[ ص: 133 ] ترتيب الآيات والسور
ترتيب الآيات :
القرآن سور وآيات منها القصار والطوال ، والآية : هي الجملة من كلام الله المندرجة في سورة من القرآن ، والسورة : هي الجملة من آيات القرآن ذات المطلع والمقطع . وترتيب الآيات في القرآن الكريم توقيفي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وحكى بعضهم الإجماع على ذلك : منهم : الزركشي في " البرهان " ، وأبو جعفر بن الزبير في " مناسباته " إذ يقول : " ترتيب الآيات في سورها واقع بتوقيفه -صلى الله عليه وسلم- وأمره من غير خلاف بين المسلمين " وجزم السيوطي بذلك فقال : " الإجماع والنصوص المترادفة على أن ترتيب الآيات توقيفي لا شبهة في ذلك " فقد كان جبريل يتنزل بالآيات على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويرشده إلى موضعها من السورة أو الآيات التي نزلت قبل ، فيأمر الرسول كتبة الوحي بكتابتها في موضعها ويقول لهم : ضعوا هذه الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا أو كذا ، أو ضعوا آية كذا في موضع كذا ، كما بلغها أصحابه كذلك ، قال : " كنت جالسا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ شخص ببصره ثم صوبه ، ثم قال : أتاني عثمان بن أبي العاص جبريل فأمرني أن أضع هذه الآية هذا الموضع من هذه السورة : إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى . . . إلى آخرها “ . عن
ووقف في جمع القرآن عند موضع كل آية من سورتها في القرآن ، ولو كانت منسوخة الحكم . لا يغيرها . وهذا يدل على أن كتابتها بهذا الترتيب توقيفية ، عن عثمان قال : " قلت ابن الزبير : لعثمان والذين يتوفون [ ص: 134 ] منكم ويذرون أزواجا ، قد نسختها الآية الأخرى ، فلم تكتبها أو تدعها ؟ 1 قال : " يا ابن أخي ، لا أغير شيئا من مكانه “ .
وجاءت الأحاديث الدالة على فضل آيات من سور بعينها ، ويستلزم هذا أن يكون ترتيبها توقيفيا . إذ لو جاز تغييرها لما صدقت عليها الأحاديث ، عن مرفوعا : أبي الدرداء وفي لفظ : " من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال " ، كما جاءت الأحاديث الدالة على آية بعينها في موضعها ، " من قرأ العشر الأواخر من سورة الكهف . . . “ قال : ما سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- عن شيء أكثر مما سألته عن الكلالة ، حتى طعن بأصبعه في صدري وقال : " تكفيك آية الصيف التي في آخر سورة النساء “ . عمر عن
وثبتت قراءة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لسور عديدة بترتيب آياتها في الصلاة ، أو في خطبة الجمعة ، كسورة البقرة وآل عمران والنساء ، وصح أنه قرأ " الأعراف " في المغرب ، وأنه كان يقرأ في صبح الجمعة : الم تنزيل الكتاب لا ريب " السجدة “ ، و هل أتى على الإنسان " الدهر “ وكان يقرأ سورة " ق " في الخطبة ، ويقرأ " الجمعة " و " المنافقون " في صلاة الجمعة .
وكان جبريل يعارض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالقرآن كل عام مرة في رمضان ، وعارضه في العام الأخير من حياته مرتين ، وكان ذلك العرض على الترتيب المعروف الآن .
وبهذا يكون ترتيب آيات القرآن كما هو في المصحف المتداول في أيدينا توقيفيا ، لا مراء في ذلك ، قال السيوطي بعد أن ذكر أحاديث السور المخصوصة : " تدل قراءته -صلى الله عليه وسلم- لها بمشهد من الصحابة على أن ترتيب آياتها توقيفي وما كان الصحابة ليرتبوا ترتيبا سمعوا النبي -صلى الله عليه وسلم- يقرأ على خلافه ، فبلغ ذلك مبلغ التواتر “ .
[ ص: 135 ] - ترتيب السور :
اختلف العلماء في ترتيب السور :
أ- فقيل : إنه توقيفي ، تولاه النبي -صلى الله عليه وسلم- كما أخبر به جبريل عن أمر ربه ، فكان القرآن على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- مرتب السور ، كما كان مرتب الآيات على هذا الترتيب الذي لدينا اليوم ، وهو ترتيب مصحف الذي لم يتنازع أحد من الصحابة فيه مما يدل على عدم المخالفة والإجماع عليه . عثمان
ويؤيد هذا الرأي : أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قرأ بعض السور مرتبة في صلاته ، روى ابن أبي شيبة : أنه عليه الصلاة والسلام كان يجمع المفصل في ركعة ، وروى عن البخاري أنه قال في بني إسرائيل والكهف ومريم وطه والأنبياء : " إنهن من العتاق الأول ، وهن من تلادي " فذكرها نسقا كما استقر ترتيبها . ابن مسعود
وروي من طريق عن ابن وهب قال : " سمعت سليمان بن بلال ربيعة يسأل : لم قدمت البقرة وآل عمران وقد نزل قبلهما بضع وثمانون سورة مكية ، وإنما أنزلتا بالمدينة ؟ فقال : قدمتا وألف القرآن على علم ممن ألفه به ، ثم قال : فهذا مما ينتهى إليه ولا يسأل عنه “ .
وقال ابن الحصار : " ترتيب السور ووضع الآيات مواضعها إنما كان بالوحي ، كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول : ضعوا آية كذا في موضع كذا ، وقد حصل اليقين من النقل المتواتر بهذا الترتيب من تلاوة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومما أجمع الصحابة على وضعه هكذا في المصحف “ .
