فصل وأما . كما قال : ( { ميراث الأخوات مع البنات : وأنهن عصبة وله أخت } - الذي هو قول جمهور الصحابة والعلماء - فقد دل عليه القرآن والسنة أيضا فإن قوله تعالى { يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد } . فدل على أن الأخت ترث النصف مع عدم الولد . وأنه هو يرث المال كله مع عدم ولدها . وذلك يقتضي أن الأخت مع الولد لا يكون لها النصف مما ترك ; إذ لو كان كذلك لكان لها النصف سواء كان له ولد أو لم يكن له فكان ذكر الولد تدليسا وعبثا مضرا وكلام الله منزه عن ذلك . ومن هذا قوله تعالى { ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك } وقوله { فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث } وإذا علم أنها مع الولد لا ترث النصف فالولد إما ذكر وإما أنثى .
[ ص: 347 ] أما الذكر فإنه يسقطها كما يسقط الأخ بطريق الأولى ; بدليل قوله : { وهو يرثها إن لم يكن لها ولد } فلم يثبت له الإرث المطلق إلا إذا لم يكن لها ولد والإرث المطلق هو حوز جميع المال فدل ذلك على أنه إذا كان لها ولد لم يحز المال ; بل : إما أن يسقط وإما أن يأخذ بعضه . فيبقى إذا كان لها ولد : فإما ابن وإما بنت . والقرآن قد بين أن البنت إنما تأخذ النصف فدل على أن البنت لا تمنعه النصف الآخر ; إذا لم يكن إلا بنت وأخ . ولما كان فتيا الله إنما هو في الكلالة ; : علم أن من ليس له ولد ووالد ليس هذا حكمه . ولما كان قد بين تعالى أن الأخ يحوز المال - مال الأخت - فيكون لها عصبة ; كان الأب أن يكون له عصبة بطريق الأولى ; وإذا كان الأب والأخ عصبة فالابن بطريق الأولى . وقد قال تعالى : { والكلالة من لا والد له ولا ولد ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون } ودل أيضا قول النبي صلى الله عليه وسلم { } أن ما بقي بعد الفرائض لا يرثه إلا العصبة وقد علم أن الابن أقرب ثم الأب ; ثم الجد ; ثم الإخوة . ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر
وقضى النبي صلى الله عليه وسلم أن أولاد بني الأم يتوارثون ; دون بني العلات . فالأخ للأبوين أولى من الأخ للأب وابن الابن يقوم مقام الابن وكذلك كل بني أب أدنى هم أقرب من بني الأب الذي هو أعلى منه وأقر بهم إلى الأب الأعلى [ ص: 348 ] فهو أقرب إلى الميت . وإذا استويا في الدرجة فمن كان لأبوين أولى ممن كان للأب . فلما دل القرآن على أن للأخت النصف مع عدم الولد . وأنه مع ذكور ولد يكون الابن عاصبا يحجب الأخت ; كما يحجب أخاها . بقي الأخت مع إناث الولد : ليس في القرآن ما ينفي ميراث الأخت في هذه الحال . بقي مع البنت : إما أن تسقط ; وإما أن يكون لها النصف وإما أن تكون عصبة . ولا وجه لسقوطها ; فإنها لا تزاحم البنت . وأخوها لا يسقط . فلا تسقط هي ولو سقطت بمن هو أبعد منها من الأقارب والبعيد لا يسقط القريب ولأنها كانت تساوي البنت مع اجتماعهما والبنت أولى منها فلا تساوى بها ; فإنه لو فرض لها النصف لنقصت البنت عن النصف كزوج وبنت فلو فرض لها النصف لعالت فنقصت البنت عن النصف والإخوة لا يزاحمون الأولاد بفرض ولا تعصيب ; فإن الأولاد أولى منهم .
والله إنما أعطاها النصف إذا كان الميت كلالة . فلما بطل سقوطها وفرضها لم يبق إلا أن تكون عصبة أولى من البعيد كالعم وابن العم وهذا قول الجمهور . وقد دل عليه حديث البخاري { ابن مسعود لما ذكر له أن أبا موسى وسلمان بن ربيعة قالا : في بنت وبنت ابن . وأخت : للبنت النصف [ ص: 349 ] وللأخت النصف وائت ابن مسعود فإنه سيتابعنا . فقال : لقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين لأقضين فيها بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم للبنت النصف وبنت الابن السدس تكملة الثلثين . وما بقي للأخت } فدل ذلك أن عن والأخت تكون عصبة بغيرها وهو أخوها فلا يمتنع أن تكون عصبة مع البنت . وقوله صلى الله عليه وسلم { الأخوات مع البنات عصبة } فهذا عام خص منه المعتقة والملاعنة والملتقطة ; لقوله صلى الله عليه وسلم { ألحقوا الفرائض بأهلها إلخ } وإذا كان عاما مخصوصا : خصت منه هذه الصورة بما ذكر من الأدلة . تحوز المرأة ثلاث مواريث : عتيقها ولقيطها وولدها الذي لاعنت عليه