وقد أجمع العلماء على أن فرض لا بد منه في الجملة، فإن الله تعالى يقول: مسح الوجه واليدين بالتراب في التيمم فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه
ولكن اختلفوا في من ذلك: قدر الفرض
فأما " الوجه ":
فمذهب مالك والشافعي وجمهور العلماء: أنه يجب استيعاب بشرته بالمسح بالتراب، ومسح ظاهر الشعر الذي عليه، وسواء كان ذلك الشعر يجب إيصال الماء إلى ما تحته كالشعر الخفيف الذي يصف البشرة، أم لا، هذا هو الصحيح . وأحمد
وفي مذهبنا ومذهب وجه آخر: أنه يجب إيصال التراب إلى ما تحت الشعور التي يجب إيصال الماء إلى ما تحتها، ولا يجب عند أصحابنا إيصال الماء إلى باطن الفم والأنف، وإن وجب عندهم المضمضة والاستنشاق في الوضوء . الشافعي
وعن روايات، إحداها: كقول أبي حنيفة الشافعي . والثانية: إن [ ص: 405 ] ترك قدر درهم لم يجزئه، وإن ترك دونه أجزأه . والثالثة: إن ترك دون ربع الوجه أجزأه، وإلا فلا . والرابعة: إن مسح أكثره وترك الأقل منه أو من الذراع أجزأه، وإلا فلا، وحكاه وأحمد الطحاوي عن أبي حنيفة وأبي يوسف وزفر .
وحكى ، عن ابن المنذر سليمان بن داود الهاشمي: أن مسح التيمم حكمه حكم مسح الرأس في الوضوء، يجزئ فيه البعض . وكلام يدل على حكاية الإجماع على خلاف ذلك . قال الإمام أحمد ثنا الجوزجاني: إسماعيل بن سعيد الشالنجي، قال: سألت عمن أحمد بن حنبل قال: يعيد الصلاة . فقلت له: فما بال الرأس يجزئ في المسح ولم يجز أن يترك ذلك من الوجه في التيمم؟ فقال: لم يبلغنا أن أحدا ترك ذلك من تيممه . قال ترك مسح بعض وجهه في التيمم؟ الشالنجي: وقال يجزئه في التيمم إن لم يصب بعض وجهه أو بعض كفيه، لأنه بمنزلة المسح على الرأس; إذا ترك منه بعضا أجزأه . أبو أيوب - يعني: سليمان بن داود الهاشمي
قال فذكرت ذلك الجوزجاني: ليحيى بن يحيى - يعني: النيسابوري فقال: المسح في التيمم كما يمسح الرأس، لا يتعمد لترك شيء من ذلك، فإن بقي شيء منه لم يعد، وليس هو عندي بمنزلة الوضوء .
قال لم نسمع أحدا يتبع ذلك من رأسه في المسح، ولا بين أصابعه في التيمم كما يتبعوا في الوضوء بالتخليل، فأحسن الأقاويل منها ما ذكره الجوزجاني: يحيى بن يحيى: أن لا يتعمد ترك شيء من ذلك، فإن بقي شيء لم يعد . انتهى . [ ص: 406 ] وظاهر هذا: يدل على أن مذهب سليمان بن داود ويحيى بن يحيى والجوزجاني: أنه إذا ترك شيئا من وجهه ويديه في التيمم لم يعد الصلاة . ونقل عن حرب، إسحاق، أنه قال: تضرب بكفيك على الأرض، ثم تمسح بهما وجهك، وتمر بيديك على جميع الوجه واللحية، أصاب ما أصاب وأخطأ ما أخطأ، ثم تضرب مرة أخرى بكفيك . ومراد إسحاق: أنه لا يشترط وصول التراب إلى جميع أجزاء الوجه كما يقوله من يقوله من الشافعية وغيرهم، حتى نص : أنه لو بقي من محل الفرض شيء لا يدركه الطرف لم يصح التيمم . واستشكل الشافعي أبو المعالي الجويني تحقق وصول التراب إلى اليدين إلى المرفقين بضربة واحدة، وقال: الذي يجب اعتقاده أن الواجب استيعاب المحل بالمسح باليد المغبرة من غير ربط الفكر بانبساط الغبار على جميع المحل . قال: وهذا شيء أظهر به، ولم أر منه بدا .
