[ ص: 67 ] وأما : فهو تأويل أهل التحريف والبدع الذين يتأولونه على غير تأويله ويدعون صرف اللفظ عن مدلوله إلى غير مدلوله بغير دليل يوجب ذلك ويدعون أن في ظاهره من المحذور ما هو نظير المحذور اللازم فيما أثبتوه بالعقل ويصرفونه إلى معان هي نظير المعاني التي نفوها عنه فيكون ما نفوه من جنس ما أثبتوه فإن كان الثابت حقا ممكنا كان المنفي مثله وإن كان المنفي باطلا ممتنعا كان الثابت مثله التأويل المذموم والباطل
وهؤلاء وما يعلم تأويله إلا الله } قد يظنون أنا خوطبنا في القرآن بما لا يفهمه أحد ; أو بما لا معنى له أو بما لا يفهم منه شيء الذين ينفون التأويل مطلقا ويحتجون بقوله تعالى : {
وهذا مع أنه باطل فهو متناقض لأنا إذا لم نفهم منه شيئا لم يجز لنا أن نقول له تأويل يخالف الظاهر ولا يوافقه ; لا مكان أن يكون له معنى صحيح وذلك المعنى الصحيح : لا يخالف الظاهر المعلوم لنا فإنه لا ظاهر له على قولهم فلا تكون دلالته على ذلك المعنى دلالة على خلاف الظاهر فلا يكون تأويلا
ولا يجوز نفي دلالته على معان لا نعرفها على هذا التقدير . فإن تلك المعاني التي دل عليها قد لا نكون عارفين بها ولأنا إذا لم نفهم اللفظ ومدلوله فلأن لا نعرف المعاني التي لم يدل عليها اللفظ أولى ; لأن إشعار اللفظ بما يراد به أقوى من إشعاره بما لا يراد به ; فإذا كان اللفظ لا إشعار له بمعنى [ ص: 68 ] من المعاني ولا يفهم منه معنى أصلا لم يكن مشعرا بما أريد به فلأن لا يكون مشعرا بما لم يرد به أولى
فلا يجوز أن يقال : إن هذا اللفظ متأول بمعنى أنه مصروف عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح فضلا عن أن يقال : إن هذا التأويل لا يعلمه إلا الله . اللهم إلا أن يراد بالتأويل ما يخالف ظاهره المختص بالخلق
فلا ريب أن من أراد بالظاهر هذا لا بد وأن يكون له تأويل يخالف ظاهره . لكن إذا قال هؤلاء : أنه ليس لها تأويل يخالف الظاهر أو أنها تجري على المعاني الظاهرة منها كانوا متناقضين
وإن أرادوا بالظاهر هنا معنى وهناك معنى : في سياق واحد من غير بيان كان تلبيسا
وإن أرادوا بالظاهر مجرد اللفظ أي تجري على مجرد اللفظ الذي يظهر من غير فهم لمعناه كان إبطالهم للتأويل أو إثباته تناقضا ; لأن من أثبت تأويلا أو نفاه فقد فهم معنى من المعاني . وبهذا التقسيم يتبين تناقض كثير من الناس من نفاة الصفات ومثبتيها في هذا الباب .