[ ص: 519 ] الفصل الثاني في . وفيه : الوقف على الكلمة المعتلة الآخر
التمهيد للدخول إلى هذا الفصل
تقدم أن الكلمة المعتلة الآخر المعنية هنا هي التي آخرها أحد حروف المد الثلاثة سواء كان ألفا " كدعا " أم واوا " كيدعو " أم ياء " كنقضي " في نحو قوله تبارك وتعالى : وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه وقوله تعالى : يدعو لمن ضره أقرب من نفعه وقوله سبحانه : إنما تقضي هذه الحياة الدنيا وحكم الوقف عليها مرتبط بوجود حرف المد وعدمه .
فإن كان حرف المد ثابتا في الرسم ولم يأت بعده ساكن فالوقف على هذه الكلمة بإثبات حرف المد كإثباته في الوصل تبعا للرسم وذلك نحو الوقف على قوله تعالى : ثم دنا فتدلى وقوله سبحانه : فجاءته إحداهما تمشي وقوله جل وعلا : يوم ندعوا كل أناس بإمامهم
فإن أتى بعده ساكن فيحذف لفظا لا خطا في الوصل لالتقاء الساكنين ويثبت [ ص: 520 ] وقفا تبعا للرسم كالوقف على كلمة " ملاقو " و " يربي " " وقالا " في قوله عز وجل : قال الذين يظنون أنهم ملاقو الله وقوله سبحانه : يمحق الله الربا ويربي الصدقات وقوله عز من قائل : وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين
وإن كان حرف المد محذوفا في الرسم فالوقف يكون بالحذف تبعا لرسمه سواء كان ألفا أم واوا أم ياء كالوقف على " فتول ويدع واتق " في نحو قوله تعالى : فتول عنهم وقوله سبحانه : ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وقوله جل وعلا : يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين
هذا هو الضابط المتبع في الوقف على الكلمات التي آخرها حروف المد واللين ولا خلاف فيه بين عامة القراء غير أن هناك حروفا للمد جاءت في آخر الكلمات خرجت عن هذا الضابط .
منها : ما هو محذوف في الوقف مع وجوده في الرسم .
ومنها : ما هو محذوف في الوصل مع وجوده في الرسم ، والوقف عليه قد يكون بالإثبات . وقد يكون بالإثبات والحذف معا .
ومنها : ما هو محذوف في الوقف لعدم رسمه لكنه ثابت في الوصل .
ومنها : ما هو محذوف في الحالين لأسباب كجزم أو بناء أو غيرهما .
وفيما يلي توضيح تلك الصور في كل حرف من حروف المد بانفراد فأقول مستعينا بالله ومتوكلا عليه سبحانه .
الكلام على الألف المدية وصورها حذفا وإثباتا.
للألف المدية أربع حالات وفيما يلي بيانها :
[ ص: 521 ] الحالة الأولى : إثباتها في الحالين وذلك في كل ما ثبتت فيه رسما في المصحف الشريف بشرط ألا يقع بعدها ساكن سواء كانت للمفرد أو للمثنى أو كانت منقلبة عن ياء أو عن غيرها كالوقف على لفظ " لا تخافا ومعكما وأرى وسنا ونجا " في نحو قوله تعالى: قال لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى وقوله سبحانه : يكاد سنا وقوله جل وعلا : وقال الذي نجا منهما وإثبات الألف في الوقف والوصل هنا متفق عليه .
الحالة الثانية : حذفها في الحالين وشرطه إذا كانت غير مرسومة في المصحف الشريف بسبب جزم أو بناء أو غيرهما .
فمثال المحذوفة للجزم الفعل المضارع المجزوم بحذف الألف نحو " تر ويؤت ويخش ويأب " في نحو قوله تعالى : ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وقوله تعالى : ولم يؤت سعة من المال وقوله عز من قائل : ولم يخش إلا الله وقوله سبحانه : ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا وما إلى ذلك .
