فصل فإذا تدبر العبد علم أن ما هو فيه من الحسنات من فضل الله . فشكر الله . فزاده الله من فضله عملا صالحا ، ونعما يفيضها عليه . [ ص: 262 ] وإذا علم أن الشر لا يحصل له إلا من نفسه بذنوبه : استغفر وتاب . فزال عنه سبب الشر . فيكون العبد دائما شاكرا مستغفرا . فلا يزال الخير يتضاعف له ، والشر يندفع عنه . كما { } فيستعيذ به من الشر الذي في النفس ، ومن عقوبة عمله . كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته الحمد لله فيشكر الله . ثم يقول نستعينه ونستغفره نستعينه على الطاعة . ونستغفره من المعصية . ثم يقول ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا
فليس الشر إلا من نفسه ومن عمل نفسه . فيستعيذ الله من شر النفس : أن يعمل بسبب سيئاته الخطايا . ثم إذا عمل استعاذ بالله من سيئات عمله ، ومن عقوبات عمله . فاستعانه على الطاعة وأسبابها . واستعاذ به من المعصية وعقابها . : يوجب له هذا وهذا . فهو سبحانه فرق بينهما هنا ، بعد أن جمع بينهما في قوله { فعلم العبد بأن ما أصابه من حسنة فمن الله ، وما أصابه من سيئة فمن نفسه قل كل من عند الله } . فبين أن الحسنات والسيئات : النعم والمصائب ، والطاعات والمعاصي ، على قول من أدخلها في " من عند الله " . ثم بين الفرق الذي ينتفعون به . وهو أن هذا الخير : من [ ص: 263 ] نعمة الله ، فاشكروه يزدكم .
وهذا الشر : من ذنوبكم . فاستغفروه ، يدفعه عنكم . قال الله تعالى { وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون } وقال تعالى { الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير } { ألا تعبدوا إلا الله إنني لكم منه نذير وبشير } { وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله } . والمذنب إذا استغفر ربه من ذنبه فقد تأسى بالسعداء من الأنبياء والمؤمنين ، كآدم وغيره . وإذا أصر ، واحتج بالقدر : فقد تأسى بالأشقياء ، كإبليس ومن اتبعه من الغاوين . فكان من ذكره : أن السيئة من نفس الإنسان بذنوبه ، بعد أن ذكر : أن الجميع من عند الله ، تنبيها على الاستغفار والتوبة ، والاستعاذة بالله من شر نفسه وسيئات عمله . والدعاء بذلك في الصباح والمساء ، وعند المنام ، كما { أبا بكر الصديق ، أفضل الأمة ، حيث علمه أن يقول اللهم فاطر السموات والأرض ، عالم الغيب والشهادة ، أعوذ بك من شر نفسي [ ص: 264 ] وشر الشيطان وشركه ، وأن أقترف على نفسي سوءا ، أو أجره إلى مسلم } . أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك
فيستغفر مما مضى . ويستعيذ مما يستقبل . فيكون من حزب السعداء . وإذا علم أن الحسنة من الله - الجزاء والعمل - سأله أن يعينه على فعل الحسنات . بقوله { إياك نعبد وإياك نستعين } وبقوله { اهدنا الصراط المستقيم } وقوله { ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا } ونحو ذلك . وأما إذا أخبر أن الجميع من عند الله فقط ، ولم يذكر الفرق فإنه يحصل من هذا التسوية . فأعرض العاصي والمذنب عن ذم نفسه وعن التوبة من ذنوبها ، والاستعاذة من شرها .
بل وقام في نفسه : أن يحتج على الله بالقدر . وتلك حجة داحضة ، لا تنفعه . بل تزيده عذابا وشقاء ، كما زادت إبليس لما قال { فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم } وقال { رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين }
. وكالذين يقولون يوم القيامة { لو أن الله هداني لكنت من المتقين } وكالذين قالوا { لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء } . فمن : كان من أخسر الناس في الدنيا والآخرة . فهذا من فوائد ذكر الفرق بين الجمع . احتج بالقدر على ما فعله من ذنوبه ، وأعرض عما أمر الله به ، من التوبة والاستغفار ، والاستعانة بالله ، والاستعاذة به ، واستهدائه