[فصل]
في صفة السجود
اعلم أن الساجد للتلاوة له حالان:
1 – أحدهما: أن يكون خارج الصلاة.
2 – والثاني: أن يكون فيها.
أما الأول: فإذا أراد السجود نوى ، وكبر للإحرام، ورفع يديه حذو منكبيه، كما يفعل في تكبيرة الإحرام للصلاة، ثم يكبر تكبيرة أخرى للهوي إلى السجود، ولا يرفع فيها اليد، وهذه التكبيرة الثانية مستحبة ليست بشرط كتكبيرة سجدة الصلاة. سجود التلاوة
وأما التكبيرة الأولى تكبيرة الإحرام ففيها ثلاثة أوجه لأصحابنا:
[ ص: 149 ] 1 – أظهرها: وهو قول الأكثرين منهم أنها ركن، ولا يصح السجود إلا بها.
2 – والثاني: أنها مستحبة، ولو تركت صح السجود، وهذا قول الشيخ . أبي محمد الجويني
3 – والثالث: ليست مستحبة، والله أعلم.
ثم إن كان الذي يريد السجود قائما كبر للإحرام في حال قيامه، ثم يكبر للسجود في انحطاطه إلى السجود، وإن كان جالسا فقد قال جماعات من أصحابنا: يستحب له أن يقوم فيكبر للإحرام قائما، ثم يهوي للسجود، كما إذا كان في الابتداء قائما، ودليل هذا القياس على الإحرام والسجود في الصلاة.
وممن نص على هذا وجزم به من أئمة أصحابنا: الشيخ ، أبو محمد الجويني والقاضي حسين وصاحباه صاحب "التتمة" و"التهذيب" والإمام المحقق ، وحكاه أبو القاسم الرافعي عن والده الشيخ إمام الحرمين أبي محمد ، ثم أنكره، وقال: لم أر لهذا أصلا ولا ذكرا.
وهذا الذي قاله ظاهر، فلم يثبت فيه شيء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عمن يقتدى به من السلف، ولا تعرض له الجمهور من أصحابنا، والله أعلم. إمام الحرمين
[ ص: 150 ] ثم إذا سجد فينبغي أن يراعي في الهيئة والتسبيح: آداب السجود
أما الهيئة فينبغي أن يضع يديه حذو منكبيه على الأرض، ويضم أصابعه وينشرها إلى جهة القبلة، ويخرجها من كمه، ويباشر المصلى بها، ويجافي مرفقيه عن جنبيه، ويرفع بطنه عن فخذيه إن كان رجلا، فإن كانت امرأة أو خنثى لم يجاف، ويرفع الساجد أسافله على رأسه، ويمكن جبهته وأنفه من المصلى، ويطمئن في سجوده.
[ ص: 151 ] وأما فقال أصحابنا: يسبح بما يسبح به في سجود الصلاة، فيقول ثلاث مرات: (سبحان ربي الأعلى) ثم يقول: اللهم لك سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت، سجد وجهي للذي خلقه وصوره، وشق سمعه وبصره بحوله وقوته، تبارك الله أحسن الخالقين. التسبيح في السجود
ويقول: سبوح قدوس رب الملائكة والروح.
فهذا كله مما يقوله المصلي في سجود الصلاة.
قالوا: ويستحب أن يقول: اللهم اكتب لي بها عندك أجرا، واجعلها لي عندك ذخرا، وضع عني وزرا، واقبلها مني كما قبلتها من عبدك داود صلى الله عليه وسلم.
وهذا الدعاء خصيص بهذا السجود، فينبغي أن يحافظ عليه.
وذكر الأستاذ إسماعيل الضرير في كتابه "التفسير" أن اختيار - رضي الله عنه - في دعاء سجود التلاوة أن يقول: الشافعي سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا وهذا النقل عن غريب جدا، وهو حسن؛ فإن ظاهر القرآن يقتضي مدح قائله في السجود، فيستحب أن يجمع بين هذه الأذكار كلها، ويدعو بما يريد من أمور الآخرة والدنيا. الشافعي
وإن اقتصر على بعضها حصل أصل التسبيح، ولو لم يسبح بشيء أصلا حصل السجود كسجود الصلاة.
[ ص: 152 ] ثم إذا فرغ من التسبيح والدعاء رفع رأسه مكبرا، وهل يفتقر إلى السلام؟ فيه قولان منصوصان للشافعي مشهوران:
1 – أصحهما: عند جماهير أصحابه أنه يفتقر لافتقاره إلى الإحرام، ويصير كصلاة الجنازة، ويؤيد هذا ما رواه بإسناده الصحيح، عن ابن أبي داود - رضي الله عنه - أنه كان إذا قرأ السجدة سجد ثم سلم . عبد الله بن مسعود
2 - والثاني: لا يفتقر، كسجود التلاوة في الصلاة؛ ولأنه لم ينقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك.
فعلى الأول هل يفتقر إلى التشهد؟ فيه وجهان:
أصحهما: لا يفتقر، كما لا يفتقر إلى القيام.
وبعض أصحابنا يجمع بين المسألتين، ويقول في ثلاثة أوجه: التشهد والسلام
1 - أصحها: أنه لا بد من السلام دون التشهد.
2 - والثاني: لا يحتاج إلى واحد منهما.
3 - والثالث: لا بد منهما.
وممن قال من السلف يسلم: ، محمد بن سيرين وأبو عبد الرحمن السلمي ، ، وأبو الأحوص وأبو قلابة ، . وإسحاق بن راهويه
وممن قال لا يسلم: ، الحسن البصري ، وسعيد بن جبير ، وإبراهيم النخعي ، ويحيى بن وثاب . وأحمد
[ ص: 153 ] وهذا كله في الحال الأول وهو السجود خارج الصلاة.
والحال الثاني أن ، فلا يكبر للإحرام، ويستحب أن يكبر للسجود، ولا يرفع يديه، ويكبر للرفع من السجود، هذا هو الصحيح المشهور الذي قاله الجمهور. يسجد للتلاوة في الصلاة
وقال من أصحابنا: لا يكبر للسجود ولا للرفع، والمعروف الأول. أبو علي بن أبي هريرة
وأما فعلى ما تقدم في السجود خارج الصلاة، إلا أنه إذا كان الساجد إماما فينبغي أن لا يطول التسبيح إلا أن يعلم من حال المأمومين أنهم يؤثرون التطويل. الآداب في هيئة السجود والتسبيح
ثم إذا رفع من السجود قام ولا يجلس للاستراحة بلا خلاف، وهذه مسألة غريبة، قل من نص عليها، وممن نص عليها القاضي حسين ، ، والبغوي . والرافعي
هذا بخلاف سجود الصلاة؛ فإن القول الصحيح المنصوص المختار الذي جاءت به الأحاديث الصحيحة في للشافعي وغيره - استحباب جلسة للاستراحة عقيب السجدة الثانية من الركعة الأولى في كل الصلوات، ومن الثالثة في الرباعيات. البخاري
ثم فلا بد من الانتصاب قائما، والمستحب إذا انتصب أن يقرأ شيئا، ثم يركع، فإن انتصب ثم ركع من غير قراءة جاز.
إذا رفع من سجدة التلاوة