[ ص: 363 ] وقال شيخ الإسلام : قدس الله روحه بسم الله الرحمن الرحيم من
أحمد ابن تيمية إلى من يصل إليه هذا الكتاب من المسلمين المنتسبين إلى السنة والجماعة ; المنتمين إلى جماعة الشيخ العارف القدوة .
" أبي البركات عدي بن مسافر الأموي " - رحمه الله - ومن نحا نحوهم - وفقهم الله لسلوك سبيله وأعانهم على طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم وجعلهم معتصمين بحبله المتين ; مهتدين لصراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وجنبهم طريق أهل الضلال والاعوجاج ; الخارجين عما بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم من الشرعة والمنهاج ; حتى يكونوا ممن أعظم الله عليهم المنة ; بمتابعة الكتاب والسنة .
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
وبعد : فإنا نحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو وهو للحمد أهل ; وهو
[ ص: 364 ] على كل شيء قدير .
ونسأله أن يصلي على خاتم النبيين وسيد ولد آدم - صلى الله عليه وسلم - وأكرم الخلق على ربه وأقربهم إليه زلفى ; وأعظمهم عنده درجة ; محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد : فإن الله بعث
محمدا صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا وأنزل عليه الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه وأكمل له ولأمته الدين وأتم عليهم النعمة وجعلهم خير أمة أخرجت للناس فهم يوفون سبعين أمة هم خيرها وأكرمها على الله .
وجعلهم أمة وسطا أي عدلا خيارا ولذلك جعلهم شهداء على الناس هداهم لما بعث به رسله جميعهم من الدين الذي شرعه لجميع خلقه ثم خصهم بعد ذلك بما ميزهم به وفضلهم من الشرعة والمنهاج الذي جعله لهم .
( فالأول مثل
nindex.php?page=treesubj&link=29428_28633 " أصول الإيمان " وأعلاها وأفضلها هو " التوحيد " وهو شهادة أن لا إله إلا الله ، كما قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2529&ayano=21وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1953&ayano=16ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4413&ayano=43واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4327&ayano=42شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2747&ayano=23يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2748&ayano=23وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون } .
ومثل
nindex.php?page=treesubj&link=28739_28746الإيمان بجميع كتب الله وجميع رسله كما قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=145&ayano=2قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون } ومثل قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=4329&ayano=42وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم } ومثل قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=294&ayano=2آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير } إلى آخرها .
ومثل
nindex.php?page=treesubj&link=28759الإيمان باليوم الآخر وما فيه من الثواب والعقاب كما أخبر عن إيمان من تقدم من مؤمني الأمم به حيث قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=2إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون } ومثل أصول الشرائع كما ذكر في سورة " الأنعام " و " الأعراف " و " سبحان " وغيرهن من السور المكية : من أمره بعبادته وحده لا شريك له وأمره ببر الوالدين وصلة الأرحام والوفاء بالعهود والعدل في المقال ; وتوفية الميزان والمكيال ; وإعطاء السائل والمحروم ; وتحريم قتل النفس بغير
[ ص: 366 ] الحق وتحريم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ; وتحريم الإثم والبغي بغير الحق وتحريم الكلام في الدين بغير علم ; مع ما يدخل في التوحيد من
nindex.php?page=treesubj&link=28678_28679_28686إخلاص الدين لله والتوكل على الله والرجاء لرحمة الله والخوف من الله والصبر لحكم الله والقيام لأمر الله ; وأن يكون الله ورسوله أحب إلى العبد من أهله وماله والناس أجمعين .
إلى غير ذلك من أصول الإيمان التي أنزل الله ذكرها في مواضع من القرآن كالسور المكية وبعض المدنية .
( وأما الثاني فما أنزله الله في السور المدنية من شرائع دينه وما سنه الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته ، فإن الله سبحانه أنزل عليه الكتاب والحكمة وامتن على المؤمنين بذلك وأمر أزواج نبيه بذكر ذلك فقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=610&ayano=4وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم } وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=460&ayano=3لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة } وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3600&ayano=33واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة } .
قال غير واحد من
السلف : الحكمة هي السنة .
لأن الذي كان يتلى في بيوت أزواجه رضي الله عنهن سوى القرآن هو سننه صلى الله عليه وسلم ولهذا قال صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=595463ألا وإني أوتيت الكتاب ومثله معه } وقال
حسان بن عطية : كان
جبريل عليه السلام ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم بالسنة كما ينزل بالقرآن فيعلمه إياها كما يعلمه القرآن .
[ ص: 367 ] وهذه " الشرائع " التي هدى الله بها هذا النبي وأمته مثل : الوجهة والمنسك والمنهاج وذلك مثل الصلوات الخمس في أوقاتها بهذا العدد وهذه القراءة والركوع والسجود واستقبال الكعبة .
ومثل فرائض الزكاة ونصبها التي فرضها في أموال المسلمين : من الماشية والحبوب والثمار والتجارة والذهب والفضة ومن جعلت له ; حيث يقول : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1304&ayano=9إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم } .
ومثل صيام شهر رمضان ومثل حج البيت الحرام ومثل الحدود التي حدها لهم : في المناكح والمواريث والعقوبات والمبايعات ومثل السنن التي سنها لهم : من الأعياد والجمعات والجماعات في المكتوبات والجماعات في الكسوف والاستسقاء وصلاة الجنازة والتراويح .
