الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      معلومات الكتاب

      دليل الحيران على مورد الظمآن

      المارغني - إبراهيم بن أحمد المارغني

      ثم قال:


      فينبغي لأجل ذا أن تقتفي مرسوم ما أصله في المصحف


      ونقتدي بفعله وما رءا     في جعله لمن يخط ملجئا

      ما ذكره في هذين البيتين مسبب على ما تضمنته الأبيات الثلاثة قبل، فلذا عطفه بفاء السببية، فقال: ينبغي، يعني فيجب لأجل ذا، أي: لأجل التجريد المعلل بما تقدم أن نقتفي، أي: نتبع في قراءتنا المرسوم الذي أصله سيدنا عثمان في المصحف، أي: جعله فيه أصلا، وأن نقتدي في كتبنا القرآن بفعله، أي: بكتبه -رضي الله عنه- وبرأيه في جعل المصحف ملجأ، أي: مرجعا وإماما متبعا لمن يخط، أي: يكتب القرآن.

      وقد قدمنا أن أصل الرسم ما يعتمد في كيفياته عليه، ويرجع عند اختلاف المقارئ إليه، ولا شك أن سبب جمع الإمام عثمان -رضي الله عنه- هو الاختلاف الواقع كما تقدمت الإشارة إليه بقوله: فقصة اختلافهم شهيره، والعلة الغائية التي قصدها بالجمع هي انتفاء اختلافهم كما تقدم، فلما كتب المصاحف أمر الناس بالاقتصار على ما وافقها لفظا، وبمتابعتها خطا؛ ولذلك أمر بما سواها أن يحرق كما تقدم؛ إذ لولا قصده جعل هذه المصاحف أئمة للقارئين والكاتبين ما أمر، بتحريق ما سواها، وهذا بمعنى قول الناظم في عمدة البيان:


      فواجب على ذوي الأذهان     أن يتبعوا الرسوم في القرآن


      ويقتدوا بما رآه نظرا     إذ جعلوه للأنام وزرا


      وكيف لا يجب الاقتداء     لما أتى نصا به الشفاء


      إلى عياض أنه من غيرا     حرفا من القرآن عمدا كفرا


      زيادة أو نقصا أو إن أبدلا     شيئا من الرسم الذي تأصلا

      وقوله في عمدة البيان: فواجب يؤيد ما أطبقوا عليه من تفسير ينبغي هنا ب "يجب"، وإن كان الغالب استعمال هذه المادة في الندب، وسيأتي قريبا دليل وجوب الاقتفاء المذكور.

      وقوله: ونقتدي عطف على نقتفي؛ فهو منصوب لكنه قدر نصبه، فسكن الياء [ ص: 18 ] على ما تقدم في قوله: ليقتدي، من قوله: وما رأى مصدرية.

      ثم قال:


      وجاء آثار في الاقتداء     بصحبة الغر ذوي العلاء
      منهن ما ورد في نص الخبر     لدى أبي بكر الرضي وعمر
      وخبر جاء على العموم     وهو أصحابي كالنجوم

      لما ذكر في البيتين السابقين أن اتباع المصحف قراءة وكتابة واجب استدل هنا على الوجوب المذكور بأحاديث واردة عن النبي صلى الله عليه وسلم في طلب الاقتداء بالصحابة صريحا.

      فقوله: وجاء آثار: أي: أحاديث.

      وقوله: الغر بضم الغين صفة للصحب، وهو جمع أغر، والفرس الأغر هو ذو الغرة، أي: البياض في جبهته، ثم استعير للمشهور كما هنا.

      وقوله: العلاء بفتح العين والمد معناه: الرفعة والشرف.

      والأحاديث الواردة في ذلك كثيرة، منها ما ورد مخصوما بأبي بكر، وعمر -رضي الله عنهما- ومنها ما ورد عاما في الصحابة كلهم، وإلى الأول أشار بقوله: منهن؛ أي: من الآثار ما ورد في نص الخبر، أي: في الخبر النص، أي: الحديث الصريح ولدى في قوله: لدى أبي بكر بمعنى في، والرضي بتشديد الياء بمعنى المرضي نعت لأبي بكر، وأشار بهذا إلى قوله صلى الله عليه وسلم: ""اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر".

      قال السيوطي في الجامع الصغير: أخرجه أحمد والترمذي، وابن ماجه زاد في ذيل الجامع من رواية الطبراني عن أبي الدرداء: فإنهما حبل الله الممدود من تمسك بهما فقد تمسك بالعروة الوثقى. ا ه.

      ثم أشار إلى ما ورد عاما في الصحابة كلهم بقوله: وخبر جاء على العموم؛ أي: ومنهن خبر جاء دالا على عموم الاقتداء بالصحابة، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "أصحابي كالنجوم"، وتمام الحديث: "بأيهم اقتديتم اهتديتم".

      قال السيوطي أخرجه السجزي في الإبانة، وابن عساكر عن عمر بلفظ: سألت ربي فيما يختلف فيه أصحابي من بعدي، فأوحي إلي يا محمد: إن أصحابك عندي بمنزلة النجوم في السماء بعضها أضوء من بعض، فمن أخذ بشيء مما هم عليه من اختلافهم فهو عندي على هدى، وقد ورد هذان الحديثان بروايات مختلفة كما ورد في اتباع الصحابة أحاديث أخرى، وجملتها [ ص: 19 ] تدل على طلب الاقتداء بالصحابة: فيما فعلوا ومما فعلوه مرسوم المصحف، وقد أجمعوا رضي الله عنهم، وهم اثنا عشر ألفا، والإجماع حجة كما تقرر في أصول الفقه.

      وحذف الناظم تنوين بكر من قوله: أبي بكر الرضي لالتقاء الساكنين على لغة قرئ بما شاذا قوله تعالى: (قل هو الله أحد الله الصمد) بحذف التنوين من أحد.

      التالي السابق


      الخدمات العلمية