ومثال المحذوفة للبناء فعل الأمر المبني على حذف الألف نحو " وانه وفتول " في قوله تعالى : وانه عن المنكر وقوله سبحانه : فتول عنهم والألف هنا وفي المجزوم محذوفة وصلا ووقفا بالإجماع
[ ص: 522 ] ويوقف بسكون الراء والتاء والشين والباء والهاء واللام في الأمثلة المذكورة وشبهها .
ومثال الألف المحذوفة لغير الجزم والبناء " ما " الاستفهامية المجرورة بحرف الجر المحذوفة الألف وهي في التنزيل في خمسة مواضع :
الأول : " فيم " نحو قوله تعالى : فيم أنت من ذكراها بالنازعات وشبهها .
الثاني : " بم " نحو قوله تعالى : فناظرة بم يرجع المرسلون بالنمل ونحوها .
الثالث : " لم " نحو قوله تعالى : لم شهدتم علينا بفصلت وما أشبهها .
الرابع : " عم " في قوله سبحانه : عم يتساءلون بالنبأ وليس غيرها في التنزيل فيما أعلم .
الخامس : " مم " في قوله جلت قدرته : فلينظر الإنسان مم خلق بالطارق ونحوها إن وجد وحكم الوقف على " ما " الاستفهامية مختلف فيه بين القراء . فوقف عن البزي ابن كثير المكي ويعقوب البصري بإلحاق هاء السكت في أحد الوجهين عنهما . ووقف الباقون ومن بينهم حفص عن بحذف هاء السكت وسكون الميم مع التشديد في " عم ومم " ومع التخفيف في غيرهما فتدبر . عاصم
[ ص: 523 ] ويلحق بمواضع هذه الحالة لفظ " ثمود " في أربعة مواضع في التنزيل :
أولها : قوله تعالى : ألا إن ثمودا كفروا ربهم بسورة سيدنا هود عليه الصلاة والسلام .
ثانيها : قوله سبحانه : وعادا وثمود وأصحاب الرس بسورة الفرقان .
ثالثها : قوله جل وعلا : وعادا وثمود وقد تبين لكم من مساكنهم بسورة العنكبوت .
رابعها : قوله جلت قدرته : وثمود فما أبقى بسورة النجم . فيوقف عليها بحذف الألف وسكون الدال وإن كانت مرسومة في المصحف الشريف وحذف الألف هذه خاص بمن قرأ بترك تنوين الدال ومن بينهم حفص عن . عاصم
أما من قرأ بالتنوين فيقف بالألف عوضا منه على القاعدة .
الحالة الثالثة : إثباتها في الوقف وحذفها في الوصل وذلك في ثلاث صور :
الصورة الأولى : إذا وليها ساكن فتحذف في الوصل للتخلص من التقاء الساكنين وتثبت في الوقف تبعا للرسم سواء أكانت أصلية أم منقلبة عن ياء أم كانت للمثنى أم لغيره كالوقف على كلمة " قلنا والقتلى وذكرى وذاقا وتلكما ويا أيها " في نحو قوله تعالى : قلنا اهبطوا منها جميعا وقوله تعالى : قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وقوله سبحانه : كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر الآية ، [ ص: 524 ] وقوله تبارك وتعالى : إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار وقوله سبحانه : فدلاهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت وقوله تعالى : ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وقوله سبحانه : يا أيها الناس اتقوا ربكم ونحوها وهذه قاعدة كل القراء إلا أنه استثنى من لفظ " أيها " ثلاثة مواضع في التنزيل رسمت في المصاحف بغير ألف بعد الهاء وهي قوله تعالى : وتوبوا إلى الله جميعا أيه المؤمنون لعلكم تفلحون وقوله سبحانه : وقالوا يا أيه الساحر وقوله جل وعلا : سنفرغ لكم أيه الثقلان وفي الوقف عليها خلاف بين القراء فبعضهم وقف بالألف وبعضهم بحذفها وبالنسبة لحفص عن فإنه ممن وقف بحذف الألف وسكون الهاء وفاقا لرسم المصحف الشريف . عاصم
الصورة الثانية : وهي في كلمات مخصوصة وقعت في رءوس الآي وفي أربع كلمات : " الظنونا والرسولا والسبيلا وقواريرا " ومواضعها في التنزيل قوله تعالى : وتظنون بالله الظنونا وقوله تعالى : يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا وقوله جل وعلا : فأضلونا السبيلا وهذه الثلاثة بالأحزاب ،
[ ص: 525 ] وقوله سبحانه : كانت قواريرا الموضع الأول بالإنسان وهذه المواضع الأربعة قرأ حفص فيها بحذف الألف وصلا وبإثباتها وقفا تبعا للرسم .
