[ ص: 2350 ] القول في تأويل قوله تعالى:
[62] ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين
ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق أي: الذي يتولى أمورهم. و (الحق): العدل الذي لا يحكم إلا بالحق. قال الضمير للملائكة. أو للخلائق المدلول عليهم ب (أحد). والإفراد أولا، والجمع آخرا لوقوع التوفي على الانفراد، والرد على الاجتماع. أي: ردوا بعد البعث، فيحكم فيهم بعدله، كما قال: ابن كثير: قل إن الأولين والآخرين لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم وقال: وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا إلى قوله: ولا يظلم ربك أحدا ولهذا قال: مولاهم الحق
ألا له الحكم يومئذ لا حكم فيه لغيره وهو أسرع الحاسبين يحاسب الخلائق في أسرع زمان.
فوائد:
الأولى: قال ونذكر ههنا الحديث الذي رواه الإمام ابن كثير: عن أحمد عن سعيد بن يسار رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أبي هريرة . قال «إن الميت تحضره الملائكة، [ ص: 2351 ] فإذا كان الرجل الصالح، قالوا: اخرجي أيتها النفس الطيبة، كانت في الجسد الطيب، اخرجي حميدة وأبشري بروح وريحان، ورب غير غضبان. فلا يزال يقال ذلك حتى تخرج. ثم يعرج بها إلى السماء، فيستفتح لها، فيقال: من هذا؟ فيقال فلان. فيقولون: مرحبا بالنفس الطيبة، كانت في الجسد الطيب، ادخلي حميدة، وأبشري بروح وريحان، ورب غير غضبان، فلا زال يقال لها حتى ينتهى بها إلى السماء التي فيها الله عز وجل. وإذا كان الرجل السوء، قالوا: اخرجي أيتها النفس الخبيثة، كانت في الجسد الخبيث، اخرجي ذميمة، وأبشري بحميم وغساق، وآخر من شكله أزواج. فلا يزال حتى تخرج، ثم يعرج بها إلى السماء، فيستفتح لها، فيقال: من هذا؟ فيقال فلان! فيقال: لا مرحبا بالنفس الخبيثة، كانت في الجسد الخبيث. ارجعي ذميمة، فإنه لا يفتح لك أبواب السماء، فترسل من السماء، ثم تصير إلى القبر. فيجلس الرجل الصالح، فيقال له مثل ما قيل في الحديث الأول، ويجلس الرجل السوء فيقال له ما قيل في الحديث الأول.» الحافظ ابن كثير: هذا حديث غريب.
الثانية: قال بعض أهل الكلام: إن لكل حاسة من هذه الحواس روحا تقبض عند النوم، ثم ترد إليها إذا ذهب النوم. فإما الروح التي تحيا بها النفس، فإنها لا تقبض إلا عند انقضاء الأجل. والمراد بالأرواح، المعاني والقوى التي تقوم بالحواس، ويكون بها السمع والبصر، والأخذ والمشي والشم، ومعنى: ثم يبعثكم فيه أي: يوقظكم، ويرد إليكم أرواح الحواس، فيستدل به على منكري البعث؛ لأنه بالنوم يذهب أرواح هذه الحواس، ثم يردها إليها. فكذا يحيي الأنفس بعد موتها - نقله النسفي -.
الثالثة: قال الخازن: فإن قلت: قال الله في آية: الله يتوفى الأنفس حين موتها [ ص: 2352 ] وقال في آية أخرى: قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم وقال هنا: توفته رسلنا فكيف الجمع بين هذه الآيات؟.
قلت: وجه الجمع أن المتوفي في الحقيقة هو الله تعالى. فإذا حضر أجل العبد، أمر الله ملك الموت بقبض روحه، ولملك الموت أعوان من الملائكة، يأمرهم بنزع روح ذلك العبد من جسده. فإذا وصلت إلى الحلقوم، تولى قبضها ملك الموت نفسه، فحصل الجمع.
قال جعلت الأرض مجاهد: لملك الموت، مثل الطشت، يتناول من حيث شاء، وجعلت له أعوان ينزعون الأنفس ثم يقبضها منهم. انتهى.
ثم أمر تعالى أن يبكت المشركون بانحطاط شركائهم عما زعموا لها، بأنهم يخصون الحق تعالى بالالتجاء إليه عند الشدائد بقوله: