فصل
nindex.php?page=treesubj&link=20963لفظة " إنما " للحصر عند جماهير العلماء وهذا مما يعرف بالاضطرار من لغة
العرب كما تعرف معاني حروف النفي والاستفهام والشرط وغير ذلك لكن تنازع الناس : هل دلالتها على الحصر بطريق المنطوق أو المفهوم ؟ على قولين والجمهور على أنه بطريق المنطوق والقول الآخر قول بعض مثبتي المفهوم
nindex.php?page=showalam&ids=14953كالقاضي أبي يعلى في أحد قوليه وبعض الغلاة من نفاته وهؤلاء زعموا أنها تفيد الحصر واحتجوا بمثل قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4671&ayano=8إنما المؤمنون } .
وقد احتج طائفة من الأصوليين على أنها للحصر بأن حرف " إن " للإثبات وحرف " ما " للنفي فإذا اجتمعا حصل النفي والإثبات جميعا
[ ص: 265 ] وهذا خطأ عند العلماء بالعربية ; فإن " ما " هنا هي ما الكافة ليست ما النافية وهذه الكافة تدخل على أن وأخواتها فتكفها عن العمل وذلك لأن الحروف العاملة أصلها أن تكون للاختصاص ; فإذا اختصت بالاسم أو بالفعل ولم تكن كالجزء منه عملت فيه فأن وأخواتها اختصت بالاسم فعملت فيه وتسمى الحروف المشبهة للأفعال ; لأنها عملت نصبا ورفعا وكثرت حروفها وحروف الجر اختصت بالاسم فعملت فيه وحروف الشرط اختصت بالفعل فعملت فيه بخلاف أدوات الاستفهام فإنها تدخل على الجملتين ولم تعمل وكذلك ما المصدرية .
ولهذا القياس في
nindex.php?page=treesubj&link=20945ما النافية أن لا تعمل أيضا على لغة
تميم ولكن تعمل على اللغة الحجازية التي نزل بها القرآن . في مثل قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=5164&ayano=58ما هن أمهاتهم } و {
nindex.php?page=tafseer&surano=1639&ayano=12ما هذا بشرا } استحسانا لمشابهتها " ليس " هنا لما دخلت ما الكافة على إن أزالت اختصاصها فصارت تدخل على الجملة الاسمية والجملة الفعلية فبطل عملها كقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1727&ayano=13إنما أنت منذر } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5302&ayano=52إنما تجزون ما كنتم تعملون } .
nindex.php?page=treesubj&link=20945_20925وقد تكون ما التي بعد أن اسما لا حرفا كقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2437&ayano=20إنما صنعوا كيد ساحر } بالرفع أي : أن الذي صنعوه كيد ساحر خلاف قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2440&ayano=20إنما تقضي هذه الحياة الدنيا } فإن القراءة بالنصب لا تستقيم إذا كانت ما بمعنى الذي وفي كل المعنيين الحصر موجود لكن إذا
[ ص: 266 ] كانت ما بمعنى الذي فالحصر جاء من جهة أن المعارف هي من صيغ العموم فإن الأسماء إما معارف وإما نكرات
nindex.php?page=treesubj&link=21135والمعارف من صيغ العموم والنكرة في غير الموجب كالنفي وغيره من صيغ العموم فقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2437&ayano=20إنما صنعوا كيد ساحر } تقديره : أن الذي صنعوه كيد ساحر .
وأما الحصر في " إنما " فهو من جنس الحصر بالنفي والاستثناء كقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3144&ayano=26ما أنت إلا بشر مثلنا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=440&ayano=3وما محمد إلا رسول } .
والحصر قد يعبر عنه بأن الأول محصور في الثاني وقد يعبر عنه بالعكس والمعنى واحد وهو أن الثاني أثبته الأول ولم يثبت له غيره مما يتوهم أنه ثابت له وليس المراد إنك تنفي عن الأول كل ما سوى الثاني
nindex.php?page=treesubj&link=28984فقوله : { nindex.php?page=tafseer&surano=1727&ayano=13إنما أنت منذر } أي : إنك لست ربا لهم ; ولا محاسبا ; ولا مجازيا ; ولا وكيلا عليهم ; كما قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6077&ayano=88لست عليهم بمسيطر } وكما قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1760&ayano=3فإنما عليك البلاغ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=749&ayano=5ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة } ليس هو إلها ولا أمه إلهة بل غايته أن يكون رسولا كما غاية
محمد أن يكون رسولا وغاية
مريم أن تكون صديقة .
وهذا مما استدل به على بطلان قول بعض المتأخرين : أنها نبية وقد حكى الإجماع على
nindex.php?page=treesubj&link=28748عدم نبوة أحد من النساء [ ص: 267 ] القاضي أبو بكر ابن الطيب nindex.php?page=showalam&ids=14953والقاضي أبو يعلى والأستاذ أبو المعالي الجويني وغيرهم .
وكذلك قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=440&ayano=3وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل } أي : ليس مخلدا في الدنيا لا يموت ولا يقتل بل يجوز عليه ما جاز على إخوانه المرسلين من الموت أو القتل {
nindex.php?page=tafseer&surano=440&ayano=3أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم } نزلت يوم
أحد لما قيل أن
محمدا قد قتل وتلاها
الصديق يوم مات رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : من كان يعبد
محمدا فإن
محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت وتلا هذه الآية فكأن الناس لم يسمعوها حتى تلاها
أبو بكر رضي الله عنها فكان لا يوجد أحد إلا يتلوها .
فصل : وأما قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=1170&ayano=8إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم } الآية فهذه الآية أثبت فيها الإيمان لهؤلاء ونفاه عن غيرهم كما نفاه النبي صلى الله عليه وسلم عمن نفاه عنه في الأحاديث مثل قوله : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=23829لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن فإياكم وإياكم } وكذلك قوله : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=29843لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له } ومن هذا
[ ص: 268 ] الباب قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=4676&ayano=49إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا } الآية . وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2877&ayano=24إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع } الآية .
وهذه المواضع قد تنازع الناس في نفيها والذي عليه جماهير
السلف وأهل الحديث وغيرهم : أن
nindex.php?page=treesubj&link=28648_28647نفي الإيمان لانتفاء بعض الواجبات فيه والشارع دائما لا ينفي المسمى الشرعي إلا لانتفاء واجب فيه وإذا قيل : المراد بذلك نفي الكمال فالكمال نوعان واجب ومستحب فالمستحب كقول بعض الفقهاء : الغسل ينقسم إلى كامل ومجزئ أي : كامل المستحبات وليس هذا الكمال هو المنفي في لفظ الشارع بل المنفي هو الكمال الواجب وإلا فالشارع لم ينف الإيمان ولا الصلاة ولا الصيام ولا الطهارة ولا نحو ذلك من المسميات الشرعية لانتفاء بعض مستحباتها ; إذ لو كان كذلك لانتفى الإيمان عن جماهير المؤمنين بل إنما نفاه لانتفاء الواجبات كقوله عليه الصلاة والسلام {
nindex.php?page=hadith&LINKID=30897لا صيام لمن لم يبيت النية } و {
nindex.php?page=hadith&LINKID=30829لا صلاة إلا بأم القرآن } .
وقد رويت عنه ألفاظ تنازع الناس في ثبوتها عنه مثل قوله : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=30897لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل } {
nindex.php?page=hadith&LINKID=30840ولا صلاة إلا بوضوء ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه } {
nindex.php?page=hadith&LINKID=30864لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد } من ثبتت عنده هذه الألفاظ فعليه أن يقول بموجبها
[ ص: 269 ] فيوجب ما تضمنته من : التبييت ; وذكر اسم الله ; وإجابة المؤذن ; ونحو ذلك . ثم إذا ترك الإنسان بعض واجبات العبادة : هل يقال : بطلت كلها فلا ثواب له عليها ؟ أم يقال : يثاب على ما فعله ويعاقب على ما تركه ؟ وهل عليه إعادة ذلك ؟ هذا يكون بحسب الأدلة الشرعية فمن الواجبات في العبادة ما لا تبطل العبادة بتركه ولا إعادة على تاركه بل يجبر المتروك ; كالواجبات في الحج التي ليست أركانا مثل رمي الجمار وأن يحرم من غير الميقات ونحو ذلك .
وكذلك الصلاة عند الجمهور
كمالك ;
وأحمد وغيرهم فيها واجب لا تبطل الصلاة بتركه عندهم كما يقول
أبو حنيفة في الفاتحة والطمأنينة . وكما يقول
مالك وأحمد في التشهد الأول ; لكن
مالك وأحمد يقولان : ما تركه من هذا سهوا فعليه أن يسجد للسهو وأما إذا تركه عمدا فتبطل صلاته كما
nindex.php?page=treesubj&link=23393تبطل الصلاة بترك التشهد الأول عمدا في المشهور من مذهبيهما لكن
أصحاب مالك يسمون هذا سنة مؤكدة ومعناه معنى الواجب عندهم .