وحكى في "تفسيره " عن ابن عطية من المالكية: أنه لا يجب أن يتبع الوجه بالتراب كما يتبع بالماء، وجعله كالخف وما بين الأصابع في اليدين - يعني: في التيمم . محمد بن مسلمة
وحكى في وجوب قولين لأصحابهم: بالوجوب، والاستحباب . تخليل الأصابع وتحريك الخاتم
وحكى ابن حزم في وجوب اختلافا . وأما " اليدان ": فأكثر العلماء على وجوب تخليل اللحية بالتراب وقد ذكرنا أن بعض العلماء لم يوجب استيعاب ذلك بالمسح . مسح الكفين: ظاهرهما وباطنهما بالتراب إلى [ ص: 407 ] الكوعين،
وحكى عن ابن عطية : أنه يمسح الكفين فقط، لحديث الشعبي ، وأنه لم يوجب إيصال التراب إلى الكوعين، وهذا لا يصح . والله أعلم . عمار
وإنما المراد بحديث ، وبما قاله عمار وغيره من مسح الكفين: مسحهما إلى الكوعين، وقد جاء ذلك مقيدا، رواه الشعبي . عن أبو داود الطيالسي ، عن شعبة الحكم: سمع ذر بن عبد الله ، عن ابن عبد الرحمن بن أبزى ، عن أبيه، عن ، عمار أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: "إنما كان يجزئك " وضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده الأرض إلى التراب، ثم قال: "هكذا"، فنفخ فيها . ومسح وجهه ويديه إلى المفصل، وليس فيه الذراعان .
وروى عن إبراهيم بن طهمان، عن حصين، أبي مالك ، عن ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: عمار بن ياسر "إنما كان يكفيك أن تضرب بكفيك في التراب، ثم تنفخ فيهما، ثم تمسح بهما وجهك وكفيك إلى الرسغين " . خرجه وقال: لم يروه عن الدارقطني مرفوعا غير حصين ووقفه إبراهيم بن طهمان، وزائدة وغيرهما . يعني: أنهم رووه عن شعبة عن حصين، أبي مالك ، عن موقوفا . والموقوف أصح -: قاله عمار أبو حاتم الرازي .
وأبو مالك ، قال : في سماعه من الدارقطني نظر، فإن عمار سلمة بن [ ص: 408 ] كهيل رواه عن أبي مالك ، عن ، عن ابن أبزى . عمار
وقال : يحتمل أنه سمع منه . أبو حاتم
وأبو مالك ، هو: الغفاري، سئل : ما اسمه؟ فقال: لا يسمى . أبو زرعة
وقال : اسمه البيهقي حبيب بن صهبان .
وفيما قاله نظر; فإن حبيب بن صهبان هو: أبو مالك الكاهلي الأسدي .