وما سنه لهم في العادات مثل : المطاعم والملابس والولادة والموت ونحو ذلك : من السنن والآداب والأحكام التي هي حكم الله ورسوله بينهم : في الدماء والأموال والأبضاع والأعراض والمنافع والأبشار وغير ذلك من الحدود والحقوق إلى غير ذلك مما شرعه لهم على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم
[ ص: 368 ] وحبب إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم ; فجعلهم متبعين لرسوله صلى الله عليه وسلم وعصمهم أن يجتمعوا على ضلالة كما ضلت الأمم قبلهم ; إذ كانت كل أمة إذا ضلت أرسل الله تعالى رسولا إليهم ; كما قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1953&ayano=16ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت } وقال تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=3719&ayano=35وإن من أمة إلا خلا فيها نذير } .
nindex.php?page=treesubj&link=28747ومحمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء لا نبي بعده فعصم الله أمته أن تجتمع على ضلالة .
وجعل فيها من تقوم به الحجة إلى يوم القيامة ، ولهذا كان إجماعهم حجة كما كان الكتاب والسنة حجة .
ولهذا امتاز أهل الحق من هذه الأمة والسنة والجماعة : عن أهل الباطل ; الذين يزعمون أنهم يتبعون الكتاب ويعرضون عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعما مضت عليه جماعة المسلمين .
فإن الله أمر في كتابه باتباع سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولزوم سبيله وأمر بالجماعة والائتلاف ونهى عن الفرقة والاختلاف فقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=577&ayano=4من يطع الرسول فقد أطاع الله } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=561&ayano=4وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=327&ayano=3قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=562&ayano=4فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما } .
وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=399&ayano=3واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا } وقال تعالى :
[ ص: 369 ] {
nindex.php?page=tafseer&surano=954&ayano=6إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=401&ayano=3ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6233&ayano=98وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=948&ayano=6وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله } وقال تعالى في أم الكتاب : {
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=1اهدنا الصراط المستقيم } {
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=1صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين } .
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=68982اليهود مغضوب عليهم والنصارى ضالون } .
فأمر سبحانه في " أم الكتاب " التي لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها والتي أعطيها نبينا صلى الله عليه وسلم من كنز تحت العرش التي لا تجزئ صلاة إلا بها : أن نسأله أن يهدينا الصراط المستقيم صراط الذين أنعم عليهم غير المغضوب عليهم :
كاليهود ولا الضالين
كالنصارى .
وهذا "
nindex.php?page=treesubj&link=28632الصراط المستقيم " هو دين الإسلام المحض وهو ما في كتاب الله تعالى وهو " السنة والجماعة " فإن السنة المحضة هي دين الإسلام المحض فإن النبي صلى الله عليه وسلم روي عنه من وجوه متعددة رواها
أهل السنن والمسانيد
nindex.php?page=showalam&ids=12251كالإمام أحمد وأبي داود والترمذي وغيرهم أنه قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=109638ستفترق هذه [ ص: 370 ] الأمة على ثنتين وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة } وفي رواية {
nindex.php?page=hadith&LINKID=595464من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي } .
وهذه الفرقة الناجية "
أهل السنة " وهم وسط في النحل ; كما أن
nindex.php?page=treesubj&link=28641ملة الإسلام وسط في الملل فالمسلمون وسط في أنبياء الله ورسله وعباده الصالحين ; لم يغلوا فيهم كما غلت
النصارى فاتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون ، ولا جفوا عنهم كما جفت
اليهود ; فكانوا يقتلون الأنبياء بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس وكلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم كذبوا فريقا وقتلوا فريقا .
بل المؤمنون آمنوا برسل الله وعزروهم ونصروهم ووقروهم وأحبوهم وأطاعوهم ولم يعبدوهم ولم يتخذوهم أربابا كما قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=375&ayano=3ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=376&ayano=3ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون } .
ومن ذلك أن المؤمنين توسطوا في "
المسيح " فلم يقولوا هو الله ولا ابن الله
[ ص: 371 ] ولا ثالث ثلاثة كما تقوله
النصارى ولا كفروا به وقالوا على
مريم بهتانا عظيما حتى جعلوه ولد بغية كما زعمت
اليهود بل قالوا هذا عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى
مريم العذراء البتول وروح منه .
وكذلك
nindex.php?page=treesubj&link=28641المؤمنون " وسط في شرائع دين الله " فلم يحرموا على الله أن ينسخ ما شاء ويمحو ما شاء .
ويثبت كما قالته
اليهود كما حكى الله تعالى ذلك عنهم بقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=151&ayano=2سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها } وبقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=100&ayano=2وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقا لما معهم } .
ولا جوزوا لأكابر علمائهم وعبادهم أن يغيروا دين الله فيأمروا بما شاءوا وينهوا عما شاءوا كما يفعله
النصارى كما ذكر الله ذلك عنهم بقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1275&ayano=9اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله } .
قال {
nindex.php?page=hadith&LINKID=595465عدي بن حاتم رضي الله عنه قلت : يا رسول الله ما عبدوهم ؟ قال : ما عبدوهم ; ولكن أحلوا لهم الحرام فأطاعوهم وحرموا عليهم الحلال فأطاعوهم } .
والمؤمنون قالوا : " لله الخلق والأمر " فكما لا يخلق غيره لا يأمر غيره .
وقالوا : سمعنا وأطعنا ; فأطاعوا كل ما أمر الله به .
وقالوا : {
nindex.php?page=tafseer&surano=675&ayano=5إن الله يحكم ما يريد } .
وأما المخلوق فليس له أن يبدل أمر الخالق تعالى ولو كان عظيما .
وكذلك في صفات الله تعالى : فإن
اليهود وصفوا الله تعالى بصفات المخلوق
[ ص: 372 ] الناقصة ; فقالوا : هو فقير ونحن أغنياء .
