[ ص: 2474 ] القول في تأويل قوله تعالى:
[114] أفغير الله أبتغي حكما وهو الذي أنـزل إليكم الكتاب مفصلا والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منـزل من ربك بالحق فلا تكونن من الممترين
وقوله تعالى: أفغير الله أبتغي حكما على تقدير القول، كما في نظائره، أي: قل لهم: أفغير الله أطلب من يحكم بيني وبينكم، ويفصل المحق منا من المبطل. والمعنى: أطلب معبودا؛ لأنه كانوا يتحاكمون إلى طواغيتهم - وهذا عندي أظهر - ثم رأيت في "تنوير المقباس" الاقتصار عليه، حيث قال: أبتغي حكما أعبد ربا. وأما كون الآية واردة على قولهم: (اجعل بيننا وبينك حكما) فلا يصح؛ لأنهم بمعزل عن الانصياع لذلك.
وهو الذي أنـزل إليكم الكتاب أي: القرآن المعجز مفصلا أي: مبينا فيه الفصل بين الحق والباطل، والحلال والحرام، وأنتم أمة أمية، لا تدرون ما تأتون وما تذرون.
وفي الآية مسائل:
الأولى: قال في "الإكليل": استدل الخوارج بقوله تعالى: أفغير الله أبتغي حكما على إنكارهم التحكيم. قال: وهو مردود، فإن التحكيم المنكر أن يريد حكما يحكم بغير ما حكم الله تعالى. انتهى.
قلت: هذا مبني على الوجه الأول، وقد عرفت أن الأظهر الوجه الثاني، فلا استدلال، ولا رد.
الثانية: قالوا: الحكم أبلغ من الحاكم، وأدل على الرسوخ، لما أنه لا يطلق إلى إلا على العادل، وعلى من تكرر منه الحكم، بخلاف الحاكم.
[ ص: 2475 ] الثالثة: في الآية تنبيه على أن القرآن الكريم كاف في أمر الدين، مغن عن غيره، ببيانه وتفصيله.
والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منـزل من ربك بالحق لما عندهم من البشارات بك من الأنبياء المتقدمين، ولتصديقه ما عندهم، مع أنه صلى الله عليه وسلم لم يمارس كتبهم، ولم يخالط علماءهم. وهذا تقرير لكونه منزلا من عند الله ببيان أن الذين وثق بهم المشركون من علماء أهل الكتاب عالمون بحقيقته ونزوله من عنده تعالى.
فلا تكونن من الممترين أي: في أنه منزل من ربك بالحق، بسبب جحود أكثرهم وكفرهم به، فيكون من باب التهييج والإلهاب، كقوله تعالى: ولا تكونن من المشركين
قال هذا كقوله تعالى: ابن كثير: فإن كنت في شك مما أنـزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين قال: وهذا شرط، والشرط لا يقتضى وقوعه. ولهذا جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا أشك ولا أسأل» . انتهى.