( وهو ) أي المحرر ( كثير الفوائد ) جمع فائدة ، وهي ما استفيد من علم أو غيره ( عمدة في تحقيق المذهب ) أي ما ذهب إليه وأصحابه من الأحكام في المسائل مجازا عن مكان الذهاب ثم صار حقيقة عرفية فيه ، وإطلاق المذهب على المسائل المتداولة مقتصرا فيها على ما به الفتوى كما هنا من باب إطلاق الشيء على ركنه الأعظم ; لأنها الأهم للفقيه بالنسبة إلى غيرها ( معتمد للمفتي وغيره ) كالقاضي والمدرس ( من أولي الرغبات ) أي أصحابها وهي بفتح الغين جمع رغبة بسكونها ، وهو بيان لغيره أو لكل من سابقيه ( وقد التزم مصنفه رحمه الله وأن ينص ) في مسائل الخلاف ( على ما صححه معظم الأصحاب ) أي أكثرهم فيها ; لأن نقل المذهب من باب الرواية فيرجح بالكثرة من استواء الأدلة ، ويطلق النص المنقول في المسألة كما هنا وعلى الدليل كقولهم : لا بد للإجماع من نص ، وعلى [ ص: 43 ] اللفظ الصريح الذي لا يحتمل التأويل ( ووفى ) بالتخفيف والتشديد ( بما التزمه ) واعترض على المصنف بأنه كثيرا ما يستدرك على المحرر بأنه خالف الأكثرين ، وعلى الشافعي الرافعي بأنه يجزم في المحرر بشيء ويكون بحثا للإمام أو غيره كما ستقف عليه .
وأجيب عنه بأنه وفى بحسب ما اطلع عليه ، فلا ينافي ذلك استدراكه التصحيح عليه في المواضع الآتية وبأنه وفى غالبا ، والمقام مقام المبالغة فنزل القليل جدا منزلة العدم ، وبأنه يجزم في المحرر بشيء تبعا للإمام وغيره لكونه كالتقييد لما أطلقوه تساهلا بحيث لو عرض عليهم لقبلوه لكونه مرادهم من الإطلاق . وقد حكي عن بعض تصانيف السبكي أنه قال : من فهم عن الرافعي أنه لا ينص إلا على ما عليه المعظم فقد أخطأ فهمه ، فإنه إنما قال في خطبة المحرر : إنه ناص على ما عليه المعظم من الوجوه والأقاويل ، ولم يقل إنه لا ينص إلا على ذلك ( وهو ) أي ما التزمه ( من أهم ) المطلوبات ( أو ) هو من الوقوف على المصحح من الخلاف في مسائله . ( أهم المطلوبات ) لطالب الفقه
ثم شرع في ذكر وجه اختصاره فقال ( لكن في حجمه ) أي مقدار المحرر ( كبر عن حفظ أكثر أهل العصر ) أي زمانه الراغبين في حفظ مختصر في الفقه ( إلا بعض أهل العنايات ) منهم فلا يكبر : أي يعظم عليهم حفظه ، فالاستثناء متصل ; لأنه استثنى من الأكثر بعض أهل العنايات ، وأما الأقلون فلم يدخلهم في كلامه لا في المستثنى ولا في المستثنى منه ، ويصح كونه منقطعا بأن يكون استثنى بعض أهل العنايات من الأقلين ( فرأيت اختصاره ) بأن لا يفوت شيء من مقاصده من الرأي في الأمور المهمة : أي ظهر لي أن المصلحة فيه ( في نحو نصف حجمه ) هو صادق بما وقع في الخارج من الزيادة على النصف بيسير ، فإن نحو الشيء يطلق على ما ساواه أو قاربه مع زيادة أو نقص ، والنصف مثلث النون ، ويقال فيه نصيف بفتح أوله وزيادة ياء قبل آخره ( ليسهل حفظه ) أي المختصر على من يرغب في حفظ مختصر .