وقالوا : يد الله مغلولة .
وقالوا : إنه تعب من الخلق فاستراح يوم السبت .
إلى غير ذلك .
والنصارى وصفوا المخلوق بصفات الخالق المختصة به فقالوا : إنه يخلق ويرزق ; ويغفر ويرحم ويتوب على الخلق ويثيب ويعاقب .
والمؤمنون آمنوا بالله سبحانه وتعالى ليس له سمي ولا ند ولم يكن له كفوا أحد وليس كمثله شيء .
فإنه رب العالمين وخالق كل شيء وكل ما سواه عباد له فقراء إليه {
nindex.php?page=tafseer&surano=2362&ayano=19إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2363&ayano=19لقد أحصاهم وعدهم عدا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2364&ayano=19وكلهم آتيه يوم القيامة فردا } .
ومن ذلك أمر الحلال والحرام .
فإن
اليهود كما قال الله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=657&ayano=4فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم } فلا يأكلون ذوات الظفر ; مثل الإبل والبط .
ولا شحم الثرب والكليتين ; ولا الجدي في لبن أمه .
إلى غير ذلك مما حرم عليهم من الطعام واللباس وغيرهما ; حتى قيل : إن المحرمات عليهم ثلاثمائة وستون نوعا .
والواجب عليهم مئتان وثمانية وأربعون أمرا وكذلك شدد عليهم في النجاسات حتى لا يؤاكلوا الحائض ولا يجامعوها في البيوت .
وأما
النصارى فاستحلوا الخبائث وجميع المحرمات وباشروا جميع النجاسات وإنما قال لهم
المسيح {
nindex.php?page=tafseer&surano=346&ayano=3ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم }
[ ص: 373 ] ولهذا قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1273&ayano=9قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون } .
وأما المؤمنون فكما نعتهم الله به في قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1117&ayano=7ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1118&ayano=7الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون } .
وهذا باب يطول وصفه .
وهكذا
أهل السنة والجماعة في الفرق .
فهم في " باب أسماء الله وآياته وصفاته " وسط بين
" أهل التعطيل " الذين يلحدون في أسماء الله وآياته ويعطلون حقائق ما نعت الله به نفسه ; حتى يشبهوه بالعدم والموات وبين
" أهل التمثيل " الذين يضربون له الأمثال ويشبهونه بالمخلوقات .
فيؤمن
أهل السنة والجماعة بما وصف الله به نفسه وما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف وتمثيل .
وهم في " باب خلقه وأمره " وسط بين المكذبين بقدرة الله ; الذين
[ ص: 374 ] لا يؤمنون بقدرته الكاملة ومشيئته الشاملة وخلقه لكل شيء ; وبين المفسدين لدين الله الذين يجعلون العبد ليس له مشيئة ولا قدرة ولا عمل .
فيعطلون الأمر والنهي والثواب والعقاب فيصيرون بمنزلة المشركين الذين قالوا : {
nindex.php?page=tafseer&surano=943&ayano=6لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء } .
nindex.php?page=treesubj&link=28707فيؤمن أهل السنة بأن الله على كل شيء قدير .
فيقدر أن يهدي العباد ويقلب قلوبهم وأنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ، فلا يكون في ملكه ما لا يريد ولا يعجز عن إنقاذ مراده وأنه خالق كل شيء من الأعيان والصفات والحركات .
ويؤمنون أن
nindex.php?page=treesubj&link=29510_29510_29442العبد له قدرة ومشيئة وعمل وأنه مختار ولا يسمونه مجبورا ; إذ المجبور من أكره على خلاف اختياره والله سبحانه جعل العبد مختارا لما يفعله فهو مختار مريد والله خالقه وخالق اختياره وهذا ليس له نظير .
فإن
nindex.php?page=treesubj&link=29442الله ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله .
وهم في " باب الأسماء والأحكام والوعد الوعيد " وسط بين الوعيدية ; الذين يجعلون أهل الكبائر من المسلمين مخلدين في النار ويخرجونهم من الإيمان بالكلية ويكذبون بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم .
وبين
nindex.php?page=treesubj&link=28652_28835المرجئة الذين يقولون : إيمان الفساق مثل إيمان الأنبياء والأعمال الصالحة ليست من الدين والإيمان .
ويكذبون بالوعيد والعقاب بالكلية .
[ ص: 375 ] فيؤمن
أهل السنة والجماعة بأن فساق المسلمين معهم بعض الإيمان وأصله وليس معهم جميع الإيمان الواجب الذي يستوجبون به الجنة وأنهم لا يخلدون في النار .
بل يخرج منها من كان في قلبه مثقال حبة من إيمان أو مثقال خردلة من إيمان وأن النبي صلى الله عليه وسلم ادخر شفاعته لأهل الكبائر من أمته .
وهم أيضا في
" أصحاب رسول الله " صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم وسط بين الغالية .
الذين يغالون في
علي رضي الله عنه فيفضلونه على
أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ويعتقدون أنه الإمام المعصوم دونهما وأن
الصحابة ظلموا وفسقوا ، وكفروا الأمة بعدهم كذلك وربما جعلوه نبيا أو إلها وبين الجافية الذين يعتقدون كفره وكفر
عثمان رضي الله عنهما ويستحلون دماءهما ودماء من تولاهما .
ويستحبون سب
علي وعثمان ونحوهما ويقدحون في خلافة
علي رضي الله عنه وإمامته .
وكذلك في سائر " أبواب السنة " هم وسط .
لأنهم متمسكون بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
وما اتفق عليه السابقون الأولون من
المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان .
[ ص: 363 ] وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ : قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ
أَحْمَدَ ابْنِ تيمية إلَى مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ هَذَا الْكِتَابُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ الْمُنْتَسِبِينَ إلَى السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ ; الْمُنْتَمِينَ إلَى جَمَاعَةِ الشَّيْخِ الْعَارِفِ الْقُدْوَةِ .
" أَبِي الْبَرَكَاتِ عَدِيِّ بْنِ مُسَافِرٍ الْأُمَوِيِّ " - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَنْ نَحَا نَحْوَهُمْ - وَفَّقَهُمْ اللَّهُ لِسُلُوكِ سَبِيلِهِ وَأَعَانَهُمْ عَلَى طَاعَتِهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعَلَهُمْ مُعْتَصِمِينَ بِحَبْلِهِ الْمَتِينِ ; مُهْتَدِينَ لِصِرَاطِ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَجَنَّبَهُمْ طَرِيقَ أَهْلِ الضَّلَالِ وَالِاعْوِجَاجِ ; الْخَارِجِينَ عَمَّا بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الشِّرْعَةِ وَالْمِنْهَاجِ ; حَتَّى يَكُونُوا مِمَّنْ أَعْظَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ الْمِنَّةَ ; بِمُتَابَعَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ .
سَلَامٌ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ .
وَبَعْدُ : فَإِنَّا نَحْمَدُ إلَيْكُمْ اللَّهَ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ وَهُوَ لِلْحَمْدِ أَهْلٌ ; وَهُوَ
[ ص: 364 ] عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .
وَنَسْأَلُهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى خَاتَمِ النَّبِيِّينَ وَسَيِّدِ وَلَدِ آدَمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَكْرَمِ الْخَلْقِ عَلَى رَبِّهِ وَأَقْرَبِهِمْ إلَيْهِ زُلْفَى ; وَأَعْظَمِهِمْ عِنْدَهُ دَرَجَةً ; مُحَمَّدٍ عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا .
أَمَّا بَعْدُ : فَإِنَّ اللَّهَ بَعَثَ
مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاَللَّهِ شَهِيدًا وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ وَأَكْمَلَ لَهُ وَلِأُمَّتِهِ الدِّينَ وَأَتَمَّ عَلَيْهِمْ النِّعْمَةَ وَجَعَلَهُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ فَهُمْ يُوفُونَ سَبْعِينَ أُمَّةً هُمْ خَيْرُهَا وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللَّهِ .
وَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَسَطًا أَيْ عَدْلًا خِيَارًا وَلِذَلِكَ جَعَلَهُمْ شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ هَدَاهُمْ لِمَا بَعَثَ بِهِ رُسُلَهُ جَمِيعَهُمْ مِنْ الدِّينِ الَّذِي شَرَعَهُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ ثُمَّ خَصَّهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ بِمَا مَيَّزَهُمْ بِهِ وَفَضَّلَهُمْ مِنْ الشِّرْعَةِ وَالْمِنْهَاجِ الَّذِي جَعَلَهُ لَهُمْ .
( فَالْأَوَّلُ مِثْلُ
nindex.php?page=treesubj&link=29428_28633 " أُصُولِ الْإِيمَانِ " وَأَعْلَاهَا وَأَفْضَلُهَا هُوَ " التَّوْحِيدُ " وَهُوَ شَهَادَةُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2529&ayano=21وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إلَّا نُوحِي إلَيْهِ أَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1953&ayano=16وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4413&ayano=43وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4327&ayano=42شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2747&ayano=23يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2748&ayano=23وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ } .
وَمِثْلُ
nindex.php?page=treesubj&link=28739_28746الْإِيمَانِ بِجَمِيعِ كُتُبِ اللَّهِ وَجَمِيعِ رُسُلِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=145&ayano=2قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إلَى إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } وَمِثْلُ قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=4329&ayano=42وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ } وَمِثْلُ قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=294&ayano=2آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ } إلَى آخِرِهَا .
وَمِثْلُ
nindex.php?page=treesubj&link=28759الْإِيمَانِ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا فِيهِ مِنْ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ كَمَا أَخْبَرَ عَنْ إيمَانِ مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ مُؤْمِنِي الْأُمَمِ بِهِ حَيْثُ قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=2إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } وَمِثْلُ أُصُولِ الشَّرَائِعِ كَمَا ذَكَرَ فِي سُورَةِ " الْأَنْعَامِ " وَ " الْأَعْرَافِ " وَ " سُبْحَانَ " وَغَيْرِهِنَّ مِنْ السُّوَرِ الْمَكِّيَّةِ : مِنْ أَمْرِهِ بِعِبَادَتِهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَمْرِهِ بِبِرِّ الْوَالِدَيْنِ وَصِلَةِ الْأَرْحَامِ وَالْوَفَاءِ بِالْعُهُودِ وَالْعَدْلِ فِي الْمَقَالِ ; وَتَوْفِيَةِ الْمِيزَانِ وَالْمِكْيَالِ ; وَإِعْطَاءِ السَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ; وَتَحْرِيمِ قَتْلِ النَّفْسِ بِغَيْرِ
[ ص: 366 ] الْحَقِّ وَتَحْرِيمِ الْفَوَاحِشِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ; وَتَحْرِيمِ الْإِثْمِ وَالْبَغْيِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَتَحْرِيمِ الْكَلَامِ فِي الدِّينِ بِغَيْرِ عِلْمٍ ; مَعَ مَا يَدْخُلُ فِي التَّوْحِيدِ مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=28678_28679_28686إخْلَاصِ الدِّينِ لِلَّهِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ وَالرَّجَاءِ لِرَحْمَةِ اللَّهِ وَالْخَوْفِ مِنْ اللَّهِ وَالصَّبْرِ لِحُكْمِ اللَّهِ وَالْقِيَامِ لِأَمْرِ اللَّهِ ; وَأَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إلَى الْعَبْدِ مِنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ .
إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أُصُولِ الْإِيمَانِ الَّتِي أَنْزَلَ اللَّهُ ذِكْرَهَا فِي مَوَاضِعَ مِنْ الْقُرْآنِ كَالسُّوَرِ الْمَكِّيَّةِ وَبَعْضِ الْمَدَنِيَّةِ .
( وَأَمَّا الثَّانِي فَمَا أَنْزَلَهُ اللَّهُ فِي السُّوَرِ الْمَدَنِيَّةِ مِنْ شَرَائِعِ دِينِهِ وَمَا سَنَّهُ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمَّتِهِ ، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَامْتَنَّ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِذَلِكَ وَأَمَرَ أَزْوَاجَ نَبِيِّهِ بِذِكْرِ ذَلِكَ فَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=610&ayano=4وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ } وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=460&ayano=3لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ } وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3600&ayano=33وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ } .
قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ
السَّلَفِ : الْحِكْمَةُ هِيَ السُّنَّةُ .
لِأَنَّ الَّذِي كَانَ يُتْلَى فِي بُيُوتِ أَزْوَاجِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ سِوَى الْقُرْآنِ هُوَ سُنَنُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=595463أَلَا وَإِنِّي أُوتِيت الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ } وَقَالَ
حَسَّانُ بْنُ عَطِيَّةَ : كَانَ
جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَنْزِلُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالسُّنَّةِ كَمَا يَنْزِلُ بِالْقُرْآنِ فَيُعَلِّمُهُ إيَّاهَا كَمَا يُعَلِّمُهُ الْقُرْآنَ .
[ ص: 367 ] وَهَذِهِ " الشَّرَائِعُ " الَّتِي هَدَى اللَّهُ بِهَا هَذَا النَّبِيَّ وَأُمَّتَهُ مِثْلُ : الْوُجْهَةِ وَالْمَنْسَكِ وَالْمِنْهَاجِ وَذَلِكَ مِثْلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فِي أَوْقَاتِهَا بِهَذَا الْعَدَدِ وَهَذِهِ الْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَاسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ .
وَمِثْلُ فَرَائِضِ الزَّكَاةِ وَنُصُبِهَا الَّتِي فَرَضَهَا فِي أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ : مِنْ الْمَاشِيَةِ وَالْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ وَالتِّجَارَةِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَمَنْ جُعِلَتْ لَهُ ; حَيْثُ يَقُولُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1304&ayano=9إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } .
وَمِثْلُ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَمِثْلُ حَجِّ الْبَيْتِ الْحَرَامِ وَمِثْلُ الْحُدُودِ الَّتِي حَدَّهَا لَهُمْ : فِي المناكح وَالْمَوَارِيثِ وَالْعُقُوبَاتِ وَالْمُبَايَعَاتِ وَمِثْلُ السُّنَنِ الَّتِي سَنَّهَا لَهُمْ : مِنْ الْأَعْيَادِ وَالْجُمُعَاتِ وَالْجَمَاعَاتِ فِي الْمَكْتُوبَاتِ وَالْجَمَاعَاتِ فِي الْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالتَّرَاوِيحِ .
وَمَا سَنَّهُ لَهُمْ فِي الْعَادَاتِ مِثْلُ : الْمَطَاعِمِ وَالْمَلَابِسِ وَالْوِلَادَةِ وَالْمَوْتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ : مِنْ السُّنَنِ وَالْآدَابِ وَالْأَحْكَامِ الَّتِي هِيَ حُكْمُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ بَيْنَهُمْ : فِي الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ وَالْأَبْضَاعِ وَالْأَعْرَاضِ وَالْمَنَافِعِ وَالْأَبْشَارِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْحُدُودِ وَالْحُقُوقِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا شَرَعَهُ لَهُمْ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
[ ص: 368 ] وَحَبَّبَ إلَيْهِمْ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِهِمْ ; فَجَعَلَهُمْ مُتَّبِعِينَ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَصَمَهُمْ أَنْ يَجْتَمِعُوا عَلَى ضَلَالَةٍ كَمَا ضَلَّتْ الْأُمَمُ قَبْلَهُمْ ; إذْ كَانَتْ كُلُّ أُمَّةٍ إذَا ضَلَّتْ أَرْسَلَ اللَّهُ تَعَالَى رَسُولًا إلَيْهِمْ ; كَمَا قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1953&ayano=16وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ } وَقَالَ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=3719&ayano=35وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ } .
nindex.php?page=treesubj&link=28747وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمُ الْأَنْبِيَاءِ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ فَعَصَمَ اللَّهُ أُمَّتَهُ أَنْ تَجْتَمِعَ عَلَى ضَلَالَةٍ .
وَجَعَلَ فِيهَا مَنْ تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَلِهَذَا كَانَ إجْمَاعُهُمْ حُجَّةً كَمَا كَانَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ حُجَّةً .
وَلِهَذَا امْتَازَ أَهْلُ الْحَقِّ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَالسُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ : عَنْ أَهْلِ الْبَاطِلِ ; الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يَتَّبِعُونَ الْكِتَابَ وَيُعْرِضُونَ عَنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَمَّا مَضَتْ عَلَيْهِ جَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ .
فَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ فِي كِتَابِهِ بِاتِّبَاعِ سُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلُزُومِ سَبِيلِهِ وَأَمَرَ بِالْجَمَاعَةِ والائتلاف وَنَهَى عَنْ الْفُرْقَةِ وَالِاخْتِلَافِ فَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=577&ayano=4مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=561&ayano=4وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=327&ayano=3قُلْ إنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=562&ayano=4فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } .
وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=399&ayano=3وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا } وَقَالَ تَعَالَى :
[ ص: 369 ] {
nindex.php?page=tafseer&surano=954&ayano=6إنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=401&ayano=3وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6233&ayano=98وَمَا أُمِرُوا إلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=948&ayano=6وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ } وَقَالَ تَعَالَى فِي أُمِّ الْكِتَابِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=1اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=1صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ } .
وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=68982الْيَهُودُ مَغْضُوبٌ عَلَيْهِمْ وَالنَّصَارَى ضَالُّونَ } .
فَأَمَرَ سُبْحَانَهُ فِي " أُمِّ الْكِتَابِ " الَّتِي لَمْ يَنْزِلْ فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ وَلَا فِي الزَّبُورِ وَلَا فِي الْفُرْقَانِ مِثْلُهَا وَاَلَّتِي أُعْطِيَهَا نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ الَّتِي لَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ إلَّا بِهَا : أَنْ نَسْأَلَهُ أَنْ يَهْدِيَنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ :
كَالْيَهُودِ وَلَا الضَّالِّينَ
كَالنَّصَارَى .
وَهَذَا "
nindex.php?page=treesubj&link=28632الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ " هُوَ دِينُ الْإِسْلَامِ الْمَحْضُ وَهُوَ مَا فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ " السُّنَّةُ وَالْجَمَاعَةُ " فَإِنَّ السُّنَّةَ الْمَحْضَةَ هِيَ دِينُ الْإِسْلَامِ الْمَحْضِ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُوِيَ عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ رَوَاهَا
أَهْلُ السُّنَنِ وَالْمَسَانِيدِ
nindex.php?page=showalam&ids=12251كَالْإِمَامِ أَحْمَدَ وَأَبِي داود والترمذي وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُ قَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=109638سَتَفْتَرِقُ هَذِهِ [ ص: 370 ] الْأُمَّةُ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً كُلُّهَا فِي النَّارِ إلَّا وَاحِدَةً وَهِيَ الْجَمَاعَةُ } وَفِي رِوَايَةٍ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=595464مَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ مَا أَنَا عَلَيْهِ الْيَوْمَ وَأَصْحَابِي } .
وَهَذِهِ الْفِرْقَةُ النَّاجِيَةُ "
أَهْلُ السُّنَّةِ " وَهُمْ وَسَطٌ فِي النِّحَلِ ; كَمَا أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28641مِلَّةَ الْإِسْلَامِ وَسَطٌ فِي الْمِلَلِ فَالْمُسْلِمُونَ وَسَطٌ فِي أَنْبِيَاءِ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَعِبَادِهِ الصَّالِحِينَ ; لَمْ يَغْلُوا فِيهِمْ كَمَا غَلَتْ
النَّصَارَى فَاِتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إلَّا لِيَعْبُدُوا إلَهًا وَاحِدًا لَا إلَهَ إلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ، وَلَا جَفَوْا عَنْهُمْ كَمَا جَفَتْ
الْيَهُودُ ; فَكَانُوا يَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنْ النَّاسِ وَكُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ كَذَّبُوا فَرِيقًا وَقَتَلُوا فَرِيقًا .
بَلْ الْمُؤْمِنُونَ آمَنُوا بِرُسُلِ اللَّهِ وَعَزَّرُوهُمْ وَنَصَرُوهُمْ وَوَقَّرُوهُمْ وَأَحَبُّوهُمْ وَأَطَاعُوهُمْ وَلَمْ يَعْبُدُوهُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوهُمْ أَرْبَابًا كَمَا قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=375&ayano=3مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=376&ayano=3وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } .
وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ تَوَسَّطُوا فِي "
الْمَسِيحِ " فَلَمْ يَقُولُوا هُوَ اللَّهُ وَلَا ابْنُ اللَّهِ
[ ص: 371 ] وَلَا ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ كَمَا تَقُولُهُ
النَّصَارَى وَلَا كَفَرُوا بِهِ وَقَالُوا عَلَى
مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا حَتَّى جَعَلُوهُ وَلَدَ بَغِيَّةٍ كَمَا زَعَمَتْ
الْيَهُودُ بَلْ قَالُوا هَذَا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إلَى
مَرْيَمَ الْعَذْرَاءِ الْبَتُولِ وَرُوحٌ مِنْهُ .
وَكَذَلِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=28641الْمُؤْمِنُونَ " وَسَطٌ فِي شَرَائِعِ دِينِ اللَّهِ " فَلَمْ يُحَرِّمُوا عَلَى اللَّهِ أَنْ يَنْسَخَ مَا شَاءَ وَيَمْحُوَ مَا شَاءَ .
وَيُثْبِتَ كَمَا قَالَتْهُ
الْيَهُودُ كَمَا حَكَى اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ عَنْهُمْ بِقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=151&ayano=2سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا } وَبِقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=100&ayano=2وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ } .
وَلَا جَوَّزُوا لِأَكَابِرِ عُلَمَائِهِمْ وَعُبَّادِهِمْ أَنْ يُغَيِّرُوا دِينَ اللَّهِ فَيَأْمُرُوا بِمَا شَاءُوا وَيَنْهَوْا عَمَّا شَاءُوا كَمَا يَفْعَلُهُ
النَّصَارَى كَمَا ذَكَرَ اللَّهُ ذَلِكَ عَنْهُمْ بِقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1275&ayano=9اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ } .
قَالَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=595465عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قُلْت : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عَبَدُوهُمْ ؟ قَالَ : مَا عَبَدُوهُمْ ; وَلَكِنْ أَحَلُّوا لَهُمْ الْحَرَامَ فَأَطَاعُوهُمْ وَحَرَّمُوا عَلَيْهِمْ الْحَلَالَ فَأَطَاعُوهُمْ } .
وَالْمُؤْمِنُونَ قَالُوا : " لِلَّهِ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ " فَكَمَا لَا يَخْلُقُ غَيْرُهُ لَا يَأْمُرُ غَيْرُهُ .
وَقَالُوا : سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ; فَأَطَاعُوا كُلَّ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ .
وَقَالُوا : {
nindex.php?page=tafseer&surano=675&ayano=5إنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ } .
وَأَمَّا الْمَخْلُوقُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُبَدِّلَ أَمْرَ الْخَالِقِ تَعَالَى وَلَوْ كَانَ عَظِيمًا .
وَكَذَلِكَ فِي صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى : فَإِنَّ
الْيَهُودَ وَصَفُوا اللَّهَ تَعَالَى بِصِفَاتِ الْمَخْلُوقِ
[ ص: 372 ] النَّاقِصَةِ ; فَقَالُوا : هُوَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ .
وَقَالُوا : يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ .
وَقَالُوا : إنَّهُ تَعِبَ مِنْ الْخَلْقِ فَاسْتَرَاحَ يَوْمَ السَّبْتِ .
إلَى غَيْرِ ذَلِكَ .
وَالنَّصَارَى وَصَفُوا الْمَخْلُوقَ بِصِفَاتِ الْخَالِقِ الْمُخْتَصَّةِ بِهِ فَقَالُوا : إنَّهُ يَخْلُقُ وَيَرْزُقُ ; وَيَغْفِرُ وَيَرْحَمُ وَيَتُوبُ عَلَى الْخَلْقِ وَيُثِيبُ وَيُعَاقِبُ .
وَالْمُؤْمِنُونَ آمَنُوا بِاَللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَيْسَ لَهُ سَمِيٌّ وَلَا نِدٌّ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ وَلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ .
فَإِنَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَخَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَكُلُّ مَا سِوَاهُ عِبَادٌ لَهُ فُقَرَاءُ إلَيْهِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=2362&ayano=19إنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2363&ayano=19لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2364&ayano=19وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا } .
وَمِنْ ذَلِكَ أَمْرُ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ .
فَإِنَّ
الْيَهُودَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=657&ayano=4فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ } فَلَا يَأْكُلُونَ ذَوَاتِ الظُّفُرِ ; مِثْلَ الْإِبِلِ وَالْبَطِّ .
وَلَا شَحْمَ الثَّرْبِ وَالْكُلْيَتَيْنِ ; وَلَا الْجَدْيَ فِي لَبَنِ أُمِّهِ .
إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ مِنْ الطَّعَامِ وَاللِّبَاسِ وَغَيْرِهِمَا ; حَتَّى قِيلَ : إنَّ الْمُحَرَّمَاتِ عَلَيْهِمْ ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ نَوْعًا .
وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِمْ مِئَتَانِ وَثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ أَمْرًا وَكَذَلِكَ شَدَّدَ عَلَيْهِمْ فِي النَّجَاسَاتِ حَتَّى لَا يُؤَاكِلُوا الْحَائِضَ وَلَا يُجَامِعُوهَا فِي الْبُيُوتِ .
وَأَمَّا
النَّصَارَى فَاسْتَحَلُّوا الْخَبَائِثَ وَجَمِيعَ الْمُحَرَّمَاتِ وَبَاشَرُوا جَمِيعَ النَّجَاسَاتِ وَإِنَّمَا قَالَ لَهُمْ
الْمَسِيحُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=346&ayano=3وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ }
[ ص: 373 ] وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1273&ayano=9قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ } .
وَأَمَّا الْمُؤْمِنُونَ فَكَمَا نَعَتَهُمْ اللَّهُ بِهِ فِي قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1117&ayano=7وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1118&ayano=7الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } .
وَهَذَا بَابٌ يَطُولُ وَصْفُهُ .
وَهَكَذَا
أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فِي الْفَرْقِ .
فَهُمْ فِي " بَابِ أَسْمَاءِ اللَّهِ وَآيَاتِهِ وَصِفَاتِهِ " وَسَطٌ بَيْنَ
" أَهْلِ التَّعْطِيلِ " الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ وَآيَاتِهِ وَيُعَطِّلُونَ حَقَائِقَ مَا نَعَتَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ ; حَتَّى يُشَبِّهُوهُ بِالْعَدَمِ وَالْمَوَاتِ وَبَيْنَ
" أَهْلِ التَّمْثِيلِ " الَّذِينَ يَضْرِبُونَ لَهُ الْأَمْثَالَ وَيُشَبِّهُونَهُ بِالْمَخْلُوقَاتِ .
فَيُؤْمِنُ
أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ بِمَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ وَمَا وَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ وَلَا تَعْطِيلٍ وَمِنْ غَيْرِ تَكْيِيفٍ وَتَمْثِيلٍ .