وأما الغفاري فاسمه: غزوان -: قاله وقد فرق بينهما ابن معين . ، ووقع في بعض نسخ ابن أبي حاتم ، غير أن البخاري متوقف غير جازم بأن البخاري حبيب بن صهبان يكنى: أبا حاتم، ولا أن أبا مالك الغفاري اسمه: غزوان . وروي حديث على وجه آخر: فروى عمار ، عن الأعمش ، عن سلمة بن كهيل ، عن عبد الرحمن بن أبزى ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: عمار "إنما كان يكفيك هكذا" ثم ضرب بيديه الأرض، ثم ضرب إحداهما على الأخرى، ثم مسح وجهه، والذراعين إلى نصف الساعدين، ولم يبلغ المرفقين، ضربة واحدة . خرجه . وخرجه - أيضا - من طريق أبو داود ، عن سفيان الثوري ، عن سلمة بن كهيل أبي مالك ، عن ، قال: كنت عند عبد الرحمن بن أبزى ، فقال عمر : قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: عمار [ ص: 409 ] وخرجه "إنما كان يكفيك أن تقول هكذا" وضرب بيديه إلى الأرض، ثم نفخهما، ثم مسح بهما وجهه ويديه إلى نصف الذراع . من طريق النسائي ، عن سفيان سلمة، عن أبي مالك - وعن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى ، عن ، قال: كنا عند عبد الرحمن بن أبزى - فذكر الحديث، وفيه: ثم مسح وجهه وبعض ذراعيه . وقد رواه عن عمر : سلمة بن كهيل ، شعبة ، وسفيان ، واختلف عنهم في إسناده . وقد تقدم: أن في رواية والأعمش أن شعبة سلمة شك: هل ذكر فيه الذراعين، أو الكفين خاصة، وهذا يدل على أن ذكر الذراعين أو بعضهما لم يحفظه سلمة، إنما شك فيه، لكنه حفظ الكفين وتيقنهما، كما حفظه غيره . وعلى تقدير أن يكون ذكر بعض الذراعين محفوظا فقد يحمل على الاحتياط لدخول الكوعين، أو يكون من باب المبالغة وإطالة التحجيل، كما فعله في الوضوء، وقد صرح الشافعية باستحبابه في التيمم - أيضا . أبو هريرة
وقد روي عن ، قال: حدثني محدث عن قتادة ، عن الشعبي ، عن عبد الرحمن بن أبزى ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: عمار بن ياسر خرجه "إلى المرفقين " . . وهذا الإسناد مجهول لا يثبت . أبو داود
والصحيح: عن ، عن قتادة عزرة، عن سعيد بن عبد الرحمن ، عن أبيه . ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمره بالتيمم للوجه والكفين . عمار [ ص: 410 ] خرجه عن وصححه . وخرجه الترمذي ، ولفظه: أبو داود وقد روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمره في التيمم: ضربة واحدة للوجه والكفين . ، أنهم تيمموا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المناكب والآباط: عمار من رواية عن ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن ابن عباس ، قال: عمار خرجه نزلت رخصة التطهر بالصعيد الطيب، فقام المسلمون مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، فضربوا بأيديهم الأرض، ثم رفعوا أيديهم ولم يقبضوا من التراب شيئا، فمسحوا بها وجوههم وأيديهم إلى المناكب، ومن بطون أيديهم إلى الآباط . الإمام أحمد وأبو داود . وقد اختلف في إسناده على والنسائي : فقيل: عنه، كما ذكرنا . وقيل: عنه، عن الزهري ، عن أبيه، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة . كذا رواه عنه: عمار مالك وصحح قولهما وابن عيينة، أبو زرعة وأبو حازم الرازيان . وقيل: عن ، عن الزهري عبيد الله بن عبد الله ، عن - مرسلا . وهذا حديث منكر جدا، لم يزل العلماء ينكرونه، وقد أنكره عمار راويه، وقال: هو لا يعتبر به الناس -: ذكره الزهري الإمام أحمد [ ص: 411 ] وروي عن وأبو داود ، أنه امتنع أن يحدث به، وقال: لم أسمعه إلا من الزهري عبيد الله ، وروي عنه، أنه قال: لا أدري ما هو؟! . وروي عن ، أنه كان يغضب إذا حدث مكحول بهذا الحديث . وعن الزهري ، أنه امتنع أن يحدث به، وقال: ليس العمل عليه . وسئل ابن عيينة عنه، فقال: ليس بشيء - وقال - أيضا -: اختلفوا في إسناده، وكان الإمام أحمد يهابه، وقال: ما أرى العمل عليه . وعلى تقدير صحته، ففي الجواب عنه وجهان: الزهري
أحدهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يعلم أصحابه التيمم على هذه الصفة، وإنما فعلوه عند نزول الآية، لظنهم أن اليد المطلقة تشمل الكفين والذراعين والمنكبين والعضدين، ففعلوا ذلك احتياطا كما تمعك بالأرض للجنابة، وظن أن تيمم الجنب يعم البدن كله كالغسل، ثم بين النبي - صلى الله عليه وسلم - التيمم بفعله . وقوله: عمار " فرجع الصحابة كلهم إلى بيانه - صلى الله عليه وسلم -، ومنهم "التيمم للوجه والكفين راوي الحديث، فإنه أفتى أن التيمم ضربة للوجه والكفين، كما رواه عمار عن حصين، أبي مالك ، عنه، كما سبق .