ب- وقيل : إن ترتيب السور باجتهاد من الصحابة بدليل اختلاف مصاحفهم في الترتيب .
فمصحف " " كان مرتبا على النزول ، أوله : اقرأ ، ثم المدثر ، ثم ن والقلم ، ثم المزمل وهكذا . . . إلى آخر المكي والمدني . علي
[ ص: 136 ] وكان أول مصحف : البقرة ، ثم النساء ، ثم آل عمران . ابن مسعود
وأول مصحف : الفاتحة ، ثم البقرة ، ثم النساء ، ثم آل عمران . أبي
وقد روى قال : " قلت ابن عباس : ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني ، وإلى براءة وهي من المئين ، فقرنتم بينهما . ولم تكتبوا بينهما سطر : بسم الله الرحمن الرحيم ووضعتموها في السبع الطوال ، فقال : كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تنزل عليه السور ذوات العدد ، فكان إذا أنزل عليه شيء دعا بعض من يكتب فيقول : ضعوا هذه الآية في السورة التي فيها كذا وكذا ، وكانت الأنفال من أوائل ما نزل لعثمان بالمدينة ، وكانت براءة من آخر القرآن نزولا ، وكانت قصتها شبيهة بقصتها فظننت أنها منها ، فقبض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم يبين لنا أنها منها ، فمن أجل ذلك قرنت بينهما ، ولم أكتب بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم ووضعتها في السبع الطوال “ .
جـ- وقيل : إن بعض السور ترتيبه توقيفي وبعضها باجتهاد الصحابة : حيث ورد ما يدل على ترتيب بعض السور في عهد النبوة ، فقد ورد ما يدل على ترتيب السبع الطوال والحواميم والمفصل في حياته عليه الصلاة والسلام .
وروي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : " اقرءوا الزهراوين : البقرة وآل عمران “ .
وروي : " أنه كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فيهما ، فقرأ : قل هو الله أحد و " المعوذتين “ .
وقال ابن حجر : " ترتيب بعض السور على بعضها أو معظمها لا يمتنع أن يكون توقيفيا " واستدل على ذلك بحديث حذيفة الثقفي حيث جاء فيه : " قال فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : " طرأ علي حزب من القرآن فأردت أن لا أخرج حتى أقضيه " ، فسألنا أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قلنا : كيف تحزبون القرآن ، قالوا : نحزبه ثلاث سور ، وخمس سور ، وسبع سور ، وتسع سور ، وإحدى عشرة ، وثلاث عشرة ، [ ص: 137 ] وحزب المفصل من " ق " حتى نختم ، ابن حجر : فهذا يدل على أن ترتيب السور على ما هو في المصحف الآن كان على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : ويحتمل أن الذي كان مرتبا حينئذ حزب المفصل خاصة بخلاف ما عداه " .
وإذا ناقشنا هذه الآراء الثلاثة يتبين لنا :
أن الرأي الثاني الذي يرى أن ترتيب السور باجتهاد الصحابة لم يستند إلى دليل يعتمد عليه .
فاجتهاد بعض الصحابة في ترتيب مصاحفهم الخاصة كان اختيارا منهم قبل أن يجمع القرآن جمعا مرتبا ، فلما جمع في عهد بترتيب الآيات والسور على حرف واحد واجتمعت الأمة على ذلك تركوا مصاحفهم ، ولو كان الترتيب اجتهاديا لتمسكوا بها . عثمان
وحديث سورتي : الأنفال والتوبة الذي روي عن يدور إسناده في كل رواياته على " ابن عباس يزيد الفارسي " الذي يذكره في الضعفاء ، وفيه تشكيك في إثبات البسملة في أوائل السور . كأن البخاري كان يثبتها برأيه وينفيها برأيه . ولذا قال فيه الشيخ عثمان أحمد شاكر في تعليقه عليه بمسند : " إنه حديث لا أصل له " . وغاية ما فيه أنه يدل على عدم الترتيب بين هاتين السورتين فقط . الإمام أحمد
أما الرأي الثالث الذي يرى أن بعض السور ترتيبها توقيفي ، وبعضها ترتيبه اجتهادي . فإن أدلته ترتكز على ذكر النصوص الدالة على ما هو توقيفي . أما القسم الاجتهادي فإنه لا يستند إلى دليل يدل على أن ترتيبه اجتهادي . إذ إن ثبوت التوقيفي بأدلته لا يعني أن ما سواه اجتهادي . مع أنه قليل جدا .
وبهذا يترجح أن ترتيب السور توقيفي كترتيب الآيات . قال : " أنزل الله القرآن كله إلى سماء الدنيا ، ثم فرقه في بضع وعشرين ، فكانت السورة تنزل لأمر يحدث ، والآية جوابا لمستخبر ، ويوقف أبو بكر [ ص: 138 ] بن الأنباري جبريل النبي -صلى الله عليه وسلم- على موضع الآية والسورة ، فاتساق السور كاتساق الآيات والحروف كله عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فمن قدم سورة أو أخرها فقد أفسد نظم القرآن " وقال الكرماني في " البرهان " : " ترتيب السور هكذا هو عند الله في اللوح المحفوظ على هذا الترتيب ، وعليه كان -صلى الله عليه وسلم- يعرض على جبريل كل سنة ما كان يجتمع عنده منه . وعرضه عليه في السنة التي توفي فيها مرتين . وكان آخر الآيات نزولا : واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ، فأمره جبريل أن يضعها بين آيتي الربا والدين “ .
ومال السيوطي إلى ما ذهب إليه قال : " كان القرآن على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- مرتبا سوره وآياته على هذا الترتيب إلا الأنفال وبراءة لحديث البيهقي " . . عثمان
"