الوجه الثاني عشر أن والعدم لا خير فيه إلا إذا تضمن حفظ موجود وإلا فلا خير في لا شيء وهذا معلوم بالعقل والحس لكن من الأشياء ما يكون وجوده مضرا بغيره فيطلب عدمه لصلاح الغير كما يطلب عدم القتل لبقاء النفس [ ص: 117 ] وعدم الزنا لصلاح النسل وعدم الردة لصلاح الإيمان فكل ما نهي عنه إنما طلب عدمه لصلاح أمر موجود . مقصود النهي ترك المنهي عنه والمقصود منه عدم المنهي عنه
وأما المأمور به فهو أمر موجود والموجود يكون خيرا ونافعا ومطلوبا لنفسه بل ما أو خير ما فلا يكون الموجود شرا محضا فإن الموجود خلقه الله تعالى والله لم يخلق شيئا إلا لحكمة وتلك الحكمة وجه خير بخلاف المعدوم فإنه لا شيء ; ولهذا قال سبحانه : { لا بد في كل موجود من منفعة الذي أحسن كل شيء خلقه } وقال : { صنع الله الذي أتقن كل شيء } فالموجود : إما خير محض أو فيه خير والمعدوم : إما أنه لا خير فيه بحال أو خيره حفظ الموجود وسلامته . والمأمور به قد طلب وجوده والمنهي عنه قد طلب عدمه فعلم أن المطلوب بالأمر أكمل وأشرف من المطلوب بالنهي وأنه هو الأصل المقصود المراد لذاته وأنه هو الذي يكون عدمه شرا محضا .