وأما قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1170&ayano=8الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا } . فيقال :
nindex.php?page=treesubj&link=17406_19891_19898_24411من أحوال القلب وأعماله ما يكون من لوازم الإيمان الثابتة فيه بحيث إذا كان الإنسان مؤمنا ; لزم ذلك بغير قصد منه ولا تعمد له
[ ص: 17 ] وإذا لم يوجد ; دل على أن الإيمان الواجب لم يحصل في القلب وهذا كقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5184&ayano=58لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه } . فأخبر أنك لا تجد مؤمنا يواد المحادين لله ورسوله فإن نفس الإيمان ينافي موادته كما ينفي أحد الضدين الآخر فإذا وجد الإيمان انتفى ضده وهو
nindex.php?page=treesubj&link=28802موالاة أعداء الله فإذا كان الرجل يوالي أعداء الله بقلبه ; كان ذلك دليلا على أن قلبه ليس فيه الإيمان الواجب . ومثله قوله تعالى في الآية الأخرى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=754&ayano=5ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=755&ayano=5ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون } . فذكر " جملة شرطية " تقتضي أنه إذا وجد الشرط وجد المشروط بحرف " لو " التي تقتضي مع الشرط انتفاء المشروط فقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=755&ayano=5ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء } . فدل على أن الإيمان المذكور ينفي اتخاذهم أولياء ويضاده ولا يجتمع الإيمان واتخاذهم أولياء في القلب . ودل ذلك على أن من اتخذهم أولياء ; ما فعل الإيمان الواجب من الإيمان بالله والنبي وما أنزل إليه . ومثله قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=725&ayano=5لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم } . فإنه أخبر في تلك الآيات أن متوليهم لا يكون
[ ص: 18 ] مؤمنا . وأخبر هنا أن متوليهم هو منهم ; فالقرآن يصدق بعضه بعضا . قال الله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4120&ayano=39الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم } الآية .
وكذلك قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2877&ayano=24إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه } دليل على أن الذهاب المذكور بدون استئذانه لا يجوز وأنه يجب أن لا يذهب حتى يستأذن فمن ذهب ولم يستأذن كان قد ترك بعض ما يجب عليه من الإيمان ; فلهذا نفى عنه الإيمان فإن حرف " إنما " تدل على إثبات المذكور ونفي غيره . ومن الأصوليين من يقول : إن " إن " للإثبات و " ما " للنفي فإذا جمع بينهما دلت على النفي والإثبات وليس كذلك عند أهل العربية ومن يتكلم في ذلك بعلم ، فإن " ما " هذه هي الكافة التي تدخل على إن وأخواتها فتكفها عن العمل ; لأنها إنما تعمل إذا اختصت بالجمل الاسمية فلما كفت بطل عملها واختصاصها فصار يليها الجمل الفعلية والاسمية ; فتغير معناها وعملها جميعا بانضمام " ما " إليها وكذلك " كأنما " وغيرها . وكذلك قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=2862&ayano=24ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2863&ayano=24وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2864&ayano=24وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2865&ayano=24أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2866&ayano=24إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون } . فإن قيل : إذا كان المؤمن حقا هو الفاعل للواجبات التارك للمحرمات : فقد قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1172&ayano=8أولئك هم المؤمنون حقا } ولم يذكر إلا خمسة أشياء . وكذلك قال في الآية الأخرى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4676&ayano=49إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون } . وكذلك قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2877&ayano=24إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله } . قيل عن هذا جوابان : ( أحدهما ) : أن يكون ما ذكر مستلزما لما ترك ; فإنه ذكر وجل قلوبهم إذا ذكر الله ، وزيادة إيمانهم إذا تليت عليهم آياته مع التوكل عليه وإقام الصلاة على الوجه المأمور به باطنا وظاهرا ، وكذلك الإنفاق من المال والمنافع ; فكان هذا مستلزما للباقي ; فإن وجل القلب عند ذكر الله يقتضي خشيته والخوف منه .
وقد فسروا ( وجلت ) بفرقت . وفي قراءة
ابن مسعود : ( إذا ذكر الله فرقت قلوبهم ) . وهذا صحيح ; فإن " الوجل في اللغة " هو الخوف يقال : حمرة الخجل وصفرة الوجل . ومنه قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=2756&ayano=23والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون } {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596170قالت عائشة : يا رسول الله هو الرجل يزني ويسرق ويخاف أن يعاقب ؟ قال : لا يا ابنة الصديق هو الرجل يصلي ويصوم ويتصدق ويخاف أن لا يقبل منه } . وقال
السدي في قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=1170&ayano=8الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم } هو
[ ص: 20 ] الرجل يريد أن يظلم أو يهم بمعصية فينزع عنه . وهذا كقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5831&ayano=79وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5832&ayano=79فإن الجنة هي المأوى }
nindex.php?page=treesubj&link=28686_20006_29486_19988_19979_29026وقوله : { nindex.php?page=tafseer&surano=5002&ayano=55ولمن خاف مقام ربه جنتان } . قال
مجاهد وغيره من المفسرين : هو الرجل يهم بالمعصية فيذكر مقامه بين يدي الله ; فيتركها خوفا من الله . وإذا كان " وجل القلب من ذكره " يتضمن خشيته ومخافته ; فذلك يدعو صاحبه إلى فعل المأمور وترك المحظور . قال
nindex.php?page=showalam&ids=16065سهل بن عبد الله : ليس بين العبد وبين الله حجاب أغلظ من الدعوى ، ولا طريق إليه أقرب من الافتقار ، وأصل كل خير في الدنيا والآخرة الخوف من الله . ويدل على ذلك قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=1115&ayano=7ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح وفي نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون } . فأخبر أن الهدى والرحمة للذين يرهبون الله . قال
مجاهد وإبراهيم : هو الرجل يريد أن يذنب الذنب فيذكر مقام الله فيدع الذنب . رواه
ابن أبي الدنيا عن
ابن الجعد عن
شعبة عن
منصور عن هما في قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=5002&ayano=55ولمن خاف مقام ربه جنتان } . وهؤلاء هم أهل الفلاح المذكورون في قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=2أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون } . وهم " المؤمنون " وهم " المتقون " المذكورون في قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=2الم } {
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=2ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين } كما قال في آية البر : {
nindex.php?page=tafseer&surano=186&ayano=2أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون } .
