[ ص: 548 ] قوله تعالى: وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا
لما سأله: مم خلق الخلق؟ فقال له: "من الماء"، لأبي هريرة يدل على أن وقوله - صلى الله عليه وسلم - وجميع المخلوقات خلقت منه . الماء أصل جميع المخلوقات ومادتها .
وفي "المسند" من وجه آخر عن رضي الله عنه، قال: أبي هريرة قلت: يا رسول الله، إذا رأيتك طابت نفسي وقرت عيني، فأنبئني عن كل شيء . فقال: "كل شيء خلق من ماء" .
وقد حكى وغيره، عن ابن جرير - رضي الله عنه -، وطائفة من السلف: أن أول المخلوقات الماء . وروى ابن مسعود بإسناده عن الجوزجاني أنه سئل عن بدء الخلق . فقال: من تراب، وماء، وطين، ومن نار، وظلمة . فقيل له: فما بدء الخلق الذي ذكرت؟ قال: من ماء ينبوع . عبد الله بن عمرو
وقد أخبر الله تعالى في كتابه أن الماء كان موجودا قبل خلق السماوات والأرض، فقال تعالى: وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء
وفي "صحيح " عن البخاري ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: عمران بن حصين وكان عرشه على الماء وكتب في الذكر كل شيء ثم خلق السماوات والأرض " . [ ص: 549 ] وفي "صحيح "كان الله ولم يكن شيء قبله - وفي رواية - "معه "، " عن مسلم ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: عبد الله بن عمرو "إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء" .
وروى ، وغيره عن ابن جرير : إن الله عز وجل كان عرشه على الماء ولم يخلق شيئا غير ما خلق قبل الماء، فلما أراد أن يخلق الخلق أخرج من الماء دخانا فارتفع فوق الماء، فسما عليه فسمي سماء، ثم أيبس الماء فجعله أرضا واحدة، ثم فتقها فجعلها سبع أرضين، ثم استوى إلى السماء وهي دخان، وكان ذلك الدخان من نفس الماء حين تنفس، ثم جعلها سماء واحدة، ثم فتقها فجعلها سبع سماوات . ابن عباس
وعن : إن العرش كان قبل أن تخلق السماوات والأرض على الماء . فلما أراد الله أن يخلق السماوات والأرض قبض من صفاء الماء قبضة، ثم فتح القبضة فارتفعت دخانا، ثم قضاهن سبع سموات في يومين، ثم أخذ طينة من الماء فوضعها في مكان البيت، ثم دحا الأرض منها . وهب
وقال بعضهم: خلق الله الأرض أولا، ثم خلق السماء، ثم دحا الأرض بعد أن خلق السماء . وقيل: خلق الله تعالى زمردة خضراء كغلظ السماوات والأرض، ثم نظر إليها نظر العظمة، فانماعت، يعني ذابت فصارت ماء، فمن ثم يرى الماء دائما يتحرك من تلك الهيبة .
ثم إن الله تعالى رفع من البحر بخارا، وهو الدخان الذي ذكره في قوله: ثم استوى إلى السماء وهي دخان فخلق السماء من الدخان، [ ص: 550 ] وخلق الأرض من الماء، والجبال من موج الماء،
وقال : أول ما خلق الله تعالى مكانا مظلما، ثم خلق جوهرة فأضاءت ذلك المكان، ثم نظر إلى الجوهرة نظرة الهيبة فصارت ماء، فارتفع بخارها وزبدها، فخلق من البخار السماوات، ومن الزبد الأرضين . وهب
وروى ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: عبد الله بن عمرو "إن الله عز وجل خلق خلقه من ظلمة، ثم ألقى عليهم من نوره، فمن أصابه يومئذ من ذلك النور اهتدى، ومن أخطأه ضل " .
وقال - رضي الله عنه - عمر بن الخطاب لكعب الأحبار : ما أول شيء ابتدأ تعالى من خلقه؟ قال : كتب الله كتابا لم يكتبه قلم ولا دواة، أي مداد، كتابه الزبرجد واللؤلؤ والياقوت: إنني أنا الله لا إله إلا أنا وحدي لا شريك لي . وأن كعب محمدا عبدي ورسولي، سبقت رحمتي غضبي، قال : فإذا كان يوم القيامة أخرج ذلك الكتاب، فيخرج من النار مثلي عدد أهل الجنة فيدخلهم الجنة . كعب
وقال سلمان : إن لله تعالى مائة رحمة كما بين السماء والأرض، فأنزل منها رحمة واحدة إلى أهل الدنيا، فبها يتراحم الجن والإنس، وطير السماء، وحيتان الماء، وما بين الهواء، ودواب الأرض . وهوامها، وادخر عنده تسعا وتسعين رحمة، فإذا كان يوم القيامة أنزل تلك الرحمة إلى ما عنده فيرحم عباده، والآثار في هذا الباب كثيرة، وهذا كله يبين أن السماوات والأرض خلقت من الماء، والخلاف في أن وعبد الله بن عمرو مشهور، وحديث الماء هل هو أول [ ص: 551 ] المخلوقات أم لا يدل على أن الماء مادة جميع المخلوقات، وقد دل القرآن على أن الماء مادة جميع الحيوانات، قال الله تعالى: أبي هريرة وجعلنا من الماء كل شيء حي وقال تعالى: والله خلق كل دابة من ماء وقول من قال: إن المراد بالماء النطفة التي يخلق منها الحيوانات بعيد لوجهين:
أحدهما: أن النطفة لا تسمى ماء مطلقا بل مقيدا، لقوله تعالى: خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب وقوله تعالى ألم نخلقكم من ماء مهين
والثاني: أن من الحيوانات ما يتولد من غير نطفة، كدود الخل، والفاكهة ونحو ذلك، فليس كل حيوان مخلوقا من نطفة، والقرآن دل على خلق جميع ما يدب وما فيه حياة من ماء، فعلم بذلك أن أصل جميعها الماء المطلق . ولا ينافي هذا قوله تعالى: والجان خلقناه من قبل من نار السموم وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: فإن حديث "خلقت الملائكة من نور" . - رضي الله عنه -، دل على أن أصل النور والنار الماء، كما أن أصل التراب الذي خلق منه أبي هريرة آدم الماء، فإن آدم خلق من طين، والطين تراب مختلط بماء، والتراب خلق من الماء كما تقدم عن ، وغيره ، وزعم ابن عباس : أن الماء خلق من النور، وهو مردود بحديث مقاتل هذا وغيره، ولا يستنكر خلق النار من الماء، فإن الله عز وجل جمع بقدرته بين الماء والنار في الشجر [ ص: 552 ] الأخضر، وجعل ذلك من أدلة القدرة على البعث، وذكر الطبائعيون: أن الماء بانحداره يصير بخارا، والبخار ينقلب هواء، والهواء ينقلب نارا، والله أعلم . أبي هريرة