والمقصود هنا أنه ينبغي
nindex.php?page=treesubj&link=28895_19639_19638للمسلم أن يقدر قدر كلام الله ورسوله ; بل ليس لأحد أن يحمل كلام أحد من الناس إلا على ما عرف أنه أراده لا على ما يحتمله ذلك اللفظ في كلام كل أحد فإن كثيرا من الناس يتأول النصوص المخالفة لقوله ; يسلك مسلك من يجعل " التأويل " كأنه ذكر ما يحتمله اللفظ وقصده به دفع ذلك المحتج عليه بذلك النص وهذا خطأ ; بل
nindex.php?page=treesubj&link=19638_19637_19639_28647جميع ما قاله الله ورسوله [ ص: 37 ] يجب الإيمان به . فليس لنا أن نؤمن ببعض الكتاب ونكفر ببعض ، وليس الاعتناء بمراده في أحد النصين دون الآخر بأولى من العكس ، فإذا كان النص الذي وافقه يعتقد أنه اتبع فيه مراد الرسول ; فكذلك النص الآخر الذي تأوله فيكون أصل مقصوده معرفة ما أراده الرسول بكلامه ; وهذا هو المقصود بكل ما يجوز من تفسير وتأويل عند من يكون اصطلاحه تغاير معناهما . وأما من يجعلهما بمعنى واحد كما هو الغالب على اصطلاح المفسرين ; فالتأويل عندهم هو التفسير . وأما
nindex.php?page=treesubj&link=28710 " التأويل " في كلام الله ورسوله ; فله معنى ثالث غير معناه في اصطلاح المفسرين . وغير معناه في اصطلاح متأخري الفقهاء والأصوليين ; كما بسط في موضعه . والمقصود هنا أن كل ما نفاه الله ورسوله من مسمى أسماء الأمور الواجبة كاسم الإيمان والإسلام والدين والصلاة والصيام والطهارة والحج وغير ذلك ; فإنما يكون لترك واجب من ذلك المسمى ومن هذا قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=562&ayano=4فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما } فلما نفى الإيمان حتى توجد هذه الغاية دل على أن هذه الغاية فرض على الناس ; فمن تركها كان من أهل الوعيد لم يكن قد أتى بالإيمان الواجب الذي وعد أهله بدخول الجنة بلا عذاب ، فإن الله إنما وعد بذلك من فعل ما أمر به وأما من فعل بعض الواجبات وترك بعضها ; فهو معرض للوعيد .
ومعلوم باتفاق المسلمين أنه يجب
nindex.php?page=treesubj&link=21396_28328_27862_28667_28803 " تحكيم الرسول " في كل ما شجر بين [ ص: 38 ] الناس في أمر دينهم ودنياهم في أصول دينهم وفروعه وعليهم كلهم إذا حكم بشيء ألا يجدوا في أنفسهم حرجا مما حكم ويسلموا تسليما . قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=557&ayano=4ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=558&ayano=4وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا } . وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=558&ayano=4إلى ما أنزل الله } وقد أنزل الله الكتاب والحكمة وهي السنة قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=240&ayano=2واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به } . وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=610&ayano=4وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما } . والدعاء إلى ما أنزل يستلزم الدعاء إلى الرسول ، والدعاء إلى الرسول يستلزم الدعاء إلى ما أنزله الله ، وهذا مثل طاعة الله والرسول ; فإنهما متلازمان فمن يطع الرسول فقد أطاع الله ومن أطاع الله فقد أطاع الرسول . وكذلك قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=612&ayano=4ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين } . فإنهما متلازمان ; فكل من شاق الرسول من بعد ما تبين له الهدى فقد اتبع غير سبيل المؤمنين وكل من اتبع غير سبيل المؤمنين فقد شاق الرسول من بعد ما تبين له الهدى . فإن كان يظن أنه متبع سبيل المؤمنين وهو مخطئ ; فهو بمنزلة من ظن أنه متبع للرسول وهو مخطئ .
وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّهُ يَنْبَغِي
nindex.php?page=treesubj&link=28895_19639_19638لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُقَدِّرَ قَدْرَ كَلَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ; بَلْ لَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يَحْمِلَ كَلَامَ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ إلَّا عَلَى مَا عُرِفَ أَنَّهُ أَرَادَهُ لَا عَلَى مَا يَحْتَمِلُهُ ذَلِكَ اللَّفْظُ فِي كَلَامِ كُلِّ أَحَدٍ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ يَتَأَوَّلُ النُّصُوصَ الْمُخَالِفَةَ لِقَوْلِهِ ; يَسْلُكُ مَسْلَكَ مَنْ يَجْعَلُ " التَّأْوِيلَ " كَأَنَّهُ ذَكَرَ مَا يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ وَقَصْدُهُ بِهِ دَفْعُ ذَلِكَ الْمُحْتَجِّ عَلَيْهِ بِذَلِكَ النَّصِّ وَهَذَا خَطَأٌ ; بَلْ
nindex.php?page=treesubj&link=19638_19637_19639_28647جَمِيعُ مَا قَالَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ [ ص: 37 ] يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ . فَلَيْسَ لَنَا أَنْ نُؤْمِنَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَنَكْفُرَ بِبَعْضِ ، وَلَيْسَ الِاعْتِنَاءُ بِمُرَادِهِ فِي أَحَدِ النَّصَّيْنِ دُونَ الْآخَرِ بِأَوْلَى مِنْ الْعَكْسِ ، فَإِذَا كَانَ النَّصُّ الَّذِي وَافَقَهُ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ اتَّبَعَ فِيهِ مُرَادَ الرَّسُولِ ; فَكَذَلِكَ النَّصُّ الْآخَرُ الَّذِي تَأَوَّلَهُ فَيَكُونُ أَصْلُ مَقْصُودِهِ مَعْرِفَةَ مَا أَرَادَهُ الرَّسُولُ بِكَلَامِهِ ; وَهَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِكُلِّ مَا يَجُوزُ مِنْ تَفْسِيرٍ وَتَأْوِيلٍ عِنْدَ مَنْ يَكُونُ اصْطِلَاحُهُ تَغَايُرَ مَعْنَاهُمَا . وَأَمَّا مَنْ يَجْعَلُهُمَا بِمَعْنَى وَاحِدٍ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ عَلَى اصْطِلَاحِ الْمُفَسِّرِينَ ; فَالتَّأْوِيلُ عِنْدَهُمْ هُوَ التَّفْسِيرُ . وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=28710 " التَّأْوِيلُ " فِي كَلَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ; فَلَهُ مَعْنًى ثَالِثٌ غَيْرَ مَعْنَاهُ فِي اصْطِلَاحِ الْمُفَسِّرِينَ . وَغَيْرَ مَعْنَاهُ فِي اصْطِلَاحِ مُتَأَخِّرِي الْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ ; كَمَا بُسِطَ فِي مَوْضِعِهِ . وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ كُلَّ مَا نَفَاهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ مُسَمَّى أَسْمَاءِ الْأُمُورِ الْوَاجِبَةِ كَاسْمِ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ وَالدِّينِ وَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالطَّهَارَةِ وَالْحَجِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ ; فَإِنَّمَا يَكُونُ لِتَرْكِ وَاجِبٍ مِنْ ذَلِكَ الْمُسَمَّى وَمِنْ هَذَا قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=562&ayano=4فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } فَلَمَّا نَفَى الْإِيمَانَ حَتَّى تُوجَدَ هَذِهِ الْغَايَةُ دَلَّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْغَايَةَ فَرْضٌ عَلَى النَّاسِ ; فَمَنْ تَرَكَهَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْوَعِيدِ لَمْ يَكُنْ قَدْ أَتَى بِالْإِيمَانِ الْوَاجِبِ الَّذِي وُعِدَ أَهْلُهُ بِدُخُولِ الْجَنَّةِ بِلَا عَذَابٍ ، فَإِنَّ اللَّهَ إنَّمَا وَعَدَ بِذَلِكَ مَنْ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ وَأَمَّا مَنْ فَعَلَ بَعْضَ الْوَاجِبَاتِ وَتَرَكَ بَعْضَهَا ; فَهُوَ مُعَرَّضٌ لِلْوَعِيدِ .
وَمَعْلُومٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ يَجِبُ
nindex.php?page=treesubj&link=21396_28328_27862_28667_28803 " تَحْكِيمُ الرَّسُولِ " فِي كُلِّ مَا شَجَرَ بَيْنَ [ ص: 38 ] النَّاسِ فِي أَمْرِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ فِي أُصُولِ دِينِهِمْ وَفُرُوعِهِ وَعَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ إذَا حَكَمَ بِشَيْءِ أَلَّا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا حَكَمَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا . قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=557&ayano=4أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=558&ayano=4وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا } . وَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=558&ayano=4إلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ } وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَهِيَ السُّنَّةُ قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=240&ayano=2وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ } . وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=610&ayano=4وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا } . وَالدُّعَاءُ إلَى مَا أَنْزَلَ يَسْتَلْزِمُ الدُّعَاءَ إلَى الرَّسُولِ ، وَالدُّعَاءُ إلَى الرَّسُولِ يَسْتَلْزِمُ الدُّعَاءَ إلَى مَا أَنْزَلَهُ اللَّهُ ، وَهَذَا مِثْلُ طَاعَةِ اللَّهِ وَالرَّسُولِ ; فَإِنَّهُمَا مُتَلَازِمَانِ فَمَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ أَطَاعَ اللَّهَ فَقَدْ أَطَاعَ الرَّسُولَ . وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=612&ayano=4وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ } . فَإِنَّهُمَا مُتَلَازِمَانِ ; فَكُلُّ مَنْ شَاقَّ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى فَقَدْ اتَّبَعَ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ وَكُلُّ مَنْ اتَّبَعَ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ فَقَدْ شَاقَّ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى . فَإِنْ كَانَ يَظُنُّ أَنَّهُ مُتَّبِعٌ سَبِيلَ الْمُؤْمِنِينَ وَهُوَ مُخْطِئٌ ; فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ ظَنَّ أَنَّهُ مُتَّبِعٌ لِلرَّسُولِ وَهُوَ مُخْطِئٌ .