وهؤلاء هم المتبعون للكتاب كما في قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=2491&ayano=20فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى } . وإذا لم يضل فهو متبع مهتد
[ ص: 21 ] وإذا لم يشق فهو مرحوم . وهؤلاء هم أهل الصراط المستقيم الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين غير المغضوب عليهم ولا الضالين . فإن أهل الرحمة ليسوا مغضوبا عليهم . وأهل الهدى ليسوا ضالين فتبين أن أهل رهبة الله يكونون متقين لله مستحقين لجنته بلا عذاب . وهؤلاء هم الذين أتوا بالإيمان الواجب . ومما يدل على هذا المعنى
nindex.php?page=treesubj&link=19997_19981_18471_20006_29550_29006قوله تعالى { nindex.php?page=tafseer&surano=3723&ayano=35إنما يخشى الله من عباده العلماء } والمعنى أنه لا يخشاه إلا عالم ; فقد أخبر الله أن كل من خشي الله فهو عالم كما قال في الآية الأخرى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4106&ayano=39أم من هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون } . والخشية أبدا متضمنة للرجاء ولولا ذلك لكانت قنوطا ; كما أن الرجاء يستلزم الخوف ولولا ذلك لكان أمنا ; فأهل الخوف لله والرجاء له هم أهل العلم الذين مدحهم الله . وقد روي عن
أبي حيان التيمي أنه قال : " العلماء ثلاثة " . فعالم بالله ليس عالما بأمر الله ، وعالم بأمر الله ليس عالما بالله ، وعالم بالله عالم بأمر الله . فالعالم بالله هو الذي يخافه والعالم بأمر الله هو الذي يعلم أمره ونهيه . وفي " الصحيح " عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=57208والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله وأعلمكم بحدوده } . وإذا كان أهل الخشية هم العلماء الممدوحون في الكتاب والسنة لم يكونوا مستحقين للذم وذلك لا يكون إلا مع فعل الواجبات ويدل عليه قوله تعالى :
[ ص: 22 ] {
nindex.php?page=tafseer&surano=1777&ayano=14فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1778&ayano=14ولنسكننكم الأرض من بعدهم ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد } . وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5002&ayano=55ولمن خاف مقام ربه جنتان } . فوعد بنصر الدنيا وبثواب الآخرة لأهل الخوف وذلك إنما يكون لأنهم أدوا الواجب فدل على أن الخوف يستلزم فعل الواجب ; ولهذا يقال للفاجر : لا يخاف الله . ويدل على هذا المعنى قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=514&ayano=4إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب } .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=11873أبو العالية : سألت أصحاب
محمد عن هذه الآية فقالوا لي : كل من عصى الله فهو جاهل وكل من تاب قبل الموت فقد تاب من قريب وكذلك قال سائر المفسرين . . قال
مجاهد : كل عاص فهو جاهل حين معصيته وقال
الحسن وقتادة وعطاء والسدي وغيرهم : إنما سموا جهالا لمعاصيهم لا أنهم غير مميزين . وقال
الزجاج : ليس معنى الآية أنهم يجهلون أنه سوء ; لأن المسلم لو أتى ما يجهله كان كمن لم يواقع سوءا ; وإنما يحتمل أمرين . ( أحدهما ) : أنهم عملوه وهم يجهلون المكروه فيه . والثاني : أنهم أقدموا على بصيرة وعلم بأن عاقبته مكروهة وآثروا العاجل على الآجل ; فسموا جهالا لإيثارهم القليل على الراحة الكثيرة والعافية الدائمة . فقد جعل
الزجاج " الجهل " إما عدم العلم بعاقبة الفعل وإما فساد الإرادة ; وقد يقال : هما متلازمان وهذا مبسوط في الكلام مع
الجهمية . والمقصود هنا أن كل عاص لله فهو جاهل ، وكل خائف منه فهو عالم
[ ص: 23 ] مطيع لله ; وإنما يكون جاهلا لنقص خوفه من الله إذ لو تم خوفه من الله لم يعص . ومنه قول
ابن مسعود رضي الله عنه كفى بخشية الله علما وكفى بالاغترار بالله جهلا . وذلك لأن تصور المخوف يوجب الهرب منه وتصور المحبوب يوجب طلبه فإذا لم يهرب من هذا ولم يطلب هذا ; دل على أنه لم يتصوره تصورا تاما ; ولكن قد يتصور الخبر عنه ، وتصور الخبر وتصديقه وحفظ حروفه غير تصور المخبر عنه . وكذلك إذا لم يكن المتصور محبوبا له ولا مكروها ; فإن الإنسان يصدق بما هو مخوف على غيره ومحبوب لغيره ولا يورثه ذلك هربا ولا طلبا . وكذلك إذا أخبر بما هو محبوب له ومكروه ولم يكذب المخبر بل عرف صدقه ; لكن قلبه مشغول بأمور أخرى عن تصور ما أخبر به ; فهذا لا يتحرك للهرب ولا للطلب . وفي الكلام المعروف عن
الحسن البصري ويروى مرسلا عن النبي صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596171العلم علمان فعلم في القلب وعلم على اللسان . فعلم القلب هو العلم النافع ; وعلم اللسان حجة الله على عباده } .
وقد أخرجا في " الصحيحين " عن
أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=34930مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة طعمها طيب وريحها طيب . ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مثل التمرة طعمها طيب ولا ريح لها . ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن مثل الحنظلة طعمها مر ولا ريح لها } . وهذا المنافق الذي يقرأ القرآن يحفظه ويتصور معانيه وقد يصدق أنه
[ ص: 24 ] كلام الله وأن الرسول حق . ولا يكون مؤمنا . كما أن
اليهود يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وليسوا مؤمنين وكذلك إبليس
وفرعون وغيرهما . لكن من كان كذلك ; لم يكن حصل له العلم التام والمعرفة التامة فإن ذلك يستلزم العمل بموجبه لا محالة ; ولهذا صار يقال لمن لم يعمل بعلمه : إنه جاهل كما تقدم . وكذلك لفظ " العقل " - وإن كان هو في الأصل : مصدر عقل يعقل عقلا وكثير من
النظار جعله من جنس العلوم - فلا بد أن يعتبر مع ذلك أنه علم يعمل بموجبه فلا يسمى " عاقلا " إلا من عرف الخير فطلبه والشر فتركه ; ولهذا قال أصحاب النار : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5318&ayano=67لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير } . وقال عن المنافقين : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5199&ayano=59تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون } . ومن فعل ما يعلم أنه يضره ; فمثل هذا ما له عقل . فكما أن
nindex.php?page=treesubj&link=19995_29486_19981الخوف من الله يستلزم العلم به ; فالعلم به يستلزم خشيته وخشيته تستلزم طاعته . فالخائف من الله ممتثل لأوامره مجتنب لنواهيه وهذا هو الذي قصدنا بيانه أولا . ويدل على ذلك أيضا قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=6044&ayano=87فذكر إن نفعت الذكرى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6045&ayano=87سيذكر من يخشى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6046&ayano=87ويتجنبها الأشقى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6047&ayano=87الذي يصلى النار الكبرى } . فأخبر أن من يخشاه يتذكر ، والتذكر هنا مستلزم لعبادته قال الله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4186&ayano=40هو الذي يريكم آياته وينزل لكم من السماء رزقا وما يتذكر إلا من ينيب } . وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4688&ayano=50تبصرة وذكرى لكل عبد منيب } .
ولهذا قالوا في قوله
[ ص: 25 ] {
nindex.php?page=tafseer&surano=6045&ayano=87سيذكر من يخشى } سيتعظ بالقرآن من يخشى الله . وفي قوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=4186&ayano=40وما يتذكر إلا من ينيب } إنما يتعظ من يرجع إلى الطاعة . وهذا لأن التذكر التام يستلزم التأثر بما تذكره ; فإن تذكر محبوبا طلبه وإن تذكر مرهوبا هرب منه ومنه قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=3751&ayano=2سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون } . وقال سبحانه : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3752&ayano=36إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب } . فنفى الإنذار عن غير هؤلاء مع قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3751&ayano=2سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون } . فأثبت لهم الإنذار من وجه ونفاه عنهم من وجه ; فإن الإنذار هو الإعلام بالمخوف . فالإنذار مثل التعليم والتخويف فمن علمته فتعلم فقد تم تعليمه وآخر يقول : علمته فلم يتعلم . وكذلك من خوفته فخاف فهذا هو الذي تم تخويفه . وأما من خوف فما خاف ; فلم يتم تخويفه . وكذلك من هديته فاهتدى ; تم هداه ومنه قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=2هدى للمتقين } . ومن هديته فلم يهتد - كما قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4276&ayano=41وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى } - فلم يتم هداه كما تقول : قطعته فانقطع وقطعته فما انقطع . فالمؤثر التام يستلزم أثره : فمتى لم يحصل أثره لم يكن تاما والفعل إذا صادف محلا قابلا تم وإلا لم يتم . والعلم بالمحبوب يورث طلبه والعلم بالمكروه يورث تركه ; ولهذا يسمى هذا العلم : الداعي ويقال : الداعي مع القدرة يستلزم وجود المقدور ، وهو العلم بالمطلوب المستلزم لإرادة المعلوم المراد ، وهذا كله إنما يحصل مع صحة الفطرة وسلامتها وأما مع فسادها فقد يحس الإنسان باللذيذ فلا يجد له لذة بل يؤلمه ، وكذلك يلتذ بالمؤلم لفساد الفطرة ، والفساد
[ ص: 26 ] يتناول القوة العلمية والقوة العملية جميعا كالممرور الذي يجد العسل مرا : فإنه فسد نفس إحساسه حتى كان يحس به على خلاف ما هو عليه للمرة التي مازجته وكذلك من فسد باطنه قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=904&ayano=6وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=905&ayano=6ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون } . وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5229&ayano=61فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم } . وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=652&ayano=4وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم } . وقال في الآية الأخرى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=97&ayano=2وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم الله بكفرهم } .
و " الغلف " : جمع أغلف وهو ذو الغلاف الذي في غلاف مثل الأقلف كأنهم جعلوا المانع خلقة أي خلقت القلوب وعليها أغطية فقال الله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=97&ayano=2بل لعنهم الله بكفرهم } و {
nindex.php?page=tafseer&surano=652&ayano=4طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا } . وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4608&ayano=47ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفا أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم } . وكذلك قالوا : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1575&ayano=11يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول } قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1191&ayano=8ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم } أي لأفهمهم ما سمعوه . ثم قال : ولو أفهمهم مع هذه الحال التي هم عليها {
nindex.php?page=tafseer&surano=1191&ayano=8لتولوا وهم معرضون } فقد فسدت فطرتهم فلم يفهموا ولو فهموا لم يعملوا . فنفى عنهم صحة القوة العلمية وصحة القوة العملية وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2924&ayano=25أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا } . وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1140&ayano=7ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون } . وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=180&ayano=2ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون } وقال عن المنافقين : {
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=2صم بكم عمي فهم لا يرجعون } . ومن الناس من يقول : لما لم ينتفعوا بالسمع والبصر والنطق ; جعلوا صما بكما عميا أو لما أعرضوا عن السمع والبصر والنطق صاروا كالصم العمي البكم وليس كذلك ; بل نفس قلوبهم عميت وصمت وبكمت كما قال الله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2663&ayano=22فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور } " والقلب " هو الملك والأعضاء جنوده وإذا صلح صلح سائر الجسد وإذا فسد فسد سائر الجسد فيبقى يسمع بالأذن الصوت كما تسمع البهائم ، والمعنى : لا يفقهه وإن فقه بعض الفقه لم يفقه فقها تاما فإن الفقه التام يستلزم تأثيره في القلب محبة المحبوب وبغض المكروه ; فمتى لم يحصل هذا لم يكن التصور التام حاصلا فجاز نفيه لأن ما لم يتم ينفى كقوله للذي أساء في صلاته : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596172صل فإنك لم تصل } . فنفى الإيمان حيث نفى من هذا الباب .
وَأَمَّا قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1170&ayano=8الَّذِينَ إذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إيمَانًا } . فَيُقَالُ :
nindex.php?page=treesubj&link=17406_19891_19898_24411مِنْ أَحْوَالِ الْقَلْبِ وَأَعْمَالِهِ مَا يَكُونُ مِنْ لَوَازِمِ الْإِيمَانِ الثَّابِتَةِ فِيهِ بِحَيْثُ إذَا كَانَ الْإِنْسَانُ مُؤْمِنًا ; لَزِمَ ذَلِكَ بِغَيْرِ قَصْدٍ مِنْهُ وَلَا تَعَمُّدٍ لَهُ
[ ص: 17 ] وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ ; دَلَّ عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ الْوَاجِبَ لَمْ يَحْصُلْ فِي الْقَلْبِ وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5184&ayano=58لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ } . فَأَخْبَرَ أَنَّك لَا تَجِدُ مُؤْمِنًا يُوَادُّ الْمُحَادِّينَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّ نَفْسَ الْإِيمَانِ يُنَافِي مُوَادَّتَهُ كَمَا يَنْفِي أَحَدُ الضِّدَّيْنِ الْآخَرَ فَإِذَا وُجِدَ الْإِيمَانُ انْتَفَى ضِدُّهُ وَهُوَ
nindex.php?page=treesubj&link=28802مُوَالَاةُ أَعْدَاءِ اللَّهِ فَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ يُوَالِي أَعْدَاءَ اللَّهِ بِقَلْبِهِ ; كَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ قَلْبَهُ لَيْسَ فِيهِ الْإِيمَانُ الْوَاجِبُ . وَمِثْلُهُ قَوْله تَعَالَى فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=754&ayano=5تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=755&ayano=5وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ } . فَذَكَرَ " جُمْلَةً شَرْطِيَّةً " تَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ وُجِدَ الْمَشْرُوطُ بِحَرْفِ " لَوْ " الَّتِي تَقْتَضِي مَعَ الشَّرْطِ انْتِفَاءَ الْمَشْرُوطِ فَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=755&ayano=5وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ } . فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ الْمَذْكُورَ يَنْفِي اتِّخَاذَهُمْ أَوْلِيَاءَ وَيُضَادُّهُ وَلَا يَجْتَمِعُ الْإِيمَانُ وَاِتِّخَاذُهُمْ أَوْلِيَاءَ فِي الْقَلْبِ . وَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَنْ اتَّخَذَهُمْ أَوْلِيَاءَ ; مَا فَعَلَ الْإِيمَانَ الْوَاجِبَ مِنْ الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إلَيْهِ . وَمِثْلُهُ قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=725&ayano=5لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } . فَإِنَّهُ أَخْبَرَ فِي تِلْكَ الْآيَاتِ أَنَّ مُتَوَلِّيَهُمْ لَا يَكُونُ
[ ص: 18 ] مُؤْمِنًا . وَأَخْبَرَ هُنَا أَنَّ مُتَوَلِّيَهُمْ هُوَ مِنْهُمْ ; فَالْقُرْآنُ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4120&ayano=39اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ } الْآيَةَ .
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2877&ayano=24إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ } دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الذَّهَابَ الْمَذْكُورَ بِدُونِ اسْتِئْذَانِهِ لَا يَجُوزُ وَأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ لَا يَذْهَبَ حَتَّى يَسْتَأْذِنَ فَمَنْ ذَهَبَ وَلَمْ يَسْتَأْذِنْ كَانَ قَدْ تَرَكَ بَعْضَ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ الْإِيمَانِ ; فَلِهَذَا نَفَى عَنْهُ الْإِيمَانَ فَإِنَّ حَرْفَ " إنَّمَا " تَدُلُّ عَلَى إثْبَاتِ الْمَذْكُورِ وَنَفْيِ غَيْرِهِ . وَمِنْ الْأُصُولِيِّينَ مَنْ يَقُولُ : إنَّ " إنَّ " لِلْإِثْبَاتِ وَ " مَا " لِلنَّفْيِ فَإِذَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا دَلَّتْ عَلَى النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ وَمَنْ يَتَكَلَّمُ فِي ذَلِكَ بِعِلْمِ ، فَإِنَّ " مَا " هَذِهِ هِيَ الْكَافَّةُ الَّتِي تَدْخُلُ عَلَى إنَّ وَأَخَوَاتِهَا فَتَكُفُّهَا عَنْ الْعَمَلِ ; لِأَنَّهَا إنَّمَا تَعْمَلُ إذَا اخْتَصَّتْ بِالْجُمَلِ الِاسْمِيَّةِ فَلَمَّا كُفَّتْ بَطَلَ عَمَلُهَا وَاخْتِصَاصُهَا فَصَارَ يَلِيهَا الْجُمَلُ الْفِعْلِيَّةُ وَالِاسْمِيَّةُ ; فَتَغَيَّرَ مَعْنَاهَا وَعَمَلُهَا جَمِيعًا بِانْضِمَامِ " مَا " إلَيْهَا وَكَذَلِكَ " كَأَنَّمَا " وَغَيْرُهَا . وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=2862&ayano=24وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2863&ayano=24وَإِذَا دُعُوا إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2864&ayano=24وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إلَيْهِ مُذْعِنِينَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2865&ayano=24أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2866&ayano=24إنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إذَا دُعُوا إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } . فَإِنْ قِيلَ : إذَا كَانَ الْمُؤْمِنُ حَقًّا هُوَ الْفَاعِلَ لِلْوَاجِبَاتِ التَّارِكَ لِلْمُحَرَّمَاتِ : فَقَدْ قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1172&ayano=8أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا } وَلَمْ يَذْكُرْ إلَّا خَمْسَةَ أَشْيَاءَ . وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4676&ayano=49إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ } . وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2877&ayano=24إنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ } . قِيلَ عَنْ هَذَا جَوَابَانِ : ( أَحَدُهُمَا ) : أَنْ يَكُونَ مَا ذَكَرَ مُسْتَلْزِمًا لِمَا تَرَكَ ; فَإِنَّهُ ذَكَرَ وَجَلَ قُلُوبِهِمْ إذَا ذُكِرَ اللَّهُ ، وَزِيَادَةَ إيمَانِهِمْ إذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ مَعَ التَّوَكُّلِ عَلَيْهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَأْمُورِ بِهِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا ، وَكَذَلِكَ الْإِنْفَاقُ مِنْ الْمَالِ وَالْمَنَافِعِ ; فَكَانَ هَذَا مُسْتَلْزِمًا لِلْبَاقِي ; فَإِنَّ وَجَلَ الْقَلْبِ عِنْدَ ذِكْرِ اللَّهِ يَقْتَضِي خَشْيَتَهُ وَالْخَوْفَ مِنْهُ .