وهذا الجواب ذكره وغيره من الأئمة . إسحاق بن راهويه
والثاني: ما قاله ، وأنه إن كان ذلك بأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فهو منسوخ، لأن الشافعي أخبر أن هذا أول تيمم كان حين نزلت آية التيمم، فكل تيمم كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - بعده مخالف له، فهو له ناسخ . وكذا ذكر عمارا وغيره من العلماء . وقد حكى غير واحد من العلماء عن أبو بكر الأثرم ، أنه كان يذهب إلى هذا [ ص: 412 ] الحديث الذي رواه . الزهري
وروي عن ، عن عبد الوهاب بن عطاء سعيد ، عن ، أن قتادة قال: التيمم إلى الآباط، قال الزهري سعيد : ولا يعجبنا هذا . .
قلت: قد سبق عن أنه أنكر هذا القول، وأخبر أن الناس لا يعتبرون به، فالظاهر أنه رجع عنه لما علم إجماع العلماء على مخالفته . والله أعلم . الزهري
وذهب كثير من العلماء إلى أنه ينتهي المسح لليدين بالتراب إلى المرفقين . هذا مروي عن ابن عمر - وروي - أيضا - عن وجابر ، سالم بن عبد الله ، والشعبي ، والحسن ، والنخعي ، وقتادة ، وسفيان . وابن المبارك ، والليث ، ومالك ، والشافعي وأصحابه . واستدل بعضهم: بالأحاديث المرفوعة المروية في ذلك، ولا يثبت منها شيء، كما سبق الإشارة إلى ذلك . واستدلوا - أيضا -: بأن الله تعالى أمر بغسل اليدين في الوضوء إلى المرفقين، ثم ذكر في التيمم مسح الوجه واليدين، فينصرف إطلاقهما في التيمم إلى تقييدهما في الوضوء، لا سيما وذلك في آية واحدة . فهو أولى من حمل المطلق علي المقيد في آيتين . وأجاب من خالفهم: بأن المطلق إنما يحمل على المقيد في قضية واحدة . والوضوء والتيمم طهارتان مختلفتان، فلا يصح حمل مطلق أحدهما على مقيد الآخر . ويدل على ذلك: أن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - عند نزول آية التيمم لم يفهموا [ ص: 413 ] حمل المطلق على المقيد فيها، بل تيمموا إلى المناكب والآباط، وهم أعلم الناس بلغة وأبي حنيفة العرب، ثم بين النبي - صلى الله عليه وسلم - أن التيمم للوجه والكفين، وهو - أيضا - ينافي حمل المطلق على المقيد فيها .
وذهب آخرون: إلى أن التيمم يمسح فيه الكفان خاصة . وقد حكى لأهل هذه المقالة قولين: أحدهما: يمسح الكفين إلى الرسغين، وحكاه عن ابن المنذر والثاني: يمسح الكفين مطلقا، قال: هو قول علي، ، عطاء ، ومكحول ، والشعبي ، والأوزاعي ، وأحمد وإسحاق .
قال: وبهذا نقول للثابت عن نبي الله - صلى الله عليه وسلم -، أنه قال: قلت: هذا يوهم أن من قال بمسح الوجه والكفين، أنه لا ينتهي مسحهما إلى الكوعين، وهذا كما حكاه "التيمم ضربة للوجه والكفين " . عن ابن عطية ، كما سبق عنه، وليس هذا قول الأئمة المشهورين . وقد روى الشعبي عن داود بن الحصين، ، عن عكرمة ، أنه سئل عن التيمم، فقال: إن الله قال في كتابه حين ذكر الوضوء: ابن عباس فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وقال في التيمم: فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه وقال: والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما فكانت السنة في القطع الكفين، إنما هو: الوجه والكفين - يعني: التيمم . خرجه ، وقال: حسن صحيح غريب . وروى الترمذي الحكم بن أبان، عن هذا المعنى - أيضا . [ ص: 414 ] وكذلك استدل بهذا الدليل عكرمة مكحول وغيرهما من الأئمة، وقالوا: إن القطع يكون من الرسغ، فكذلك التيمم . وأحمد
والرسغ: هو مفصل الكف، وله طرفان هما عظمان، فالذي يلي الإبهام كوع، والذي يلي الخنصر كرسوع . ومضمون هذا الاستدلال: أن اليد إذا أطلقت انصرفت إلى الرسغ، وإن قيدت بموضع تقيدت به، فلما قيدت بالمرفقين في الوضوء وجب غسل الذراعين إلى المرفقين، ولما أطلقت في التيمم وجب إيصال التراب إلى الرسغ، كما تقطع يد السارق ويد المحارب منه .
