالفلس قبل موته ، ولكون الفسخ يرفع العقد من حينه لم يخرج به عن كونه تركة ، فإن وجد مانع كتعلق حق لازم به وكتأخير فسخه بلا عذر قدم التجهيز ; لانتفاء التعلق بالعين حينئذ ، وإنما ( قدم ) ذلك الحق في تلك الصور ( على مؤنة تجهيزه ) إيثارا للأهم كما تقدم تلك الحقوق على حقه في الحياة ( والله أعلم ) تقديما لصاحب التعلق على حقه كما في حال الحياة .
زاد صاحب الإرشاد : لا يحجر ليخرج به ما أورد على من تركه كأصله وهو ما لو فإن حق الغرماء تعلق بعين ماله قبل موته ، ولا تقديم بذلك التعلق كما في الروضة ; لأنه لم يخرج عن كونه مرسلا في الذمة ، وفي معنى موته مفلسا ما لو ثبت للبائع حق الفسخ ; لغيبة مال المشتري وعدم صبر البائع ثم مات المشتري حينئذ فلم يجد البائع سوى المبيع فإنه يقدم به على مؤن التجهيز . واستشكال حجر الحاكم على المفلس السبكي ما تقرر بأن الثابت للبائع حق الفسخ فورا ، فإن فسخ كذلك خرجت العين المبيعة عن التركة فلا استثناء ، وإن أخر بلا عذر سقط حقه منها ; لتقدم مؤن التجهيز منها عليه ، أو لعذر فهي ملك الورثة ، وحقه متعلق بها فيحتمل تقديم حقه كالمرتهن والمجني عليه ، ويحتمل أن لا لتقدم حقهما ، وهذا لم يثبت فيه حق إلا بالموت مفلسا فهو كتعلق الغرماء بمال المفلس ، والمفلس مقدم بمؤنة يومه فيكون هذا مثله .
أجيب عنه بما حاصله أنه على اختيار الأول لا يلزم ما ذكره من عدم صحة الاستثناء ; لأن الفسخ يرفع العقد من حينه لا من أصله وخروجها عن التركة بعد الفسخ لا يضر في صحة الاستثناء ، كما أن لا يضر في ذلك ، وعلى اختيار الثالث فالأوجه الاحتمال الأول وهو تقديم حقه ، والقياس المذكور في الاحتمال الثاني ليس بظاهر ; لأنه قد وقع بين المتبايعين في مسألتنا تعلق بالعين المبيعة ومعاقدة عليها على الخصوص [ ص: 10 ] وليس كذلك الغرماء بالنسبة إلى مال المفلس . ولو بيع الجاني في الجناية ، وإن خرج مبيعه عن التركة اتجه تقديم الزكاة لانحصار تعلق كل في العين مع زيادة الزكاة بتعلق حقين بها فكانت أولى ، والمستثنيات لا تنحصر فيما ذكر بل قال بعضهم : إن صورها لا تكاد تنحصر . اجتمعت الزكاة والجناية في رقيق تجارة