وَقَدْ فَسَّرُوا ( وَجِلَتْ ) بفرقت . وَفِي قِرَاءَةِ
ابْنِ مَسْعُودٍ : ( إذَا ذُكِرَ اللَّهُ فَرِقَتْ قُلُوبُهُمْ ) . وَهَذَا صَحِيحٌ ; فَإِنَّ " الْوَجَلَ فِي اللُّغَةِ " هُوَ الْخَوْفُ يُقَالُ : حُمْرَةُ الْخَجَلِ وَصُفْرَةُ الْوَجَلِ . وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=2756&ayano=23وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ } {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596170قَالَتْ عَائِشَةُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ الرَّجُلُ يَزْنِي وَيَسْرِقُ وَيَخَافُ أَنْ يُعَاقَبَ ؟ قَالَ : لَا يَا ابْنَةَ الصِّدِّيقِ هُوَ الرَّجُلُ يُصَلِّي وَيَصُومُ وَيَتَصَدَّقُ وَيَخَافُ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُ } . وَقَالَ
السدي فِي قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=1170&ayano=8الَّذِينَ إذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ } هُوَ
[ ص: 20 ] الرَّجُلُ يُرِيدُ أَنْ يَظْلِمَ أَوْ يَهُمَّ بِمَعْصِيَةِ فَيَنْزِعُ عَنْهُ . وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5831&ayano=79وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5832&ayano=79فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى }
nindex.php?page=treesubj&link=28686_20006_29486_19988_19979_29026وَقَوْلِهِ : { nindex.php?page=tafseer&surano=5002&ayano=55وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ } . قَالَ
مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ : هُوَ الرَّجُلُ يَهُمُّ بِالْمَعْصِيَةِ فَيَذْكُرُ مَقَامَهُ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ ; فَيَتْرُكُهَا خَوْفًا مِنْ اللَّهِ . وَإِذَا كَانَ " وَجَلُ الْقَلْبِ مِنْ ذِكْرِهِ " يَتَضَمَّنُ خَشْيَتَهُ وَمَخَافَتَهُ ; فَذَلِكَ يَدْعُو صَاحِبَهُ إلَى فِعْلِ الْمَأْمُورِ وَتَرْكِ الْمَحْظُورِ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16065سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ : لَيْسَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ أَغْلَظَ مِنْ الدَّعْوَى ، وَلَا طَرِيقٌ إلَيْهِ أَقْرَبَ مِنْ الِافْتِقَارِ ، وَأَصْلُ كُلِّ خَيْرٍ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ الْخَوْفُ مِنْ اللَّهِ . وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=1115&ayano=7وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ } . فَأَخْبَرَ أَنَّ الْهُدَى وَالرَّحْمَةَ لِلَّذِينَ يَرْهَبُونَ اللَّهَ . قَالَ
مُجَاهِدٌ وَإِبْرَاهِيمُ : هُوَ الرَّجُلُ يُرِيدُ أَنْ يُذْنِبَ الذَّنْبَ فَيَذْكُرَ مَقَامَ اللَّهِ فَيَدَعَ الذَّنْبَ . رَوَاهُ
ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا عَنْ
ابْنِ الْجَعْدِ عَنْ
شُعْبَةَ عَنْ
مَنْصُورٍ عَنْ هما فِي قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=5002&ayano=55وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ } . وَهَؤُلَاءِ هُمْ أَهْلُ الْفَلَاحِ الْمَذْكُورُونَ فِي قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=2أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } . وَهُمْ " الْمُؤْمِنُونَ " وَهُمْ " الْمُتَّقُونَ " الْمَذْكُورُونَ فِي قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=2الم } {
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=2ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ } كَمَا قَالَ فِي آيَةِ الْبِرِّ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=186&ayano=2أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ } .
وَهَؤُلَاءِ هُمْ الْمُتَّبِعُونَ لِلْكِتَابِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=2491&ayano=20فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى } . وَإِذَا لَمْ يَضِلَّ فَهُوَ مُتَّبِعٌ مُهْتَدٍ
[ ص: 21 ] وَإِذَا لَمْ يَشْقَ فَهُوَ مَرْحُومٌ . وَهَؤُلَاءِ هُمْ أَهْلُ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ . فَإِنَّ أَهْلَ الرَّحْمَةِ لَيْسُوا مَغْضُوبًا عَلَيْهِمْ . وَأَهْلُ الْهُدَى لَيْسُوا ضَالِّينَ فَتَبَيَّنَ أَنَّ أَهْلَ رَهْبَةِ اللَّهِ يَكُونُونَ مُتَّقِينَ لِلَّهِ مُسْتَحِقِّينَ لِجَنَّتِهِ بِلَا عَذَابٍ . وَهَؤُلَاءِ هُمْ الَّذِينَ أَتَوْا بِالْإِيمَانِ الْوَاجِبِ . وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى
nindex.php?page=treesubj&link=19997_19981_18471_20006_29550_29006قَوْله تَعَالَى { nindex.php?page=tafseer&surano=3723&ayano=35إنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ } وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَخْشَاهُ إلَّا عَالِمٌ ; فَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّ كُلَّ مَنْ خَشِيَ اللَّهَ فَهُوَ عَالِمٌ كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4106&ayano=39أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ } . وَالْخَشْيَةُ أَبَدًا مُتَضَمِّنَةٌ لِلرَّجَاءِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَتْ قُنُوطًا ; كَمَا أَنَّ الرَّجَاءَ يَسْتَلْزِمُ الْخَوْفَ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَ أَمْنًا ; فَأَهْلُ الْخَوْفِ لِلَّهِ وَالرَّجَاءِ لَهُ هُمْ أَهْلُ الْعِلْمِ الَّذِينَ مَدَحَهُمْ اللَّهُ . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ
أَبِي حَيَّانٍ التيمي أَنَّهُ قَالَ : " الْعُلَمَاءُ ثَلَاثَةٌ " . فَعَالِمٌ بِاَللَّهِ لَيْسَ عَالِمًا بِأَمْرِ اللَّهِ ، وَعَالِمٌ بِأَمْرِ اللَّهِ لَيْسَ عَالِمًا بِاَللَّهِ ، وَعَالِمٌ بِاَللَّهِ عَالِمٌ بِأَمْرِ اللَّهِ . فَالْعَالِمُ بِاَللَّهِ هُوَ الَّذِي يَخَافُهُ وَالْعَالِمُ بِأَمْرِ اللَّهِ هُوَ الَّذِي يَعْلَمُ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ . وَفِي " الصَّحِيحِ " عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=57208وَاَللَّهِ إنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَعْلَمَكُمْ بِحُدُودِهِ } . وَإِذَا كَانَ أَهْلُ الْخَشْيَةِ هُمْ الْعُلَمَاءُ الْمَمْدُوحُونَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لَمْ يَكُونُوا مُسْتَحِقِّينَ لِلذَّمِّ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا مَعَ فِعْلِ الْوَاجِبَاتِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى :
[ ص: 22 ] {
nindex.php?page=tafseer&surano=1777&ayano=14فَأَوْحَى إلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1778&ayano=14وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ } . وَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5002&ayano=55وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ } . فَوَعَدَ بِنَصْرِ الدُّنْيَا وَبِثَوَابِ الْآخِرَةِ لِأَهْلِ الْخَوْفِ وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ لِأَنَّهُمْ أَدَّوْا الْوَاجِبَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْخَوْفَ يَسْتَلْزِمُ فِعْلَ الْوَاجِبِ ; وَلِهَذَا يُقَالُ لِلْفَاجِرِ : لَا يَخَافُ اللَّهَ . وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=514&ayano=4إنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ } .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11873أَبُو الْعَالِيَةِ : سَأَلْت أَصْحَابَ
مُحَمَّدٍ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ فَقَالُوا لِي : كُلُّ مَنْ عَصَى اللَّهَ فَهُوَ جَاهِلٌ وَكُلُّ مَنْ تَابَ قَبْلَ الْمَوْتِ فَقَدْ تَابَ مِنْ قَرِيبٍ وَكَذَلِكَ قَالَ سَائِرُ الْمُفَسِّرِينَ . . قَالَ
مُجَاهِدٌ : كُلُّ عَاصٍ فَهُوَ جَاهِلٌ حِينَ مَعْصِيَتِهِ وَقَالَ
الْحَسَنُ وقتادة وَعَطَاءٌ والسدي وَغَيْرُهُمْ : إنَّمَا سُمُّوا جُهَّالًا لِمَعَاصِيهِمْ لَا أَنَّهُمْ غَيْرُ مُمَيِّزِينَ . وَقَالَ
الزَّجَّاجُ : لَيْسَ مَعْنَى الْآيَةِ أَنَّهُمْ يَجْهَلُونَ أَنَّهُ سُوءٌ ; لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَوْ أَتَى مَا يَجْهَلُهُ كَانَ كَمَنْ لَمْ يُوَاقِعْ سُوءًا ; وَإِنَّمَا يَحْتَمِلُ أَمْرَيْنِ . ( أَحَدُهُمَا ) : أَنَّهُمْ عَمِلُوهُ وَهُمْ يَجْهَلُونَ الْمَكْرُوهَ فِيهِ . وَالثَّانِي : أَنَّهُمْ أَقْدَمُوا عَلَى بَصِيرَةٍ وَعِلْمٍ بِأَنَّ عَاقِبَتَهُ مَكْرُوهَةٌ وَآثَرُوا الْعَاجِلَ عَلَى الْآجِلِ ; فَسُمُّوا جُهَّالًا لِإِيثَارِهِمْ الْقَلِيلَ عَلَى الرَّاحَةِ الْكَثِيرَةِ وَالْعَافِيَةِ الدَّائِمَةِ . فَقَدْ جَعَلَ
الزَّجَّاجُ " الْجَهْلَ " إمَّا عَدَمُ الْعِلْمِ بِعَاقِبَةِ الْفِعْلِ وَإِمَّا فَسَادُ الْإِرَادَةِ ; وَقَدْ يُقَالُ : هُمَا مُتَلَازِمَانِ وَهَذَا مَبْسُوطٌ فِي الْكَلَامِ مَعَ
الجهمية . وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ كُلَّ عَاصٍ لِلَّهِ فَهُوَ جَاهِلٌ ، وَكُلَّ خَائِفٍ مِنْهُ فَهُوَ عَالِمٌ
[ ص: 23 ] مُطِيعٌ لِلَّهِ ; وَإِنَّمَا يَكُونُ جَاهِلًا لِنَقْصِ خَوْفِهِ مِنْ اللَّهِ إذْ لَوْ تَمَّ خَوْفُهُ مِنْ اللَّهِ لَمْ يَعْصِ . وَمِنْهُ قَوْلُ
ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَفَى بِخَشْيَةِ اللَّهِ عِلْمًا وَكَفَى بِالِاغْتِرَارِ بِاَللَّهِ جَهْلًا . وَذَلِكَ لِأَنَّ تَصَوُّرَ الْمَخُوفِ يُوجِبُ الْهَرَبَ مِنْهُ وَتَصَوُّرَ الْمَحْبُوبِ يُوجِبُ طَلَبَهُ فَإِذَا لَمْ يَهْرُبْ مِنْ هَذَا وَلَمْ يَطْلُبْ هَذَا ; دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَتَصَوَّرْهُ تَصَوُّرًا تَامًّا ; وَلَكِنْ قَدْ يَتَصَوَّرُ الْخَبَرَ عَنْهُ ، وَتَصَوُّرُ الْخَبَرِ وَتَصْدِيقُهُ وَحِفْظُ حُرُوفِهِ غَيْرُ تَصَوُّرِ الْمُخْبَرِ عَنْهُ . وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمُتَصَوَّرُ مَحْبُوبًا لَهُ وَلَا مَكْرُوهًا ; فَإِنَّ الْإِنْسَانَ يُصَدِّقُ بِمَا هُوَ مَخُوفٌ عَلَى غَيْرِهِ وَمَحْبُوبٌ لِغَيْرِهِ وَلَا يُورِثُهُ ذَلِكَ هَرَبًا وَلَا طَلَبًا . وَكَذَلِكَ إذَا أُخْبِرَ بِمَا هُوَ مَحْبُوبٌ لَهُ وَمَكْرُوهٌ وَلَمْ يُكَذِّبْ الْمُخْبِرَ بَلْ عَرَفَ صِدْقَهُ ; لَكِنَّ قَلْبَهُ مَشْغُولٌ بِأُمُورِ أُخْرَى عَنْ تَصَوُّرِ مَا أُخْبِرَ بِهِ ; فَهَذَا لَا يَتَحَرَّكُ لِلْهَرَبِ وَلَا لِلطَّلَبِ . وَفِي الْكَلَامِ الْمَعْرُوفِ عَنْ
الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَيُرْوَى مُرْسَلًا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596171الْعِلْمُ عِلْمَانِ فَعِلْمٌ فِي الْقَلْبِ وَعِلْمٌ عَلَى اللِّسَانِ . فَعِلْمُ الْقَلْبِ هُوَ الْعِلْمُ النَّافِعُ ; وَعِلْمُ اللِّسَانِ حُجَّةُ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ } .
وَقَدْ أَخْرَجَا فِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْ
أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=34930مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ الْأُتْرُجَّةِ طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَرِيحُهَا طَيِّبٌ . وَمَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ التَّمْرَةِ طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَلَا رِيحَ لَهَا . وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ الرَّيْحَانَةِ رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ الْحَنْظَلَةِ طَعْمُهَا مُرٌّ وَلَا رِيحَ لَهَا } . وَهَذَا الْمُنَافِقُ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ يَحْفَظُهُ وَيَتَصَوَّرُ مَعَانِيَهُ وَقَدْ يُصَدِّقُ أَنَّهُ
[ ص: 24 ] كَلَامُ اللَّهِ وَأَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ . وَلَا يَكُونُ مُؤْمِنًا . كَمَا أَنَّ
الْيَهُودَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَلَيْسُوا مُؤْمِنِينَ وَكَذَلِكَ إبْلِيسُ
وَفِرْعَوْنُ وَغَيْرُهُمَا . لَكِنْ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ ; لَمْ يَكُنْ حَصَلَ لَهُ الْعِلْمُ التَّامُّ وَالْمَعْرِفَةُ التَّامَّةُ فَإِنَّ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ الْعَمَلَ بِمُوجِبِهِ لَا مَحَالَةَ ; وَلِهَذَا صَارَ يُقَالُ لِمَنْ لَمْ يَعْمَلْ بِعِلْمِهِ : إنَّهُ جَاهِلٌ كَمَا تَقَدَّمَ . وَكَذَلِكَ لَفْظُ " الْعَقْلِ " - وَإِنْ كَانَ هُوَ فِي الْأَصْلِ : مَصْدَرُ عَقَلَ يَعْقِلُ عَقْلًا وَكَثِيرٌ مِنْ
النُّظَّارِ جَعَلَهُ مِنْ جِنْسِ الْعُلُومِ - فَلَا بُدَّ أَنْ يُعْتَبَرَ مَعَ ذَلِكَ أَنَّهُ عِلْمٌ يُعْمَلُ بِمُوجِبِهِ فَلَا يُسَمَّى " عَاقِلًا " إلَّا مَنْ عَرَفَ الْخَيْرَ فَطَلَبَهُ وَالشَّرَّ فَتَرَكَهُ ; وَلِهَذَا قَالَ أَصْحَابُ النَّارِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5318&ayano=67لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ } . وَقَالَ عَنْ الْمُنَافِقِينَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5199&ayano=59تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ } . وَمَنْ فَعَلَ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ يَضُرُّهُ ; فَمِثْلُ هَذَا مَا لَهُ عَقْلٌ . فَكَمَا أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19995_29486_19981الْخَوْفَ مِنْ اللَّهِ يَسْتَلْزِمُ الْعِلْمَ بِهِ ; فَالْعِلْمُ بِهِ يَسْتَلْزِمُ خَشْيَتَهُ وَخَشْيَتُهُ تَسْتَلْزِمُ طَاعَتَهُ . فَالْخَائِفُ مِنْ اللَّهِ مُمْتَثِلٌ لِأَوَامِرِهِ مُجْتَنِبٌ لِنَوَاهِيهِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي قَصَدْنَا بَيَانَهُ أَوَّلًا . وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=6044&ayano=87فَذَكِّرْ إنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6045&ayano=87سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6046&ayano=87وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6047&ayano=87الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى } . فَأَخْبَرَ أَنَّ مَنْ يَخْشَاهُ يَتَذَكَّرُ ، وَالتَّذَكُّرُ هُنَا مُسْتَلْزِمٌ لِعِبَادَتِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4186&ayano=40هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إلَّا مَنْ يُنِيبُ } . وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4688&ayano=50تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ } .
وَلِهَذَا قَالُوا فِي قَوْلِهِ
[ ص: 25 ] {
nindex.php?page=tafseer&surano=6045&ayano=87سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى } سَيَتَّعِظُ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخْشَى اللَّهَ . وَفِي قَوْلِهِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=4186&ayano=40وَمَا يَتَذَكَّرُ إلَّا مَنْ يُنِيبُ } إنَّمَا يَتَّعِظُ مَنْ يَرْجِعُ إلَى الطَّاعَةِ . وَهَذَا لِأَنَّ التَّذَكُّرَ التَّامَّ يَسْتَلْزِمُ التَّأَثُّرَ بِمَا تَذَكَّرَهُ ; فَإِنْ تَذَكَّرَ مَحْبُوبًا طَلَبَهُ وَإِنْ تَذَكَّرَ مَرْهُوبًا هَرَبَ مِنْهُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=3751&ayano=2سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ } . وَقَالَ سُبْحَانَهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3752&ayano=36إنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ } . فَنَفَى الْإِنْذَارَ عَنْ غَيْرِ هَؤُلَاءِ مَعَ قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3751&ayano=2سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ } . فَأَثْبَتَ لَهُمْ الْإِنْذَارَ مِنْ وَجْهٍ وَنَفَاهُ عَنْهُمْ مِنْ وَجْهٍ ; فَإِنَّ الْإِنْذَارَ هُوَ الْإِعْلَامُ بِالْمَخُوفِ . فَالْإِنْذَارُ مِثْلُ التَّعْلِيمِ وَالتَّخْوِيفِ فَمَنْ عَلَّمْتَهُ فَتَعَلَّمَ فَقَدْ تَمَّ تَعْلِيمُهُ وَآخَرُ يَقُولُ : عَلَّمْتُهُ فَلَمْ يَتَعَلَّمْ . وَكَذَلِكَ مَنْ خَوَّفْتَهُ فَخَافَ فَهَذَا هُوَ الَّذِي تَمَّ تَخْوِيفُهُ . وَأَمَّا مَنْ خُوِّفَ فَمَا خَافَ ; فَلَمْ يَتِمَّ تَخْوِيفُهُ . وَكَذَلِكَ مَنْ هَدَيْتَهُ فَاهْتَدَى ; تَمَّ هُدَاهُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=2هُدًى لِلْمُتَّقِينَ } . وَمَنْ هَدَيْتَهُ فَلَمْ يَهْتَدِ - كَمَا قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4276&ayano=41وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى } - فَلَمْ يَتِمَّ هُدَاهُ كَمَا تَقُولُ : قَطَّعْتُهُ فَانْقَطَعَ وَقَطَّعْتُهُ فَمَا انْقَطَعَ . فَالْمُؤَثِّرُ التَّامُّ يَسْتَلْزِمُ أَثَرَهُ : فَمَتَى لَمْ يَحْصُلْ أَثَرُهُ لَمْ يَكُنْ تَامًّا وَالْفِعْلُ إذَا صَادَفَ مَحَلًّا قَابِلًا تَمَّ وَإِلَّا لَمْ يَتِمَّ . وَالْعِلْمُ بِالْمَحْبُوبِ يُورِثُ طَلَبَهُ وَالْعِلْمُ بِالْمَكْرُوهِ يُورِثُ تَرْكَهُ ; وَلِهَذَا يُسَمَّى هَذَا الْعِلْمُ : الدَّاعِيَ وَيُقَالُ : الدَّاعِي مَعَ الْقُدْرَةِ يَسْتَلْزِمُ وُجُودَ الْمَقْدُورِ ، وَهُوَ الْعِلْمُ بِالْمَطْلُوبِ الْمُسْتَلْزِمِ لِإِرَادَةِ الْمَعْلُومِ الْمُرَادِ ، وَهَذَا كُلُّهُ إنَّمَا يَحْصُلُ مَعَ صِحَّةِ الْفِطْرَةِ وَسَلَامَتِهَا وَأَمَّا مَعَ فَسَادِهَا فَقَدْ يُحِسُّ الْإِنْسَانُ بِاللَّذِيذِ فَلَا يَجِدُ لَهُ لَذَّةً بَلْ يُؤْلِمُهُ ، وَكَذَلِكَ يَلْتَذُّ بِالْمُؤْلِمِ لِفَسَادِ الْفِطْرَةِ ، وَالْفَسَادُ
[ ص: 26 ] يَتَنَاوَلُ الْقُوَّةَ الْعِلْمِيَّةَ وَالْقُوَّةَ الْعَمَلِيَّةَ جَمِيعًا كَالْمَمْرُورِ الَّذِي يَجِدُ الْعَسَلَ مُرًّا : فَإِنَّهُ فَسَدَ نَفْسُ إحْسَاسِهِ حَتَّى كَانَ يُحِسُّ بِهِ عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ عَلَيْهِ لِلْمَرَّةِ الَّتِي مَازَجَتْهُ وَكَذَلِكَ مَنْ فَسَدَ بَاطِنُهُ قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=904&ayano=6وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=905&ayano=6وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } . وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5229&ayano=61فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ } . وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=652&ayano=4وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ } . وَقَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=97&ayano=2وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ } .
وَ " الْغُلْفُ " : جَمْعُ أَغْلَفَ وَهُوَ ذُو الْغِلَافِ الَّذِي فِي غِلَافٍ مِثْلِ الْأَقْلَفِ كَأَنَّهُمْ جَعَلُوا الْمَانِعَ خِلْقَةً أَيْ خُلِقَتْ الْقُلُوبُ وَعَلَيْهَا أَغْطِيَةٌ فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=97&ayano=2بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ } و {
nindex.php?page=tafseer&surano=652&ayano=4طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إلَّا قَلِيلًا } . وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4608&ayano=47وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إلَيْكَ حَتَّى إذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ } . وَكَذَلِكَ قَالُوا : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1575&ayano=11يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ } قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1191&ayano=8وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ } أَيْ لَأَفْهَمَهُمْ مَا سَمِعُوهُ . ثُمَّ قَالَ : وَلَوْ أَفْهَمَهُمْ مَعَ هَذِهِ الْحَالِ الَّتِي هُمْ عَلَيْهَا {
nindex.php?page=tafseer&surano=1191&ayano=8لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ } فَقَدْ فَسَدَتْ فِطْرَتُهُمْ فَلَمْ يَفْهَمُوا وَلَوْ فَهِمُوا لَمْ يَعْمَلُوا . فَنَفَى عَنْهُمْ صِحَّةَ الْقُوَّةِ الْعِلْمِيَّةِ وَصِحَّةَ الْقُوَّةِ الْعَمَلِيَّةِ وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2924&ayano=25أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إنْ هُمْ إلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا } . وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1140&ayano=7وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ } . وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=180&ayano=2وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ } وَقَالَ عَنْ الْمُنَافِقِينَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=2صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ } . وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ : لَمَّا لَمْ يَنْتَفِعُوا بِالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالنُّطْقِ ; جُعِلُوا صُمًّا بُكْمًا عُمْيًا أَوْ لَمَّا أَعْرَضُوا عَنْ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالنُّطْقِ صَارُوا كَالصُّمِّ الْعُمْيِ الْبُكْمِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ; بَلْ نَفْسُ قُلُوبِهِمْ عَمِيَتْ وَصَمَّتْ وَبَكِمَتْ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2663&ayano=22فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ } " وَالْقَلْبُ " هُوَ الْمَلِكُ وَالْأَعْضَاءُ جُنُودُهُ وَإِذَا صَلَحَ صَلَحَ سَائِرُ الْجَسَدِ وَإِذَا فَسَدَ فَسَدَ سَائِرُ الْجَسَدِ فَيَبْقَى يَسْمَعُ بِالْأُذُنِ الصَّوْتَ كَمَا تَسْمَعُ الْبَهَائِمُ ، وَالْمَعْنَى : لَا يَفْقَهُهُ وَإِنْ فَقِهَ بَعْضَ الْفِقْهِ لَمْ يَفْقَهْ فِقْهًا تَامًّا فَإِنَّ الْفِقْهَ التَّامَّ يَسْتَلْزِمُ تَأْثِيرُهُ فِي الْقَلْبِ مَحَبَّةَ الْمَحْبُوبِ وَبُغْضَ الْمَكْرُوهِ ; فَمَتَى لَمْ يَحْصُلْ هَذَا لَمْ يَكُنْ التَّصَوُّرُ التَّامُّ حَاصِلًا فَجَازَ نَفْيُهُ لِأَنَّ مَا لَمْ يَتِمَّ يُنْفَى كَقَوْلِهِ لِلَّذِي أَسَاءَ فِي صَلَاتِهِ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596172صَلِّ فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ } . فَنَفَى الْإِيمَانَ حَيْثُ نَفَى مِنْ هَذَا الْبَابِ .