وأما
أبو حنيفة فيقول : من
nindex.php?page=treesubj&link=28142ترك الواجب الذي ليس بفرض عمدا أساء ولا إعادة عليه والجمهور يقولون : لا نعهد في العبادة واجبا فيما يتركه الإنسان إلى غير بدل ولا إعادة عليه فلا بد من وجوب البدل للإعادة . ولكن مع هذا اتفقت الأئمة على أن من
nindex.php?page=treesubj&link=3770ترك [ ص: 270 ] واجبا في الحج ليس بركن ولم يجبره بالدم الذي عليه لم يبطل حجه ولا تجب إعادته فهكذا يقول جمهور
السلف وأهل الحديث : أن من
nindex.php?page=treesubj&link=19706ترك واجبا من واجبات الإيمان الذي لا يناقض أصول الإيمان فعليه أن يجبر إيمانه إما بالتوبة ; وإما بالحسنات المكفرة . فالكبائر يتوب منها والصغائر تكفرها الصلاة والصيام والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإن لم يفعل لم يحبط إيمانه جملة .
nindex.php?page=treesubj&link=28648وأصلهم أن الإيمان يتبعض فيذهب بعضه ويبقى بعضه كما في قوله عليه الصلاة والسلام {
nindex.php?page=hadith&LINKID=70211يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان } ولهذا مذهبهم أن
nindex.php?page=treesubj&link=28648الإيمان يتفاضل ويتبعض هذا مذهب
مالك والشافعي وأحمد وغيرهم .
وأما الذين أنكروا تبعضه وتفاضله كأنهم قالوا : متى ذهب بعضه ذهب سائره ثم انقسموا قسمين : فقالت
الخوارج والمعتزلة : فعل الواجبات وترك المحرمات من الإيمان فإذا ذهب بعض ذلك ذهب الإيمان كله فلا يكون مع الفاسق إيمان أصلا بحال .
ثم قالت
الخوارج : هو كافر وقالت
المعتزلة : ليس بكافر ولا مؤمن . بل هو فاسق ننزله منزلة بين المنزلتين فخالفوا
الخوارج في الاسم ووافقوهم في الحكم وقالوا : إنه مخلد في النار لا يخرج منها
[ ص: 271 ] بشفاعة ولا غيرها . والحزب الثاني وافقوا
أهل السنة على أنه لا يخلد في النار من أهل التوحيد أحد ثم ظنوا أن هذا لا يكون إلا مع وجود كمال الإيمان ; لاعتقادهم أن الإيمان لا يتبعض فقالوا : كل فاسق فهو كامل الإيمان وإيمان الخلق متماثل لا متفاضل وإنما التفاضل في غير الإيمان من الأعمال وقالوا : الأعمال ليست من الإيمان لأن الله فرق بين الإيمان والأعمال في كتابه . ثم قال الفقهاء المعتبرون من أهل هذا القول : إن
nindex.php?page=treesubj&link=28647الإيمان هو تصديق القلب وقول اللسان وهذا المنقول عن
nindex.php?page=showalam&ids=15741حماد بن أبي سليمان ومن وافقه
كأبي حنيفة وغيره وقال
جهم والصالحي ومن وافقهما من
أهل الكلام كأبي الحسن وغيره : إنه مجرد تصديق القلب .
وفصل الخطاب في هذا الباب : أن اسم الإيمان قد يذكر مجردا ; وقد يذكر مقرونا بالعمل أو بالإسلام . فإذا ذكر مجردا تناول الأعمال كما في الصحيحين : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=13852الإيمان بضع وستون أو بضع وسبعون شعبة أعلاها قول : لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق } وفيهما أنه قال
لوفد عبد القيس : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=598183آمركم بالإيمان بالله أتدرون ما الإيمان بالله ؟ شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وأن تؤدوا خمس ما غنمتم } وإذا ذكر مع الإسلام - كما في حديث {
nindex.php?page=hadith&LINKID=598184جبريل أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن [ ص: 272 ] الإيمان والإسلام والإحسان - فرق بينهما فقال : الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله } إلى آخره . . وفي المسند عن النبي صلى الله عليه وسلم {
الإسلام علانية والإيمان في القلب } فلما ذكرهما جميعا ذكر أن الإيمان في القلب والإسلام ما يظهر من الأعمال .
nindex.php?page=treesubj&link=28647وإذا أفرد الإيمان أدخل فيه الأعمال الظاهرة لأنها لوازم ما في القلب ; لأنه متى ثبت الإيمان في القلب والتصديق بما أخبر به الرسول وجب حصول مقتضي ذلك ضرورة ; فإنه ما أسر أحد سريرة إلا أبداها الله على صفحات وجهه وفلتات لسانه فإذا ثبت التصديق في القلب لم يتخلف العمل بمقتضاه ألبتة فلا تستقر معرفة تامة ومحبة صحيحة ولا يكون لها أثر في الظاهر .
ولهذا ينفي الله الإيمان عمن انتفت عنه لوازمه ; فإن انتفاء اللازم يقتضي انتفاء الملزوم كقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=755&ayano=5ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5184&ayano=58لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله } الآية ونحوها فالظاهر والباطن متلازمان لا يكون الظاهر مستقيما إلا مع استقامة الباطن وإذا استقام الباطن فلا بد أن يستقيم الظاهر ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=70117ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد ألا وهي القلب }
[ ص: 273 ] وقال
عمر لمن رآه يعبث في صلاته : لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه وفي الحديث : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=31671لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم لسانه ولا يستقيم لسانه حتى يستقيم قلبه } .
ولهذا كان الظاهر لازما للباطن من وجه وملزوما له من وجه وهو دليل عليه من جهة كونه ملزوما لا من جهة كونه لازما ; فإن الدليل ملزوم المدلول يلزم من وجود الدليل وجود المدلول ولا يلزم من وجود الشيء وجود ما يدل عليه والدليل يطرد ولا ينعكس بخلاف الحد فإنه يطرد وينعكس .
وتنازعوا في
nindex.php?page=treesubj&link=21726_22012العلة هل يجب طردها بحيث تبطل بالتخصيص والانتقاض ؟ والصواب أن لفظ العلة يعبر به عن العلة التامة وهو مجموع ما يستلزم الحكم فهذه يجب طردها ويعبر به عن المقتضي للحكم الذي يتوقف اقتضاؤه على ثبوت الشروط وانتفاء الموانع فهذه إذا تخلف الحكم عنها لغير ذلك بطلت .
وكذلك تنازعوا في انعكاسها وهو أنه هل يلزم من عدم الحكم عدمها ؟ فقيل : لا يجب انعكاسها ; لجواز
nindex.php?page=treesubj&link=28433_21726تعليل الحكم بعلتين . وقيل : يجب الانعكاس ; لأن الحكم متى ثبت مع عدمها لم تكن مؤثرة فيه بل كان غنيا عنها
nindex.php?page=treesubj&link=21766وعدم التأثير مبطل للعلة . وكثير من الناس يقول
[ ص: 274 ] بأن عدم التأثير يبطل العلة ويقول بأن العكس ليس بشرط فيها وآخرون يقولون : هذا تناقض .
والتحقيق في هذا : أن العلة إذا عدمت عدم الحكم المتعلق بها بعينه كمن يجوز وجود مثل ذلك الحكم بعلة أخرى فإذا وجد ذلك الحكم بدون علة أخرى علم أنها عديمة التأثير وبطلت وأما إذا وجد نظير ذلك الحكم بعلة أخرى كان نوع ذلك الحكم معللا بعلتين وهذا جائز كما إذا قيل في المرأة المرتدة : كفرت بعد إسلامها فتقتل قياسا على الرجل لقول النبي صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=25768لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله إلا بإحدى ثلاث : رجل كفر بعد إسلامه أو زنى بعد إحصانه ; أو قتل نفسا فقتل بها } . فإذا قيل له : لا تأثير لقولك : كفر بعد إسلامه فإن الرجل يقتل بمجرد الكفر وحينئذ فالمرأة لا تقتل بمجرد الكفر ; فيقول : هذه علة ثابتة بالنص وبقوله : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=598185من بدل دينه فاقتلوه } وأما الرجل فما قتلته لمجرد كفره بل لكفره وجراءته ولهذا لا أقتل من كان عاجزا عن القتال كالشيخ الهرم ونحوه . وأما الكفر بعد الإسلام فعلة أخرى مبيحة للدم ; ولهذا قتل بالردة من كان عاجزا عن القتال كالشيخ الكبير .
وهذا قول
مالك وأحمد وإن كان ممن يرى أن
nindex.php?page=treesubj&link=28671مجرد الكفر [ ص: 275 ] يبيح القتال كالشافعي ; قال : الكفر وحده علة ; والكفر بعد الإسلام علة أخرى .
وليس هذا موضع بسط هذه الأمور وإنما ننبه عليها .
والمقصود : أن
nindex.php?page=treesubj&link=28648_28649لفظ الإيمان تختلف دلالته بالإطلاق والاقتران فإذا ذكر مع العمل أريد به أصل الإيمان المقتضي للعمل وإذا ذكر وحده دخل فيه لوازم ذلك الأصل .
وكذلك إذا ذكر بدون الإسلام كان الإسلام جزءا منه وكان كل مسلم مؤمنا فإذا ذكر لفظ الإسلام مع الإيمان تميز أحدهما عن الآخر كما في حديث
جبريل وكما في قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=3601&ayano=33إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات } ولهذا نظائر كلفظ المعروف والمنكر والعدل والإحسان وغير ذلك ففي قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1118&ayano=7يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر } يدخل في لفظ المعروف كل مأمور به وفي لفظ المنكر كل منهي عنه وفي قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=3414&ayano=29إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر } جعل الفحشاء غير المنكر وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2007&ayano=16وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي } جعل الفحشاء والبغي غير المنكر .
وإذا قيل : هذا من باب عطف الخاص على العام والعام على الخاص
[ ص: 276 ] فللناس هنا قولان : منهم من يقول : الخاص دخل في العام وخص بالذكر فقد ذكر مرتين . ومنهم من يقول : تخصيصه بالذكر يقتضي أنه لم يدخل في العام وقد يعطف الخاص على العام كما في قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=2وملائكته ورسله وجبريل } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3573&ayano=33وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك } الآية وقد يعطف العام على الخاص كما في قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=3593&ayano=33وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطئوها } .
وأصل الشبهة في الإيمان أن القائلين : أنه لا يتبعض قالوا : إن الحقيقة المركبة من أمور متى ذهب بعض أجزائها انتفت تلك الحقيقة كالعشرة المركبة من آحاد فلو قلنا : إنه يتبعض لزم زوال بعض الحقيقة مع بقاء بعضها فيقال لهم . : إذا زال بعض أجزاء المركب تزول الهيئة الاجتماعية الحاصلة بالتركيب لكن لا يلزم أن يزول سائر الأجزاء والإيمان المؤلف من الأقوال الواجبة والأعمال الواجبة الباطنة والظاهرة هو المجموع الواجب الكامل وهذه الهيئة الاجتماعية تزول بزوال بعض الأجزاء وهذه هي المنفية في الكتاب والسنة في مثل قوله : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=23829لا يزني الزاني } إلخ وعلى ذلك جاء قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=4676&ayano=49إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا } الآيات ولكن لا يلزم أن تزول سائر الأجزاء ; ولا أن سائر الأجزاء الباقية لا تكون من الإيمان بعد زوال بعضه . كما أن واجبات الحج من الحج الواجب الكامل وإذا زالت زال
[ ص: 277 ] هذا الكمال ولم يزل سائر الحج .
وكذلك الإنسان الكامل يدخل في مسماه أعضاؤه كلها ثم لو قطعت يداه ورجلاه لم يخرج عن اسم الإنسان وإن كان قد زال منه بعض ما يدخل [ في ] الاسم الكامل .
وكذلك لفظ الشجرة والباب والبيت والحائط وغير ذلك يتناول المسمى في حال كمال أجزائه بعد ذهاب بعض أجزائه .
وبهذا تزول الشبهة التي أوردها
الرازي ومن اتبعه
كالأصبهاني وغيره على
الشافعي ; فإن مذهبه في ذلك مذهب جمهور
أهل الحديث والسلف وقد اعترض هؤلاء بهذه الشبهة الفاسدة على
السلف .
والإيمان يتفاضل من جهة الشارع فليس ما أمر الله به كل عبد هو ما أمر الله به غيره ولا الإيمان الذي يجب على كل عبد يجب على غيره بل كانوا في أول الإسلام يكون الرجل مؤمنا كامل الإيمان مستحقا للثواب إذا فعل ما أوجبه الله عليه ورسوله وإن كان لم يقع منه التصديق المفضل بما لم ينزل من القرآن ولم يصم رمضان ولم يحج
البيت كما أن من آمن في زمننا هذا إيمانا تاما ومات قبل دخول وقت صلاة عليه مات مستكملا للإيمان الذي وجب عليه كما أنه مستحق للثواب على إيمانه ذلك .
[ ص: 278 ] وأما بعد نزول ما نزل من القرآن وإيجاب ما أوجبه الله ورسوله من الواجبات وتمكن من فعل ذلك فإنه لا يكون مستحقا للثواب بمجرد ما كان يستحق به الثواب قبل ذلك فلذلك يقول هؤلاء : لم يكن هذا مؤمنا بما كان به مؤمنا قبل ذلك وهذا لأن الإيمان الذي شرع لهذا أعظم من الإيمان الذي شرع لهذا وكذلك المستطيع الحج يجب عليه ما لا يجب على العاجز عنه وصاحب المال يجب عليه من الزكاة ما لا يجب على الفقير ونظائره متعددة .
وأما تفاصيله من جهة العبد فتارة يقوم هذا من الإقرار والعمل بأعظم مما يقوم به هذا . وكل أحد يعلم أن ما في القلب من الأمور يتفاضل حتى إن الإنسان يجد نفسه أحيانا أعظم حبا لله ورسوله وخشية لله ورجاء لرحمته وتوكلا عليه ; وإخلاصا منه في بعض الأوقات .
وكذلك
nindex.php?page=treesubj&link=28650المعرفة والتصديق تتفاضل في أصح القولين وهذا أصح الروايتين عن
أحمد وقد قال غير واحد من
الصحابة كعمر بن حبيب الخطمي وغيره :
nindex.php?page=treesubj&link=28650الإيمان يزيد وينقص فإذا ذكرنا الله وحمدناه وسبحناه فتلك زيادته وإذا غفلنا ونسينا وضيعنا فذلك نقصانه .
ولهذا سن
nindex.php?page=treesubj&link=28651الاستثناء في الإيمان فإن كثيرا من
السلف من
الصحابة والتابعين وغيرهم استثنوا في الإيمان وآخرون أنكروا الاستثناء فيه
[ ص: 279 ] وقالوا : هذا شك . والذين استثنوا فيه منهم من أوجبه ومنهم من لم يوجبه بل جوز تركه باعتبار حالتين وهذا أصح الأقوال وهذان القولان في مذهب
أحمد وغيره فمن استثنى لعدم علمه بأنه غير قائم بالواجبات كما أمر الله ورسوله فقد أحسن وكذلك من استثنى لعدم علمه بالعاقبة وكذلك من استثنى تعليقا للأمر بمشيئة الله تعالى لا شكا ومن جزم بما هو في نفسه في هذه الحال كمن يعلم من نفسه أنه شهد أن لا إله إلا الله وأن
محمدا رسول الله فجزم بما هو متيقن حصوله في نفسه فهو محسن في ذلك .
وكثير من
nindex.php?page=treesubj&link=28648منازعات الناس في مسائل الإيمان ومسائل الأسماء والأحكام هي منازعات لفظية فإذا فصل الخطاب زال الارتياب . والله سبحانه أعلم بالصواب .
فَصْلٌ
nindex.php?page=treesubj&link=20963لَفْظَةُ " إنَّمَا " لِلْحَصْرِ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ وَهَذَا مِمَّا يُعْرَفُ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ لُغَةِ
الْعَرَبِ كَمَا تَعْرِفُ مَعَانِيَ حُرُوفِ النَّفْيِ وَالِاسْتِفْهَامِ وَالشَّرْطِ وَغَيْرِ ذَلِكَ لَكِنْ تَنَازَعَ النَّاسُ : هَلْ دَلَالَتُهَا عَلَى الْحَصْرِ بِطَرِيقِ الْمَنْطُوقِ أَوْ الْمَفْهُومِ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ بِطَرِيقِ الْمَنْطُوقِ وَالْقَوْلُ الْآخَرُ قَوْلُ بَعْضِ مُثْبِتِي الْمَفْهُومِ
nindex.php?page=showalam&ids=14953كَالْقَاضِي أَبِي يَعْلَى فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَبَعْضِ الْغُلَاةِ مِنْ نفاته وَهَؤُلَاءِ زَعَمُوا أَنَّهَا تُفِيدُ الْحَصْرَ وَاحْتَجُّوا بِمِثْلِ قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4671&ayano=8إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ } .
وَقَدْ احْتَجَّ طَائِفَةٌ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ عَلَى أَنَّهَا لِلْحَصْرِ بِأَنَّ حَرْفَ " إنْ " لِلْإِثْبَاتِ وَحَرْفَ " مَا " لِلنَّفْيِ فَإِذَا اجْتَمَعَا حَصَلَ النَّفْيُ وَالْإِثْبَاتُ جَمِيعًا
[ ص: 265 ] وَهَذَا خَطَأٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ بِالْعَرَبِيَّةِ ; فَإِنَّ " مَا " هُنَا هِيَ مَا الْكَافَّةُ لَيْسَتْ مَا النَّافِيَةُ وَهَذِهِ الْكَافَّةُ تَدْخُلُ عَلَى أَنَّ وَأَخَوَاتِهَا فَتَكُفُّهَا عَنْ الْعَمَلِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْحُرُوفَ الْعَامِلَةَ أَصْلُهَا أَنْ تَكُونَ لِلِاخْتِصَاصِ ; فَإِذَا اخْتَصَّتْ بِالِاسْمِ أَوْ بِالْفِعْلِ وَلَمْ تَكُنْ كَالْجُزْءِ مِنْهُ عَمِلَتْ فِيهِ فَأَنَّ وَأَخَوَاتِهَا اخْتَصَّتْ بِالِاسْمِ فَعَمِلَتْ فِيهِ وَتُسَمَّى الْحُرُوفُ الْمُشْبِهَةُ لِلْأَفْعَالِ ; لِأَنَّهَا عَمِلَتْ نَصْبًا وَرَفْعًا وَكَثُرَتْ حُرُوفُهَا وَحُرُوفُ الْجَرِّ اخْتَصَّتْ بِالِاسْمِ فَعَمِلَتْ فِيهِ وَحُرُوفُ الشَّرْطِ اخْتَصَّتْ بِالْفِعْلِ فَعَمِلَتْ فِيهِ بِخِلَافِ أَدَوَاتِ الِاسْتِفْهَامِ فَإِنَّهَا تَدْخُلُ عَلَى الْجُمْلَتَيْنِ وَلَمْ تَعْمَلْ وَكَذَلِكَ مَا الْمَصْدَرِيَّةُ .
وَلِهَذَا الْقِيَاسِ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=20945مَا النَّافِيَةُ أَنْ لَا تَعْمَلَ أَيْضًا عَلَى لُغَةِ
تَمِيمٍ وَلَكِنْ تَعْمَلُ عَلَى اللُّغَةِ الْحِجَازِيَّةِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ . فِي مِثْلِ قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=5164&ayano=58مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ } و {
nindex.php?page=tafseer&surano=1639&ayano=12مَا هَذَا بَشَرًا } اسْتِحْسَانًا لِمُشَابَهَتِهَا " لَيْسَ " هُنَا لَمَّا دَخَلَتْ مَا الْكَافَّةُ عَلَى إنْ أَزَالَتْ اخْتِصَاصَهَا فَصَارَتْ تَدْخُلُ عَلَى الْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ وَالْجُمْلَةِ الْفِعْلِيَّةِ فَبَطَلَ عَمَلُهَا كَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1727&ayano=13إنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ } وَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5302&ayano=52إنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } .
nindex.php?page=treesubj&link=20945_20925وَقَدْ تَكُونُ مَا الَّتِي بَعْدَ أَنَّ اسْمًا لَا حَرْفًا كَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2437&ayano=20إنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ } بِالرَّفْعِ أَيْ : أَنَّ الَّذِي صَنَعُوهُ كَيْدُ سَاحِرٍ خِلَافَ قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2440&ayano=20إنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا } فَإِنَّ الْقِرَاءَةَ بِالنَّصْبِ لَا تَسْتَقِيمُ إذَا كَانَتْ مَا بِمَعْنَى الَّذِي وَفِي كُلِّ الْمَعْنَيَيْنِ الْحَصْرُ مَوْجُودٌ لَكِنْ إذَا
[ ص: 266 ] كَانَتْ مَا بِمَعْنَى الَّذِي فَالْحَصْرُ جَاءَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْمَعَارِفَ هِيَ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ فَإِنَّ الْأَسْمَاءَ إمَّا مَعَارِفُ وَإِمَّا نَكِرَاتٌ
nindex.php?page=treesubj&link=21135وَالْمَعَارِفُ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ وَالنَّكِرَةُ فِي غَيْرِ الْمُوجِبِ كَالنَّفْيِ وَغَيْرِهِ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ فَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2437&ayano=20إنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ } تَقْدِيرُهُ : أَنَّ الَّذِي صَنَعُوهُ كَيْدُ سَاحِرٍ .
وَأَمَّا الْحَصْرُ فِي " إنَّمَا " فَهُوَ مِنْ جِنْسِ الْحَصْرِ بِالنَّفْيِ وَالِاسْتِثْنَاءِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3144&ayano=26مَا أَنْتَ إلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=440&ayano=3وَمَا مُحَمَّدٌ إلَّا رَسُولٌ } .
وَالْحَصْرُ قَدْ يُعَبَّرُ عَنْهُ بِأَنَّ الْأَوَّلَ مَحْصُورٌ فِي الثَّانِي وَقَدْ يُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْعَكْسِ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ وَهُوَ أَنَّ الثَّانِيَ أَثْبَتَهُ الْأَوَّلُ وَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ غَيْرُهُ مِمَّا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ ثَابِتٌ لَهُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ إنَّك تَنْفِي عَنْ الْأَوَّلِ كُلَّ مَا سِوَى الثَّانِي
nindex.php?page=treesubj&link=28984فَقَوْلُهُ : { nindex.php?page=tafseer&surano=1727&ayano=13إنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ } أَيْ : إنَّك لَسْت رَبًّا لَهُمْ ; وَلَا مُحَاسِبًا ; وَلَا مُجَازِيًا ; وَلَا وَكِيلًا عَلَيْهِمْ ; كَمَا قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6077&ayano=88لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ } وَكَمَا قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1760&ayano=3فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=749&ayano=5مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ } لَيْسَ هُوَ إلَهًا وَلَا أُمُّهُ إلَهَةً بَلْ غَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ رَسُولًا كَمَا غَايَةُ
مُحَمَّدٍ أَنْ يَكُونَ رَسُولًا وَغَايَةُ
مَرْيَمَ أَنْ تَكُونَ صِدِّيقَةً .
وَهَذَا مِمَّا اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ : أَنَّهَا نَبِيَّةٌ وَقَدْ حَكَى الْإِجْمَاعَ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=28748عَدَمِ نُبُوَّةِ أَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ [ ص: 267 ] الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ ابْنُ الطَّيِّبِ nindex.php?page=showalam&ids=14953وَالْقَاضِي أَبُو يَعْلَى وَالْأُسْتَاذُ أَبُو الْمَعَالِي الجويني وَغَيْرُهُمْ .
وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=440&ayano=3وَمَا مُحَمَّدٌ إلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ } أَيْ : لَيْسَ مُخَلَّدًا فِي الدُّنْيَا لَا يَمُوتُ وَلَا يُقْتَلُ بَلْ يَجُوزُ عَلَيْهِ مَا جَازَ عَلَى إخْوَانِهِ الْمُرْسَلِينَ مِنْ الْمَوْتِ أَوْ الْقَتْلِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=440&ayano=3أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ } نَزَلَتْ يَوْمَ
أُحُدٍ لَمَّا قِيلَ أَنَّ
مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ وَتَلَاهَا
الصِّدِّيقُ يَوْمَ مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : مَنْ كَانَ يَعْبُدُ
مُحَمَّدًا فَإِنَّ
مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ فَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَسْمَعُوهَا حَتَّى تَلَاهَا
أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَكَانَ لَا يُوجَدُ أَحَدٌ إلَّا يَتْلُوهَا .
فَصْلٌ : وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=1170&ayano=8إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ } الْآيَةَ فَهَذِهِ الْآيَةُ أَثْبَتَ فِيهَا الْإِيمَانَ لِهَؤُلَاءِ وَنَفَاهُ عَنْ غَيْرِهِمْ كَمَا نَفَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّنْ نَفَاهُ عَنْهُ فِي الْأَحَادِيثِ مِثْلَ قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=23829لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاكُمْ } وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=29843لَا إيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ } وَمِنْ هَذَا
[ ص: 268 ] الْبَابِ قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=4676&ayano=49إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا } الْآيَةَ . وَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2877&ayano=24إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ } الْآيَةَ .
وَهَذِهِ الْمَوَاضِعُ قَدْ تَنَازَعَ النَّاسُ فِي نَفْيِهَا وَاَلَّذِي عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ
السَّلَفِ وَأَهْلُ الْحَدِيثِ وَغَيْرُهُمْ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28648_28647نَفْيَ الْإِيمَانِ لِانْتِفَاءِ بَعْضِ الْوَاجِبَاتِ فِيهِ وَالشَّارِعُ دَائِمًا لَا يَنْفِي الْمُسَمَّى الشَّرْعِيَّ إلَّا لِانْتِفَاءِ وَاجِبٍ فِيهِ وَإِذَا قِيلَ : الْمُرَادُ بِذَلِكَ نَفْيُ الْكَمَالِ فَالْكَمَالُ نَوْعَانِ وَاجِبٌ وَمُسْتَحَبٌّ فَالْمُسْتَحَبُّ كَقَوْلِ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ : الْغُسْلُ يَنْقَسِمُ إلَى كَامِلٍ وَمُجْزِئٍ أَيْ : كَامِلُ الْمُسْتَحَبَّاتِ وَلَيْسَ هَذَا الْكَمَالُ هُوَ الْمَنْفِيَّ فِي لَفْظِ الشَّارِعِ بَلْ الْمَنْفِيُّ هُوَ الْكَمَالُ الْوَاجِبُ وَإِلَّا فَالشَّارِعُ لَمْ يَنْفِ الْإِيمَانَ وَلَا الصَّلَاةَ وَلَا الصِّيَامَ وَلَا الطَّهَارَةَ وَلَا نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْمُسَمَّيَاتِ الشَّرْعِيَّةِ لِانْتِفَاءِ بَعْضِ مُسْتَحَبَّاتِهَا ; إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَانْتَفَى الْإِيمَانُ عَنْ جَمَاهِيرِ الْمُؤْمِنِينَ بَلْ إنَّمَا نَفَاهُ لِانْتِفَاءِ الْوَاجِبَاتِ كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=30897لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتْ النِّيَّةَ } وَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=30829لَا صَلَاةَ إلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ } .
وَقَدْ رُوِيَتْ عَنْهُ أَلْفَاظٌ تَنَازَعَ النَّاسُ فِي ثُبُوتِهَا عَنْهُ مِثْلَ قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=30897لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ } {
nindex.php?page=hadith&LINKID=30840وَلَا صَلَاةَ إلَّا بِوُضُوءِ وَلَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ } {
nindex.php?page=hadith&LINKID=30864لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ } مَنْ ثَبَتَتْ عِنْدَهُ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ بِمُوجِبِهَا
[ ص: 269 ] فَيُوجِبُ مَا تَضَمَّنَتْهُ مِنْ : التَّبْيِيتِ ; وَذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ ; وَإِجَابَةِ الْمُؤَذِّنِ ; وَنَحْوِ ذَلِكَ . ثُمَّ إذَا تَرَكَ الْإِنْسَانُ بَعْضَ وَاجِبَاتِ الْعِبَادَةِ : هَلْ يُقَالُ : بَطَلَتْ كُلُّهَا فَلَا ثَوَابَ لَهُ عَلَيْهَا ؟ أَمْ يُقَالُ : يُثَابُ عَلَى مَا فَعَلَهُ وَيُعَاقَبُ عَلَى مَا تَرَكَهُ ؟ وَهَلْ عَلَيْهِ إعَادَةُ ذَلِكَ ؟ هَذَا يَكُونُ بِحَسَبِ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ فَمِنْ الْوَاجِبَاتِ فِي الْعِبَادَةِ مَا لَا تَبْطُلُ الْعِبَادَةُ بِتَرْكِهِ وَلَا إعَادَةَ عَلَى تَارِكِهِ بَلْ يُجْبِرُ الْمَتْرُوكَ ; كَالْوَاجِبَاتِ فِي الْحَجِّ الَّتِي لَيْسَتْ أَرْكَانًا مِثْلَ رَمْيِ الْجِمَارِ وَأَنْ يَحْرِمَ مِنْ غَيْرِ الْمِيقَاتِ وَنَحْوَ ذَلِكَ .
وَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ
كَمَالِكِ ;
وَأَحْمَد وَغَيْرِهِمْ فِيهَا وَاجِبٌ لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهِ عِنْدَهُمْ كَمَا يَقُولُ
أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْفَاتِحَةِ وَالطُّمَأْنِينَةِ . وَكَمَا يَقُولُ
مَالِكٌ وَأَحْمَد فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ ; لَكِنْ
مَالِكٌ وَأَحْمَد يَقُولَانِ : مَا تَرَكَهُ مِنْ هَذَا سَهْوًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ لِلسَّهْوِ وَأَمَّا إذَا تَرَكَهُ عَمْدًا فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ كَمَا
nindex.php?page=treesubj&link=23393تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِتَرْكِ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ عَمْدًا فِي الْمَشْهُورِ مِنْ مَذْهَبَيْهِمَا لَكِنْ
أَصْحَابُ مَالِكٍ يُسَمَّوْنَ هَذَا سُنَّةً مُؤَكَّدَةً وَمَعْنَاهُ مَعْنَى الْوَاجِبِ عِنْدَهُمْ .
وَأَمَّا
أَبُو حَنِيفَةَ فَيَقُولُ : مَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=28142تَرَكَ الْوَاجِبَ الَّذِي لَيْسَ بِفَرْضِ عَمْدًا أَسَاءَ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَالْجُمْهُورُ يَقُولُونَ : لَا نَعْهَدُ فِي الْعِبَادَةِ وَاجِبًا فِيمَا يَتْرُكُهُ الْإِنْسَانُ إلَى غَيْرِ بَدَلٍ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُوبِ الْبَدَلِ لِلْإِعَادَةِ . وَلَكِنْ مَعَ هَذَا اتَّفَقَتْ الْأَئِمَّةُ عَلَى أَنَّ مَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=3770تَرَكَ [ ص: 270 ] وَاجِبًا فِي الْحَجِّ لَيْسَ بِرُكْنِ وَلَمْ يَجْبُرْهُ بِالدَّمِ الَّذِي عَلَيْهِ لَمْ يَبْطُلْ حَجُّهُ وَلَا تَجِبُ إعَادَتُهُ فَهَكَذَا يَقُولُ جُمْهُورُ
السَّلَفِ وَأَهْلُ الْحَدِيثِ : أَنَّ مَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=19706تَرَكَ وَاجِبًا مِنْ وَاجِبَاتِ الْإِيمَانِ الَّذِي لَا يُنَاقِضُ أُصُولَ الْإِيمَانِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَجْبُرَ إيمَانَهُ إمَّا بِالتَّوْبَةِ ; وَإِمَّا بِالْحَسَنَاتِ الْمُكَفِّرَةِ . فَالْكَبَائِرُ يَتُوبُ مِنْهَا وَالصَّغَائِرُ تُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ وَالصَّدَقَةُ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لَمْ يَحْبَطْ إيمَانُهُ جُمْلَةً .
nindex.php?page=treesubj&link=28648وَأَصْلُهُمْ أَنَّ الْإِيمَانَ يَتَبَعَّضُ فَيَذْهَبُ بَعْضُهُ وَيَبْقَى بَعْضُهُ كَمَا فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=70211يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إيمَانٍ } وَلِهَذَا مَذْهَبُهُمْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28648الْإِيمَانَ يَتَفَاضَلُ وَيَتَبَعَّضُ هَذَا مَذْهَبُ
مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَغَيْرِهِمْ .
وَأَمَّا الَّذِينَ أَنْكَرُوا تَبَعُّضَهُ وَتَفَاضُلَهُ كَأَنَّهُمْ قَالُوا : مَتَى ذَهَبَ بَعْضُهُ ذَهَبَ سَائِرُهُ ثُمَّ انْقَسَمُوا قِسْمَيْنِ : فَقَالَتْ
الْخَوَارِجُ وَالْمُعْتَزِلَةُ : فِعْلُ الْوَاجِبَاتِ وَتَرْكُ الْمُحَرَّمَاتِ مِنْ الْإِيمَانِ فَإِذَا ذَهَبَ بَعْضُ ذَلِكَ ذَهَبَ الْإِيمَانُ كُلُّهُ فَلَا يَكُونُ مَعَ الْفَاسِقِ إيمَانٌ أَصْلًا بِحَالِ .
ثُمَّ قَالَتْ
الْخَوَارِجُ : هُوَ كَافِرٌ وَقَالَتْ
الْمُعْتَزِلَةُ : لَيْسَ بِكَافِرِ وَلَا مُؤْمِنٍ . بَلْ هُوَ فَاسِقٌ نُنْزِلُهُ مَنْزِلَةً بَيْنَ الْمَنْزِلَتَيْنِ فَخَالَفُوا
الْخَوَارِجَ فِي الِاسْمِ وَوَافَقُوهُمْ فِي الْحُكْمِ وَقَالُوا : إنَّهُ مُخَلَّدٌ فِي النَّارِ لَا يَخْرُجُ مِنْهَا
[ ص: 271 ] بِشَفَاعَةِ وَلَا غَيْرِهَا . وَالْحِزْبُ الثَّانِي وَافَقُوا
أَهْلَ السُّنَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُخَلَّدُ فِي النَّارِ مِنْ أَهْلِ التَّوْحِيدِ أَحَدٌ ثُمَّ ظَنُّوا أَنَّ هَذَا لَا يَكُونُ إلَّا مَعَ وُجُودِ كَمَالِ الْإِيمَانِ ; لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّ الْإِيمَانَ لَا يَتَبَعَّضُ فَقَالُوا : كُلُّ فَاسِقٍ فَهُوَ كَامِلُ الْإِيمَانِ وَإِيمَانُ الْخَلْقِ مُتَمَاثِلٌ لَا مُتَفَاضِلٌ وَإِنَّمَا التَّفَاضُلُ فِي غَيْرِ الْإِيمَانِ مِنْ الْأَعْمَالِ وَقَالُوا : الْأَعْمَالُ لَيْسَتْ مِنْ الْإِيمَانِ لِأَنَّ اللَّهَ فَرَّقَ بَيْنَ الْإِيمَانِ وَالْأَعْمَالِ فِي كِتَابِهِ . ثُمَّ قَالَ الْفُقَهَاءُ الْمُعْتَبِرُونَ مِنْ أَهْلِ هَذَا الْقَوْلِ : إنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28647الْإِيمَانَ هُوَ تَصْدِيقُ الْقَلْبِ وَقَوْلُ اللِّسَانِ وَهَذَا الْمَنْقُولُ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15741حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَمَنْ وَافَقَهُ
كَأَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِ وَقَالَ
جَهْمٌ وَالصَّالِحِيَّ وَمَنْ وَافَقَهُمَا مِنْ
أَهْلِ الْكَلَامِ كَأَبِي الْحَسَنِ وَغَيْرِهِ : إنَّهُ مُجَرَّدُ تَصْدِيقِ الْقَلْبِ .
وَفَصْلُ الْخِطَابِ فِي هَذَا الْبَابِ : أَنَّ اسْمَ الْإِيمَانِ قَدْ يُذْكَرُ مُجَرَّدًا ; وَقَدْ يُذْكَرُ مَقْرُونًا بِالْعَمَلِ أَوْ بِالْإِسْلَامِ . فَإِذَا ذُكِرَ مُجَرَّدًا تَنَاوَلَ الْأَعْمَالَ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=13852الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ أَوْ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً أَعْلَاهَا قَوْلُ : لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ، وَأَدْنَاهَا إمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ } وَفِيهِمَا أَنَّهُ قَالَ
لِوَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=598183آمُرُكُمْ بِالْإِيمَانِ بِاَللَّهِ أَتَدْرُونَ مَا الْإِيمَانُ بِاَللَّهِ ؟ شَهَادَةُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامُ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ وَأَنْ تُؤَدُّوا خُمُسَ مَا غَنِمْتُمْ } وَإِذَا ذَكَرَ مَعَ الْإِسْلَامِ - كَمَا فِي حَدِيثِ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=598184جِبْرِيلَ أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ [ ص: 272 ] الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ وَالْإِحْسَانِ - فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَقَالَ : الْإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ } إلَى آخِرِهِ . . وَفِي الْمُسْنَدِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
الْإِسْلَامُ عَلَانِيَةٌ وَالْإِيمَانُ فِي الْقَلْبِ } فَلَمَّا ذَكَرَهُمَا جَمِيعًا ذَكَرَ أَنَّ الْإِيمَانَ فِي الْقَلْبِ وَالْإِسْلَامِ مَا يَظْهَرُ مِنْ الْأَعْمَالِ .
nindex.php?page=treesubj&link=28647وَإِذَا أَفْرَدَ الْإِيمَانَ أَدْخَلَ فِيهِ الْأَعْمَالَ الظَّاهِرَةَ لِأَنَّهَا لَوَازِمُ مَا فِي الْقَلْبِ ; لِأَنَّهُ مَتَى ثَبَتَ الْإِيمَانُ فِي الْقَلْبِ وَالتَّصْدِيقُ بِمَا أَخْبَرَ بِهِ الرَّسُولُ وَجَبَ حُصُولُ مُقْتَضِي ذَلِكَ ضَرُورَةً ; فَإِنَّهُ مَا أَسَرَّ أَحَدٌ سَرِيرَةً إلَّا أَبْدَاهَا اللَّهُ عَلَى صَفَحَاتِ وَجْهِهِ وَفَلَتَاتِ لِسَانِهِ فَإِذَا ثَبَتَ التَّصْدِيقُ فِي الْقَلْبِ لَمْ يَتَخَلَّفْ الْعَمَلُ بِمُقْتَضَاهُ أَلْبَتَّةَ فَلَا تَسْتَقِرُّ مَعْرِفَةٌ تَامَّةٌ وَمَحَبَّةٌ صَحِيحَةٌ وَلَا يَكُونُ لَهَا أَثَرٌ فِي الظَّاهِرِ .
وَلِهَذَا يَنْفِي اللَّهُ الْإِيمَانَ عَمَّنْ انْتَفَتْ عَنْهُ لَوَازِمُهُ ; فَإِنَّ انْتِفَاءَ اللَّازِمِ يَقْتَضِي انْتِفَاءَ الْمَلْزُومِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=755&ayano=5وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ } وَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5184&ayano=58لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } الْآيَةَ وَنَحْوَهَا فَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ مُتَلَازِمَانِ لَا يَكُونُ الظَّاهِرُ مُسْتَقِيمًا إلَّا مَعَ اسْتِقَامَةِ الْبَاطِنِ وَإِذَا اسْتَقَامَ الْبَاطِنُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَسْتَقِيمَ الظَّاهِرُ وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=70117أَلَا إنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ لَهَا سَائِرُ الْجَسَدِ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ لَهَا سَائِرُ الْجَسَدِ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ }
[ ص: 273 ] وَقَالَ
عُمَرُ لِمَنْ رَآهُ يَعْبَثُ فِي صَلَاتِهِ : لَوْ خَشَعَ قَلْبُ هَذَا لَخَشَعَتْ جَوَارِحُهُ وَفِي الْحَدِيثِ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=31671لَا يَسْتَقِيمُ إيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ وَلَا يَسْتَقِيمُ لِسَانُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ } .
وَلِهَذَا كَانَ الظَّاهِرُ لَازِمًا لِلْبَاطِنِ مِنْ وَجْهٍ وَمَلْزُومًا لَهُ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ مَلْزُومًا لَا مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ لَازِمًا ; فَإِنَّ الدَّلِيلَ مَلْزُومُ الْمَدْلُولِ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الدَّلِيلِ وُجُودُ الْمَدْلُولِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الشَّيْءِ وُجُودُ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَالدَّلِيلُ يَطَّرِدُ وَلَا يَنْعَكِسُ بِخِلَافِ الْحَدِّ فَإِنَّهُ يَطَّرِدُ وَيَنْعَكِسُ .
وَتَنَازَعُوا فِي
nindex.php?page=treesubj&link=21726_22012الْعِلَّةِ هَلْ يَجِبُ طَرْدُهَا بِحَيْثُ تَبْطُلُ بِالتَّخْصِيصِ وَالِانْتِقَاضِ ؟ وَالصَّوَابُ أَنَّ لَفْظَ الْعِلَّةِ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْعِلَّةِ التَّامَّةِ وَهُوَ مَجْمُوعُ مَا يَسْتَلْزِمُ الْحُكْمَ فَهَذِهِ يَجِبُ طَرْدُهَا وَيُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْمُقْتَضِي لِلْحُكْمِ الَّذِي يَتَوَقَّفُ اقْتِضَاؤُهُ عَلَى ثُبُوتِ الشُّرُوطِ وَانْتِفَاءِ الْمَوَانِعِ فَهَذِهِ إذَا تَخَلَّفَ الْحُكْمُ عَنْهَا لِغَيْرِ ذَلِكَ بَطَلَتْ .
وَكَذَلِكَ تَنَازَعُوا فِي انْعِكَاسِهَا وَهُوَ أَنَّهُ هَلْ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْحُكْمِ عَدَمُهَا ؟ فَقِيلَ : لَا يَجِبُ انْعِكَاسُهَا ; لِجَوَازِ
nindex.php?page=treesubj&link=28433_21726تَعْلِيلِ الْحُكْمِ بِعِلَّتَيْنِ . وَقِيلَ : يَجِبُ الِانْعِكَاسُ ; لِأَنَّ الْحُكْمَ مَتَى ثَبَتَ مَعَ عَدَمِهَا لَمْ تَكُنْ مُؤَثِّرَةً فِيهِ بَلْ كَانَ غَنِيًّا عَنْهَا
nindex.php?page=treesubj&link=21766وَعَدَمُ التَّأْثِيرِ مُبْطِلٌ لِلْعِلَّةِ . وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ يَقُولُ
[ ص: 274 ] بِأَنَّ عَدَمَ التَّأْثِيرِ يُبْطِلُ الْعِلَّةَ وَيَقُولُ بِأَنَّ الْعَكْسَ لَيْسَ بِشَرْطِ فِيهَا وَآخَرُونَ يَقُولُونَ : هَذَا تَنَاقُضٌ .
وَالتَّحْقِيقُ فِي هَذَا : أَنَّ الْعِلَّةَ إذَا عُدِمَتْ عُدِمَ الْحُكْمُ الْمُتَعَلِّقُ بِهَا بِعَيْنِهِ كَمَنْ يُجَوِّزُ وُجُودَ مِثْلِ ذَلِكَ الْحُكْمِ بِعِلَّةِ أُخْرَى فَإِذَا وُجِدَ ذَلِكَ الْحُكْمُ بِدُونِ عِلَّةٍ أُخْرَى عُلِمَ أَنَّهَا عَدِيمَةُ التَّأْثِيرِ وَبَطَلَتْ وَأَمَّا إذَا وُجِدَ نَظِيرُ ذَلِكَ الْحُكْمِ بِعِلَّةِ أُخْرَى كَانَ نَوْعُ ذَلِكَ الْحُكْمِ مُعَلَّلًا بِعِلَّتَيْنِ وَهَذَا جَائِزٌ كَمَا إذَا قِيلَ فِي الْمَرْأَةِ الْمُرْتَدَّةِ : كَفَرَتْ بَعْدَ إسْلَامِهَا فَتُقْتَلُ قِيَاسًا عَلَى الرَّجُلِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=25768لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ : رَجُلٌ كَفَرَ بَعْدَ إسْلَامِهِ أَوْ زَنَى بَعْدَ إحْصَانِهِ ; أَوْ قَتَلَ نَفْسًا فَقُتِلَ بِهَا } . فَإِذَا قِيلَ لَهُ : لَا تَأْثِيرَ لِقَوْلِك : كَفَرَ بَعْدَ إسْلَامِهِ فَإِنَّ الرَّجُلَ يُقْتَلُ بِمُجَرَّدِ الْكُفْرِ وَحِينَئِذٍ فَالْمَرْأَةُ لَا تُقْتَلُ بِمُجَرَّدِ الْكُفْرِ ; فَيَقُولُ : هَذِهِ عِلَّةٌ ثَابِتَةٌ بِالنَّصِّ وَبِقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=598185مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ } وَأَمَّا الرَّجُلُ فَمَا قَتَلْته لِمُجَرَّدِ كُفْرِهِ بَلْ لِكُفْرِهِ وَجَرَاءَتِهِ وَلِهَذَا لَا أَقْتُلُ مَنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ الْقِتَالِ كَالشَّيْخِ الْهَرِمِ وَنَحْوِهِ . وَأَمَّا الْكُفْرُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَعِلَّةٌ أُخْرَى مُبِيحَةٌ لِلدَّمِ ; وَلِهَذَا قُتِلَ بِالرِّدَّةِ مَنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ الْقِتَالِ كَالشَّيْخِ الْكَبِيرِ .
وَهَذَا قَوْلُ
مَالِكٍ وَأَحْمَد وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَرَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28671مُجَرَّدَ الْكُفْرِ [ ص: 275 ] يُبِيحُ الْقِتَالَ كَالشَّافِعِيِّ ; قَالَ : الْكُفْرُ وَحْدَهُ عِلَّةٌ ; وَالْكُفْرُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ عِلَّةٌ أُخْرَى .
وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ بَسْطِ هَذِهِ الْأُمُورِ وَإِنَّمَا نُنَبِّهُ عَلَيْهَا .
وَالْمَقْصُودُ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28648_28649لَفْظَ الْإِيمَانِ تَخْتَلِفُ دَلَالَتُهُ بِالْإِطْلَاقِ وَالِاقْتِرَانِ فَإِذَا ذُكِرَ مَعَ الْعَمَلِ أُرِيدَ بِهِ أَصْلُ الْإِيمَانِ الْمُقْتَضِي لِلْعَمَلِ وَإِذَا ذُكِرَ وَحْدَهُ دَخَلَ فِيهِ لَوَازِمُ ذَلِكَ الْأَصْلِ .
وَكَذَلِكَ إذَا ذُكِرَ بِدُونِ الْإِسْلَامِ كَانَ الْإِسْلَامُ جُزْءًا مِنْهُ وَكَانَ كُلُّ مُسْلِمٍ مُؤْمِنًا فَإِذَا ذَكَرَ لَفْظَ الْإِسْلَامِ مَعَ الْإِيمَانِ تَمَيَّزَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ كَمَا فِي حَدِيثِ
جِبْرِيلَ وَكَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=3601&ayano=33إنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ } وَلِهَذَا نَظَائِرُ كَلَفْظِ الْمَعْرُوفِ وَالْمُنْكَرِ وَالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَفِي قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1118&ayano=7يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ } يَدْخُلُ فِي لَفْظِ الْمَعْرُوفِ كُلُّ مَأْمُورٍ بِهِ وَفِي لَفْظِ الْمُنْكَرِ كُلُّ مَنْهِيٍّ عَنْهُ وَفِي قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=3414&ayano=29إنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ } جَعَلَ الْفَحْشَاءَ غَيْرَ الْمُنْكَرِ وَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2007&ayano=16وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ } جَعَلَ الْفَحْشَاءَ وَالْبَغْيَ غَيْرَ الْمُنْكَرِ .
وَإِذَا قِيلَ : هَذَا مِنْ بَابِ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ وَالْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ
[ ص: 276 ] فَلِلنَّاسِ هُنَا قَوْلَانِ : مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : الْخَاصُّ دَخَلَ فِي الْعَامِّ وَخُصَّ بِالذِّكْرِ فَقَدْ ذُكِرَ مَرَّتَيْنِ . وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : تَخْصِيصُهُ بِالذِّكْرِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْعَامِّ وَقَدْ يَعْطِفُ الْخَاصَّ عَلَى الْعَامِّ كَمَا فِي قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=2وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ } وَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3573&ayano=33وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ } الْآيَةَ وَقَدْ يَعْطِفُ الْعَامَّ عَلَى الْخَاصِّ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=3593&ayano=33وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا } .
وَأَصْلُ الشُّبْهَةِ فِي الْإِيمَانِ أَنَّ الْقَائِلِينَ : أَنَّهُ لَا يَتَبَعَّضُ قَالُوا : إنَّ الْحَقِيقَةَ الْمُرَكَّبَةَ مِنْ أُمُورٍ مَتَى ذَهَبَ بَعْضُ أَجْزَائِهَا انْتَفَتْ تِلْكَ الْحَقِيقَةُ كَالْعَشَرَةِ الْمُرَكَّبَةِ مِنْ آحَادٍ فَلَوْ قُلْنَا : إنَّهُ يَتَبَعَّضُ لَزِمَ زَوَالُ بَعْضِ الْحَقِيقَةِ مَعَ بَقَاءِ بَعْضِهَا فَيُقَالُ لَهُمْ . : إذَا زَالَ بَعْضُ أَجْزَاءِ الْمُرَكَّبِ تَزُولُ الْهَيْئَةُ الِاجْتِمَاعِيَّةُ الْحَاصِلَةُ بِالتَّرْكِيبِ لَكِنْ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَزُولَ سَائِرُ الْأَجْزَاءِ وَالْإِيمَانُ الْمُؤَلَّفُ مِنْ الْأَقْوَالِ الْوَاجِبَةِ وَالْأَعْمَالِ الْوَاجِبَةِ الْبَاطِنَةِ وَالظَّاهِرَةِ هُوَ الْمَجْمُوعُ الْوَاجِبُ الْكَامِلُ وَهَذِهِ الْهَيْئَةُ الِاجْتِمَاعِيَّةُ تَزُولُ بِزَوَالِ بَعْضِ الْأَجْزَاءِ وَهَذِهِ هِيَ الْمَنْفِيَّةُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=23829لَا يَزْنِي الزَّانِي } إلَخْ وَعَلَى ذَلِكَ جَاءَ قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=4676&ayano=49إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا } الْآيَاتِ وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُ أَنْ تَزُولَ سَائِرُ الْأَجْزَاءِ ; وَلَا أَنَّ سَائِرَ الْأَجْزَاءِ الْبَاقِيَةِ لَا تَكُونُ مِنْ الْإِيمَانِ بَعْدَ زَوَالِ بَعْضِهِ . كَمَا أَنَّ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ مِنْ الْحَجِّ الْوَاجِبِ الْكَامِلِ وَإِذَا زَالَتْ زَالَ
[ ص: 277 ] هَذَا الْكَمَالُ وَلَمْ يَزَلْ سَائِرُ الْحَجِّ .
وَكَذَلِكَ الْإِنْسَانُ الْكَامِلُ يَدْخُلُ فِي مُسَمَّاهُ أَعْضَاؤُهُ كُلُّهَا ثُمَّ لَوْ قُطِعَتْ يَدَاهُ وَرِجْلَاهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ اسْمِ الْإِنْسَانِ وَإِنْ كَانَ قَدْ زَالَ مِنْهُ بَعْضُ مَا يَدْخُلُ [ فِي ] الِاسْمِ الْكَامِلِ .
وَكَذَلِكَ لَفْظُ الشَّجَرَةِ وَالْبَابِ وَالْبَيْتِ وَالْحَائِطِ وَغَيْرِ ذَلِكَ يَتَنَاوَلُ الْمُسَمَّى فِي حَالِ كَمَالِ أَجْزَائِهِ بَعْدَ ذَهَابِ بَعْضِ أَجْزَائِهِ .
وَبِهَذَا تَزُولُ الشُّبْهَةُ الَّتِي أَوْرَدَهَا
الرَّازِيَّ وَمَنْ اتَّبَعَهُ
كالأصبهاني وَغَيْرِهِ عَلَى
الشَّافِعِيِّ ; فَإِنَّ مَذْهَبَهُ فِي ذَلِكَ مَذْهَبُ جُمْهُورِ
أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالسَّلَفِ وَقَدْ اعْتَرَضَ هَؤُلَاءِ بِهَذِهِ الشُّبْهَةِ الْفَاسِدَةِ عَلَى
السَّلَفِ .
وَالْإِيمَانُ يَتَفَاضَلُ مِنْ جِهَةِ الشَّارِعِ فَلَيْسَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ كُلَّ عَبْدٍ هُوَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ غَيْرَهُ وَلَا الْإِيمَانُ الَّذِي يَجِبُ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ يَجِبُ عَلَى غَيْرِهِ بَلْ كَانُوا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ يَكُونُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا كَامِلَ الْإِيمَانِ مُسْتَحِقًّا لِلثَّوَابِ إذَا فَعَلَ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ وَرَسُولُهُ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ التَّصْدِيقُ الْمُفَضَّلُ بِمَا لَمْ يَنْزِلْ مِنْ الْقُرْآنِ وَلَمْ يَصُمْ رَمَضَانَ وَلَمْ يَحُجَّ
الْبَيْتَ كَمَا أَنَّ مَنْ آمَنَ فِي زَمَنِنَا هَذَا إيمَانًا تَامًّا وَمَاتَ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ صَلَاةٍ عَلَيْهِ مَاتَ مُسْتَكْمِلًا لِلْإِيمَانِ الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهِ كَمَا أَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِلثَّوَابِ عَلَى إيمَانِهِ ذَلِكَ .
[ ص: 278 ] وَأَمَّا بَعْدَ نُزُولِ مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ وَإِيجَابِ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ الْوَاجِبَاتِ وَتَمَكَّنَ مِنْ فِعْلِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مُسْتَحِقًّا لِلثَّوَابِ بِمُجَرَّدِ مَا كَانَ يَسْتَحِقُّ بِهِ الثَّوَابَ قَبْلَ ذَلِكَ فَلِذَلِكَ يَقُولُ هَؤُلَاءِ : لَمْ يَكُنْ هَذَا مُؤْمِنًا بِمَا كَانَ بِهِ مُؤْمِنًا قَبْلَ ذَلِكَ وَهَذَا لِأَنَّ الْإِيمَانَ الَّذِي شُرِعَ لِهَذَا أَعْظَمُ مِنْ الْإِيمَانِ الَّذِي شُرِعَ لِهَذَا وَكَذَلِكَ الْمُسْتَطِيعُ الْحَجَّ يَجِبُ عَلَيْهِ مَا لَا يَجِبُ عَلَى الْعَاجِزِ عَنْهُ وَصَاحِبُ الْمَالِ يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ الزَّكَاةِ مَا لَا يَجِبُ عَلَى الْفَقِيرِ وَنَظَائِرُهُ مُتَعَدِّدَةٌ .
وَأَمَّا تَفَاصِيلُهُ مِنْ جِهَةِ الْعَبْدِ فَتَارَةً يَقُومُ هَذَا مِنْ الْإِقْرَارِ وَالْعَمَلِ بِأَعْظَمَ مِمَّا يَقُومُ بِهِ هَذَا . وَكُلُّ أَحَدٍ يَعْلَمُ أَنَّ مَا فِي الْقَلْبِ مِنْ الْأُمُورِ يَتَفَاضَلُ حَتَّى إنَّ الْإِنْسَانَ يَجِدُ نَفْسَهُ أَحْيَانًا أَعْظَمَ حُبًّا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَخَشْيَةً لِلَّهِ وَرَجَاءً لِرَحْمَتِهِ وَتَوَكُّلًا عَلَيْهِ ; وَإِخْلَاصًا مِنْهُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ .
وَكَذَلِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=28650الْمَعْرِفَةُ وَالتَّصْدِيقُ تَتَفَاضَلُ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ وَهَذَا أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ
أَحْمَد وَقَدْ قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ
الصَّحَابَةِ كَعُمَرِ بْنِ حَبِيبٍ الخطمي وَغَيْرِهِ :
nindex.php?page=treesubj&link=28650الْإِيمَانُ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ فَإِذَا ذَكَرْنَا اللَّهَ وَحَمِدْنَاهُ وَسَبَّحْنَاهُ فَتِلْكَ زِيَادَتُهُ وَإِذَا غَفَلْنَا وَنَسِينَا وَضَيَّعْنَا فَذَلِكَ نُقْصَانُهُ .
وَلِهَذَا سُنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28651الِاسْتِثْنَاءُ فِي الْإِيمَانِ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ
السَّلَفِ مِنْ
الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ اسْتَثْنَوْا فِي الْإِيمَانِ وَآخَرُونَ أَنْكَرُوا الِاسْتِثْنَاءَ فِيهِ
[ ص: 279 ] وَقَالُوا : هَذَا شَكٌّ . وَاَلَّذِينَ اسْتَثْنَوْا فِيهِ مِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُوجِبْهُ بَلْ جَوَّزَ تَرْكَهُ بِاعْتِبَارِ حَالَتَيْنِ وَهَذَا أَصَحُّ الْأَقْوَالِ وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ فِي مَذْهَبِ
أَحْمَد وَغَيْرِهِ فَمَنْ اسْتَثْنَى لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ غَيْرُ قَائِمٍ بِالْوَاجِبَاتِ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فَقَدْ أَحْسَنَ وَكَذَلِكَ مَنْ اسْتَثْنَى لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِالْعَاقِبَةِ وَكَذَلِكَ مَنْ اسْتَثْنَى تَعْلِيقًا لِلْأَمْرِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَا شَكًّا وَمَنْ جَزَمَ بِمَا هُوَ فِي نَفْسِهِ فِي هَذِهِ الْحَالِ كَمَنْ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ شَهِدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ
مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَجَزَمَ بِمَا هُوَ مُتَيَقِّنٌ حُصُولَهُ فِي نَفْسِهِ فَهُوَ مُحْسِنٌ فِي ذَلِكَ .
وَكَثِيرٌ مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=28648مُنَازَعَاتِ النَّاسِ فِي مَسَائِلِ الْإِيمَانِ وَمَسَائِلِ الْأَسْمَاءِ وَالْأَحْكَامِ هِيَ مُنَازَعَاتٌ لَفْظِيَّةٌ فَإِذَا فُصِلَ الْخِطَابُ زَالَ الِارْتِيَابُ . وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .