تعريف السبب
وسبب النزول بعد هذا التحقيق يكون قاصرا على أمرين :
1- أن تحدث حادثة فيتنزل القرآن الكريم بشأنها ، وذلك كالذي روي قال : ابن عباس وأنذر عشيرتك الأقربين . . خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى صعد الصفا ، فهتف : " يا صاحباه " ، فاجتمعوا إليه ، فقال : " أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا تخرج بسفح هذا الجبل أكنتم مصدقي ؟ " قالوا : ما جربنا عليك كذبا ، قال : " فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد " ، فقال أبو لهب : تبا لك ، إنما جمعتنا لهذا ؟ ثم قام ، فنزلت هذه السورة : تبت يدا أبي لهب وتب . عن
2- أن يسأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن شيء فيتنزل القرآن ببيان الحكم فيه ، كالذي كان من خولة بنت ثعلبة عندما ظاهر منها زوجها أوس بن الصامت ، فذهبت تشتكي من ذلك ، قالت : " تبارك الذي وسع سمعه كل شيء ، إني لأسمع كلام عائشة خولة بنت ثعلبة ويخفى علي بعضه وهي تشتكي زوجها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهي تقول : يا رسول الله ، أكل شبابي ونثرت له بطني حتى إذا كبر سني وانقطع ولدي ظاهر مني! اللهم إني أشكو إليك ، قالت : فما برحت حتى نزل [ ص: 74 ] جبريل بهؤلاء الآيات : قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وهو أوس بن الصامت “ . عن
ولا يعني هذا أن يلتمس الإنسان لكل آية سببا ، فإن القرآن لم يكن نزوله وقفا على الحوادث والوقائع ، أو على السؤال والاستفسار ، بل كان القرآن يتنزل ابتداء ، بعقائد الإيمان ، وواجبات الإسلام ، وشرائع الله تعالى في حياة الفرد وحياة الجماعة ، قال " الجعبري " : " نزل القرآن على قسمين : قسم نزل ابتداء ، وقسم نزل عقب واقعة أو سؤال “ .
ولذا يعرف سبب النزول بما يأتي : " هو ما نزل قرآن بشأنه وقت وقوعه كحادثة أو سؤال " .
ومن أن نتوسع فيه ، ونجعل منه ما هو من قبيل الإخبار عن الأحوال الماضية ، والوقائع الغابرة ، قال الإفراط في علم سبب النزول السيوطي : " والذي يتحرر في سبب النزول أنه ما نزلت الآية أيام وقوعه ، ليخرج ما ذكره في تفسيره في سورة الفيل من أن سببها قصة قدوم الواحدي الحبشة ، فإن ذلك ليس من أسباب النزول في شيء ، بل هو من باب الإخبار عن الوقائع الماضية ، كذكر قصة قوم نوح وعاد وثمود وبناء البيت ونحو ذلك ، وكذلك ذكره في قوله : واتخذ الله إبراهيم خليلا سبب اتخاذه خليلا ، فليس ذلك من أسباب نزول القرآن كما لا يخفى “ . . "