القول في تأويل قوله تعالى:
[45] فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين
فقطع دابر القوم الذين ظلموا أي: آخرهم. كناية عن الاستئصال؛ لأن ذهاب آخر الشيء يستلزم ذهاب ما قبله. وهو من (دبره) إذا تبعه، فكان في دبره. أي: خلفه. فالدابر ما يكون بعد الآخر، ويطلق عليه تجوزا. وقال دابر القوم آخرهم. وقال أبو عبيد: الدابر الأصل، ومنه: قطع الله دابره: أصله. الأصمعي:
والحمد لله رب العالمين أي: على ما جرى عليهم من الهلاك. فإن إهلاك الكفار والعصاة من حيث إنه تخليص لأهل الأرض، من شؤم عقائدهم وأعمالهم، نعمة جليلة يحق أن يحمد عليها، لا سيما مع ما فيه من إعلاء كلمة الحق التي نطقت بها رسلهم، عليهم السلام.
[ ص: 2314 ] تنبيهات:
الأول: روي في هذه الآية أخبار وآثار. منها ما أخرجه الإمام عن أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: عقبة بن عامر فلما نسوا ما ذكروا به - إلى: هم مبلسون ورواه «إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب، فإنما هو استدراج» . ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ابن جرير عنه. وابن أبي حاتم
وروى أيضا عن ابن أبي حاتم عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «إذا أراد الله بقوم اقتطاعا فتح لهم (أو فتح عليهم) باب خيانة حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة الآية.» . ورواه وغيره. أحمد
وقال من وسع الله عليه، فلم ير أنه يمكر به، فلا رأي له. ومن قتر عليه، ولم ير أنه ينظر له، فلا رأي له. ثم قرأ: الحسن البصري: فلما نسوا الآية. - قال مكر بالقوم ورب الحسن: الكعبة! أعطوا حاجاتهم ثم أخذوا.
وقال بغت القوم أمر الله، وما أخذ الله قوما قط إلا عند سكرتهم وغرتهم ونعمتهم، فلا تغتروا بالله، فإنه لا يغتر بالله إلا القوم الفاسقون - روى ذلك قتادة: -. ابن أبي حاتم
الثاني: قال الرازي: قال أهل المعاني: وإنما أخذوا في حال الرخاء والراحة ليكون أشد، لتحسرهم على ما فاتهم من السلامة والعافية.
الثالث: قال في قوله تعالى: الزمخشري: والحمد لله رب العالمين إيذان بوجوب وأنه من أجل النعم، وأجزل القسم. أي: فهو إخبار بمعنى الأمر، تعليما للعباد. الحمد عند هلاك الظلمة،
[ ص: 2315 ] قال الناصر في "الانتصاف": ونظيرها قوله تعالى: وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى فيمن وقف ههنا، وجعل الحمد على إهلاك المتقدم ذكرهم من الطاغين، ومنهم من وقف على: المنذرين وجعل الحمد متصلا بما بعده من إقامة البراهين على وأنه جل جلاله خير مما يشركون. فعلى الأول يكون الحمد ختما، وعلى الثاني فاتحة، وهو مستعمل فيهما شرعا، ولكنه في آية النمل أظهر في كونه مفتتحا لما بعده، وفي آية الأنعام ختم لما تقدمه حتما؛ إذ لا يقتضي السياق غير ذلك. انتهى. وحدانية الله تعالى،
فقلت: إذا جرينا على ما هو الأسد في الآي من توافق النظائر، اقتضى حمل آية النمل على ما هنا، وادعاء الأظهرية فيها ممنوع. فإن التنزيل يفسر بعضه بعضا. فتأمل. ثم أمر تعالى رسوله بتكرير التبكيت عليهم. وتثنية الإلزام.