[ ص: 698 ] سورة الأنبياء
[قال ] : قوله تعالى: البخاري ونبلوكم بالشر والخير فتنة
حدثنا ، ثنا مسدد يحيى، عن ، حدثني الأعمش شقيق، حدثني . قال: كنا جلوسا عند حذيفة ، فقال: أيكم يحفظ قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الفتنة؟ قلت: أنا كما قاله . قال: إنك عليه - أو عليها - لجريء . قلت: "فتنة الرجل في أهله وماله وولده وجاره، تكفرها الصلاة والصوم والصدقة والأمر والنهي . قال: ليس هذا أريد، ولكن الفتنة التي تموج كما يموج البحر، قال: ليس عليك منها بأس يا أمير المؤمنين ، إن بينك وبينها بابا مغلقا، قال: يكسر أم يفتح؟ قال: يكسر . قال: إذن لا يغلق أبدا . عمر
قلنا: أكان يعلم الباب؟ قال: نعم، كما أن دون غد الليلة، إني حدثته حديثا ليس بالأغاليط، فهبنا أن نسأل عمر ، فأمرنا حذيفة مسروقا فسأله، فقال: الباب . عمر
أصل الفتنة: الابتلاء والامتحان والاختبار، ويكون تارة بما يسوء، وتارة بما يسر، كما قال تعالى: ونبلوكم بالشر والخير فتنة وقال: وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون [ ص: 699 ] وغلب في العرف استعمال الفتنة في الوقوع فيما يسوء .
أحدهما: خاصة، تختص بالرجل في نفسه، والفتنة نوعان:
والثاني: عامة . تعم الناس . فالفتنة الخاصة: ابتلاء الرجل في خاصة نفسه بأهله وماله وولده وجاره . وقد قال تعالى: إنما أموالكم وأولادكم فتنة فإن ذلك غالبا يلهي عن طلب الآخرة، والاستعداد لها، ويشغل عن ذلك . الحسن يمشيان ويعثران وهما صغيران، نزل فحملهما، ثم قال: "صدق الله ورسوله: والحسين إنما أموالكم وأولادكم فتنة إني رأيت هذين الغلامين يمشيان ويعثران فلم أصبر" . ولما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب على المنبر، ورأى
وقد ذم الله تعالى من ألهاه ماله وولده عن ذكره، فقال: لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون فظهر بهذا: أن الإنسان يبتلى بماله وولده وأهله وبجاره المجاور له، ويفتتن بذلك، فتارة يلهيه الاشتغال به عما ينفعه في آخرته، وتارة تحمله محبته على أن يفعل لأجله بعض ما لا يحبه الله، وتارة يقصر في حقه الواجب عليه . وتارة يظلمه ويأتي إليه ما يكرهه الله من قول أو فعل، فيسأل عنه ويطالب فإذا حصل للإنسان شيء من هذه الفتن الخاصة، ثم صلى أو صام أو تصدق أو أمر بمعروف أو نهى عن منكر كان ذلك كفارة له، وإذا كان الإنسان [ ص: 700 ] تسوؤه سيئته، ويعمل لأجلها عملا صالحا، كان ذلك دليلا على إيمانه .
وفي "مسند عن بقي بن مخلد" رجل سأل النبي - صلى الله عليه وسلم -: ما الإيمان يا رسول الله؟ قال: "أن تؤمن بالله ورسوله "، فأعادها ثلاثا، فقال له في الثالثة: "أتحب أن أخبرك ما صريح الإيمان؟ " فقال: ذلك الذي أردت، فقال: "إن صريح الإيمان إذا أسأت أو ظلمت أحدا، عبدك أو أمتك، أو واحدا من الناس، صمت أو تصدقت وإذا أحسنت استبشرت " .
وأما الفتن العامة: فهي التي تموج موج البحر، وتضطرب، ويتبع بعضها بعضا كأمواج البحر، فكان أولها فتنة قتل - رضي الله عنه - وما نشأ منها من افتراق قلوب المسلمين، وتشعب أهوائهم وتكفير بعضهم بعضا، وسفك بعضهم دماء بعض، وكان الباب المغلق الذي بين الناس وبين الفتن عثمان - رضي الله عنه - وكان قتل عمر كسرا لذلك الباب، فلذلك لم يغلق ذلك الباب بعده أبدا . عمر
وكان أكثر الناس سؤالا للنبي - صلى الله عليه وسلم - عن الفتن، وأكثر الناس علما بها، فكان عنده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - علم بالفتن العامة والخاصة، وهو حدث حذيفة تفاصيل الفتن العامة، وبالباب الذي بين الناس وبينها، وأنه هو عمر ، ولهذا قال: إني حدثته حديثا ليس بالأغاليط، والأغاليط: جمع أغلوطة، وهي التي يغالط بها . واحدها: "أغلوطة" و"مغلطة"، والمعنى: أنه حدثه حديثا حقا . ليس فيه مرية، ولا إيهام . عمر
وهذا مما يستدل به على أن رواية مثل يحصل بها لمن سمعها العلم اليقيني الذي لا شك فيه، فإن حذيفة ذكر أن حذيفة علم ذلك وتيقنه كما تيقن [ ص: 701 ] أن دون غد الليلة لما حدثه به من الحديث الذي لا يحتمل غير الحق والصدق . عمر
وقد كانت الصحابة تعرف في زمان أن بقاء عمر أمان للناس من الفتن . عمر
وفي "مسند " أن الإمام أحمد لما عزله خالد بن الوليد ، قال له رجل: اصبر أيها الأمير، فإن الفتن قد ظهرت، فقال عمر خالد : وابن الخطاب حي، إنما يكون بعده" .
وقد روي من حديث عثمان بن مظعون ، : غلق الفتنة وقال: "لا يزال بينكم وبين الفتنة باب شديد الغلق ما عاش هذا بين أظهركم " . عمر خرجه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمى . البزار
وروي نحوه من حديث . وروى أبي ذر ، أنه قال كعب : أجدك مصراع الفتنة، فإذا فتح لم يغلق أبدا . لعمر