وأما لفظ " قواريرا " الثاني من سورة الإنسان فسيأتي ذكره في الحالة الرابعة الآتية بعد .
هذا : ومن مواضع حذف الألف وصلا وإثباتها وقفا في غير ما تقدم لفظ " أنا " الضمير المنفصل إذا لم يقع قبل همزة القطع سواء وقع قبل ساكن أو متحرك كما في قوله تعالى : إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وهذا باتفاق عامة القراء .
أما لفظ " أنا " الواقع قبل همزة القطع نحو قوله تعالى : أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون وقوله سبحانه : وأنا أول المسلمين وقوله سبحانه : إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون فقد اختلف القراء في حذف الألف وإثباتها في الوصل ولكنهم اتفقوا على إثباتها وقفا تبعا للرسم وبالنسبة لحفص فإنه ممن قرأ في هذا اللفظ بحذف الألف وصلا وبإثباتها وقفا .
الصورة الثالثة : إذا كانت الألف مبدلة من التنوين سواء كان في الاسم المقصور مطلقا نحو " قرى وعمى وفتى " في قوله تعالى : في قرى محصنة وقوله سبحانه : وهو عليهم عمى وقوله جل وعلا : قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم أو كان الاسم المنصوب نحو " حسيبا " في قوله تعالى : وكفى بالله حسيبا ونحو " ركعا سجدا مصرا غثاء " في قوله تعالى : [ ص: 526 ] تراهم ركعا سجدا وقوله سبحانه : اهبطوا مصرا وقوله عز شأنه : فجعله غثاء أحوى
وكذلك الحكم في لفظ " إذا " المنونة كقوله تعالى : وإذا لآتيناهم من لدنا أجرا عظيما وقوله تعالى : إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا
ومثال ذلك إذا وقف على نون التوكيد الخفيفة الواقعة بعد الفتح في قوله تعالى : يفعل ما آمره ليسجنن وليكونا من الصاغرين وقوله سبحانه : لنسفعا بالناصية فكل هذا يوقف عليه بالألف وفاقا للرسم بالإجماع .
الحالة الرابعة : وهي حذف الألف وصلا وجواز الوجهين وقفا . أو الحذف فقط أو الإثبات فحسب فتلك صور ثلاث للوقف في هذه الحالة وإليك بيانها وفق رواية حفص عن رغبة في الاختصار . عاصم
أما الصورة الأولى : وهي حذف الألف وصلا وجواز الوجهين وقفا أي بإثبات الألف وحذفها مع سكون اللام .
فوقعت في لفظ واحد وهو " سلاسلا " في قوله تعالى : إنا أعتدنا للكافرين سلاسل وأغلالا وسعيرا بالإنسان وإثبات الألف هو المقدم على حذفها إن وقف بها معا وليس اللفظ بمحل وقف إلا للضرورة أو الاختبار " بالموحدة " .
وأما الصورة الثانية : وهي حذف الألف وصلا ووقفا مع وجودها في الرسم [ ص: 527 ] فوقعت في لفظ واحد كذلك وهو " قواريرا " الموضع الثاني من سورة الإنسان في قوله تعالى : قواريرا من فضة قدروها تقديرا
وأما الصورة الثالثة : وهي حذف الألف وصلا وإثباتها وقفا تبعا للرسم فوقعت في لفظ واحد أيضا وهو " لكنا " في قوله تبارك وتعالى : لكنا هو الله ربي ولا أشرك بربي أحدا بالكهف ، والله تعالى أعلم .