وكذا قال : التيمم ضربة للوجه والكفين إلى الكوعين . وكذلك نص إسحاق على أن التيمم يبلغ إلى الرسغ، وخطأ من قال: لا يجزئ ذلك . وقال: الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - المعروف المشهور الذي يرويه الثقة عن الثقة بالأخبار الصحيحة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - علم الأوزاعي التيمم للوجه والكفين، قال: وعلى ذلك كان عمار بن ياسر ، علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس ، ، والشعبي ، وعطاء ، ومجاهد وغيرهم، فلا يجوز لأحد أن يدعي على هؤلاء أنهم لم يعرفوا التيمم . قال: ولو قالوا: الذراعين أحب إلينا اختيارا لكان أشبه . وروى ومكحول بإسناده، عن حرب عن زائدة، حصين بن عبد الرحمن ، عن أبي مالك ، عن ، أنه غمس باطن كفيه بالتراب، ثم نفخ يده، ثم مسح وجهه ويديه إلى المفصل . وبإسناده: عن عمار ، عن عبد العزيز بن أبي رواد ، عن نافع ، قال: [ ص: 415 ] التيمم ضربتان: ضربة للوجه، وضربة للكفين . قال: وثنا ابن عمر : ثنا أحمد بن حنبل سليمان بن حيان: أنبأ حجاج، عن عطاء والحكم، عن إبراهيم، قال: التيمم ضربتان للكفين والوجه . قال: وثنا محمود بن خالد : ثنا ، عن الوليد بن مسلم حامد وسعيد بن بشير، عن ، عن قتادة ، قال: التيمم ضربة واحدة للوجه والكفين . قال سعيد بن المسيب الوليد: وأنبأ ، عن الأوزاعي ، أنه كان يقول في التيمم: مسحة واحدة للوجه، ثم ضربة أخرى لكفيه، وبه يأخذ عطاء . وروى الأوزاعي بإسناده عن حرب ، قال: سألت إسماعيل بن أبي خالد عن التيمم; فضرب بيديه الأرض، ثم قرن إحداهما بالأخرى، ثم مسح وجهه وكفيه . الشعبي
قال سمعت حرب: ، يقول: والتيمم ضربة واحدة للوجه والكفين، يبدأ بوجهه، ثم يمسح كفيه إحداهما بالأخرى، قيل له: صح حديث أبا عبد الله أحمد بن حنبل ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك، قال: نعم، قد صح . والقول بأن الواجب في التيمم مسح الكفين فقط: رواية عن عمار ، وقول قديم مالك ، قال في القديم - فيما حكاه للشافعي في "كتاب المعرفة" -: قد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الوجه والكفين، ولو أعلمه ثابتا لم أعده، قال: فإنه ثبت عن البيهقي ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الوجه والكفين ، ولم يثبت إلى المرفقين، فما يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أولى، وبهذا كان يفتي عمار سعيد بن سالم ، انتهى .
ومن العلماء من قال: الواجب مسح اليدين إلى الكوعين، ويستحب [ ص: 416 ] مسحهما إلى المرفقين، ولعله مراد كثير من السلف - أيضا - فإن منهم من روي عنه: إلى الكوعين، وروي عنه: إلى المرفقين، كالشعبي وغيره، فدل على أن الكل عندهم جائز . وهو - أيضا - رواية عن ، وقول مالك ، وكيع وطائفة من أصحابنا، وحكوه رواية عن وإسحاق، ، والمنصوص عنه يدل على أن ذلك جائز . لا أنه أفضل . وسيأتي ذكر الضربة الواحدة، والضربتين فيما بعد - إن شاء الله تعالى . فإن أحمد أفرد لذلك بابا . البخاري
* * *
وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر الجنب إذا لم يجد الماء بأن يتيمم ويصلي، في حديث المتقدم، وحديث عمران بن حصين ، وروي - أيضا - من حديث عمار وغيره . أبي ذر
وشبهة المانعين: أن الله تعالى قال: ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا وقال: وإن كنتم جنبا فاطهروا - يعني به: الغسل - ثم ذكر التيمم عند فقد الماء بعد ذكره الأحداث الناقضة للوضوء، فدل على أنه إنما رخص في التيمم عند عدم الماء لمن وجدت منه هذه الأحداث، وبقي الجنب مأمورا بالغسل بكل حال .
وهذا مردود; لوجهين:
أحدهما: أن آية الوضوء افتتحت بذكر الوضوء، ثم بغسل الجنابة، ثم أمر [ ص: 417 ] بعد ذلك بالتيمم عند عدم الماء، فعاد إلى الحدثين معا . وإن قيل: إنه يعود إلى أحدهما، فعوده إلى غسل الجنابة أولى، لأنه أقربهما، فأما عوده إلى أبعدهم وهو - وضوء الصلاة - فممتنع .
وأما آية سورة النساء، فليس بها سوى ذكر الجنابة، وليس للوضوء فيها ذكر، فكيف يعود التيمم إلى غير مذكور فيها، ولا يعود إلى المذكور .
والثاني: أن كلتا الآيتين: أمر الله بالتيمم من جاء من الغائط، ولمس النساء أو لم يجد الماء، ولمس النساء إما أن يراد به الجماع خاصة، كما قاله وغيره، أو أنه يدخل فيه الجماع وما دونه من الملامسة لشهوة كما يقوله غيره، فأما أن يخص به ما دون الجماع ففيه بعد . ابن عباس
ولما أورد على أبو موسى الآية تحير ولم يدر ما يقول، وهذا يدل على أنه رأى أن الآية يدخل فيها الجنب كما قاله ابن مسعود . وفي أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - الجنب العادم للماء أن يتيمم ويصلي دليل على أنه - صلى الله عليه وسلم - فهم دخول الجنب في الآية، وليس بعد هذا شيء . ورد أبو موسى ابن مسعود لأنه ذريعة إلى التيمم عند البرد; لم يوافق عليه، لأن النصوص لا ترد بسد الذرائع، وأيضا، فيقال: إن كان البرد يخشى معه التلف أو الضرر فإنه يجوز التيمم معه كما سبق . وقد روى تيمم الجنب، ، أن مخارقا حدثهم، عن شعبة طارق، [ ص: 418 ] أن رجلا أجنب فلم يصل، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر ذلك له، فقال له: "أصبت "، وأجنب رجل آخر فتيمم وصلى، فأتاه - صلى الله عليه وسلم -، فقال له نحوا مما قال للآخر - يعني: "أصبت " .
خرجه وهو مرسل . النسائي
وقد يحمل هذا على أن الأول سأله قبل نزول آية التيمم، والآخر سأله بعد نزولها .
وروى ، عن أبو داود الطيالسي ، عن شعبة الحكم، عن ذر، عن ، عن أبيه ابن أبزى أن قال عمارا : أما تذكر يا أمير المؤمنين أني كنت أنا وأنت في سرية فأجنبنا ولم نجد الماء، فأما أنت فلم تصل، وأما أنا فتمعكت بالتراب وصليت، فلما قدمنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكرنا ذلك له، فقال: "أما أنت فلم يكن ينبغي لك أن تدع الصلاة، وأما أنت يا لعمر فلم يكن لك أن تتمعك كما تتمعك الدابة، إنما كان يجزيك " - وضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده إلى الأرض إلى التراب، ثم قال: "هكذا"، ونفخ فيها ومسح وجهه ويديه إلى المفصل . وليس فيه الذراعان عمار