قال : الكتاب يختصر ليحفظ ويبسط ليفهم ، والاختصار ممدوح شرعا ، قال صلى الله عليه وسلم { الخليل بن أحمد } ( مع ما ) أي مصحوبا ذلك المختصر بما ( أضمه إليه إن شاء الله تعالى ) في أثنائه وبذلك قرب من ثلاثة أرباع أصله كما قيل ( من النفائس المستجادات ) أي المستحسنات بيان لما سواء أجعلت موصولا اسميا أو نكرة موصوفة ( منها ) الضمير للنفائس أو لما في قوله ما أضمه ، واعتبر المعنى والحاصل أن الضمير للبيان أو للمبين [ ص: 44 ] ( التنبيه على قيود ) جمع قيد . وهو في الاصطلاح ما جيء به لجمع أو منع أو بيان واقع ( في بعض المسائل ) بأن تذكر فيها ( هي من الأصل محذوفات ) بالمعجمة : أي متروكات اكتفاء بذكرها في المبسوطات والتنبيه إعلام تفصيل ما تقدم إجمالا فيما قبله والمسائل جمع مسألة وهي مطلوب خبري يبرهن عليه في ذلك العلم إن كان كسبيا ( ومنها مواضع يسيرة ) نحو خمسين موضعا ( ذكرها في المحرر على خلاف المختار في المذهب ) الآتي ذكره فيها مصححا ( كما ستراها إن شاء الله تعالى ) في خلافها له نظر للمدارك ( واضحات ) بأن أبين فيها أن المختار في المذهب خلاف ما فيه فصار حاصل كلامه ، ومنها ذكر المختار في المذهب في مواضع يسيرة ذكرها في المحرر على خلافه ( ومنها إبدال ما كان من ألفاظه غريبا ) أي غير مألوف الاستعمال ، ولا يعترض عليه بقوله في المرابحة ده يازده ; لأن وقوعها في ألسنة السلف والخلف أخرجها عن الغرابة ( أو موهما ) أي موقعا في الوهم أي الذهن ( خلاف الصواب ) أي الإتيان بدل ذلك ( بأوضح وأخصر منه بعبارات جليات ) أي ظاهرات في أداء المراد . : أوتيت جوامع الكلم ، واختصر لي الكلام اختصارا
واعترض عليه بأن المعروف عند أئمة اللغة وهو الذي صرح به النحويون واللغويون أن الباء مع الإبدال تدخل على المتروك لا على المأتي به ، قال تعالى { ومن يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سواء السبيل } وقال { أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير } وقال { وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط } الآية ، وقال { ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب } وحينئذ فكان الصواب أن يقول : ومنها إبدال الأوضح والأخصر بما كان من ألفاظه غريبا أو موهما خلاف الصواب . ورده جماعة منهم الشمس القاياتي بأنه خلاف ما عليه أئمة اللغة من أنها إنما تدخل على المأخوذ في الإبدال مطلقا وفي التبديل إن لم يذكر مع المتروك والمأخوذ غيرهما ، فقد نقل الأزهري عن : أبدلت الخاتم بالحلقة إذا نحيت هذا وجعلت هذه مكانه ، وبدلت الخاتم بالحلقة إذا أذبته وسويته حلقة ، أما إذا ذكر معهما غيرهما كما في قوله تعالى { ثعلب وبدلناهم بجنتيهم جنتين } وكما في قولك بدله بخوفه أمنا فدخولها حينئذ على المتروك كما في الاستبدال والتبدل [ ص: 45 ] وفرق بعضهم بين التبديل والإبدال ، بأن التبديل تغيير صورة إلى صورة مع بقاء الذات ، والإبدال تغيير الذات بالكلية . ولما كان حاصل ما تقدم من الجواب رد الاعتراض من أصله لم أذكر كلام من سلم الاعتراض وأجاب عنه . ثم شرع في ذكر اصطلاح حسن ابتكره لم يسبق إليه فقال ( ومنها بيان القولين والوجهين والطريقين والنص ومراتب الخلاف ) قوة وضعفا في المسائل ( في جميع الحالات ) أي حالة يعبر فيها بالأظهر أو المشهور أو بالأصح أو الصحيح فهو عام مخصوص ، أما ما عبر فيه بالمذهب بالنسبة لبيان الطريقين أو الطرق أو بقيل لبيان أنه وجه ضعيف وأن الأصح أو الصحيح خلافه ، أو بقي قول لبيان أن الراجح خلافه ، أو بالنص لبيان أنه نص وأن مقابله وجه ضعيف أو قول مخرج ، أو بالجديد لبيان أن القديم خلافه ، أو بالقديم أو في قول قديم لبيان أن الجديد خلافه ، فلم يبين في شيء منها مراتب الخلاف كما يعلم مما بين به مراده بعد ، ولهذا قال بعضهم : إن المؤلف وفي بما التزمه في جميع اصطلاحاته في هذا الكتاب من غير شك ولا ارتياب ا هـ . الشافعي
فاندفع ما قيل إن ما ادعاه من بيان ذلك في جميع المسائل مردود ، وأنه يرد عليه من مراتب الخلاف أشياء منها ما عبر فيه بالمذهب أو النص أو الجديد أو القديم أو في قول كذا أو قيل كذا .
ومن فوائد ذكر المجتهد للقولين إبطال ما زاد لا العمل بكل منهما وبيان المدرك ، وأن من رجح أحدهما من مجتهد المذهب لا يعد خارجا عنه [ ص: 46 ] ثم الراجح منهما ما نص على رجحانه وإلا فما علم تأخره وإلا فما فرع عليه وحده وإلا فما قال عن مقابله مدخول أو يلزمه فساد وإلا فما أفرده في محل أو جواب وإلا فما وافق مذهب مجتهد لتقويه به فإن خلا عن ذلك كله فهو لتكافؤ نظريه ، وهو يدل على سعة العلم وشدة الورع حذرا من ورطة هجوم على ترجيح من غير وضوح دليل . ونقل القرافي الإجماع على تخيير المقلد بين قولي إمامه : أي على جهة البدل لا الجمع إذا لم يظهر ترجيح أحدهما ، ولعله أراد [ ص: 47 ] إجماع أئمة مذهبه ، وإلا فمقتضى مذهبنا كما قال السبكي منع ذلك في القضاء والإفتاء دون العمل لنفسه ، وبه يجمع بين قول : يجوز عندنا ، وانتصر له الماوردي الغزالي كما يجوز لمن أداه اجتهاده إلى تساوي جهتين : أن يصلي إلى أيهما شاء بالإجماع ، وقول الإمام يمتنع إن كانا في حكمين متضادين كإيجاب وتحريم ، بخلاف خصال الكفارة ، وأجرى السبكي ذلك وتبعوه في العمل بخلاف المذاهب الأربعة : أي مما علمت نسبته لمن يجوز تقليده وجمع شروطه عنده ، وحمل على ذلك قول ابن الصلاح : لا يجوز تقليد غير الأئمة الأربعة : أي في إفتاء أو قضاء ومحل ذلك وغيره ما لم يتتبع الرخص في سائر صور التقليد بحيث تنحل ربقة التكليف من عنقه وإلا أثم به ، بل ذهب بعضهم إلى أنه فسق ، والأوجه خلافه .
