القول في تأويل قوله تعالى :
[65 ] ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين
ولقد علمتم الذين اعتدوا أي : تعمدوا العدوان "منكم في السبت" بأن استحلوه وتحيلوا على اصطياد الحيتان فيه . وذلك أن الله ابتلاهم ، فما كان يبقى حوت في البحر إلا أخرج خرطومه يوم السبت ، فإذا مضى تفرقت كما قال : تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم فحفروا حياضا عند البحر ، وشرعوا إليها الجداول ، فكانت الحيتان تدخلها فيصطادونها يوم الأحد . فذلك الحبس في الحياض هو اعتداؤهم . فتسبب عن اعتدائهم المذكور ما ذكره تعالى بقوله : فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين أي : صاغرين مطرودين مبعدين من الخير ، أذلاء . وقد روي عن الضحاك : أنهم مسخوا قردة ، لها أذناب تعاوى ، بعد ما كانوا رجالا ونساء . وأما وقتادة فقال : مسخت قلوبهم ولم يمسخوا قردة . وإنما هو مثل ضربه الله لهم كمثل الحمار يحمل أسفارا . رواه مجاهد . وهكذا قال ابن جرير القاشاني "كونوا قردة" أي مشابهين الناس في الصورة وليسوا بهم . ثم قال : والمسخ بالحقيقة حق غير منكر في الدنيا والآخرة . وردت به الآيات والأحاديث . وفي أثر : عد المسوخ ثلاثة عشر ، وبيان أعمالهم ومعاصيهم وموجبات [ ص: 151 ] مسخهم . والحاصل أن من غلب عليه وصف من أوصاف الحيوانات ، ورسخ فيه بحيث زال استعداده ، وتمكن في طبعه ، وصار صورة ذاتية له ، صار طبعه طبع ذلك الحيوان . ونفسه نفسه ، فصارت صفته صورته .
وهذه القصة مبسوطة في سورة الأعراف حيث يقول تعالى : واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون