[ ص: 206 ] فصل وهؤلاء كان للفلاسفة وتلقيهم عنهم فإن أولئك القوم من أبعد الناس عن الاستدلال بما جاء به الرسول فإن الرسول بعث بالبينات والهدى : يبين الأدلة العقلية ويخبر الناس بالغيب الذي لا يمكنهم معرفته بعقولهم وهؤلاء من أعظم أسباب ضلالهم مشاركتهم المتفلسفة يقولون : إنه لم يفد الناس علما بخبره ولا بدلالته وإنما خاطب خطابا جمهوريا ليصلح به العامة فيعتقدوا في الرب والمعاد اعتقادا ينفعهم وإن كان كذبا وباطلا ، وحقيقة كلامهم أن الأنبياء تكذب فيما تخبر به لكن كذبا للمصلحة فامتنع أن يطلبوا من خبرهم علما وإذا لم تكن أخبارهم مطابقة للمخبر فكيف يثبتون أدلة عقلية على ثبوت ما أخبروا به .
والمتكلمون - الذين يقولون : إنهم لا يخبرون إلا بصدق ولكن يسلكون في العقليات غير طريقهم - مبتدعون مع إقرارهم بأن القرآن اشتمل على الأدلة العقلية فكيف بهؤلاء الملاحدة المفترين ؟ ولهذا لا يعتنون بالقرآن ولا بتفسيره ولا بالحديث وكلام السلف وإن [ ص: 207 ] تعلموا من ذلك شيئا فلأجل تعلق الجمهور به ليعيشوا بينهم بذكره ; لا لاعتقادهم موجبه في الباطن وهذا بخلاف طوائف المتكلمين فإنهم يعظمون القرآن في الجملة وتفسيره مع ما فيهم من البدع .
ولهذا لما استولى التتار على بغداد وكان الطوسي منجما لهولاكو استولى على كتب الناس الوقف والملك فكان كتب الإسلام مثل التفسير والحديث والفقه والرقائق يعدمها وأخذ كتب الطب والنجوم والفلسفة والعربية فهذه عنده هي الكتب المعظمة وكان بعض من أعرفه قارئا خطيبا لكن كان يعظم هؤلاء ويرتاض رياضة فلسفية سحرية حتى يستخدم الجن وكان بعض الشياطين ألقى إليه أن هؤلاء يستولون على دار الإسلام فكان يقول لبعض أصحابنا يا فلان عن قليل يرى هذا الجامع جامع دمشق يقرأ فيه المنطق والطبيعي والرياضي والإلهي ثم يرضيه فيقول : والعربية أيضا والعربية إنما احتاج المسلمون إليها لأجل خطاب الرسول بها فإذا أعرض عن الأصل كان أهل العربية بمنزلة شعراء الجاهلية أصحاب المعلقات السبع ونحوهم من حطب النار .