أحوال المقسم عليه
1- المقسم عليه يراد بالقسم توكيده وتحقيقه ، فلا بد أن يكون مما يحسن فيه ذلك ، كالأمور الغائبة والخفية إذا أقسم على ثبوتها .
2- وجواب القسم يذكر تارة -وهو الغالب- وتارة يحذف ، كما يحذف جواب " لو " كثيرا ، كقوله : كلا لو تعلمون علم اليقين ، وحذف مثل هذا من أحسن الأساليب ; لأنه يدل على التفخيم والتعظيم ، فالتقدير مثلا : لو تعلمون ما بين أيديكم علم الأمر اليقين لفعلتم ما لا يوصف من الخير ، فحذف جواب القسم كقوله : والفجر وليال عشر والشفع والوتر والليل إذا يسر هل في ذلك قسم لذي حجر ، فالمراد بالقسم أن الزمان المتضمن لمثل هذه الأعمال أهل أن يقسم الرب عز وجل به . فلا يحتاج إلى جواب ، وقيل : الجواب محذوف ، أي : لتعذبن يا كفار مكة ، وقيل : مذكور ، وهو قوله : إن ربك لبالمرصاد ، والصحيح المناسب أنه لا يحتاج إلى جواب .
وقد يحذف الجواب لدلالة المذكور عليه ، كقوله تعالى : لا أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللوامة ، فجواب القسم محذوف دل عليه قوله بعد : أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه . . . إلخ ، والتقدير ، لتبعثن ولتحاسبن .
3- والماضي المثبت المتصرف الذي لم يتقدم معموله إذا وقع جوابا للقسم تلزمه اللام و " قد " ، ولا يجوز الاقتصار على إحداهما إلا عند طول الكلام . كقوله تعالى : والشمس وضحاها والقمر إذا تلاها والنهار إذا جلاها [ ص: 289 ] والليل إذا يغشاها والسماء وما بناها والأرض وما طحاها ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها ، فجواب القسم : قد أفلح من زكاها حذفت من اللام لطول الكلام .
ولذلك قالوا في قوله تعالى : والسماء ذات البروج واليوم الموعود وشاهد ومشهود قتل أصحاب الأخدود : إن الأحسن أن يكون هذا القسم مستغنيا عن الجواب ; لأن القصد التنبيه على المقسم به ، وأنه من آيات الرب العظيمة ، وقيل : الجواب محذوف دل عليه : قتل أصحاب الأخدود أي إنهم ملعونون ، يعني كفار مكة كما لعن أصحاب الأخدود ، وقيل : حذف صدره ، وتقديره : لقد قتل ; لأن الفعل الماضي إذا وقع جوابا للقسم تلزمه اللام و " قد " ، ولا يجوز الاقتصار على إحداهما إلا عند طول الكلام ، كما سبق في قوله تعالى : والشمس وضحاها ، قد أفلح من زكاها .
4- ويقسم الله على أصول الإيمان التي يجب على الخلق معرفتها فتارة يقسم على التوحيد كقوله : والصافات صفا فالزاجرات زجرا فالتاليات ذكرا إن إلهكم لواحد .
وتارة يقسم على أن القرآن حق كقوله تعالى : فلا أقسم بمواقع النجوم وإنه لقسم لو تعلمون عظيم إنه لقرآن كريم .
وتارة على أن الرسول حق كقوله : يس والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين .
وتارة على الجزاء والوعد والوعيد : كقوله : والذاريات ذروا فالحاملات وقرا فالجاريات يسرا فالمقسمات أمرا إنما توعدون لصادق وإن الدين لواقع .
[ ص: 290 ] وتارة على حال الإنسان ، كقوله : والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى وما خلق الذكر والأنثى إن سعيكم لشتى .
والمتتبع لأقسام القرآن يستخلص الفنون الكثيرة .
5- والقسم إما على جملة خبرية -وهو الغالب- كقوله تعالى : فورب السماء والأرض إنه لحق ، وإما على جملة طلبية في المعنى كقوله تعالى : فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون . . لأن المراد التهديد والوعيد .
"