وقيل محل الخلاف في حالة تتبعها من المذاهب المدونة وإلا فسق قطعا ، ولا ينافي ذلك قول ابن الحاجب كالآمدي من عمل بمسألة بقول إمام لا يجوز له العمل فيها بقول غيره اتفاقا لتعين حمله على ما إذا بقي من آثار العمل الأول ما يلزم عليه مع الثاني تركب حقيقة لا يقول بها كل من الإمامين ، كتقليد في مسح بعض الرأس ، الشافعي في طهارة الكلب في صلاة واحدة ، وقد ذكر ومالك السبكي في الصلاة في فتاويه نحو ذلك مع زيادة إيضاح فيه ، وتبعه جمع عليه حيث قالوا : إنما يمتنع تقليد الغير في تلك الحادثة بعينها لا مثلها خلافا للشارح المحلي كأن أفتى شخص ببينونة زوجة بطلاقها مكرها ثم نكح بعد انقضاء عدتها [ ص: 48 ] أختها مقلدا في طلاق المكره ، ثم أفتاه شافعي بعدم الحنث فيمتنع عليه أن يطأ الأولى مقلدا أبا حنيفة وأن يطأ الثانية مقلدا للحنفي ; لأن كلا من الإمامين لا يقول به حينئذ كما أوضح ذلك الوالد رحمه الله في فتاويه رادا على من زعم خلافه مغترا بظاهر ما مر ( فحيث أقول في الأظهر أو المشهور فمن القولين أو الأقوال ) للشافعي رضي الله عنه . للشافعي
ثم قد يكون القولان جديدين أو قديمين ، أو جديدا وقديما ، وقد يقولهما في وقتين أو وقت واحد ، وقد يرجح أحدهما وقد لا يرجح ( فإن قوي الخلاف ) لقوة مدركه ( قلت الأظهر ) المشعر بظهور مقابله ( وإلا ) بأن ضعف الخلاف ( فالمشهور ) المشعر بغرابة مقابله لضعف مدركه ( وحيث أقول الأصح أو الصحيح فمن الوجهين أو الأوجه ) لأصحاب يستخرجونها من كلامه وقد يجتهدون في بعضها وإن لم يأخذوه من أصله ، ثم قد يكون الوجهان لاثنين وقد يكونان لواحد واللذان للواحد ينقسمان كانقسام القولين ( فإن قوي الخلاف ) لقوة مدركه ( الشافعي قلت الأصح ) المشعر بصحة مقابله ( وإلا ) بأن ضعف الخلاف ( فالصحيح ) ولم يعبر بذلك في الأقوال تأدبا مع الإمام كما قال ، فإن الصحيح منه مشعر بفساد مقابله وظاهر أن المشهور [ ص: 49 ] أقوى من الأظهر ، وأن الصحيح أقوى من الأصح ( وحيث أقول المذهب فمن الطريقين أو الطرق ) وهي اختلاف الأصحاب في حكاية المذهب كأن يحكي بعضهم في المسألة قولين أو وجهين لمن تقدم ويقطع بعضهم بأحدهما ، ثم الراجح الذي عبر عنه بالمذهب إما طريق القطع أو الموافق لها من طريق الخلاف أو المخالف لها كما سيظهر في المسائل ، وما قيل من أن مراده الأول وأنه الأغلب ممنوع ، وإن قال الشافعي الإسنوي والزركشي إن الغالب في المسألة ذات الطريقين أن يكون الصحيح فيها ما يوافق طريقة القطع انتهى .
قال الرافعي في آخر زكاة التجارة : وقد تسمى طرق الأصحاب وجوها وذكر مثله في مقدمة المجموع فقال : وقد يعبرون عن الطريقين بالوجهين وعكسه ( وحيث أقول النص فهو نص رحمه الله ) من إطلاق المصدر على اسم المفعول سمي بذلك ; لأنه مرفوع إلى الإمام ، أو أنه مرفوع القدر لتنصيص الإمام عليه . الشافعي هو حبر الأمة وسلطان الأئمة والشافعي جد النبي صلى الله عليه وسلم ، والنسبة إليه شافعي لا شفعوي ، ولد أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف بغزة التي توفي بها هاشم جد النبي صلى الله عليه وسلم سنة خمسين ومائة ، ثم حمل إلى مكة وهو ابن سنتين ، ونشأ بها وحفظ القرآن وهو ابن سبع سنين ، والموطأ وهو ابن عشر سنين ، تفقه بمكة على ، وكان شديد الشقرة ، وأذن له مسلم بن خالد الزنجي في الإفتاء وهو ابن خمس عشرة سنة ، ورحل في طلب العلم إلى مالك اليمن والعراق إلى أن أتى مصر فأقام بها إلى أن توفاه الله شهيدا يوم [ ص: 50 ] الجمعة سلخ شهر رجب سنة أربع ومائتين ، وفضائله أكثر من أن تحصى وأشهر من أن تستقصى ( ويكون هناك ) أي مقابله ( وجه ضعيف أو قول مخرج ) من نص له في نظير المسألة لا يعمل به وكيفية التخريج ، كما قاله الرافعي في باب التيمم أن يجيب بحكمين مختلفين في صورتين متشابهتين ولم يظهر ما يصلح للفرق بينهما ، فينقل الأصحاب جوابه من كل صورة إلى الأخرى فيحصل في كل صورة منهما قولان منصوص ومخرج ، المنصوص في هذه هو المخرج في تلك ، والمنصوص في تلك هو المخرج في هذه ، وحينئذ فيقولون قولان بالنقل والتخريج أي نقل المنصوص من هذه الصورة إلى تلك وخرج فيها وكذلك بالعكس ، قال : ويجوز أن يكون المراد بالنقل الرواية . والمعنى : أن في كل من الصورتين قولا منصوصا وآخر مخرجا ، ثم الغالب في مثل هذا عدم إطباق الأصحاب على التخريج ، بل ينقسمون إلى فريقين : فريق يخرج ، وفريق يمتنع ويستخرج فارقا بين الصورتين ليستند إليه . الشافعي
والأصح أن القول المخرج لا ينسب إلا مقيدا ; لأنه ربما يذكر فرقا ظاهرا لو روجع فيه ( وحيث أقول الجديد فالقديم خلافه ، أو القديم أو في قول قديم فالجديد خلافه ) والقديم ما قاله للشافعي الشافعي بالعراق أو قبل انتقاله إلى مصر ، وأشهر رواته أحمد بن حنبل والزعفراني والكرابيسي ، وقد رجع وأبو ثور عنه رضي الله عنه وقال : لا أجعل في حل من رواه عني . وقال الإمام : لا يحل عد القديم من المذهب . وقال الشافعي في أثناء كتاب الصداق : غير الماوردي جميع كتبه القديمة في الجديد إلا الصداق فإنه ضرب على مواضع منه وزاد مواضع . والجديد ما قاله الشافعي بمصر ، وأشهر رواته البويطي والمزني والربيع المرادي والربيع الجيزي وحرملة ويونس بن عبد الأعلى وعبد الله بن الزبير المكي وأبوه ، ولم يقع للمصنف التعبير بقوله وفي قول قديم ، ولعله ظن صدور ذلك منه فيه ، وإذا كان في المسألة قولان قديم وجديد فالجديد هو المعمول به ، إلا في نحو سبع عشرة مسألة أفتى فيها بالقديم . ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم
قال بعضهم : وقد تتبع ما أفتى فيه بالقديم فوجد منصوصا عليه في الجديد أيضا ، وقد نبه في المجموع على شيئين : أحدهما أن إفتاء الأصحاب بالقديم في بعض المسائل محمول على أن اجتهادهم أداهم إليه لظهور دليله ولا يلزم ومن ذلك نسبته إلى ، قال : وحينئذ فمن ليس أهلا للتخريج يتعين عليه العمل والفتوى بالجديد ، ومن كان أهلا للتخريج والاجتهاد في المذهب يلزمه اتباع ما اقتضاه الدليل في العمل والفتوى مبينا أن هذا رأيه وأن مذهب الشافعي كذا وكذا ، قال : وهذا كله في قديم لم يعضده حديث لا معارض له ، فإن اعتضد بذلك فهو مذهب الشافعي ، فقد صح أنه قال : إذا صح الحديث فهو مذهبي . الثاني أن قولهم إن القديم مرجوع عنه وليس بمذهب الشافعي محله في قديم نص في الجديد على خلافه ، أما [ ص: 51 ] قديم لم يتعرض في الجديد لما يوافقه ولا لما يخالفه فإنه مذهبه ، وإذا كان في الجديد قولان فالعمل بما رجحه الشافعي ، فإن لم يعلم فبأحدهما ، وإن قالهما في وقت واحد ولم يرجح شيئا وذلك قليل أو لم يعلم هل قالهما أو مرتبا لزم البحث عن أرجحهما بشرط الأهلية ، فإن أشكل توقف فيه كما مر إيضاحه ( وحيث أقول وقيل كذا فهو وجه ضعيف ، والصحيح أو الأصح خلافه ، وحيث أقول وفي قول كذا فالراجح خلافه ) ويتبين قوة الخلاف وضعفه في قوله وحيث أقول المذهب إلى هنا من مدركه ( ومنها مسائل ) جمع مسألة ، وهي إثبات عرضي ذاتي لموضوع ، وله اعتبارات كثيرة منها أنه يسأل عنه ، وبهذا الاعتبار يقال له مسألة ، وباعتبار أنه يطلب بالدليل يقال له مطلوب إلى غير ذلك ( نفيسة أضمها إليه ) أي إلى المختصر . الشافعي
( ينبغي أن لا يخلى الكتاب ) أي المختصر وما يضم إليه ( منها ) صرح بوصفها الشامل له ما تقدم ، وزاد عليه إظهارا للعذر في زيادتها ، فإنها فارية عن التنكيت بخلاف ما قبلها ، ولفظة ينبغي محتملة للوجوب والندب وتحمل على أحدهما بالقرينة ( وأقول في أولها قلت وفي آخرها والله أعلم ) لتتميز عن مسائل المحرر ، وقد قال مثل ذلك في استدراك التصحيح عليه ، وقد زاد عليه من غير تمييز كقوله في فصل الخلاء ولا يتكلم ( وما وجدته ) أيها الناظر في هذا المختصر ( من زيادة لفظة ونحوها على ما في المحرر ) بدون قلت ( فاعتمدها ) أي اجعلها عمدة في الإفتاء أو نحوه ( فلا بد منها ) كزيادة كثير وفي عضو ظاهر [ ص: 52 ] في قوله في التيمم إلا أن يكون بجرحه دم كثير ، أو الشين الفاحش في عضو ظاهر ، وكزيادة جامد في قوله في الاستنجاء ، وفي معنى الحجر كل جامد طاهر ، وقوله فلا بد منها : أي لا فراق منها أو لا محالة أو لا عوض ( وكذا ما وجدته من الأذكار مخالفا لما في المحرر وغيره من كتب الفقه فاعتمده ، فإني حققته من كتب الحديث المعتمدة ) في نقله كالصحيحين وبقية الكتب الستة لاعتناء أهل الحديث بلفظه ، بخلاف الفقهاء فإنما يعتنون بمعناه غالبا ، وإنما خاطب الناظر بهذين دفعا لتوهم أنهما وقعا من النساخ أو من المصنف سهوا
( وقد أقدم بعض مسائل الفصل لمناسبة أو اختصار ، وربما قدمت فصلا للمناسبة ) كتقديم فصل التخيير في جزاء الصيد على فصل الفوات والإحصار ( وأرجو إن تم هذا المختصر ) وقد تم ولله الحمد ( أن يكون في معنى الشرح للمحرر ) أي لدقائقه وخفي ألفاظه ، وبيان مهمل صحيحه ومراتب خلافه ، ومهمل خلافه هل هو قولان أو وجهان أو طريقان ، وما يحتاج من مسائله إلى قيد أو شرط أو تصوير ، وما غلط فيه من الأحكام وما صحح فيه خلاف الأصح عند الجمهور ، وما أخل به من الفروع المحتاج إليها ونحو ذلك ( فإني لا أحذف ) بالمعجمة : أي أسقط ( منه شيئا من الأحكام أصلا ) قال بعضهم : لعل المراد الأصول ، إذ ربما حذف المفرعات انتهى .
ويستفاد هذا من نصب قوله أصلا على الجالية ، ويجوز أن يكون للمبالغة في المنفي مصدرا : أي مستأصلا : أي قاطعا للحذف من أصله من قولهم استأصله : قطعه من أصله ( ولا من الخلاف ولو كان واهيا ) أي ضعيفا جدا مجازا عن الساقط ( مع ما ) أي أتى بجميع ما اشتمل عليه مصحوبا بما ( أشرت إليه من النفائس ) المتقدمة ( وقد شرعت ) مع الشروع [ ص: 53 ] في المختصر ( في جمع جزء لطيف على صورة الشرح لدقائق هذا المختصر ) من جهة الاختصار ( ومقصودي به التنبيه على الحكمة في العدول عن عبارة المحرر ، وفي إلحاق قيد أو حرف ) في الكلام والمراد به الكلمة من باب إطلاق اسم الجزء على الكل ، ويصح إبقاء الحرف على بابه كزيادة الهمزة في " أحق ما قال العبد " ( أو شرط للمسألة ونحو ذلك ) مما بينته ( وأكثر ذلك من الضروريات التي لا بد منها ) أي لا غنى ولا مندوحة عنها ، ومنه ما ليس بضروري ولكنه حسن كما قاله في زيادة لفظة الطلاق في قوله في الحيض ، فإذا انقطع لم يحل قبل الغسل غير الصوم والطلاق ، فإن الطلاق لم يذكر قبل في المحرمات
( وعلى الله الكريم اعتمادي ) أي اتكالي في تمام هذا المختصر بأن يقدرني على إتمامه كما أقدرني على ابتدائه بما تقدم على وضع الخطبة فإنه لا يرد من سأله واعتمد عليه ( وإليه تفويضي ) وهو رد أمري إليه وبراءتي من الحول والقوة ( واستناد ) في ذلك وغيره فإنه لا يخيب من قصده واستند إليه ، وقدم الجار والمجرور في الموضعين لإفادة الاختصاص ، وهذا الكلام وإن كانت صورته خبرا فالمراد به هنا التضرع إلى الله والالتجاء إليه ونحو ذلك ، فإن الجملة الخبرية تذكر لأغراض غير إفادة مضمونها الذي هو فائدة الخبر وغير لازم فائدة الخبر ، ثم قدر وقوع المطلوب برجاء الإجابة فقال ( وأسأله النفع به ) أي بالمختصر في الآخرة ( لي ) بتأليفه ( ولسائر المسلمين ) أي باقيهم بأن يلهمهم الاعتناء به بعضهم بالاشتغال به ككتابة ، [ ص: 54 ] وقراءة وتفهم وشرح ، وبعضهم بغير ذلك كالإعانة عليه بوقف أو نقل إلى البلاد أو غير ذلك ، ونفعهم يستتبع نفعه أيضا ; لأنه سبب فيه . وقال الجواليقي وغيرهما : إن سائر تطلق أيضا على الجميع ، ولم يذكر وابن بري غيره ( ورضوانه عني وعن أحبائي ) بالتشديد والهمزة جمع حبيب : أي من أحبهم ( وجميع المؤمنين ) من عطف العام على بعض أفراده كذا قاله الشارح والمراد بذلك العطف اللغوي تكرر به الدعاء لذلك البعض الذي منه المصنف رحمه الله . الجوهري