وإذا كان هذا حد كل عمل صالح : فالآمر بالمعروف والناهي عن المنكر يجب أن يكون هكذا في حق نفسه ولا يكون عمله صالحا إن لم يكن بعلم وفقه وكما قال : من عبد الله بغير علم [ ص: 136 ] كان ما يفسد أكثر مما يصلح . وكما في حديث عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه { معاذ بن جبل العلم إمام العمل والعمل تابعه } وهذا ظاهر فإن القصد والعمل إن لم يكن بعلم كان جهلا وضلالا واتباعا للهوى كما تقدم وهذا هو الفرق بين أهل الجاهلية وأهل الإسلام . . ومن الصلاح أن يأتي بالأمر والنهي بالصراط المستقيم وهو أقرب الطرق إلى حصول المقصود . فلا بد من العلم بالمعروف والمنكر والتمييز بينهما . ولا بد من العلم بحال المأمور والمنهي
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم { ولا بد في ذلك من الرفق
} ما كان الرفق في شيء إلا زانه ; ولا كان العنف في شيء إلا شانه وقال : إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله ويعطي عليه ما لا يعطي على العنف . ; فإنه لا بد أن يحصل له أذى ; فإن لم يحلم ويصبر كان ما يفسد أكثر مما يصلح . كما قال ولا بد أيضا أن يكون حليما صبورا على الأذى لقمان لابنه : { وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور } ولهذا أمر الله الرسل - وهم أئمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - بالصبر كقوله لخاتم الرسل ; بل ذلك مقرون بتبليغ الرسالة . فإنه أول ما أرسل أنزلت عليه سورة { يا أيها المدثر } بعد أن أنزلت عليه سورة . اقرأ التي بها نبئ [ ص: 137 ] فقال : { يا أيها المدثر } { قم فأنذر } { وربك فكبر } { وثيابك فطهر } { والرجز فاهجر } { ولا تمنن تستكثر } { ولربك فاصبر } فافتتح آيات الإرسال إلى الخلق بالأمر بالنذارة وختمها بالأمر بالصبر ونفس الإنذار أمر بالمعروف ونهي عن المنكر . فعلم أنه يجب بعد ذلك الصبر وقال : { واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا } وقال تعالى : { واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا } { فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل } { فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت } { واصبر وما صبرك إلا بالله } { واصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين } .
; العلم قبل الأمر والنهي ; والرفق معه والصبر بعده وإن كان كل من الثلاثة مستصحبا في هذه الأحوال ; وهذا كما جاء في الأثر عن بعض فلا بد من هذه الثلاثة : العلم ; والرفق ; والصبر السلف ورووه مرفوعا ; ذكره في المعتمد : " لا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إلا من كان فقيها فيما يأمر به ; فقيها فيما ينهى عنه ; رفيقا فيما يأمر به ; رفيقا فيما ينهى عنه ; حليما فيما يأمر به حليما فيما ينهى عنه " . القاضي أبو يعلى
وليعلم أن الأمر بهذه الخصال في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مما يوجب صعوبة على كثير من النفوس ; فيظن أنه بذلك يسقط عنه فيدعه ; وذلك مما يضره أكثر مما يضره الأمر بدون هذه الخصال أو [ ص: 138 ] أقل : فإن ترك الأمر الواجب معصية : فالمنتقل من معصية إلى معصية أكبر منها كالمستجير من الرمضاء بالنار والمنتقل من معصية إلى معصية كالمنتقل من دين باطل إلى دين باطل ; وقد يكون الثاني شرا من الأول : وقد يكون دونه ; وقد يكونان سواء ; فهكذا تجد المقصر في الأمر والنهي والمعتدي فيه قد يكون ذنب هذا أعظم : وقد يكون ذنب هذا أعظم ; وقد يكونان سواء .