وَهُمْ فِي " بَابِ خَلْقِهِ وَأَمْرِهِ " وَسَطٌ بَيْنَ الْمُكَذِّبِينَ بِقُدْرَةِ اللَّهِ ; الَّذِينَ
[ ص: 374 ] لَا يُؤْمِنُونَ بِقُدْرَتِهِ الْكَامِلَةِ وَمَشِيئَتِهِ الشَّامِلَةِ وَخَلْقِهِ لِكُلِّ شَيْءٍ ; وَبَيْنَ الْمُفْسِدِينَ لِدِينِ اللَّهِ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ الْعَبْدَ لَيْسَ لَهُ مَشِيئَةٌ وَلَا قُدْرَةٌ وَلَا عَمَلٌ .
فَيُعَطِّلُونَ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ وَالثَّوَابَ وَالْعِقَابَ فَيَصِيرُونَ بِمَنْزِلَةِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ قَالُوا : {
nindex.php?page=tafseer&surano=943&ayano=6لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ } .
nindex.php?page=treesubj&link=28707فَيُؤْمِنُ أَهْلُ السُّنَّةِ بِأَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .
فَيَقْدِرُ أَنْ يَهْدِيَ الْعِبَادَ وَيُقَلِّبَ قُلُوبَهُمْ وَأَنَّهُ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ ، فَلَا يَكُونُ فِي مُلْكِهِ مَا لَا يُرِيدُ وَلَا يَعْجِزُ عَنْ إنْقَاذِ مُرَادِهِ وَأَنَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ الْأَعْيَانِ وَالصِّفَاتِ وَالْحَرَكَاتِ .
وَيُؤْمِنُونَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29510_29510_29442الْعَبْدَ لَهُ قُدْرَةٌ وَمَشِيئَةٌ وَعَمَلٌ وَأَنَّهُ مُخْتَارٌ وَلَا يُسَمُّونَهُ مَجْبُورًا ; إذْ الْمَجْبُورُ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى خِلَافِ اخْتِيَارِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ جَعَلَ الْعَبْدَ مُخْتَارًا لِمَا يَفْعَلُهُ فَهُوَ مُخْتَارٌ مُرِيدٌ وَاَللَّهُ خَالِقُهُ وَخَالِقُ اخْتِيَارِهِ وَهَذَا لَيْسَ لَهُ نَظِيرٌ .
فَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29442اللَّهَ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ لَا فِي ذَاتِهِ وَلَا فِي صِفَاتِهِ وَلَا فِي أَفْعَالِهِ .
وَهُمْ فِي " بَابِ الْأَسْمَاءِ وَالْأَحْكَامِ وَالْوَعْدِ الْوَعِيدِ " وَسَطٌ بَيْنَ الوعيدية ; الَّذِينَ يَجْعَلُونَ أَهْلَ الْكَبَائِرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مُخَلَّدِينَ فِي النَّارِ وَيُخْرِجُونَهُمْ مِنْ الْإِيمَانِ بِالْكُلِّيَّةِ وَيُكَذِّبُونَ بِشَفَاعَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَبَيْنَ
nindex.php?page=treesubj&link=28652_28835الْمُرْجِئَةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ : إيمَانُ الْفُسَّاقِ مِثْلُ إيمَانِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ لَيْسَتْ مِنْ الدِّينِ وَالْإِيمَانِ .
وَيُكَذِّبُونَ بِالْوَعِيدِ وَالْعِقَابِ بِالْكُلِّيَّةِ .
[ ص: 375 ] فَيُؤْمِنُ
أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ بِأَنَّ فُسَّاقَ الْمُسْلِمِينَ مَعَهُمْ بَعْضُ الْإِيمَانِ وَأَصْلُهُ وَلَيْسَ مَعَهُمْ جَمِيعُ الْإِيمَانِ الْوَاجِبِ الَّذِي يَسْتَوْجِبُونَ بِهِ الْجَنَّةَ وَأَنَّهُمْ لَا يُخَلَّدُونَ فِي النَّارِ .
بَلْ يَخْرُجُ مِنْهَا مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ إيمَانٍ أَوْ مِثْقَالُ خَرْدَلَةٍ مِنْ إيمَانٍ وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ادَّخَرَ شَفَاعَتَهُ لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِهِ .
وَهُمْ أَيْضًا فِي
" أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ " صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَضِيَ عَنْهُمْ وَسَطٌ بَيْنَ الْغَالِيَةِ .
الَّذِينَ يُغَالُونَ فِي
عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَيُفَضِّلُونَهُ عَلَى
أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَيَعْتَقِدُونَ أَنَّهُ الْإِمَامُ الْمَعْصُومُ دُونَهُمَا وَأَنَّ
الصَّحَابَةَ ظَلَمُوا وَفَسَقُوا ، وَكَفَّرُوا الْأُمَّةَ بَعْدَهُمْ كَذَلِكَ وَرُبَّمَا جَعَلُوهُ نَبِيًّا أَوْ إلَهًا وَبَيْنَ الْجَافِيَةِ الَّذِينَ يَعْتَقِدُونَ كُفْرَهُ وَكُفْرَ
عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَيَسْتَحِلُّونَ دِمَاءَهُمَا وَدِمَاءَ مَنْ تَوَلَّاهُمَا .
وَيَسْتَحِبُّونَ سَبَّ
عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ وَنَحْوِهِمَا وَيَقْدَحُونَ فِي خِلَافَةِ
عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَإِمَامَتِهِ .
وَكَذَلِكَ فِي سَائِرِ " أَبْوَابِ السُّنَّةِ " هُمْ وَسَطٌ .
لِأَنَّهُمْ مُتَمَسِّكُونَ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنْ
الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَاَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانِ .