[ ص: 37 ] قال شيخ الإسلام أبو العباس أحمد بن تيمية رحمه الله تعالى فصل فهو مضطر إلى مقصود هذا الدعاء ; فإنه لا نجاة من العذاب ولا وصول إلى السعادة إلا بهذه الهداية فمن فاته فهو إما من المغضوب عليهم وإما من الضالين وهذا الهدى لا يحصل إلا بهدى الله وهذه الآية مما يبين فساد مذهب والعبد مضطر دائما إلى أن يهديه الله الصراط المستقيم القدرية .
وأما سؤال من يقول فقد هداهم فلا حاجة بهم إلى السؤال وجواب من أجابه بأن المطلوب دوامها كلام من لم يعرف حقيقة الأسباب وما أمر الله به ; فإن الصراط المستقيم أن يفعل العبد في كل وقت ما أمر به في ذلك الوقت من علم وعمل ولا يفعل ما نهي عنه وهذا يحتاج في كل وقت إلى أن يعلم ويعمل ما أمر به في ذلك الوقت [ ص: 38 ] وما نهي عنه وإلى أن يحصل له إرادة جازمة لفعل المأمور وكراهة جازمة لترك المحظور فهذا العلم المفصل والإرادة المفصلة لا يتصور أن تحصل للعبد في وقت واحد بل كل وقت يحتاج إلى أن يجعل الله في قلبه من العلوم والإرادات ما يهتدي به في ذلك الصراط المستقيم .
نعم حصل له هدى مجمل بأن القرآن حق والرسول حق ودين الإسلام حق وذلك حق ; ولكن هذا المجمل لا يغنيه إن لم يحصل له هدى مفصل في كل ما يأتيه ويذره من الجزئيات التي يحار فيها أكثر عقول الخلق ويغلب الهوى والشهوات أكثر عقولهم لغلبة الشهوات والشبهات عليهم .
والإنسان خلق ظلوما جهولا فالأصل فيه عدم العلم وميله إلى ما يهواه من الشر فيحتاج دائما إلى علم مفصل يزول به جهله وعدل في محبته وبغضه ورضاه وغضبه وفعله وتركه وإعطائه ومنعه وأكله وشربه ونومه ويقظته فكل ما يقوله ويعمله يحتاج فيه إلى علم ينافي جهله وعدل ينافي ظلمه فإن لم يمن الله عليه بالعلم المفصل والعدل المفصل كان فيه من الجهل والظلم ما يخرج به عن الصراط المستقيم وقد قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم بعد صلح الحديبية وبيعة الرضوان : { إنا فتحنا لك فتحا مبينا } إلى قوله تعالى : { ويهديك صراطا مستقيما } فإذا كان هذه حاله في آخر حياته أو قريبا منها فكيف حال غيره .
و وكل هذا حق . فهو موصوف بهذا وبغيره ف " القرآن " مشتمل على مهمات وأمور دقيقة ونواه وأخبار وقصص وغير ذلك إن لم يهد الله العبد إليها فهو جاهل بها ضال عنها وكذلك " الإسلام " وما اشتمل عليه من المكارم والطاعات والخصال المحمودة وكذلك " العبادة وما اشتملت عليه " . ( الصراط المستقيم قد فسر بالقرآن وبالإسلام وطريق العبودية
فحاجة العبد إلى سؤال هذه الهداية ضرورية في سعادته ونجاته وفلاحه ; بخلاف حاجته إلى الرزق والنصر فإن الله يرزقه فإذا انقطع رزقه مات والموت لا بد منه فإذا كان من أهل الهدى به كان سعيدا قبل الموت وبعده وكان الموت موصلا إلى السعادة الأبدية وكذلك النصر إذا قدر أنه غلب حتى قتل فإنه يموت شهيدا وكان القتل من تمام النعمة فتبين أن ; بل لا نسبة بينهما ; لأنه إذا هدي كان من المتقين { الحاجة إلى الهدى أعظم من الحاجة إلى النصر والرزق ومن يتق الله يجعل له مخرجا } { ويرزقه من حيث لا يحتسب } وكان ممن ينصر الله ورسوله ومن نصر الله نصره الله وكان من جند الله وهم الغالبون ; ولهذا كان هذا الدعاء هو المفروض .
[ ص: 40 ] و " أيضا " فإنه يتضمن الرزق والنصر ; لأنه إذا هدي ثم أمر وهدى غيره بقوله وفعله ورؤيته فالهدى التام أعظم ما يحصل به الرزق والنصر فتبين أن هذا الدعاء جامع لكل مطلوب وهذا مما يبين لك أن غير الفاتحة لا يقوم مقامها وأن فضلها على غيرها من الكلام أعظم من فضل الركوع والسجود على سائر أفعال الخضوع فإذا تعينت الأفعال فهذا القول أولى والله أعلم .
وصلى الله على نبيه محمد وسلم تسليما كثيرا .